ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القمة الروسية التركية ومتاهة التحالفات: مناورات واشنطن للإبقاء على أنقرة في المعسكر الغربي.. بقلم // عمر نجيب
نشر في العلم يوم 22 - 08 - 2016

تباينت التقديرات واختلفت الآراء حول أبعاد ونتائج القمة الروسية التركية التي عقدت يوم الثلاثاء 9 أغسطس 2016 في مدينة لينينغراد، التي تدعى حاليا سان بطرسبورغ. القمة اكتست أهمية كبيرة نتيجة التأثيرات التي قد تولدها ليس فقط على العلاقات الثنائية بين موسكو وأنقرة بل بالنسبة للحرب شبه الدولية الدائرة على أرض الشام منذ مارس 2011 ومجمل التدخلات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط حيث تسعى واشنطن إلى إعادة رسم حدود دول المنطقة.
قمة الساعتين في بطرسبورغ التي سبقتها ثلاث ساعات من لقاء الوفدين انتجت اعادة تأسيس لعودة العلاقات ولكن الأهم هو إمكانية التعاون أكثر في الموضوع السوري. خلاصة عامة طفت على سطح القمة ان هناك تشاركا في الهدف إزاء سوريا.. لكن رغم ذلك ستبقى السياسات التركية موضوع اختبار نيات في الفترة المقبلة حول سوريا في وقت سيتوجه ممثلون عن الجهات التركية إلى روسيا لإجراء محادثات جديدة بشأن سوريا، تحت عنوان آلية أقوى وأكثر فعالية للتعاون بشأن سوريا.
الواقع أن أردوغان الذي عجل بزيارة روسيا التي كانت مقررة في سبتمبر 2016 قد وصل إليها مستسلما ويبحث لنفسه عن حل، كي يبقى في المعادلة الإقليمية ضمن الحد الأدنى، مع فارقٍ وحيد أنه لا يستطيع ممارسة المراوغة مع "الدب الروسي" كما مارسها مع "الكاوبوي الأمريكي" حسبما يرى محللون في موسكو.
هناك مصلحة سياسية مشتركة تكمن في أن روسيا وتركيا لديهما خلافات عميقة مع الحكومات الغربية، وتحديدا مع الإدارة الأمريكية. روسيا تستقوي بتركيا وتضغط على الغرب من خلال اعتماد أحد أقوى حلفائها في المنطقة، وتركيا تستقوي بروسيا أو تلوح للغرب بوجود بدائل له إذا لم يأخذ مصالحها بعين الاعتبار، ولا سيما على مستوى الموقف من الأكراد.
مناورات السياسة
يعتقد عدد من الخبراء أن أردوغان سيستخدم العلاقات مع موسكو لتحقيق مطالبه من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وبالتأكيد لتخفيف الضغط عليه من جانبهما وتجنب العزلة عالميا.
ويقول مدير مركز الدراسات السياسية أندريه فيودوروف: "على الرغم من أن انعطافا جذريا لن يحدث في العلاقات بين موسكو وأنقرة، فإن أردوغان يحاول بنشاط لعب الورقة الروسية، خلال لقاء مجموعة العشرين في مطلع سبتمبر المقبل في بكين، وهذا أحد أسباب زيارته إلى روسيا".
والسبب الآخر برأي فيودوروف هو تعليق علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي ومستقبلها، حيث إن "تنفيذ الاتفاقية الخاصة باللاجئين أمر مهم جدا لأوروبا التي صدمها تدفق المهاجرين. لذلك فإن ابتزاز أردوغان قد يوصله إلى مبتغاه".
أما كبير الباحثين في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية فيكتور نادين رايفسكي، فيقول إن "لعبة الرئيس التركي متوقعة تماما، ولا سيما أنه أصبح معزولا عن حلفائه الغربيين، مع أن تركيا لا تنوي قطع علاقاتها مع الناتو والاتحاد الأوروبي. فالزعيم التركي بحاجة إلى أداة للضغط على الحلفاء، وروسيا مناسبة جدا لهذا الغرض، خاصة أنه ليس بالإمكان القتال على عدة جبهات في آن واحد، مع الغرب ومع روسيا وفي الشرق الأوسط".
ولأسباب براغماتية، موسكو بحاجة إلى أنقرة، حيث لا يزال موقف الأخيرة في سوريا حاسما للوضع، ودورها مؤثرا في شمال القوقاز. واضافة إلى هذا، هناك مشروع "السيل التركي" الذي يمكن أن تستخدمه موسكو للضغط على الاتحاد الأوروبي، للحصول على الضوء الأخضر لمد "السيل الشمالي-2".
تفاهمات
مهما كان شكل التفاهمات الروسية التركية حول سوريا فإنه من الواضح أنه لا بد من العمل على تجنب صدام مباشر على خلفية الصراع المستمر، وفي قراءة براغماتية نجد العلاقة الروسية التركية شبيهة في طبيعتها بالعلاقة الروسية الإسرائيلية. مصادر روسية اشارت الى شبهات ان الأتراك هم من اسقطوا المروحية الروسية فوق ادلب و ليس مسلحين موالين لتركيا. رسالة تركية غير معلنة بعد رسالة إسقاط السوخوي المعلنة، أتت بعد اشتداد أطباق الطوق على حلب و حولها.
هذا الأمر لم يقف عائقا أمام استئناف العلاقات التجارية بل ربما سرع في اتخاذ القرار الروسي ايجابا في هذا المجال ولكن مع تحديد مساحة الاشتباك وتحديد مساحة التعاون، خطوة لسحب الاحتقان الدولي ما يسمح لاستئناف مفاوضات جنيف للاستفادة من ما تبقى من ولاية اوباما بحسب رأي مصدر يعتد به في مطبخ السياسة الروسية. وربما احسن الرئيس الروسي تحين الظروف لإعادة اردوغان المصدوم من انقلاب أعد أمريكيا إلى حلقة توازن روسية، ما تزال ضمن سقف تفاهم روسي أمريكي اهتزت قواعد لعبته.
التنبؤات والتكهنات تتلاحق بشأن الاستدارة التركية المفاجئة تجاه روسيا، الحديث عن العلاقات الكردية التركية لم يكن أقل أهمية أو أولوية عن الحديث عن تسوية الأزمة السورية، وهي النقطة التي أخذت مساحة كبيرة من الشد والجذب بين روسيا وتركيا، حيث تعتبر تركيا الفصائل الكردية بوجه عام منظمات إرهابية، وترفض إشراك أكراد تركيا في الحياة السياسية هناك وتخوض مع تنظيماتهم المسلحة حربا ضروسا، كما أنها ترفض إشراك أكراد سوريا في مفاوضات التسوية وتعتبرهم داعمين للأكراد الإنفصاليين بتركيا ويسعون إلى إقامة منطقة حكم ذاتي كردية على الحدود التركية السورية تهدد الأمن القومي التركي.
اللافت أن الإشارات الروسية حول المحادثات مع تركيا لم تقتصر على ملفي التعاون الثنائي وسوريا، إذ ربطت أوساط روسية بين النشاط الزائد للكرملين إقليميا، وموعد قمة سان بطرسبورغ. علما أن بوتين عقد قمة ثلاثية في باكو يوم 8 أغسطس مع نظيريه الأذري إلهام علييف والإيراني حسن روحاني، ثم التقى في موسكو يوم 10 أغسطس الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان.
ورأت مصادر روسية أن الكرملين الذي يشكل الرابط الأساس بين جميع هذه الأطراف، لا يتطلع فقط إلى طرح ملفات إقليمية مهمة، مثل تسوية مشكلات حوض بحر قزوين والنزاع على إقليم ناغورنو قره باخ، بل يأمل في الوقت ذاته بإحياء مشروع "التكامل الأوراسي" تحت قيادة روسية، مع ضم تركيا المستاءة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلى جهوده في هذا الصدد.
تعاون عسكري
أطلق الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، مسار مصالحة تطوي صفحة إسقاط القاذفة الروسية فوق الحدود السورية يوم 24 نوفمبر 2015، وتحدثا عن "إرادة سياسية" للارتقاء بالعلاقات خطوة خطوة إلى "مستوى جديد" يشمل تعاونا عسكريا.
وتعمد الرئيسان تأجيل مناقشة الملف السوري إلى جلسة خاصة، في حضور وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة الأمن في البلدين، بعيدا من فضول وسائل الإعلام التي احتشدت في قاعة المؤتمرات في قصر قسطنطين التاريخي في مدينة سان بطرسبورغ، ما اعتبر مؤشرا إلى عمق المحادثات حول سوريا وشموليتها. لكنهما وجها إشارات إلى "رغبة مشتركة في التوصل إلى تفاهم مشترك للتسوية في سوريا"، وتعزيز تعاونها في هذا البلد.
وأكد بوتين أن تركيا تشاطر روسيا موقفها في شأن ضرورة مكافحة الإرهاب. وأقر بأن آراء موسكو وأنقرة حول آليات التسوية في سوريا "لم تكن متطابقة دائما"، مستدركا أن لدى الطرفين "هدفا مشتركا وسنبحث عن حل يرضي جميع الأطراف". وزاد أن بلاده تنطلق من أن "أي تحول ديموقراطي لا يمكن بلوغه إلا بوسائل ديموقراطية".
وأعلن الرئيس الروسي في مؤتمر صحافي مشترك مع أردوغان، "وضع آلية لاستئناف التعاون الروسي التركي"، مضيفاً أن "الأولوية هي لاستعادة المستوى السابق للعلاقات الثنائية، وتجاوز أزمة إسقاط قاذفة سوخوي 24. مررنا بمرحلة صعبة جدا في علاقاتنا نريد تجاوزها، ونشعر بأن أصدقاءنا يريدون ذلك أيضا".
وأشار إلى أن على جدول أعمال التعاون، رفع القيود التي فرضتها موسكو على الصادرات التركية، واستئناف تشييد خط نقل الغاز "توركستريم"، ومشروع محطة "أكويو" الذرية في تركيا. وأضاف أن التعاون مع أنقرة لا يقتصر على إمدادات الطاقة أو السياحة أو تشييد مفاعل نووي، اذ إنه "متعدد ومتنوّع جدا". واكد أن لدى الطرفين خططا أُبرمت اتفاقات في شأنها و "سنطبّقها"، مشيراً إلى "عمل شاق لإحياء التعاون التجاري والاقتصادي، يحتاج إلى وقت".
وكرر أردوغان وصف بوتين بأنه "صديقه العزيز"، لافتا إلى أن المحادثات كانت مفصلة وجوهرية. وأبدى امتنانه للرئيس الروسي، إذ كان أول زعيم يتصل به مساندا، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف شهر يوليو 2016، "ما كان له معنى ضخم من الناحية النفسية".
ورجح أن "تصبح العلاقات الروسية التركية أكثر متانة" بعد طي أزمة إسقاط ال "سوخوي"، مؤكدا أن لدى الطرفين "إرادة سياسية لازمة" في هذا الصدد. وأشار إلى اتفاقات مع روسيا لتعزيز التعاون في مجالات عسكرية، ضمن خطط وضعها الرئيسان. وشدد على "أهمية مواصلة الحرب على الإرهاب مع جميع الأطراف، خصوصا الأصدقاء الروس".
وتجنب أردوغان الرد على سؤال عن مقارنة علاقات أنقرة مع كل من واشنطن وموسكو، مكتفيا بتأكيد أن لدى روسيا وتركيا "مواقف متطابقة، وإرادة علينا توظيفها لدعم الاستقرار في المنطقة".
وتزامنت زيارة أردوغان مع تحذير وزير العدل التركي بكير بوزداغ واشنطن من أنها "ستضحي" بعلاقاتها مع أنقرة، إذا لم تسلمها الداعية المعارض فتح الله غولن الذي تتهمه تركيا بتدبير المحاولة الانقلابية.
وأعلن الرئيس التركي أن بلاده مستعدة لتنفيذ مشروع "توركستريم"، وإنجاز تشييد موسكو أول محطة نووية في تركيا. وأضاف أن الجانبين سيستهدفان مجددا رفع حجم التجارة الثنائية إلى 100 مليار دولار سنويا، مضيفا أنهما يسرعان محادثات استئناف رحلات الطيران الروسي إلى تركيا.
وكان بوتين قد أعرب بعد مصافحته أردوغان في مستهل لقائهما، عن "سروره" لرؤية الأخير مجددا، مضيفا: "زيارتكم على رغم الوضع السياسي الداخلي الشديد التعقيد في تركيا، تؤكد أننا جميعا نريد إعادة الحوار والعلاقات، لما فيه مصلحة الشعبين الروسي والتركي". وأكد أن روسيا "تعارض بحزم أي تحركات غير دستورية"، مبديا أمله في أن "تتمكن تركيا من تجاوز هذه المشكلة وأن يعود القانون والنظام الدستوري".
أما أردوغان، فشكر بوتين مرتين على دعوته إلى روسيا، ولفت إلى أن العلاقات بين موسكو وأنقرة تدخل "مرحلة مختلفة جدا"، معتبرا أن "تضامن" البلدين "سيساهم في تسوية مشكلات المنطقة".
وكان أردوغان قال لوكالة "تاس" الروسية للأنباء، إن زيارته تشكل "مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية، انطلاقة من الصفر"، وستشمل "تعاونا عسكريا واقتصاديا وثقافيا".
إلى ذلك، أوردت صحيفة "حرييت" التركية أن روسيا وتركيا أجرتا مفاوضات سرية حول مصالحة، في طشقند عاصمة أوزبكستان، بعد وساطة من الرئيس الكازاخي نور سلطان نزارباييف ورجل الأعمال التركي جويد جاغلارن وهو وزير سابق. وذكرت "حرييت" أن إبراهيم كالين، الناطق باسم أردوغان، استجاب لطلب الرئيس الأوزبكي وتوجيه رسالة اعتذار إلى الرئيس الروسي عن إسقاط المقنبلة، من أجل تجاوز الأزمة، وتوجه ليل 24 يونيو إلى طشقند، حيث كان بوتين يحضر اجتماعا ل"منظمة شانغهاي للتعاون". وأضافت أن الرسالة سلمت إلى أوشاكوف، فوافق بوتين على مصالحة.
تسوية تركية روسية
مع الحديث عن وجود تسوية تركية روسية تخص الأزمة السورية، خرجت تكهنات بأن التسوية ستتضمن تعهد أنقرة بعدم تقديم أي إمدادات بشرية أو تسليحية أو مالية للجماعات السورية المسلحة المتهمة بالإرهاب، وعدم الإقدام على أي عمل من شأنه محاولة تغيير النظام السوري، مقابل حصول تركيا على تعهد من روسيا بعدم تقديم أي دعم للأكراد لإقامة مناطق حكم ذاتي، أو كيان مستقل على طول الحدود الشمالية السورية والعراقية، أو انفصال الإقليم الكردي جنوب شرق تركيا، حيث يشغل الموضوع الكردي أذهان الساسة الأتراك بشكل كبير ويشكل لهم كابوسا يريدون التخلص منه، خاصة بعد أن سيطر الأكراد السوريين على المناطق الحدودية مع تركيا، وأهمها القامشلي والحسكة وعامودا ورأس العين وعين العرب وصولا إلى جرابلس وعفرين.
وفي السياق، رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن الرئيس التركي يدرك جيدا أنه من أجل منع حزب العمال الكردستاني والوحدات الكردية السورية من التأسيس لكيان انفصالي على طول الحدود التركية، فإنه يجب أن يعمل على منع الدعم الدولي عنهم، والمتمثل في الدعم الإيراني والروسي.
الأنباء التي تواردت عن وجود اتفاق روسي تركي سيكون على حساب أكراد سوريا، تبعتها أنباء أخرى تفيد بوجود قلق كردي من القمة الروسية التركية، وهو ما نفاه مجلس سوريا الديمقراطية الممثل للأكراد، حيث أعرب المجلس عن أمله في أن يؤدي التقارب الروسي التركي إلى الضغط على الحكومة التركية ورئيسها من أجل وقف الدعم للإرهابيين وإغلاق الحدود التركية والوصول إلى حل سياسي، وقال العضو المستقل في المجلس، ريزان حدو: خلافا للشائعات لا تنتابنا مخاوف من اللقاء الروسي التركي، ونأمل أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على الأزمة السورية.
في ذات الإطار، نفى "حدو" أي علاقة لأكراد سوريا وأحزابها ووحداتها العسكرية بأكراد تركيا وحزب العمال الكردستاني، قائلا: نحن نرى في عبد الله أوجلان مفكرا شأنه شأن مانديلا وغاندي، وعلاقتنا مع أكراد تركيا أو غيرها هي علاقة تعاطف فقط، دون وجود ارتباط إداري أو تنظيمي، ولا نتدخل في الشأن الداخلي التركي، كما شدد العضو المستقل في مجلس سوريا الديمقراطية على أن الحكومة التركية الحالية والحكومات السابقة تعاني من "الكورد فوبيا"، ما يدفعها لمحاربة خيمة كردية قد تنشأ في أبعد دولة إفريقية، وحمل "حدو" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته مسؤولية دخول الإرهابيين من مختلف جنسيات العالم إلى سوريا، ووقوفها وراء استبعاد المجلس المعارض من المشاركة في المحادثات الدولية التي تجمع وفد الرياض مع الحكومة السورية.
بعد انتهاء المحادثات الروسية التركية، كشفت صحيفة إيزفيستيا الروسية، نقلا عن مصادر برلمانية أن وفد من الدبلوماسيين والعسكريين الروس طلبوا أثناء مباحثات مع نظرائهم الأتراك إغلاق الحدود التركية السورية، وأكد نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي، فيكتور فودولاتسكي: طرحنا بالطبع مسألة متعلقة بإغلاق الحدود التركية السورية لوقف تدفق الإرهابيين والأسلحة، وأكد البرلماني أن موسكو بدورها تستطيع أن تقدم للجانب التركي صورا من أقمار صناعية تظهر فيها معابر لتهريب الأسلحة والمسلحين إلى سوريا.
ومن جانبها، ذكرت الصحيفة أن تركيا تتطلع في علاقتها مع روسيا إلى اجتياز المسائل المعلقة في الشأن السوري، وأنها قد تقبل المقترح الروسي، مضيفة أن أنقرة بدأت بدراسته، حيث دعت موسكو أنقرة مرارا إلى تأمين إغلاق الحدود التركية السورية من أجل وقف تهريب الأسلحة والمسلحين، تنفيذا لقرارات مجلس الأمن الدولي، وتطبيع الوضع الأمني في سوريا، إلا أن الطلب الروسي قوبل بالرفض عدة مرات خاصة خلال الأزمة التي نشبت بين الطرفين.
إصرار إسرائيلي على تدمير سوريا
إذا كان من الصعب في المرحلة الحالية القطع بشأن تأثير المصالحة الروسية التركية على الأزمة السورية، فإن مواقف الكيان الصهيوني تعطي فكرة عن القلق الذي ينتاب قادة إسرائيل من سقوط مخططاتهم في بلاد الشام.
كتب الصحفي عومر دوستري في صحيفة "اسرائيل اليوم" يوم 14 أغسطس:
دفء العلاقة بين تركيا وروسيا وصل في الأسبوع الماضي إلى ذروته على إثر اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وبين الرئيس الروسي فلادمير بوتين، الأمر الذي سيغير من جديد خارطة المصالح والتحالفات في الشرق الأوسط.
إن استئناف العلاقة بين أنقرة وموسكو وجد تعبيره في أن الزيارة الأولى لاردوغان بعد محاولة الانقلاب في تركيا، تمت بالذات على الأراضي الروسية، العدوة الأكبر للناتو، في الوقت الذي تركيا نفسها هي عضوة في الناتو. ثانيا، قبل زيارته إلى روسيا، التقى اردوغان مع وسائل الإعلام الروسية وزعم بأن روسيا هي العامل "الأكثر أهمية" لحل المشكلة السورية متجاهلا بذلك وبشكل فظ مكانة الولايات المتحدة، التي كانت الشريكة الإستراتيجية الأهم لأنقرة حتى وقت قصير.
هذا التقارب جاء بعد التوتر في أعقاب اندلاع الحرب السورية. أيدت تركيا المتمردين الذين يحاربون نظام الأسد. أما روسيا فحاولت مساعدة نظام الأسد في التغلب على المتمردين، هذا بسبب حقيقة أن سوريا هي ذخر استراتيجي حقيقي بالنسبة لها، يمكنها من التواصل عسكريا ومدنيا مع مياه البحر المتوسط. وقد تعمق هذا التوتر إلى درجة الصراع الحقيقي مع التدخل العسكري الفعلي لروسيا في الأراضي السورية ووصل إلى ذروته عندما أسقطت تركيا طائرة روسية.
ورغم ذلك، حدث تقارب حقيقي بين الدولتين في شهر يوليو. هذا التقارب يكمن في عدة عوامل، بعضها يتعلق بسياسة تركيا الخارجية وبعضها يتعلق بعوامل خارجية. أولا، تركيا وجدت نفسها في عزلة تامة وقررت تغيير سياستها الخارجية. أنقرة تريد في الوقت الحالي الاستقرار والتصالح مع دول استراتيجية قريبة مثل إسرائيل وروسيا، حيث تستطيع الاعتماد عليها في الأمور المتعلقة بالحرب السورية ومحاربة الإرهاب، وأيضا موضوع الطاقة.
التقارب الروسي التركي يعني ابتعاد تركيا عن الغرب. لا يكفي أن الاتحاد الأوروبي وضع العراقيل أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد، ولا يكفي أن أوروبا وتركيا تتناكفان في السنة الأخيرة حول موضوع اللاجئين من الشرق الأوسط. فمنذ فشل محاولة الانقلاب في تركيا، هناك جهات في الغرب قلقة من وضع الديمقراطية في تركيا على ضوء التطهير الايديولوجي الذي يقوم به اردوغان. هذه السياسة تعتبر في نظر اردوغان تدخلا فظا في شؤون تركيا الداخلية.
جهات رسمية في تركيا اتهمت الولايات المتحدة بتقديم المساعدة لمن يقفون وراء محاولة الانقلاب في تركيا. وحتى لو لم يأت الأمر من اردوغان نفسه، فان هذه التصريحات تشير إلى المزاج العام في النظام التركي. واضافة إلى ذلك، الإدارة الأمريكية ترفض حتى الآن الاستجابة لطلب اردوغان وهو تسليم من يعتبر حسب رأيه المسئول والمبادر للانقلاب، فتح الله غولن الذي يعيش في الولايات المتحدة.
هذه العمليات المتواصلة دفعت تركيا إلى أحضان روسيا. اردوغان يريد شريكا قويا يهتم أقل بالديمقراطية التركية وطبيعتها، ويهتم أكثر بالمصالح الواقعية الباردة، وفي السياق التوصل الى الاستقرار الأقليمي.
وماذا بخصوص التأثيرات الاستراتيجية على إسرائيل؟ من ناحية، السياسة الخارجية الجديدة لتركيا أخذت في الحسبان إسرائيل كلاعبة هامة في المنطقة، لذلك تم التوقيع على اتفاق المصالحة مؤخرا. ومن ناحية أخرى، المصالحة الإسرائيلية التركية ساهمت في توتر العلاقة بين تركيا وروسيا والخشية الإسرائيلية من تزويد الغاز من روسيا. هذه الخشية اضافة الى المصادقة على صيغة الغاز في اسرائيل والنية لتصديره إلى دول المنطقة منح اردوغان الذريعة لاستكمال اتفاق المصالحة.
في نهاية المطاف، يبدو أن المصالحة بين تركيا وروسيا لا يجب أن تكون على حساب إسرائيل، بل في صالح إسرائيل، كجزء من خط لاعبين أساسيين معنيين بالاستقرار الإقليمي وبتقديم الطاقة المتنوعة والآمنة، حسب السياسة الخارجية الجديدة لاردوغان.
جري وراء السراب
عدد من المحللين يعتبرون محاولة إسرائيل عدم الدخول في مواجهة مع روسيا والإستفادة من تقارب موسكو وأنقرة، جريا وراء السراب لأنه مع تبدل موازين الصراع الدولي على أرض الشام لمصلحة دمشق تجبر تل أبيب على الخروج من عباءة الإدعاء بأنها ليست طرفا في الحرب ضد الحكومة السورية، وبالتالي فهي في مواجهة حقيقية مع موسكو.
المتتبع للشؤون الإسرائيلية يلاحظ أن أركان دولة الاحتلال لا يدلون بتصريحات مباشرة عن أهداف تل أبيب في سوريا، ولكن من يقوم بهذه المهمة مراكز الأبحاث الصهيونية، المرتبطة عضويا بالمستويين الأمني والسياسي في تل أبيب. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، صدر عن رئيس مركز أبحاث الأمن القومي، الجنرال في الاحتياط عاموس يدلين، وهو الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، موقف واضح ومباشر من الحلول المطروحة لسوريا، والتوصية حولها، حيث أكد، بدون لف أو دوران على أن الأسد يجب أن يرحل. وشدد في مقال نشره على موقع المركز على أن إعادة تشكيل المنطقة التي بدأت قبل خمس سنوات، ترتبط بمصالح إسرائيل الإستراتيجية التي ترى أن من مصلحتها منع تعزيز قوة حزب الله، في الشرق الأوسط الجديد، موضحا أنه بالميزان الاستراتيجي، يعد رحيل الأسد مصلحة إسرائيلية واضحة، إذ إن تعزز المحور الراديكالي الذي تقوده إيران ويمر عبر الأسد إلى حزب الله، هو التهديد الأكثر حضورا على أمن الدولة العبرية.
وحدد يدلين عدة نقاط من شأنها أن تشكل إستراتيجية شاملة، تؤدي لإضعاف المحور الراديكالي، وإسقاط الأسد: تشجيع الخطوات السياسية ضد نظام الأسد والمساعدة على تقديم مسؤوليه إلى المحاكم الدولية بشأن دورهم في الحرب، ويمكن لإسرائيل أنْ تساهم في ذلك عبر توفير معطيات ذات صلة، الدخول في حوار مع واشنطن بشأن استهداف الركائز الأساسية لنظام الأسد في سوريا البنية التحتية والقدرات الرئيسية.
من المهم، أضاف، أن تبدو إسرائيل أن لديها مبادئ أخلاقية، وتقدم على أعمال عسكرية محدودة ضد الجيش السوري، إجراء كهذا سيؤدي إلى إرسال رسالة جيدة، كما يمكن تنفيذ هذا العمل العسكري من دون الدخول في معركة جوية على نطاق واسع.
خسارة حليف
تسود في الأوساط السياسية في واشنطن حالة من القلق من أن يتحول التقارب الروسي التركي إلى تحالف جدي.
ضمن تغطية معهد "بروكينغز" البحثي للقاء القمة الروسي التركي، قال تقرير المعهد: اللقاء يثير المخاوف حول ما إذا كانت تركيا قد أدارت ظهرها للغرب، وهذه المرة، من أجل مصالحها.
جاء توقيت القمة في أعقاب شعور متزايد بالغضب في تركيا من الغرب، لأنه بدلا من تضامنهم مع الدولة التركية ضد الانقلاب وانتقاده، راح الزعماء الغربيون ينتقدون رد فعل القيادة التركية على انقلاب 15 يوليو عبر عمليات التطهير التي استهدفت حتى الآن 80 ألف شخص في القضاء، والإعلام، والجيش.
وظهر الغضب التركي الأكبر في اتهام أردوغان للغرب بأن لديه سابق معرفة بالانقلاب وهدد بإعادة عقوبة الإعدام، وفي إبداء الرأي العام التركي، خيبة أمله من التعاطف الغربي مع المتورطين في الانقلاب، بدلا من الدفاع عن الديمقراطية التركية.
ولكن خيبة الأمل الأكبر للأتراك جاءت من تأخر واشنطن في إصدار بيان لا لبس فيه يدين محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في بلد عضو بحلف الناتو، وبدون أن يبادر مسئول أمريكي بزيارة تركيا رغم الحديث غير المؤكد عن زيارة كيري لتركيا.
وأشار التقرير إلى أن بوتين، وعلى النقيض من القادة الغربيين، استغل الموقف لمحاولة "إعادة ضبط" العلاقات الروسية التركية، بعد خطاب اعتذار أردوغان لروسيا الذي صيغ بذكاء ومكنه من حفظ ماء الوجه وتلبية مطالب بوتين لرفع العقوبات وتهيئة الأجواء للقمة.
ويستعرض التقرير للعلاقة التركية الطويلة والمعقدة مع روسيا والتي تمتد إلى قرون مضت، منذ حروب روسيا والعثمانيين، ثم مساعدة السوفييت تركيا في دحر الاحتلال الغربي في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ومحاولة ستالين دعم حكومة يسارية في أنقره على غرار تلك الموجودة في أوروبا الشرقية، ما دفع تركيا لأحضان الغرب فأصبحت عضوا في حلف شمال الأطلسي في عام 1952.
ويشير إلى تاريخ التوتر بين واشنطن وأنقرة منذ سنوات، والذي ازداد تدهورا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، مثل التوتر الذي نشب بسبب قبرص عام 1964 ودعم تركيا الأقلية التركية وضمهم لتركيا، ما قرب بين روسيا وتركيا في مراحل تاريخية لاحقة.
وهناك التوتر الذي وقع عام 1975، عندما فرض الكونغرس عقوبات على أنقرة بسبب ضمها شمالي قبرص بعدما أخذته من اليونان والذي تكررت فيه الأجواء الحالية ودعوات الانسحاب من حلف شمال الأطلسي، وتحسين العلاقات بالمقابل بين تركيا والاتحاد السوفيتي. ولكن الغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا في عام 1968 وأفغانستان في عام 1979 ذكر القيادة التركية بأهمية عضوية حلف شمال الأطلسي، وأقنعهم بمزيد من الحذر والاستمرار مع حلف الناتو.
ومنذ نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، دخلت تركيا في علاقات اقتصادية وسياسية أوثق مع روسيا، وأصبحت العلاقات الثنائية قوية خصوصا في العقد الأخير. وروسيا شريك تجاري أهم من ألمانيا بالنسبة إلى تركيا، ووسعت الشركات التركية بشكل كبير من عملياتها في روسيا، وألغيت التأشيرة بين البلدين وتوالي السياح الروس علي تركيا.
ولكن هذا الصرح الاقتصادي انهار عندما أسقطت تركيا الطائرة الروسية وتدهورت العلاقات بين البلدين، وتم فرض حظر على السياحة الروسية، وأغلقت العديد من الشركات التركية في روسيا وسعت تركيا لتوثيق التعاون مع منظمة حلف شمال الأطلسي.
هل تقول تركيا وداعا للغرب؟
يرى معهد "بروكينغز" أن هذا هو السؤال الكبير، والصعب الذي لا يمكن الإجابة عليه بشكل يقيني، فقادة تركيا عقب انهيار الدولة العثمانية ظلوا يعتبرون الغرب "مصدر إلهام لجهود التحديث الخاصة بهم"، والجمهورية التركية كانت تحلم أن تصبح "غربية" في كل شئون حياتها.
ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اندمجت مؤسسات تركية مع مجلس أوروبا وصندوق النقد الدولي، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، ومنظمة التعاون والتنمية، ومنظمة التجارة العالمية، وحافظت على علاقات وثيقة جدا مع الاتحاد الأوروبي وكافة المؤسسات التي تشكل أساس النظام الليبرالي الدولي اليوم.
ونظرا لأن تركيا ليست دولة مصدرة للطاقة مثل روسيا، يحتاج اقتصادها الليبرالي للتصدير وجذب السياحة لتوفير العائدات المالية، وفرص العمل، والنمو، ولذا فقد تحولت روسيا لسوق اقتصادي مهم للصادرات التركية.
ومع ذلك: في عام 2014، ذهبت 44 في المئة من صادرات تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مقابل أقل من 4 في المئة فقط إلى روسيا. يدرك الأتراك أن روسيا لا يمكن أن توفر الابتكار التكنولوجي لتركيا، بخلاف الاستثمارات الغربية، ولذلك فعلى الرغم من العلاقات السياسية المتوترة مع الاتحاد الأوروبي، لا تزال أوروبا هي شريان الحياة الاقتصادية في تركيا، وعضوية الناتو الآن أكثر لا غنى عنها للأمن القومي التركي أكثر حتى مما كان عليه الوضع قبل شهر.
ويري المعهد الأمريكي أن عمليات التطهير أضعفت الجيش التركي في وقت تعاني فيه تركيا من حالة اضطراب، حيث ضمت روسيا مؤخرا شبه جزيرة القرم وتحضر لانفصال في أوكرانيا وجورجيا، بخلاف خطر الفوضى الجارية في سوريا. ولذلك فإن عضوية الناتو الآن أكثر أهمية للأمن القومي التركي.
ويشير إلى أن الغرب يرغب في أن تكون السياسة الواقعية هي المبدأ الموجه لصانعي القرار التركي، وألا يشكك الأتراك في مزايا علاقة بلادهم مع الغرب، وقد ذكر "كارل بيلدت" وزير الخارجية السويدي السابق، أنه يتعين على الغرب أن يدرك أن تركيا تعيش صدمة، وأن "أردوغان" يستحق الدعم مع التحذير الواضح من الغرب في الوقت نفسه أنهم يريدون رؤية مؤشرات ملموسة على أن سيادة القانون سيتم احترامها، وألا تنزلق تركيا نحو السلطوية أو تعيد عقوبة الإعدام، وإلا فقدت الانضمام للغرب وغاب عنها الازدهار والاستقرار.
ويختم التقرير بتأكيد أنه ليس هناك ضرر من تطوير تركيا علاقات أوثق مع روسيا، بشرط أن تبقي في الحظيرة الغربية وتظل عضوا في النظام الليبرالي الدولي. وبالمقابل الغرب مطالب بأن يعترف بمصالح تركيا، ولا يسعي لدفعها إلى "محور المستبعدين".
عمر نجيب
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.