يوم الأحد 4 سبتمبر 2016 فرضت القوات الحكومية السورية وحلفاؤها مرة أخرى حصارا على شرق حلب الذي تسيطر عليه مجموعة من الفصائل المسلحة خاصة الموصوفة بالجهادية بينما أجبر مقاتلون مدعومون من تركيا الدولة الإسلامية على الانسحاب من جميع المناطق على الحدود التركية السورية وهما تطوران مهمان وإن كانا منفصلين في الصراع متعدد الأطراف. المسجل أنه قبل أقل من أربع وعشرين ساعة من إحكام طوق حلب، كان مبعوث واشنطن إلى سوريا، مايكل راتني، يراسل، وفق وكالة "رويترز"، أطرافا مسلحة، لينقل إليها ما مفاده أن الاتفاق مع موسكو حول حلب يقترب، وأنّه يشمل خصوصا انسحاب الجيش السوري من طريق الكاستيلو التي كان مسلحو الأحياء الشرقية يستعملونها كطريق إمداد من تركيا أساسا قبل إغلاقها. كما أن عددا من مصادر الرصد أشارت إلى أنه قبل إتمام طوق حلب تدفقت تعزيزات من المسلحين والأسلحة من الأراضي التركية فيما يظهر أنه كان محاولة لوقف تقدم الجيش السوري. واللافت أنه بخلاف "هدنة" شهر فبراير 2016 بخصوص حلب التي عرقلت العمل الميداني الذي كان يجري إتمامه من قبل القوات السورية، يبدو هذه المرة أن الوضع الميداني العسكري هو الذي عرقل ما يسمى بجهود المفاوضات السياسية. عدد من المحللين أشاروا إلى أن مشاريع واشنطن بخصوص النزاع في سوريا توجد في وضع حرج، وقد إنعكس هذا خاصة على تصريحات الرئيس أوباما ووزير خارجيته كيري. وقبل التطورات الميدانية التي حدثت يوم الأحد قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن الولايات المتتحدة وروسيا تواجهان صعوبات للتوصل لاتفاق جديد لوقف إطلاق النار. وذكر أوباما للصحفيين بعد الاجتماع مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي على هامش قمة مجموعة العشرين في مدينة هانغتشو الصينية "لم نتوصل لاتفاق بعد". وأضاف "لدينا خلافات كبيرة مع الروس فيما يتعلق بالطرفين اللذين ندعمهما وأيضا بشأن العملية اللازمة لإحلال السلام في سوريا". وبدا حسب بعض المصادر وخاصة الأمريكية أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف على وشك إعلان اتفاق يوقف القتال ويسمح بوصول المزيد من المساعدات الإنسانية في المدينة السورية. لكن كيري خرج منفردا ليقول إن هناك بعض الأمور التي مازال يتعين حلها وان الطرفين سيستأنفان المحادثات. ولم يذكر مزيدا من التفاصيل. ويجتمع مسؤولون من الولاياتالمتحدةوروسيا اللتين تدعمان أطرافا مختلفة في الحرب الدائرة في سوريا منذ أن سافر كيري إلى موسكو في يوليو 2016 وهو يحمل معه اقتراحا من شأنه وقف القتال. ويريد الأمريكيون أن يضمن الاتفاق انسحاب القوات الحكومية من بعض المناطق مما سيخفف الضغط على الجماعات المسلحة، وهذا أمر يستبعد أن تقبل به دمشق. ويتطلب الاتفاق الذي يريده البيت الأبيض أن تقنع روسيا الرئيس الأسد بالموافقة على وقف عمليات سلاح الجو السوري وهي خطوة قال لافروف إنها ليست الهدف. وذكر كيري إنه لا يريد الإسراع بالدخول في أي اتفاق حتى لا يشهد فشله مرة أخرى. وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية طلب عدم الكشف عن هويته إن روسيا تراجعت عن بعض المسائل التي اتفق عليها الجانبان بالفعل لذلك يتعين على الطرفين مواصلة المحادثات. من يقاتل من ؟ كتب ميشيل حنا الحاج المستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الإرهاب في العاصمة الألمانية برلين يوم 4 سبتمبر2016: "ماذا يجري في سوريا، ومن يقاتل من، بعد ما لاح في الأفق من تبدل في خارطة التحالفات القائمة بين الأطراف المعنية بتلك الحرب؟. وهل تسعى تلك الحرب لتحقيق حسم في المواقف السياسية والعسكرية، أم هي حرب تسعى فقط لاطالة أمد الحرب لأسباب أخرى قد لا تتكشف للعيان للوهلة الأولى. فالتوافق الروسي الأمريكي قد بات مهددا بالانهيار، والتحالف التركي الأمريكي الخليجي، بات أيضا مقبلا على التلاشي. ومثله تهدد بالفشل، الحلم الأمريكي بتأسيس منطقة كردية ذات حكم ذاتي، كنواة لدولة مستقلة تتحد في المدى القريب مع كردستان العراق، وفي وقت لاحق مع كردستان تركيا وكردستان ايران، كنواة لدولة كردية واسعة مستقلة ومتحالفة مع الولاياتالمتحدة، غايتها تحقيق كماشة مع اسرائيل، تطوق دول المنطقة تنفيذا لاستراتيجية أمريكية ثابتة تفترض أن أمن إسرائيل من أمن الولاياتالمتحدة ، لكونه يشكل أيضا الضمان الأهم للمصالح الأمريكية في المنطقة. الفشل كان حصيلة أوباما جاء في تقرير نشرته "ميدل إيست بريفينغ" الأمريكية تحت عنوان الفشل الأمريكي: "ترسم تركيا في الواقع طريقا جديدا لنهجها تجاه سوريا. استعادت المعارضة السورية التي تدعمها تركيا جرابلس من تنظيم الدولة في 9 ساعات. لم يخض التنظيم قتالا حقيقيا ولكنه قام بسحب قواته في هدوء إلى الباب، والرقة المجاورة قبل يوم من هجوم وحدات المعارضة المدعومة من القوات التركية. عندما هزم مقاتلو تنظيم الدولة في منبج، بعد معركة دامية جدا استمرت لأسابيع، انسحبوا إلى جرابلس ولكن لا أحد يعرف لماذا لم يقاتلوا في جرابلس. ربما يفهم أن تنظيم الدولة كان ينبغي أن يخوض هذه المعركة بالذات، لكي يعطي الأتراك مساحة لمحاربة عدوهم المشترك: وحدات حماية الشعب لإنهاء تواجدها غرب الفرات وإضعاف زخمها شرق النهر. تقدم المعركة المحتملة بين قوات المعارضة السورية والقوات الكردية فرصة لتنظيم الدولة حيث يمكن للجانبين أن ينزفا في المعركة. ويبدو أن التنظيم لا يضيع الوقت حيث إنه يسعى بالفعل إلى استعادة منبج. مسألة دخول القوات التركية شمال سوريا في منطقة غرب الفرات وشرق عفرين كانت قد أثيرت في لقاء بين الرئيسين أردوغان وبوتين الذي عقد على هامش قمة مجموعة ال20 في أنطاليا في نوفمبر 2015، قبل وقت قصير من حادث إسقاط الطائرة الروسية على الحدود السورية التركية. حادثة الطائرة عطلت أي تفاهم بينهما حتى أوائل أغسطس 2016. وخلال اجتماعهما الأخير، أثيرت المسألة مرة أخرى، وأعيد تنشيط التفاهم السابق. لم يكن لدى الولاياتالمتحدة أي خيار أفضل وقررت قبول التوغل التركي شريطة عدم قصف الأكراد. رفض الأكراد عدم مواجهة الأتراك ورفض الأتراك عمليا الامتناع عن قصف الأكراد. لذلك، رأينا فصلا آخر من الأفلام الكوميدية السوداء لإدارة أوباما في سوريا: توغل تركي مدعوم من الولاياتالمتحدة إلى سوريا وقصف للوحدات الكردية التي تدعمها الولاياتالمتحدة. و كل هذا بسبب سياسة الإدارة التي قبلت توسع الأكراد إلى الغرب، وحوصرت بعد المصالحة بين أردوغان وبوتين، واضطرت إلى مساعدة الأتراك في شمال سوريا. ولكن لماذا لم يقم الأكراد ولا الأتراك باحترام التزاماتهم تجاه الولاياتالمتحدة؟. الجواب واضح. سيقوم الرئيس أوباما بلقاء أردوغان. ولكن الحقائق لا تتغير من خلال كلمات لطيفة أو حتى عبر توجيه التهديدات. السماح للأتراك بالتوغل في سوريا كان مجرد جزء من نهج أوسع، منظم بطريقة خاطئة، من أجل صفقة سياسية في سوريا. ويذكر أن بوتين طلب من نظيره التركي إسقاط مطلبه القديم بعدم وجود الرئيس الأسد في أي حل سياسي. وقد تم تعريف الحد الجغرافي للعملية التركية أيضا بطريقة دقيقة جدا. وعلاوة على ذلك، ألزمت تركيا نفسها بمساعدة الجهود الروسية الرامية إلى تطهير شمال سوريا من جميع أنواع الإرهابيين. لذلك، في حين تم توصيف العملية العسكرية التركية في جرابلس على أنها معركة ضد تنظيم الدولة، ركز الأتراك على طرف ثالث، وهم الأكراد من حزب الاتحاد الديمقراطي. ينظر الأتراك إلى الأمر من منظور يركز على الأمن القومي، في حين يرى الروس الأمر في إطار مكافحة تنظيم الدولة وإعطاء أردوغان ما رفضت الولاياتالمتحدة إعطاءه، وهو مطلق الحرية في محاربة الأكراد على هذه الرقعة من الأرض، وهذا يعني الكثير من منظور الأمن القومي التركي. تصحيح نهج الولاياتالمتحدة ويسترسل تقرير ميدل إيست بريفينغ "يقوم البنتاغون بتدريب وتسليح وحدات الحماية الكردية، في حين تقوم وكالة المخابرات المركزية بتسليح وتدريب بعض الجماعات في المعسكر الذي أصبح منذ أيام يحارب الأكراد بدعم من الجيش التركي. وقد أشار نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أن الولاياتالمتحدة يمكن أن تستوعب إصرار أردوغان على قتال الأكراد غرب الفرات. وبعبارة أخرى، فإن بايدن اعترف أن الولاياتالمتحدة ارتكبت خطئا بعدم إظهار حساسية مناسبة تجاه مخاوف الأمنية الملحة لتركيا. لكن الأتراك فهموا أن الولاياتالمتحدة لديها خيارات محدودة بعد مصالحة أردوغان وبوتين. ضوء بايدن الأخضر لعملية أردوغان في شمال سوريا أقل بكثير من اتخاذ أي خطوة على الأرض بخلاف إعطاء الأتراك الترخيص في وقت متأخر لبناء منطقة عازلة بين الفرات وعفرين. إدارة أوباما على وشك أن تحزم حقائبها وتترك منصبها. ربما يمكن للإدارة المقبلة ألا تستمر في إتباع نفس الأسلوب الذي دفع الولاياتالمتحدة إلى الهامش واكتسب احتقار جميع الأطراف دون استثناء. كان ملحوظا أن وزير الخارجية كيري لم ينص على ضرورة مغادرة الأسد خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع لافروف في جنيف في 26 أغسطس، فإنه مع إسقاط تركيا إسقاط لشرط رحيل الأسد، ثم قيام الأمريكيين بالشيء نفسه، يكون الرئيس بوتين قد حقق المرحلة الأولى من الاستراتيجية السورية له. الضجيج حول حل سياسي مقبول من قبل كل من روسياوالولاياتالمتحدة، لا معنى له عندما نرى الوضع على الأرض. على أي حال، تشير الصورة العامة أن بوتين يحصل على ما يريد في يوم واحد: روسياوالولاياتالمتحدةوتركيا في تحالف غير رسمي "لمكافحة الإرهاب"، وهو تحالف يقاد من الكرملين . وهذه الخطوة هي المرحلة الثانية من خطة روسية لاستخدام سوريا لتحقيق أهدافها الجيواستراتيجية الأوسع. هزم الرئيس أوباما في سوريا و الخطط الروسية اعتمدت الآن من قبل تركيا. حتى بعد أن قالت الأممالمتحدة إن الرئيس السوري استخدم مرارا وتكرارا الأسلحة لا يزال الرئيس الأمريكي يتحدث عن الإنجاز الذي حققه في إجبار الأسد على التخلي عن الأسلحة الكيميائية. وقد كان الإنجاز الوحيد للرئيس أوباما في سوريا في الحقيقة هو الفشل". جبهة قتال جديدة جاء في تقرير صدر في برلين: "شكل التدخل التركي الذي لم يواجه اعتراضا من روسيا، والاكتفاء باعتراض سوري على ورق البيانات الحكومية، صفعة كبرى للمساعي الأمريكية لفرض الهيمنة الكردية على كامل الشمال السوري، تمهيدا لتأسيس ذاك الكيان الكردي المتمتع بالحكم الذاتي، كخطوة أولى نحو تحقيق الهدف الأكبر للأكراد أي الاستقلال، بل وللمخطط الأمريكي، الذي يسعى الى شرق أوسط جديد، لكن بثوب جديد أيضا. وهكذا جاء الرد الأمريكي سريعا، بمساعدة الفصائل المسلحة، على فتح جبهة جديدة هي جبهة حماة، تخوض معاركها ضد القوات السورية، علما أن شمال ريف حماة، ظل آمنا طوال سنوات الحرب السورية الخمسة. والواقع أن الفصائل المسلحة لم يكن بوسعها من تلقاء نفسها، أن تفتح جبهة جديدة، وأن تحدد الموقع الجغرافي الأفضل لجبهة كهذه، رغم أهمية الجبهة الثانية في هذا الصراع، وضرورتها للتخفيف من الضغط السوري الروسي على جبهة حلب. ففتح جبهة ثانية كجبهة حماة، كان بحاجة لمزيد من التسليح، إضافة إلى التخطيط السياسي والاستراتيجي المستند الى المعلومات الاستخبارية التي لها الدور الأساسي والحاسم في اختيار الموقع الأفضل لتنفيذ الهجوم عليه. وهذه معلومات لا تملكها الفصائل المسلحة، وتعتمد فيها على المعلومات الاستخبارية التي تزودها بها الحكومة الأمريكية. فالأمريكيون هم الذين يملكون الأقمار الصناعية وطائرات التجسس سواء الدرون أو الأواكس، اضافة الى أجهزة استخباراتهم الأخرى. فهذه المعلومات هي التي حددت مواقع الضعف للجيش السوري، مما مكن الفصائل المسلحة ممثلة بجند الأقصى وجيش النصر وغيرها من التنظيمات، من اختراق بعض المواقع السورية في ريف حماة الشمالي. فبدونها، ما كانت قادرة على تحقيق الأهداف السريعة التي تحققت للمسلحين في تلك المواقع. فتح جبهة أخرى في محافظة حماة، لا يسعى فحسب لتخفيف الضغط عن جبهة حلب، بل لاطالة أمد الحرب أيضا، في وقت بدأت فيه تلوح في الأفق بوادر الاقتراب من حسم سوري لها بعد استكمال القوات السورية محاصرة حلب، واجبارها المقاتلين في داريا القريبة من دمشق، على مغادرة المدينة، ومن ثم التوصل بعده الى توافق مماثل مع المعضمية التي كانت أيضا الى حين، تحت هيمنة المليشيات المسلحة. إن الأهداف بين القوى المتحالفة والمتعادية تبدو متفاوتة، وبسبب تضاربها أحيانا، طالما أحبط هذا الطرف أو ذاك، كل المحاولات للتوصل إلى حلول سلمية للمسألة السورية، لأن أيا من الأطراف لا يريد الحل الذي يريده الطرف الآخر. هل سيلتقي الاسد واردوغان؟ الحرب الدولية الدائرة على أرض الشام والتي تقترب من إكمال سنتها السادسة حفلت بكل التناقضات التي ولدها مشروع المحافظين الجدد في واشنطن لصنع شرق أوسط جديد يقوم على أساس تفتيت دول المنطقة إلى ما بين 54 و56 دولة على أسس عرقية ودينية وطائفية، ولهذا لم تعد هناك حدود لتبدل التحالفات. جاء في تقرير لصحيفة "راي اليوم" نشر يوم 4 سبتمبر: يشكل فشل اللقاء الذي تم على هامش قمة العشرين في الصين بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والامريكي باراك اوباما، نكسة كبيرة للآمال التي كانت معلقة عليه للتوصل الى تفاهمات للتعجيل بالحل السياسي في سوريا، لكن تواتر الانباء عن لقاء محتمل بين الرئيس السوري بشار الاسد، وخصمة التركي رجب طيب اردوغان في الاسابيع القليلة المقبلة، برعاية الرئيس الروسي في موسكو، ربما يكون لعب دورا كبيرا في هذا الفشل بطريقة او باخرى، لان الرئيس الروسي بات اللاعب الرئيسي في هذا الملف والمنطقة بأسرها، ويدرك جيدا ان ايام نظيره الامريكي في السلطة باتت معدودة، والتنازل له غير مفيد. الزميل محمد بلوط الكاتب في صحيفة "السفير" اللبنانية وضع مصداقيته، وصحيفته على المحك، عندما كتب مقالا يوم الخميس الأول من سبتمبر اكد فيه ان اللقاء بين الرئيسين السوري والتركي بات مؤكدا وذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما حدد موعده في الفترة بين 18 22 من شهر سبتمبر . الزميل بلوط لم يكشف عن مصادره، ومصدر ثقته بمدى صدقية معلوماته، ولكن كونه يتواجد في دمشق منذ شهر تقريبا وهو يقيم معظم الوقت في باريس، وبحكم علاقاته الوثيقة مع دائرة صنع القرار فيها، الأمر الذي يوحي بوجود طرف تعمد ان يسرب مثل هذا السبق الصحافي له، لاسباب عديدة من بينها تهيئة الاجواء النفسية للرأي العام في البلدين، تركياوسوريا، وربما المنطقة الشرق اوسطية برمتها، لمثل هذا التطور المفاجيء والخطير جدا، فالرجل، اي الزميل بلوط، صحافي وكاتب مخضرم، اي ليس هاويا او مبتدئا، وصحيفته تعتبر واحدة من اعرق الصحف العربية. بعد اتصالات عديدة اجرتها هذه الصحيفة "راي اليوم" بمصادر لبنانية وسورية مطلعة جدا في بيروت لاستقصاء هذه المعلومة المهمة، تبين لنا ان هناك اجماعا على حدوث تقارب تركي سوري كبير فعلا، وعلى اعلى المستويات الامنية الاستخباربة في هذه المرحلة، تؤكده الوقائع في ميادين القتال، وابرزها تقدم قوات الجيش العربي السوري في منطقة الكليات في ريف حلب وسيطرته عليها تقريبا، واعادة الحصار الى ما كان عليه على مناطق حلب الشرقية، مضافا الى ذلك الاتفاقات التي جرى التوصل اليها بين النظام وجماعات مسلحة في داريا والاعظمية، وصمت السلطات السورية على تقدم القوات التركية في جرابلس، وتصعيد حربها ضد الاكراد، والاصرار على انسحاب جميع قواتهم الى شرق الفرات. بن علي يلدريم رئيس الوزراء التركي، الذي يشكل الواجهة الجديدة لتطبيع العلاقات السورية التركية، اكد هذا التقارب، عندما اعلن يوم الجمعة 2 سبتمبر ان تركيا تهدف الى تطبيع العلاقات مع مصر وسوريا في المستقبل القريب، وانها بدأت خطوات جادة في هذا الاتجاه. مصدر سوري كبير أكد للزميل كمال خلف، مراسل "راي اليوم" في بيروت، ان هناك عملا مكثفا يجري ليل نهار من اجل التسريع بعملية التطبيع بين تركياوسوريا، ولم يستبعد هذا المصدر ان يتم الاعلان عن استئناف العلاقات مطلع اول شهر اكتوبر، والمح الى وجود نوايا رسمية سورية بالتحلي بأعلى درجات المرونة. اللواء علي المملوك رئيس مجلس الامن الوطني في سوريا يزور موسكو، حسب بعض التقارير الاخبارية، وهناك تقارير اخرى تؤكد ان نظيره التركي حقان فيدان سيزور العاصمة السورية بعد عيد الاضحى. هذا الاختراق الكبير في الازمة السورية الذي تم فعلا، يعود بالدرجة الاولى الى التغيير الذي طرأ في موقف الرئيس التركي اردوغان بعد الانقلاب العسكري الفاشل، وشعوره بالخذلان من جانب الحليف الامريكي، وفوق كل هذا وذاك ادراكه، اي الرئيس اردوغان، ان استمرار الازمة السورية بوتيرتها الحالية سيؤدي الى تفكك تركيا، واغراقها في اعمال ارهابية، تقّوض امنها واقتصادها واستقرارها. لا نستطيع ان نجزم بأن لقاء القمة بين الرئيس الاسد ونظيره التركي اردوغان سيتم في الموعد المقترح في موسكو للمرة الاولى، بعد قطيعه استمرت ست سنوات تقريبا، كانت حافلة بالحروب الدموية والكلامية، ولكننا لا نستغرب في هذه الصحيفة ان نصحوا يوما في الاسابيع القليلة المقبلة، على انباء لقاءات ومصافحات علنية بين وزير خارجية البلدين، او قائدي جهاز المخابرات، تمهد لهذه القمة. نكسة لإسرائيل يلعب الكيان الصهيوني دورا رئيسيا في الحرب الدائرة على أرض الشام رغم حرص ساسته على نفي ذلك والإدعاء أنهم يقومون بدور إنساني فقط ويتدخلون عسكريا من حين لآخر لمنع وصول مزيد من الأسلحة إلى حزب الله اللبناني. غير أن ساسة تل أبيب وبموازاة مع تبدل موازين القوى نتيجة التدخل العسكري الروسي لدعم الجيش السوري أصبحوا أقل تحفظا وأخذوا يعبرون بشكل متزايد عن قلقهم من المسار الذي تأخذه الحرب ويؤكدون أن بقاء سوريا موحدة وإنتصار الجيش العربي السوري يشكل نكسة خطيرة لإسرائيل. بداية شهر سبتمبر كتب اللواء احتياط يعقوب عميدرور أحد كبار ضباط الجيش الإسرائيلي في صحيفة "اسرائيل اليوم": ثلاثة تطورات هامة تجري في الاونة الاخيرة في الحرب في سوريا، ولتجمعها سيكون تأثير حقيقي على مستقبل الشرق الأوسط: 1.التدخل المتعاظم لروسيا بما في ذلك الاستخدام قصير المدى للأراضي الايرانية، 2. نجاح قوات التحالف في تقليص الأراضي التي تحت سيطرة داعش، 3. دخول قوات تركية كبيرة للقتال في سوريا، علنا ضد داعش وعمليا ضد الأكراد في شمال سوريا. بطبيعة الحال، فان هذه الأحداث عسيرة على الفهم، وأصعب من ذلك هو تقدير التطورات بعيدة المدى النابعة منها. ومع ذلك، يمكن منذ الان رسم بعض منها، بشكل حذر. هكذا، مثلا، الرئيس السوري، بشار الأسد، نجا على ما يبدو وسيبقى في منصبه لزمن طويل آخر. وكانت نقطة الانعطافة الخطوة التي بادر إليها الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، لشراء ود روسيا بما في ذلك الاعتذار. لما كانت تصفية الحكم الذاتي الكردي هامة للاتراك اكثر من الإطاحة بالأسد، فقد ألغى اردوغان طلبه الاستقالة الفورية للرئيس السوري، كي يتمكن من التعاون مع الروس، المؤيدين للاسد. في الواقع الجديد، لم تتبقى أي جهة ذات نفوذ تطالب بتنحية الاسد، ويبدو ان الولاياتالمتحدة ستبتلع هذا الضفدع أيضا فليس لديها ورقة حقيقة في المفاوضات التي تجريها مع روسيا على مستقبل سوريا. الرابح الاكبر، كما أسلفنا الأسد، سيتبقى في مكانه طالما لم يصفى جسديا. من زاوية النظر التركية يدور الحديث عن صحوة سريعة. لقد اثبت اردوغان مرة اخرى بانه يعرف كيف يتخذ قرارات صعبة وفقا لاحتياجاته الاستراتيجية. فقد عمل سريعا وبلا تردد، لانه فهم بان التهديد الاخطر على وحدة بلاده هو نجاح كردي في خلق نوع من الدولة على طول الحدود القديمة بين سورياوتركيا. وبالتأكيد اذا ما ارتبط الاكراد باخوانهم في العراق وحركة التنظيم السري الكردي في تركيا حيث يوجد 15 مليون كردي من اصل نحو 20 مليون بالاجمال. يركز اردوغان جدا على تصفية الحلم الكردي، وعليه فبالتوازي مع ارجاء روسيا يساهم ايضا في القتال ضد داعش، كي يتلقى شرعية أمريكية، الولاياتالمتحدة تتحفظ من القتال ضد الاكراد. وهكذا، عمليا، فان تركيا هي ايضا الرابح الاكبر من التطورات الاخيرة، رغم الهزة التي في محاولة الانقلاب، والتي خرج منها اردوغان أقوى من أي وقت مضى. بشكل عام، الى جانب المبادرة الحالية ضد الاكراد وداعش، يعزز الرئيس التركي مكانته الداخلية والخارجية معا، حيث أنه لن يتضرر حتى من بقاء الاسد كون هذا يعد خسارة شخصية وليس استراتيجية، ولهذا فانه ليس ذا مغزى. من هم الخاسرون الأكبر من سلسلة الأحداث هذه؟ الأكراد. فقد فقدوا الفرصة للتقدم في استقلالهم من الصعب التوقع متى سينالون فرصة أخرى، كونهم لم يتمكنوا من الاتحاد وعرض جبهة متراصة من حدود إيران وحتى منطقة حلب. لم يعلقوا آمالا كبيرة جدا على الولاياتالمتحدة، التي خيبت املهم في لحظة الاختبار. ليس معروفا ما وعد به الأمريكيون الأكراد، ولكن يبدو أن الآخيرين بقوا وحدهم يتحملون عبء الحرب ضد داعش، في سوريا وفي أجزاء مختلفة من العراق، على مدى فترة طويلة. لا شك أن تأييد الولاياتالمتحدة للاتراك، هذه الايام بالذات، ضد التطلعات الكردية رغم التحفظ اياه من قتال الاتراك ضد الاكراد سيسجل في طالح البيت الابيض في ارجاء الشرق الأوسط. مرة أخرى يبدو ان الولاياتالمتحدة خانت أصدقائها. يحتمل أن لا يكون هذا وصفا صحيحا للحقائق، ولكنه على الأقل هو الانطباع المتراكم. واشنطن عالقة قدرت صحيفة "واشنطن بوست" يوم أول سبتمبر أن الولاياتالمتحدة أصبحت "عالقة" بين حلفائها في سوريا مشيرة، إلى "غضب تركي" على إدارة الرئيس باراك أوباما، لدعوتها القوات التركية إلى وقف المعارك باتجاه الأكراد شمال سوريا، في وقت لم تتحرك هذه الإدارة منذ سنوات لإيقاف نزيف الدماء، وتريد الآن منع أنقرة من خطوتها الحاسمة لوضع حد للحرب على أبوابها. وتلفت الصحيفة إلى "استنكار" تركيا ما وصفتها "علاقات الولاياتالمتحدة مع تنظيم إرهابي" أي القوات الكردية، في وقت سببت إدارة أوباما ضررا للعلاقات مع أنقرة من خلال "إصدار تهديدات مستترة ضد حليف للناتو، في وقت تراقب روسياوإيران التطورات بصمت". وعلى أرض المعركة، تزداد تعقيداً الصراعات المتأججة منذ فترة طويلة، بحسب "واشنطن بوست"، مشيرة إلى أنّ الولاياتالمتحدة باتت عالقة الآن بين حليفين هما الأكراد من جهة، وتركيا وناتو من جهة أخرى. وعلى الرغم من أنّ واشنطن دعت الطرفين إلى وقف القتال، فإن كليهما تعهدا بحماية مصالحهما في سوريا، مقللين من حدود تأثير الموقف الأمريكي، وراسمين شكلا جديدا للصراع المعقد. ويقول الخبير في شؤون الأكراد بجامعة تينيسي التكنولوجية، مايكل غونتر، للصحيفة، إن "تركيا كحليف أهم بكثير لمصالح الولاياتالمتحدة من الأكراد"، لكنّه يشير في الوقت عينه إلى أنّ المقاتلين الأكراد سيواصلون معركتهم، لاعتمادهم الكلي على الدعم الأمريكي. ويرى أنّ "الأكراد لا ملجأ آخر لهم. نعم سيغضبون ويتوعدون بأنهم لن يعودوا حلفاء أقوياء لواشنطن كما في السابق، لكنهم على المدى الطويل ميئوس منهم من دون الولاياتالمتحدة". في المقابل، يقول المستشار السياسي المعروف في الذراع السياسية لقوات حماية الشعب الكردية، سيهانوك ديبو، للصحيفة، إنّه "ليس بإمكان الولاياتالمتحدة أن تدعم طرفين في الوقت نفسه"، مضيفاً "لن نسمح لتركيا بإعطائنا الضوء الأخضر. في كل مرة يرسمون لنا خطوطا حمراء ويطلبون منا عدم تجاوزها". عمر نجيب [email protected]