الاستقلال بصيغة الجمع    مجموعة العشرين تعقد قمة في البرازيل يطغى عليها التغير المناخي والحروب وانتخاب ترامب    الفرحة تعم أرجاء القصر الملكي غدا الثلاثاء بهذه المناسبة        دراسة: البحر الأبيض المتوسط خسر 70 % من مياهه قبل 5.5 ملايين سنة    تصعيد الأطباء يشل الحركة في المستشفى الحسني والمراكز الصحية بالإقليم        الحزب الحاكم في السنغال يستعد للفوز    بريطانيا تفرض عقوبات جديدة ضد إيران    مروحية الدرك تنقذ حياة زوجين مغربي وألمانية في جبال الأطلس    تغييرات مرتقبة على تشكيلة الأسود ضد منتخب ليسوتو    هذه هي المنتخبات التي ضمنت رسميا التأهل إلى "كان المغرب" 2025    أجواء غير مستقرة بالمغرب.. أمطار وزخات رعدية وثلوج ابتداءً من اليوم الإثنين    رابطة ترفع شكاية ضد "ولد الشينوية" بتهمة الاتجار بالبشر    جائزة ابن رشد للوئام تشجع التعايش    فتح باب الترشح لجائزة "كتارا للرواية العربية" في دورتها الحادية عشرة    خبير جزائري في الذكاء الاقتصادي: الجزائر تفتقر إلى الثقل الدولي في قضية الصحراء    محامي حسين الشحات: الصلح مع محمد الشيبي سيتم قريبا بعد عودته من المغرب    انطلاق مهرجان آسا الدولي للألعاب الشعبية وسط أجواء احتفالية تحت شعار " الألعاب الشعبية الدولية تواصل عبر الثقافات وتعايش بين الحضارات"    الداخلية الإسبانية تبرز دور فريق الوقاية المدنية المغربي في جهود الإغاثة في فالنسيا    هند السداسي تُعلن طلاقها بخطوة جريئة وغير مسبوقة!    المغرب يستضيف الملتقي العربي الثاني للتنمية السياحية    الدورة الرابعة من بطولة القسم الوطني هواة.. اتحاد الخميسات فاز بصعوبة على وداد تمارة    مركز موكادور للدراسات والأبحاث يستنكر التدمير الكامل لقنطرة واد تدزي    فوزير يخضع لعملية جراحية ناجحة    الكرملين يتهم بايدن ب"تأجيج النزاع" في أوكرانيا بعد سماح واشنطن باستخدام كييف أسلحتها لضرب موسكو    المغرب يرسل أسطولا إضافيا يضم 12 شاحنة لدعم جهود تنظيف قنوات الصرف الصحي في فالنسيا    تزامن بدلالات وخلفيات ورسائل    بعد غياب طويل.. الجمهور المغربي على موعد مع المطرب العراقي محمد السالم من    فاتي جمالي تغوص أول تجربة في الدراما المصرية    حجز أزيد من 188 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط وإيقاف المتورطين    اصطدام بين سيارة ودراجة نارية يودي بحياة شاب في خريبكة    بلجيكا وهولندا والمغرب في قلب صراع إجرامي بعد سرقة كوكايين    تاركيست: سيدة تضع حدًا لحياتها شنقًا    المغرب يفتح آفاقاً جديدة لاستغلال موارده المعدنية في الصحراء    ملعب آيت قمرة.. صرح رياضي بمواصفات عالمية يعزز البنية التحتية بإقليم الحسيمة    فرنسا تقسو على إيطاليا في قمة دوري الأمم الأوروبية    بني بوعياش وبني عمارت على موعد مع أسواق حديثة بتمويل جهوي كبير    "تعزيز الضمانات التشريعية الوطنية بشأن مناهضة ومنع التعذيب وسوء المعاملة" محور ورشة عمل بالبيضاء    "غوغل" يحتفل بالذكرى ال69 لعيد الاستقلال المغربي    تنظيم النسخة 13 من مهرجان العرائش الدولي لتلاقح الثقافات    بعد صراع مع المرض...ملك جمال الأردن أيمن العلي يودّع العالم    مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان    وقفة احتجاجية بمكناس للتنديد بالإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة    مزاد يبيع ساعة من حطام سفينة "تيتانيك" بمليوني دولار    المغرب يخنق سبتة ومليلية المحتلتين ويحرمهما من 80% من نشاطهما الجمركي    ارتفاع أسعار النفط بعد تصاعد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا    تراجع النمو السكاني في المغرب بسبب انخفاض معدل الخصوبة.. ما هي الأسباب؟    خبراء يحذرون من "مسدس التدليك"    شبيبة الأندية السينمائية تعقد دورتها التكوينية في طنجة    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحافظون الجدد أمام خطر سقوط مخطط الشرق الأوسط الجديد: مشروع الدولة الكردية يخلط أوراق التحالفات الإقليمية والدولية.. بقلم // عمر نجيب
نشر في العلم يوم 24 - 08 - 2016

تشهد ساحة الصراعات الدولية على أرض الشام تغييرات متسارعة خاصة على صعيد التحالفات ليس المحلية فقط بل الإقليمية كذلك، بينما تواصل القوى الدولية الكبرى وفي المقدمة روسيا والولايات المتحدة معركتهما لسحق الإرادات ولكن مع الحرص على تجنب عبور خطوط حمراء يمكن أن تورطهما في صراع أكثر خطورة. غير أنه من الواضح أن كلا من موسكو وواشنطن تدركان أن مصير الصراع على أرض الشام سيحدد مستقبل التوازنات السياسية والإقتصادية والعسكرية في كل منطقة الشرق الأوسط الكبير الممتد من باكستان شرقا حتى سواحل المغرب العربي الأفريقية على المحيط الأطلسي.
في المواجهة العسكرية والسياسية شبه المكشوفة بين الكرملين والبيت الأبيض، يتقلص حجم قدرة واشنطن على التأثير على الإحداث في سوريا مقارنة بما كان عليه أمرها قبل التدخل العسكري الروسي المباشر لدعم الجيش السوري إبتداء من 30 سبتمبر 2015. هذا الإنكماش في القدرة على التدخل يثير غضب المحافظين الجدد في واشنطن لأنه يوجه ضربة قاسية لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعوه نهاية العقد الأخير من القرن العشرين والقاضي بتقسيم دول المنطقة العربية منها إلى ما بين 54 و 56 دولة على أسس عرقية وطائفية ودينية مما يضمن أمن الكيان الصهيوني والهيمنة الأمريكية.
روبرت فورد آخر سفير للولايات المتحدة في دمشق وأحد مهندسي الحرب المتعددة الأطراف على أرض الشام عبر عن جزء من مخاوف المحافظين الجدد حيث إنتقد، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" خلال النصف الثاني من شهر أغسطس 2016، طريقة تعامل الإدارة الأمريكية مع الأزمة السورية وقال "لا يوجد إجماع حول أسلوب التعامل مع الأزمة السورية، والولايات المتحدة ليس لديها النفوذ لتحقيق التوافق، وبكل صراحة فإن إدارة أوباما تبذل القليل جدا، إن لم يكن لا شيء، لتعزيز نفوذها من أجل تحقيق هذا الإجماع."
وأشار فورد إلى أن ادارة أوباما قلقة جدا حيال أي عمل عسكري في سوريا، وقد يبدو ذلك منطقيا للكثير منا، ولكن هناك أمور أخرى يمكن للأمريكيين القيام بها لتحقيق النفوذ في هذا الصراع، الصراع الأوسع للحرب السورية.
وأضاف لست متفائلا حيال إدارة أوباما، وأعتقد أنه من المهم بالنسبة للسوريين وخاصة في حلب ألا ينتظروا من إدارة أوباما للقدوم من أجل إنقاذهم لأنني أعتقد أن ذلك لن يحدث بكل صدق.
مواجهات الحسكة
يوم الخميس 18 أغسطس صرح متحدث بإسم وحدات حماية الشعب الكردية السورية والمرصد السوري لحقوق الإنسان الموجود مقره في لندن إن طائرات حكومية سورية قصفت مناطق يسيطر عليها الأكراد في مدينة الحسكة بشمال شرق البلاد للمرة الاولى في الحرب الدائرة منذ أكثر من خمس سنوات.
وقالت وحدات حماية الشعب الكردية السورية في بيان إنها "لن تصمت" على هجمات الحكومة السورية بما في ذلك ضربات جوية في الحسكة وصفتها بأنها اعتداء سافر.
دمشق أكدت من جانبها أن قوات "الأسايش" المنبثقة عن حزب العمال الكردستاني صعدت خلال الأيام من أعمالها الاستفزازية في مدينة الحسكة كالاعتداء على مؤسسات الدولة وسرقة النفط والأقطان وتعطيل الامتحانات وارتكاب أعمال الخطف بحق المواطنين وإشاعة حالة من الفوضى وعدم الاستقرار واستهداف مواقع الجيش العربي السوري بداخلها الأمر الذي استدعى ردا مناسبا من قبل الجيش باستهداف مصادر إطلاق النيران وتجمعات العناصر المسلحة المسؤولة عن هذه الأعمال.
وتسيطر وحدات حماية الشعب الكردية على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا حيث شكلت جماعات كردية حكومة ذاتية منذ بداية الصراع السوري في 2011 مستغلة انهيار سلطة الحكومة المركزية على البلاد. وما زال للحكومة السورية وجود في مدينتي القامشلي والحسكة.
وتصاعد التوتر يوم الثلاثاء بين قوات موالية للحكومة وجماعات كردية في الحسكة مما أدى لتفجر أسوأ موجة عنف بين الطرفين منذ قتال استمر بضعة أيام في أبريل 2016 في مدينة القامشلي.
الأنباء تضاربت بشأن التوصل إلى وقف لإطلاق النار والدخول في مفاوضات، مراسلة وكالة فرانس برس في الحسكة تحدثت يوم الأحد 21 أغسطس عن دخول الجيش السوري لسبعة مواقع كان الأكراد قد احتلوها في وقت سابق. من جانب آخر أفادت وكالة رويترز أن الوحدات الكردية المسلحة أجلت آلاف الأكراد من الحسكة.
وخلقت الحرب المعقدة المتعددة الأطراف في سوريا خليطا من مناطق السيطرة في أنحاء البلاد. وبينما تسيطر الحكومة على بعض المناطق تهيمن كل من المليشيات المتعددة الجنسيات والأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية على مناطق أخرى.
وتشكل وحدات حماية الشعب الكردية الجزء الأكبر من قوات سوريا الديمقراطية وهي تحالف من مقاتلين أكراد تسانده الولايات المتحدة الأمريكية بالسلاح والمال والمستشارين رغم معارضة أنقرة.
وقالت قوات سوريا الديمقراطية في منتصف أغسطس إنها تمكنت بدعم من ضربات جوية لتحالف تقوده الولايات المتحدة من السيطرة على مدينة منبج القريبة من الحدود مع تركيا في نهاية عملية استمرت شهرين.
ولوحدات حماية الشعب صلات وثيقة بحزب العمال الكردستاني في تركيا الذي تشن ضده أنقرة معركة أخرى منذ نحو ثلاثة عقود بسبب تمرده الانفصالي. وتخشى تركيا أن قتال الأكراد ضد تنظيم الدولة الإسلامية يستهدف جزئيا إقامة منطقة كردية بمحاذاة حدودها الجنوبية تمهيدا لإقامة دولة كردية في أراضي تنتزع من العراق وسوريا وتركيا.
تحذيرات أمريكية
مباشرة بعد تلك المواجهات حذر قائد القوات الأمريكية في العراق وسوريا ستيفين تاونسيند موسكو ودمشق من أن الجيش الأمريكي لن يتوانى عن حماية قواته الخاصة في سوريا إذا ما تعرضت مواقعها للقصف الجوي أو المدفعي.
وفي تعليق بهذا الصدد قال: "لقد أبلغنا العسكريين الروس بمواقع تمركزنا، وهم بدورهم أكدوا لنا أنهم أخطروا السوريين بذلك. وبودي التأكيد أننا سندافع عن نفسنا إذا ما شعرنا بالخطر".
جيف ديفيس الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكية من جهته، كشف عشية تصريح تاونسيند عن أن البنتاغون قد حذر القوات الحكومية السورية من تنفيذ العمليات العسكرية على مقربة من القوات الأمريكية وحليفتها، على خلفية حادث الحسكة.
الناطق الرسمي باسم البنتاغون، وعلى صعيد التطورات في الحسكة، ذكر أن التحالف الدولي الذي تقوده بلاده، قد أرسل طائراته إلى الحسكة لحماية القوات الخاصة التابعة له هناك، وذلك بعد أن صارت قواته في مرمى نيران الطائرات الحربية السورية في المنطقة.
وأضاف المتحدث إن طائرات التحالف وصلت إلى المنطقة بينما كانت الطائرات الحربية السورية تغادر وأضاف "هذا أمر غير معتاد بالمرة. لم نر النظام يتخذ مثل تلك الإجراءات ضد وحدات حماية الشعب من قبل".
ولم يتمخض عن الحادث أي صدام، مصادر رصد أشارت إلى أن تحذيرات البنتاغون لا تظهر جدية، خاصة أن الطائرات السورية عادت إلى سماء الحسكة عدة مرات وهي محمية بشبكة الصواريخ الروسية بعد الإنذار الأمريكي.
في نفس الوقت ذكرت شبكة "سي إن إن" أن الجيش الأمريكي سحب قوات خاصة من موقعها شمال سوريا بعد القصف السوري .
وصرح مصدر مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، يوم الجمعة 19 أغسطس، بأن عديد القوات الأمريكية الذين غادروا موقعهم شمال سوريا صغير نسبيا، لكنه لم يوضح ما إذا جرى سحب جميع القوات من تلك المنطقة أم لا.
وأكد المصدر عدم تعرض أي عنصر من القوات الأمريكية للإصابة خلال القصف.
بدورهم، قال مسؤولون عسكريون أمريكيون إنه: "إذا قام السوريون بذلك مجددا فسيكونون في مواجهة خطر فقدان طائرة".
موسكو لم تعط حتى يوم الإثنين 22 أغسطس إهتماما كبيرا للتحذيرات الأمريكية، بل وكثفت عمليات قصف مواقع القوى المناهضة لدمشق.
يوم الجمعة 19 أغسطس أطلقت سفن حربية روسية في البحر المتوسط ثلاثة صواريخ كروز على أهداف قرب حلب في إشارة أخرى على أن موسكو توسع من حملتها العسكرية بعد أيام من استخدام قاعدة جوية في إيران لشن غاراتها.
وإطلاق روسيا صواريخ كروز من المتوسط نحو أهداف في سوريا هي الأولى ويسجل أن الصواريخ مرت فوق قطع الأسطول الأمريكي المرابط شرق المتوسط، وسابقا قامت موسكو بعمليات إطلاق للصواريخ من أسطولها في بحر قزوين.
تبدل التحالفات
تدخل الجيش السوري ضد الوحدات الكردية جاء ليؤكد تقديرات كثير من المراقبين بشأن تحول كبير في مواقف تركيا من الصراع.
كتب المحلل والصحفي عبد الباري عطوان يوم 21 أغسطس: ثلاثة اسباب تدفع بالرئيس اردوغان للعودة الى التحالف مع الاسد.. ما هي؟ ومن هم ضحايا هذا "الانقلاب" التركي الذي عبرت عنه تصريحات يلدريم المفاجئة؟ وهل هي بداية انهيار حلم "الدولة الكردية"؟ واين امريكا من كل هذا؟.
توحي التصريحات التي ادلى بها بن علي يلدريم رئيس الوزراء التركي يوم السبت 20 أغسطس بحدوث انقلاب كبير في الموقف التركي تجاه سوريا، جاء على ارضية "تفاهمات سرية" جرى التوصل اليها عبر الحليف الروسي، وقرب حدوث حوار علني بين الخصمين اللدودين، سواء في العاصمة السورية دمشق، او نظيرتها التركية انقرة.
يلدريم فاجأنا مرة اخرى عندما قال كلاما "محرما" حتى قبل شهرين على الأقل، وتحدث عن الرئيس السوري بشار الاسد بلغة تتسم بالاحترام والتقدير لمكانته "ودوره البارز كأحد الفاعلين في النزاع″، واكد "ان تركيا ترغب بالقيام بدور كبير في الازمة السورية خلال الاشهر الستة المقبلة سعيا للتوصل الى وقف حمام الدم، ومنع استفحال الوضع″.
من كان يصدق حتى قبل ايام معدودة ان يكيل يلدريم كلمات الغزل هذه بالرئيس الاسد، وهو الذي عملت بلاده طوال السنوات الخمس الماضية، بكل ما اؤتيت من قوة لاطاحة هذا الرئيس "الذي يذبح شعبه ويدمر بلاده؟".
ننقل عن يلدريم قوله حرفيا "شئنا ام ابينا الرئيس الاسد هو احد الفاعلين اليوم في النزاع في هذا البلد، ويمكن محاورته من اجل البدء في المرحلة الانتقالية التي نصت عليها نتائج اجتماعات مؤتمر جنيف".
السياسة مصالح، والتراجع عن بعض المواقف الاستراتيجية، مثلما هو حال الحكومة التركية، لا يتم بالانقلاب بزاوية حادة، او بمئة وثمانين درجة، وانما بشكل تدريجي، وهذا ما فعله، ويفعله، يلدريم منذ تولى رئاسة الوزراء خلفا لاحمد داوود اوغلو، ولا نستبعد ان تغيير الاخير جاء بهدف تقديمه "ككبش فداء"، وبما يبرر هذه الانعطافة الحادة في الموقف التركي تجاه الازمة السورية.
يعود "الفضل" في هذا التغيير الى ثلاثة امور رئيسية متشابكة، ولا يمكن فصل بعضها عن بعض:
اولا: اسقاط الطائرة الروسية قرب الحدود السورية التركية في نوفمبر 2015، وهو الحادث الذي اوقع الرئيس رجب طيب اردوغان في مأزق حقيقي مع الجار الروسي، وفضح خذلان حلف الناتو له، الذي هو عضو فيه، وتخليه عنه.
الثاني: تفضيل الولايات المتحدة واوروبا للاكراد عندما خيرها الرئيس اردوغان الاختيار بينه وبينهم، وادرك حينها ان الغرب يسعى حثيثا لاقامة الدولة الكردية "التاريخية" على طول حدود بلاده الجنوبية مع سوريا والعراق وايران، وادرك بعدها، وهو السياسي المحنك، انه يقف في المعسكر الخطأ، وان وحدة بلاده الترابية باتت مهددة اكثر من اي وقت مضى، ومن قبل الاصدقاء الامريكان، وليس الخصوم السوريين والعراقيين والايرانيين.
الثالث: الانقلاب العسكري الفاشل منتصف شهر يوليو 2016 الذي فتح اعين الرئيس اردوغان واركان حزبه الى الاخطار الداخلية التي تهدد وحدة بلاده السياسية والجغرافية، بسبب اعطائه الاولوية للحرب في سوريا.
يلدريم الصديق الصدوق للرئيس اردوغان جرى تعيينه لاصلاح هذا الوضع، وتغيير المعادلة، والتمهيد لتغيير خريطة الحلفاء والاعداء، او غير الاصدقاء بالنسبة الى تركيا، ولذلك بدأ في اليوم الاول لتوليه المنصب، في العمل في هذا الاتجاه، وتحدث في خطابه الاول الذي شرح فيه برنامج حكومته للبرلمان عن عبثية الحرب في سوريا، وضرورة اتباع سياسة "صفر مشاكل" مع الجيران.
لنترك الماضي، ونتحدث عن المستقبل، ونقول ان تركيا تمهد للدخول في حلف رباعي يضمها الى جانب العراق وايران وسوريا، في مواجهة عدو مشترك هو الاكراد، الذين بدأت طموحاتهم الانفصالية تتضخم بدعم امريكي اوروبي، وهذا يعني التخلي عن ارث السنوات الخمس الماضية، من تدخلات عسكرية في سوريا، وحرب بالنيابة على ارضها لاسقاط نظامها، وتبني المعارضة السورية وتسهيل عمليات تمويلها وتسليحها.
ما يعزز هذا الاستقراء من جانبنا، ثلاثة مؤشرات رئيسية لا بد من ذكرها والتوقف عندها:
الاول: قيام طائرات سلاح الجو السوري وللمرة الاولى منذ بداية الازمة بقصف مواقع "الاسياش"، او الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، وهو القصف الذي رحبت به أنقرة على لسان يلدريم، وقال معلقا "ان دمشق فهمت ان الاكراد اصبحوا يشكلون تهديدا لسوريا ايضا".
الثاني: تحريك الولايات المتحدة طائرات الى منطقة الحسكة، حيث وقعت الاشتباكات بين قوات الجيش السوري ونظيرتها الكردية، التي تسيطر على ثلث المدينة، مما يعني ان امريكا تلتزم بحماية الاكراد، ومستعدة لدخول حرب اذا استدعى الامر.
الثالث: الفتور المتزايد في العلاقات الخليجية التركية، وبين الرياض وانقرة، على وجه الخصوص، وسخونتها في المقابل بين ايران وتركيا المتمثلة في الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في البلدين على مستوى وزراء الخارجية، وقريبا على مستوى الزعماء، بالنظر الى زيارة الرئيس اردوغان القريبة الى طهران.
السياسة لعبة ليست هينة، وربما يفيد التذكير بأن السياسيين الدهاة يلعبون بكل الاوراق المتاحة لديهم في سبيل خدمة بلدانهم ومصالحهم.
القيادة السورية لعبت بالورقة الكردية طوال السنوات الخمس الماضية، وتحالفت مع الاكراد في وجه المعارضة المدعومة امريكيا وخليجيا، ونظيرتها التركية لعبت بورقة المعارضة السورية في المقابل والدول الخليجية الداعمة لها، والآن تجري عملية مقايضة بين هاتين القيادتين، الاولى، اي السورية، تتخلى عن الاكراد مقابل تخلي الثانية عن المعارضة السورية وداعميها، او هكذا نفهمها نحن.
شهر العسل التركي مع المعارضة السورية ربما يكون اقترب من نهايته.
داعش والجيش الحر وآخرون
التحول في سياسة تركيا تجاه سوريا محاط بنوع من الغموض، فيوم الأحد 21 أغسطس ذكرت وكالة روسيا اليوم نقلا عن مراسلها: أن ثمة حشودا عسكرية تحاول الدخول إلى مدينة جرابلس السورية منوها بأن المحاولة يرافقها قصف من الجانب التركي لمواقع في المدينة.
من جانبهم أوضح نشطاء أن الحشود تنتمي إلى "فيلق الشام" وفصائل أخرى وقد قدموا من أعزاز وهم متواجدون حاليا في قرقميش مقابل جرابلس.
وأشار النشطاء إلى أن تنظيم "داعش" أخلى عدة قرى على الحدود مع تركيا، وهي تتعرض لقصف تركي منذ يوم السبت.
وأكدت المصادر أن حوالي 600 إلى 700 عنصر من الجيش الحر قدموا من أعزاز ومن مناطق تركية، وهم يحتشدون لدخول جرابلس وإخلائها من "داعش".
من جهة أخرى اتهمت مصادر كردية تركيا بالعمل على استبدال مرتزقة "داعش" بغيرهم، وأفادت بأن مجموعات مسلحة من "جيش الفتح" الذي يضم "النصرة" و"أحرار الشام" تنتقل منذ 10 أيام إلى بلدة الراعي في مسرحية مدبرة ادعت إثرها السيطرة على بلدة الراعي في 18 اغسطس، لكن عناصر "داعش" عادوا إلى البلدة صباح 19 أغسطس.
ووفق وكالة "هاوار" الكردية، قام قائد المجموعة المسماة ب "فرقة الحمزة" التابعة ل"جيش الفتح" والمدعو تركمان سيد علي، بنقل الأسلحة التي حصل عليها كدعم من أمريكا وأوروبا إلى بلدة الراعي وسلمها لمرتزقة "داعش" ثم انسحب من البلدة.
وحسب الوكالة تضم فرقة الحمزة مجموعة كانت تسمى سابقا "أحفاد صلاح الدين" وشاركت هذه المجموعات في الهجمات التي شنها مرتزقة "داعش" على قرية عين دقنة التابعة لإعزاز وبلدة تل رفعت.
وحسب المصادر الكردية اجتمعت هذه المجموعات تحت رعاية تركيا في بلدة قرقميش التابعة لمدينة عنتاب بهدف تنفيذ خطة جرابلس التي تتضمن استلامها من مرتزقة داعش.
إذا كانت أنقرة قد قررت تبديل مواقفها من الصراع على أرض الشام، فإن هناك تحركات من جانب موسكو في إتجاه دول الخليج العربي لنفس الهدف.
يوم الأحد 21 أغسطس عقد وزير الخارجية السعودي، عادل بن أحمد الجبير، اجتماعا، مع المبعوث الخاص لرئيس روسيا الاتحادية للشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، الذي يزور الرياض، ناقشا خلاله الأوضاع في المنطقة، خاصة الوضع في سوريا.
واكتفت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" بالقول إن الجانبين السعودي والروسي ناقشا خلال اللقاء الذي عقد في حضور عدد كبير من الجانبين "عدداً من المواضيع ذات الاهتمام المشترك بين البلدين"، التي لم تكشف عن أي منها.
من يقدم المعلومات للإرهابيين ؟
بينما تجري عملية تبديل التحالفات في الصراع على أرض الشام، تتكثف الإتهامات الروسية لواشنطن بدعم الحركات الموصوفة بالجهادية أو الإرهابية وتحذيرها مسبقا من الضربات الجوية الروسية والسورية.
يوم 17 أغسطس 2016 ذكرت صحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الروسية أن السبب الرئيس وراء نشر القاذفات الاستراتيجية الروسية في إيران يكمن في سعي موسكو لإخفاء تحركات طائراتها من "جواسيس" يعملون لصالح الإرهابيين.
وكشفت هذه الصحيفة، التي تعد قريبة من الأوساط العسكرية والسياسية في روسيا، أن بدء استخدام قاعدة همدان لدعم العملية العسكرية الروسية في سوريا ليس مفاجئا. وأوضحت أن القوات الجوية والفضائية الروسية استخدمت هذه القاعدة أكثر من مرة خلال سنة 2015، لتتوقف فيها لفترات قصيرة بغية التزود بالوقود أثناء رحلات طويلة من روسيا إلى سوريا.
وأكدت الصحيفة أن التفسير الأكثر بساطة للتطور الجديد، يرتبط بضرورة تقليص مدة تحليق القاذفة إلى المنطقة المحددة لتنفيذ المهام القتالية. ويتيح هذا الأمر تقليص حمولة الوقود وزيادة وزن الأسلحة على متنها. وحسب التقييمات، يزيد انتقال القاذفات الروسية إلى همدان من فعالية الغارات التي تنفذها بنسبة 60 في المئة.
لكن "فزغلياد" أوضحت أن هذا السبب لم يعد وحيدا، في الوقت الذي دخلت فيه المعارك في حلب ومناطق استراتيجية أخرى، المرحلة الحاسمة. وتابعت أن "الجهاديين" يخترعون باستمرار طرقا جديدة لتجنب استهدافهم بالغارات الجوية، ولذلك بدؤوا قبل أشهر باعتماد تكتيك جديد، إذ ينتقل المسلحون بمجموعات صغيرة وفي معظم الحالات ليلا بالإضافة إلى استخدام أساليب التمويه المختلفة.
كما أدت التطورات الميدانية الأخيرة إلى تقليص طول خطوط الجبهة، ولذلك أصبحت القوافل التابعة للإرهابيين، بما في ذلك قوافل الإمداد، وقوافل ناقلات نقط، وأرتال الدبابات، وأرتال السيارات المفخخة، تصل إلى الأماكن المقصودة، قبل وصول الطائرات الحربية الروسية إلى المنطقة.
وفي هذا السياق، كانت قيادة القوات الجوية الفضائية الروسية تستخدم قاذفات استراتيجية تقلع من أراضي روسيا، لتدمير المنشآت التابعة للإرهابيين، فيما تولت الطائرات الهجومية التي ترابط في قاعدة حميميم، مهمة استهداف القوافل المتحركة. وواجهت القوات الجوية والفضائية الروسية تحديات عديدة متعلقة بالحماية المعلوماتية للطلعات القتالية، إذ ازداد عدد الحوادث المشبوهة عندما كان الإرهابيون يختبئون في ملاجئهم عند اقتراب الطائرات الروسية من المنطقة.
وذكرت "فزغلايد" أنها لا تريد توجيه أصابع الاتهام إلى أحد، لكن التفسير الوحيد لهذا الأمر الغريب يكمن في تلقي الإرهابيين تسريبات من المعلومات الخاصة بالاستخبارات الفضائية لدولة ما، علما بأنهم لا يملكون أقمارا صناعية خاصة بهم.
وعلى الرغم من أن الاستخبارات الفضائية لهذه الدولة المجهولة تسجل إقلاع القاذفات الاستراتيجية الروسية من همدان، مثلما تسجل تحركات الطائرات الروسية في جنوب روسيا وفي حميميم، إلا أن الفترة الزمنية بين الإقلاع ووصول القاذفات إلى مواقع الإرهابيين، غير كافية لتمكينهم من الحصول على بلاغ بالخطر المحدق بهم والهروب من المنطقة.
وتابعت الصحيفة أن مرابطة الطائرات الروسية في أراضي إيران تضمن مستوى أرفع بكثير من السرية بالمقارنة مع العراق وتركيا. وأوضحت أن أحد الأسباب يكمن في ميزات التضاريس في محيط القاعدة الإيرانية، وذكرت بأن الجبال التي تحمي مدينتي طهران وهمدان قد أنقذت إيران من هجوم محتمل بصواريخ مجنحة، وهي تمنع تصويب صواريخ "توماهوك" الأمريكية على الأهداف المرجوة بدقة كما وقع في العراق.
وتجدر الإشارة إلى أن قاعدة "حميميم" غير مؤهلة لاستقبال الطائرات الثقيلة والقاذفات الاستراتيجية، ولذلك تنوي روسيا توسيع وتحديث مدرجات الإقلاع والهبوط فيها في القريب العاجل، حسبما ذكرت مصادر في وزارة الدفاع الروسية.
تفكك الناتو
تطورات الصراع على أرض الشام لن تؤثر فقط على الوضع العام في الشرق الأوسط، بل كذلك على ترابطات دولية هامة مثل حلف الناتو.
مصادر رصد في أوروبا تقدر أن علاقات أنقرة وواشنطن مرشحة للمزيد من التدهور بسبب قضية الداعية التركي غولن، وقد حذرت أنقرة يوم الثلاثاء 9 أغسطس، واشنطن من التضحية بالعلاقات الثنائية من أجل رجل الدين فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة وتشكيل "كيان مواز" في البلاد.
ونقلت وكالة "الأناضول" عن وزير العدل التركي بوزداك قوله: "إذا لم تسلم الولايات المتحدة غولن، فإنها ستضحي بعلاقاتها مع تركيا من أجل إرهابي"، مشيرا إلى أن المشاعر المعادية لأمريكا بين الشعب التركي "بلغت ذروتها بسبب الخلاف بين الدولتين" حول تسليم خصم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
نفس المصادر أشارت إلى أن أنقرة ستتجه خلال الأسابيع القادمة إلى تقييد حركة القوات الأمريكية في قاعدة أنجرليك وأن واشنطن تبحث على ضوء هذا الإحتمال نقل 50 من قنابلها النووية خارج تركيا وفي نفس الوقت معاقبة أنقرة عسكريا وإقتصاديا.
موقع "ميدل إيست بريفينغ" الأمريكي تحدث عن توالي إخفاقات واشنطن وقال:
راقب البيت الأبيض والبنتاغون ومسؤولو وكالة الاستخبارات الأمريكية مقابلة التاسع من أغسطس بين الرئيسين الروسي ونظيره التركي بعين الحذر، واعتبروه نجاحا محدودا لا يدعو للقلق. ويعد هذا استكمالًا لسلسة الأخطاء وسوء التقدير في مواقف إدارة أوباما. ففي حين أن العلاقات بين أنقرة وموسكو تتجه إلى شراكة كاملة، فإن العلاقات الأمريكية التركية في أدنى مستوياتها.
ويعد الرأي السائد في الدائرة الداخلية للرئيس أردوغان أن إدارة أوباما ربما لا تكون مشاركة بشكل مباشر في المحاولة الانقلابية، لكنها بالتأكيد أو ينبغي لها أن تكون قد علمت بالترتيب لهذه المحاولة، ولم تبذل أي جهدٍ لتحذير السلطات التركية.
هل تعيد تركيا تموضعها ؟
محللون آخرون يختلفون مع الراي القائل بتحول مواقف أنقرة بدرجة 180، وقد جاء في تقرير نشر في العاصمة اللبنانية: لغط كبير دائر حول حجم التغيير ومستواه، ومساره في الموقف التركي من الساحة السورية. يكثر التحليل والتعليق واستشراف المآلات، إلّا أن كثرة التحليل تحمل في طياتها، آمال مصقولة بأشكال تحليلية، أكثر من كونها استشرافا لمستقبل موقف تركيا وأهدافه الفعلية.
نعم، يوجد تغيير في موقف أنقرة، وهو تغيير لم يأت نتيجة لما يسمى محاولة الانقلاب الفاشلة، ولا للانقلاب الفعلي الذي أعقب المحاولة. يمكن رصد بدء التغيير في تركيا قبل أشهر، وربما أكثر من ذلك، بعد أن تلمس النظام هناك أن الساحة السورية تحولت من فرصة للتوسع وفرض الهيمنة الإقليمية، إلى ساحة منازلة لا أفق لها نتيجة صمود سوريا وحلفائها فيها، ومن ثم في مرحلة لاحقة، تحولت سوريا إلى مصدر تهديد للأمن القومي التركي. استتبع ذلك موقفين تركيين: انتهى الأول بفشل، والثاني ما زال في بداياته.
الموقف الأول جاء بعد التدخل العسكري الروسي المباشر، وكان معانداً ومتعنتاً ومجبولا بقراءات وآمال خاطئة. في حينه، لم يكن الموقف التركي بعيدا عن الموقف الأمريكي، إلا أنه جاء أكثر فظاظة وعدائية، وكان مبنيا على الأمل الذي بان لأنقرة أنه يقين آت، بإمكان إغراق روسيا في المستنقع السوري، ومن ثم إخراجها مهزومة فيه، الأمر الذي يتيح للأتراك مع حلفهم القائم مع الأمريكيين و"الاعتدال" العربي، استئناف مهمة السيطرة على سوريا.
مني هذا الموقف بالفشل. إلا أن أنقرة واصلت تعنتها، وكان لسان حالها هو: إن لم يكن بالإمكان السيطرة على سوريا، فلتكن الساحة السورية ساحة منازلة لاستنزاف الحلف والمحور الآخر، من دون التأثير بالجهد الميداني وتعزيزه، في المواجهة العسكرية التي واصلت استعارها في سوريا. في موازاة ذلك، كانت تدور حرب من نوع آخر بين روسيا والولايات المتحدة، تسعى من خلالها موسكو إلى "إقناع" الأمريكيين بدورها في سوريا، رغم أنها أثبتت نفسها في منع الخطط الأمريكية لسوريا، أو عرقلتها.
واجه الأمريكيون الروس بسياسة الاحتواء والمراوغة والاتفاقات المنقوصة وفي مواضع عديدة بالتجاهل والتسويف، وكان أحد أساليب مواجهة الروس والحد من تأثيره، عبر الموازنة مع حضورهم الميداني بحضور أمريكي مباشر وغير مباشر في الأرض السورية، وذلك عبر تحريك وتعزيز الورقة الكردية وأتباعهم. وهو ما استتبع دق ناقوس الخطر لدى أنقرة التي لم يعد بإمكانها معاينة سوريا باعتبارها ساحة استنزاف لخصومها وأعدائها، بل ساحة تهديد، وربما أيضا ساحة أخطار وشيكة وداهمة، فكان عليها التحرك لدرئها.
وإذا كان التهديد المتأتي عن الحضور العسكري الروسي يتعلق بإنهاء آمال التوسع والهيمنة التركية في سوريا، إلا أن التهديد المتأتي عن الحركة الأمريكية تجاه الأكراد يتعلق بالأمن القومي التركي. التهديد الأول انتهى، مع تكيف أنقرة بأن آمال الهيمنة لم تعد قائمة، أما التهديد الثاني فلا إمكان للتكيف معه، وهو تهديد من شأنه أن يتحول إلى خطر في الداخل التركي نفسه. المعنى أن التهديد الحالي الماثل أمام تركيا هو تهديد الحليف الأمريكي، لا الخصم أو العدو الروسي أو السوري أو الإيراني، مع المفارقة بأنه حليف يتعذر الانفكاك عنه.
ما يبدو للبعض تغييرا في الموقف التركي، هو نتاج ورد فعل لمواجهة التهديدات المتأتية عن الاستراتيجية الأمريكية في سوريا ومساعيها في تعزيز موقع الأكراد وموقفهم فيها.
عمر نجيب
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.