في عالم متلاشية فيه القيم و متهالكة مقومات الإنسانية ،لا بد أن يطال الضعيف القهر و سوء المعاملة . و لما كانت المرأة قد صنفت ضمن فصيلة "الضعفاء" و تعورف على أنها "تستحق" العنف، فمن اللازم القول أنها تستحق أيضا التعاطف معها و أن يحتفل باليوم العالمي لنبذ العنف ضدها و لمواجهة الاحتقار لها... لكن و قد اتُفق على أن العنف معيب في حقها ،و يجب ردع مرتكبيه و ردهم إلى الجادة أو حتى معاقبتهم إن لم يرعووا و ينتهوا،يجب أن يُصطلح أيضا على أن كل أنواع العنف تجاهها المرفوضة و كل أصنافه الممقوتة. إذ أغلب ما يتحدث عنه ذلك المُمارَس ضد المرأة في إطار الزواج...فهو العنف الكلامي من طرف الزوج ما يُشجب و يندد به، و كذلك الضرب... أو حتى ما يسمى ب"الاغتصاب" الزوجي... و لا شك أن العنف الزوجي مخرب لأنسجة الأسر...و لا شك أيضا أن المطلوب هو إشاعة المودة و الرحمة داخل البيوت انطلاقا من ضرورة احتساب كل من الطرفين للمسؤولية تجاه بعضهما البعض و كذلك تجاه الأبناء المشتركين،و لكن و بالرغم من الآثار مدمرة لهذا النوع من العنف يبدو و كأنه ليس الأعظم أثرا و لا الأشد ضررا بالمرأة و بالمجتمع ككل... هو عنف آخر مقيت يطول منها الجسد و يفتك منها بالنفس ما هو الأحرى بالحديث عنه و بمحاربته، و كذا بشن كل الحروب الضاريةعليه،لكن و للأسف الشديد فإن ذلك الصنف استُمرئ تواجده، و تُعورف على استحلاله، و تووطئ على غض الطرف عن تداعياته و آثاره... أسواق للنخاسة منتشرة في كل ربوع العالم "المتحضر" تعرض فيها الأجساد و بأبخس الأثمنة...وحتى يُعتبر ذلك البيع من مستلزمات التقدم و ضرورات الحضارة... و الأنكى و الأشد أن هنالك نساء و مثقفات و من بيننا لا يستنكرنه ،بل و يدعين إلى تقننيه و جعله تحت الإشراف الطبي ضمانا لإيجاد أحسن الظروف النفسية للرجال المستهلكين لتلك الأجساد المعروضة المعدة للاستهلاك...المخرجة السينمائية المصرية إيناس الدغيدي نموذجا (1)...ملكيات أكثر من الملك... و "حداثيات"هن... بل و "تقدميات" أيضا أولائك المثقفات !!!! يرمن "تحقيق الإشباع الجنسي" للرجال كيفما اتفق و أينما كان ذلك و لو في المواخير، و هن "النسويات" المناضلات اللواتي يضلن يجعجعن حول ضرورة التحرر من ربق العبودية لهم ،و ينفقن الكثير من الوقت في الحديث حول ضرورة تحقيق المساواة معهم ... يُرِدْنَهم أن يكونوا المطمئنين غير الخائفين من الإصابة بالأمراض الجنسية حين ممارسة تفلتاتهم و عند القيام بانحرافاتهم. يزعمن أنهن يدافعن عن حقوق بائعات اللذة لأنهن النساء مثلهن، يعترفن لهن بحق التصرف في الجسد ، ثم و يتخذن لهن الأعذار لأنهن المضطرات بدافع الحاجة و الفقر... و قد تكون منهن فعلا الفئة من المحتاجات المعانيات من آثار الفاقة...لكن... أو لا يبدو امتهان مهن أخرى من طرفهن أقل ضررا و أقل عنفا على أجسادهن و على مقوماتهن النفسية؟؟؟ مجرد الأوعية نتنة لتفريغ الشهوات الدنسة الآثمة، هي ذي الصور لأنفسهن راسخة في أعماقهن يؤمن بها و يعتقدن فيها هن الداعرات ،و لا يمكن لأية وسائل و لا علاجات نفسية أن تغير منها...فالنتائج للعهر ليست إلا الجراح في الأجساد تتآكل بفعل تواتر أمراض جنسية مدمرة ،و سوى الشروخ في الحنايا تتناثر منها الشظايا بسبب صدمات عاطفية محطمة. لا بد أنه من الواجب و الحالة هذه أن يهب الجميع لدرء هذا العنف عن هؤلاء النساء... إلا إذا احتُسب أنهن من الدرجة الدنيا في سلم الطبقات ،و ما يُحتاج إلى الاهتمام بأوضاعهن، بل يجب تكريسها توفيرا للمتع تتطلبها الطبقات الأخر... راضيات عن ما هن عليه... هكذا يقال ...لكنهن أيضا الأميات الجاهلات في الأغلب الساحق كما يقال عنهن مرة أخرى و تقع على المجتمع مسؤولية إنقاذهن من أتون العنف لا يدركن مقدار عمق الهاوية كامنة فيه.. إحصائيات تسلط عليها الأضواء في يوم احتفال آخر قريب من اليوم الأول الأول من دجنبر من كل عام و تحصُر تلك الإحصائيات الأعداد المتصاعدة للمصابات بذلك الداء العضال ...ذلك الأيدز المعجز لحد الآن...ثم و لا ربط بين ذلك المرض العنيف و بين ذلك العنف الذي يُسمح للنساء بأن يرتكبنه في حق أنفسهن حين يبذلن أجسادهن لمن أراد سواء أكن المحترفات أم الهاويات... يُقترح عليهن فقط من طرف المسؤولات عن الجمعيات لمحاربة داء الإيدز إرغام الزبناء على استعمال العازل الطبي، و كأنهن غير العالمات بالحمولة الثقافية تختزنها العقلية الرجالية حول الجنس و ظروف ممارسته في واقعنا المتخلف،ثم و كأنهن لا يدرين بأن المشتري هو من يحدد الشروط و يدفع الثمن،ثم أيضا و كأنهن لا يدركن أن استعمال تلك القطعة من اللدائن حتى و إن منعت مرور الفيروس القاتل ،فإنها لا تدرأ جرثوم المهانة المدمر و لا سم الاحتقار المركس المشين. ففي دراسة حول الممتهنات للجنس في المغرب أنجزتها المنظمة الإفريقية لمحاربة داء الإيدز OPALS يبدو و كأن سن المتعرضات لعنف الدعارة آخذ في التناقص بشكل رهيب...إذ هو السن بين التاسعة و الخامسة عشر ذاك الذي ابتدأت فيه 59,4 في المائة من المحترفات في تقاضي أتعاب "المهنة"...فظاعة و عنف متفاقم بغيض إذا، و لا يطال البالغات فقط ،و إنما هن الطفلات و تسرق طفولتهن و براءتهن على اطلاع من المجتمع و على مرآى من "مثقفيه" و لا من منافح عنهن و لا مجرم للمستغلين لأجسادهن(2) بل هنالك فقط الأعداد من المبتهجين بالوفود المتناسلة من السياح القادمين الراغبين في قضاء الوطر و تحصيل المتع و تحقيق الشهوات. هو عنف الدعارة إذا ما يجب أن يشجب قبل كل شيء...و هن النساء من يجب أن يمتنعن و حتى يُمنعن من أن يعنفن أنفسهن بامتهان العهر...و هم الرجال من ينبغي أن يبرهنوا على صدق الرغبة في القضاء على هذه الظاهرة المشينة بعدم استعمال بضائع أسواق النخاسة... خطوات تستبطن الصدق حقيقة...و لعل هذا هو ما يلزم أن يُفعل و أن يُقام به عوض تلك الجعجعة المتواترة من الكل سنويا حول نبذ العنف ضد النساء...