كانت تمسح أطرافه بلسانها الطويل، تمصمص حبات العرق التي كان يفرزها جسده الثخين، تدخل أنفها تحت إبطه، تدغدغه، ولا يقوى على الحراك، وتجوب مساحة جسده برشاقة وخفة كفراشة تتنزه بين الحقول في فصل ربيع دافئ . قبل الآن كان يستطيع أن يحسم أمرها بحركة واحدة، قد يستغرق منه الأمر في أغلب الأحيان بضعة دقائق ، يترصدها، يمدد ذراعيه الطويلتين إلى الأمام، يفتح يديه، وبتركيز شديد يصفق و يفوز بالضربة القاضية. أما الآن وقد أخذ منه العياء ما أخذ أصبح لا يقوى على فتح عينيه اللتين تشابكت رموشهما، وخيطت بخيط حريري رفيع، وكلما حاول فتحهما عادتا إلى وضعهما الأول، حتى بدت له هذه العملية شبه مستحيلة، وكأنه سيحمل صخرة سيزيف إلى قمة الجبل. طارت واستدارت، وحطت على قمة أنفه، مسحت رأسها بقدميها الأماميتين وكأنها تتوضأ، ومن بعيد انسابت نقطة عرق من أعلى الجبين، خرجت من شعره الكثيف، الذي كان يبدو لها من موقعها كغابة الأمازون، نزلت نقطة العرق على خط الأنف كشلال طبيعي دافئ راقبتها بعينيها الجاحظتين ، أعجبها المنظر، وقفزت كالتي تدخل حمام "الجاكوزي". تبللت وغنت بطنين حنين، أزعجه طنينها وحاول يائسا أن يبعدها عن أنفه، وكلما هش قفزت بسرعة الضوء وعادت الى "الجاكوزي". فتح عينه اليسرى بصعوبة، وأدخل شفته العليا في فمه، مدد شفته السفلى مصوبا فوهة المدفع نحو قمة الأنف، وبتركيز قناص لم يعد في جعبته إلا رصاصة واحدة، وبعد أن أخذ نفسا طويلا، ملأ رئتيه بالهواء، وبكل ما يملك من قوة زفر زفرة طويلة دون أن يأخذ نفسا، لكن دون جدوى. غرست قوائمها الأربعة في "الجاكوزي"، وحدها أجنحتها بدأت ترفرف لتصبح اللقطة شبيهة بلقطة فيلم "تيتانيك" عندما كانت البطلة والبطل في مقدمة السفينة والبرد يلعب بشعريهما . أزعجه المنظر وبحنقه صفع أنفه، وطارت غير بعيد، نظرت إليه وقفزت في مكانها كراقصة "الفلامينكو" عندما تدور حول نفسها وتضرب الأرض بكعبها الطويل. مسحت أرجلها بالأرض كثور يستعد لتنفيذ هجوم، وقبل ان تبرح مكانها، طوى فراشه، وعيناه مغمضتان، عازما على تغيير الغرفة. نظر إليها بنصف عين، بصق على الأرض وتمتم : ذبابة لعينة.