صاح بقشيش والأعناق تشرئب في زحمة الحلقة. وقد التصقت المحرمات بعضها ببعض في لا مبالاة السامعين . التحم كبور كدأبه بأرداف مكتنزة لقامة فارهة.. رفع بقشيش عقيرته بالدعاء، فغطى عويله على كبور وهو يفتح إسرار الحلقة بيد مرتعشة .. أخذ بقشيش بطرف عمامته وأطلقها في الهواء. بينما كبور يستقبل يدا رخوة ناعمة تعتصره في هدوء. تحرك الناس جيئة وذهابا وازدادت الفرجة إثارة والحلقة زحمة .. أردف بقشيش قائلا: جلس الرجل والحمار والكلب والقط جنبا إلى جنب في السماء يوم توزع الآجال .. السماء تسبح في الضياء و الأرض ساجد للحق في الظلماء . ونور الله يسبح في ليل العيون المتبتلة.. أخد الجميع من حصة العمر أربيعين سنة مناصفة .. صفقت الحلقة لروعة التقديم وبقشيش يلعب بمنساته، وبخط بها الأرض ذات اليمين وذات الشمال.. أحسن كبور بدفء ينسل إلى أعصابه وأغمض جفنه يستسيغ نشوة الحظ السعيد .. قال بقشيش وهو يحدق في الناس: - قال الحمار : عشرون سنة من المحنة والتعب والضرب والشتم ونكران الجميل كافية . أما الثانية ، فهدية لبني الإنسان. طاف بقشيش بين الناس وهو يصيح ملئ جوفه: - ها ك عشرين ، ور عشرين ريال . هاك عشرين عام دلحمار بدرهم .. شكون كال أنا... عشرين عام دلحلاسة غير بدرهم.. شكون كال أنا... عشرين عام دلعص فابور لا غلا علي مسكين... تساقطت الأجساد بعضها على بعض من نشوة الفرجة وكبور يلهت من حر القيظ .. : - عشرون سنة من لحلاسة دغيا دوز مع لمخزن وبعدا تفوز بالتقاعد وترتاح .. .بعد يومين بالتمام والكمال قدم الكلب يشكو قائلا:: - بزاف؟؟، عشرون سنة من النباح والعض والمطاردة عشرون حولا من الوفاء و المسؤولية تكفيني. . الباقي صدقة جارية لمن يعشق الوفاء.. طار بقشيش في الهواء حتى كأنه على بساط الريح وصاح بنغمة هندية رومانسية : - - ها عشرين تلكلب .يا ال بغ انبح ويسرح حلقو .. انبح اينما يحلو لك النباح وفي وجه من تريد . انبح وعض من شئت وأين تريد ..تحرك فوق الرؤوس: عشرين عام تلكب بعشرين ريال يا أل بغا انبح وايسرح حلقو .عشرين عام تلكب غير بدرهم . انبح واتبرع.. تأوه كبور من وطأة النشوة ودوت آهاته في الحلقة ورد بقشيش ببداهة خارقة: ... هنيئا عشرين تلكب يا بني إنسان.. جا معاك انبح و وتاك الحال يا سيد الرجال ... تصبب كبور العرق من الخجل، .دس يده في جيب سترته وقدم لبقيشيش عشرين درهما حلالا طيبا.. رفعها بقشيش في السماء ،ووجهه قد تهلل سعادة وقال: بصحا و رحا عشرين تلحمار وعشرين تلكلب يا سي كبور.. انفجرت الحلقة ضحكا ، وكبور يردد آمين ، آمين أردف بقشيش بصوت كالزلزال : العيب فينا بالأطنان حن بني إنسان . فينا الحمار وفينا الكلب وفينك يا إنسان؟؟ .. ثم أردف وقد رسم ابتسامة كاذبة بين شفتيه المتفحمتين: - جا المش بعد ربعيام يبكي ويشكي: لا لا ، عشرون عاما من الاستجداء، أعطاك من أعطاك و منعك من منعك كافية والعشرون الباقية صدقة ونافلة على الإنسان .. تحرك بقشيش وسط الناس بذيله وقفز بخفة وصاح : - ها المش اتبرع علكم .. اخطف لحم فالطرقان . ألا صيد انعام فلقهو.. درهم بعشرين.. وعشرين بدرهم ارخا يا ناس.. تشبثت راضية بطوق كبور وانتحت به جانبا وانفجرت في وجهه النحيف كالصاعقة: : .. ادفع ثمن لفرجة أسيد الرجال.. خمسون درهما بلا زيادة ولا نقصان قبل ما تنوض الزوبعة .. تعال صوت بقشيش وسط الحلقة: صيدا فابور الخطف بالمجان يا بني إنسان..... قرع كبور با ب بيته عند الغسق . و استقبلته زوجته فاطمة عند العتبة، بالشتب والعتاب وابرق وأرعدت وكبور سيد الرجال يهمس في نفسه حتى لا يسمعه احد: : - معيشت تلكلاب هذي اسي بقشيش