استيقظت... غادرت عالمي الضيق على عجل؛ لأستمتع بطهر الفجر ونسيم الصباح... قادتني الجاذبية بين أوصال المدينة النائمة دون هدف معين... حتى "مدينة العرفان"... توكأت على جدار المدخل الواسع المزين بتعريف ضخم " للمدينة الفاضلة"... بدأت الحافلات تصل متتابعة، وتقذف بعشرات الطلاب إلى الشارع، وهم يتزاحمون مسرعين لمغادرتها في اتجاهات شتى... انكسر إدراكي؛ ولم أعد أميز بين الإناث والذكور الشباب؛حاملين "عِلْمهم" في محافظهم المتدلية على خَوَاصِرِهم، متجهين نحو المستقبل أمامهم... بعيدا... في مدرجات المعاهد والكليات الكثيرة .... " المتعددة التخصصات"... أغمضت عيني... تراءى لي الشارع الطويل المؤدي إلى"منافذ العرفان" أزرق ،وقد غمرته لجة عظيمة؛ غطت الحشد الهائل من الشباب إلى ما فوق هاماتهم الصغيرة، يتحركون ببطء وعسر، قيدت الطحالب والأعشاب السامة والفطريات خطواتهم... والثدييات اللاحمة والعاشبة... وأسماك القرش المفترسة... تتربص بهم... وخلق كثير لا أعلمه، ولا يعلمونه... بدت لي سحناتهم كقناديل البحر المضيئة، تحيط بقوامهم هالة من نور فقدت جاذبيتها ، وترسل فقاعات هواء إلى سطح البحر؛ وهي تختنق وتستغيث... هالتني الصورة: جلهم يلبسون سوادا؛ من الرأس إلى القدمين، ومن لا يَتَسَرْبَلُ بالسواد كليا، تلطخه لطخات سوداء؛ قبعة، قميص،سروال،حذاء، جورب.. اللون الأسود طاغٍ بامتياز... إنه الحِدَاد خمنت: " يا لها من موضة".... انتبهت إلى أنني أيضا ألبس سوادا، ورأسي أسود... أخرجت أنفي من اللجة... الشباب يتنفسون تحت الماء، ويحاولون التخلص من الطحالب التي قيدت "أرجلَهم السوداء"... والانفلات من الثدييات الكاسرة... والفضاءات المغلقة... وضغط البحر.... في خضم الحركة الدؤوب، وهدير اللجة ؛ حط من عل " طائر ملون بديع"، على باب المدينة، بجناحيه الصغيرين... أحدث "حفيفا هامسا" . توقف الهدير، والهواء، والماء...والعلم... حلت "نظرية الفوضى" في "مدينة العرفان"...