في فضاء الرواية الرواية تدور في مدينة الدارالبيضاء و الجديدةوسيدي بوزيد،في زمن غزو العراق للكويت، وهي تحكي قصة يوسف الرسام العاطل عن العمل الذي يعيش أزمة مالية خانقة، يلتقي برجل شاذ جنسيا يبيع التحف واللوحات المزورة في أوروبا ،يدرك هذا الأخير أهمية يوسف فيتفق معه على تقليد لوحات لرسامين مشهورين مقابل نسبة معينة من الأرباح. فهذا الرجل الأنيق،المطلق،الشاذ،حاول إحكام قبضته على يوسف لإشباع شذوذه،وهو نموذج للانحلال والفساد. وقد استغل ظروف يوسف المادية التي دفعته لقبول هذا العرض المغري ومباشرة الرسم في المرسم السري للرجل الغريب والتي تضم عدة لوحات مزورة لرسامين مشهورين لم يستطع يوسف التمييز بينها رغم حرفيته في مجال الرسم نظرا للتقليد المماثل و المحاكي للوحات الحقيقية.لقد قبل يوسف هذا العرض وقطع علاقته بمنى التي نصحته كثيرا بالاهتمام بالرسم وعدم الانجراف وراء المغريات المادية. وعندما توطدت العلاقة بين يوسف والرجل الغريب ذهبا إلى سيدي بوزيد بدعوة من هذا الأخير حيث يمتلك فيلا صغيرة وهناك سيكتشف يوسف أن الرجل شاذ جنسيا، وأن الرسم مجرد طعم لاستمالة الرسامين لإشباع شذوذه الجنسي ،لكن يوسف لم يخضع لرغبات هذا الرجل الشاذ،حيث غادر الفيلا والتحق في تلك الليلة بالفندق ليبيت ليلته وبعدها يغادر الجديدة، ليلتحق بصديقته منى بالدارالبيضاء والتي عارضت منذ البداية هذا العمل القذر،ومنى شابة في ريعان الشباب,طالبة في شعبة الاقتصاد ومهتمة بالفن، عنيدة لا تتنازل عن رأيها، أحلامها مثالية وحيدة والديها،ترتدي لباسا رجاليا (سروالا من نوع الجينز وسترة سوداء ) أبوها رجل تعليم ذو مبادئ.تعتز به وتتخذه نموذجها لها،لأنه كان مناضلا يدافع عن حقوق الشباب في إضرابات 1981. الرواية طرحت مواضيع أخرى اجتماعية أبرزها مسألة الهجرة إلى الضفة الأخرى،الهروب من الواقع عن طريق شرب الخبر وتعاطي المخدرات. من بوابة اللغة إلى الفضاء الاجتماعي كتب مصطفى لغتيري "رقصة العنكبوت " بلغة بسيطة وسهلة، وهي لغة تقريرية، وربما استخدم الراوي هذه التقنية البسيطة والسهلة لأن الغرض الأساسي من الرواية لم يكن هو الإبداع الفني بل وصف أو نقل حالة تقريرية لمعاناة فئة وشريحة اجتماعية تعاني من شظف العيش والفقر، كما أن اللغة المستخدمة في النص خلطت في كثيرٍ من الأحيان بين الراوي وبين شخصيات الرواية الأمر الذي أدى إلى ميل النص إلى اللاحيادية أو ميل الراوي إلى موافقة الشخصيات في آرائهم وفيما يعتقدون. كما نجد في إحدى مقاطع الرواية بعض التقارير النصيّة التي استخرجها يوسف عن حديثه عن علاقته بالرجل الشاذ،. كما خلت الرواية من الرمزية حتى في أبسط صورها، فاستعاضت عن ذلك بالأسلوب التقرير المباشر. فاللغة الروايئة في رقصة العنكبوت لغة فصيحة واضحة نادرا ما يستخدم العامية إلا لتوضيح الصورة وتقريب المشهد من القارئ،وكان الحوار يدور بين الشخصيات تحت أعين السارد الذي لم يختبئ وراء شخصياته وإنما كان يتكلم بضمير المتكلم،وقد تعددت مستويات الحوار بتعد الأصوات و الشخصيات داخل فضاء الرواية. غير أن إتاحة الفرصة للشخصيات للتعبير بحرية عن آرائها لم يمنع السارد من التحكم في مسار السرد و من السير الطبيعي لمنطق الأحداث،باعتبار أنه كان بؤرة الحديث ومنه وإليه تعود مستويات الحوار ،بل التحكم في الزمان و المكان. وقد غلب أسلوب السرد المسترسل على الرواية باستثناء بعض الفلاش باكات التي حتمت على السارد الرجوع إلى الوراء لاستحضار الذاكرة للحديث عن بعض الأحداث التي جرت بين يوسف والرجل الغريب، وعلاقته يوسف بمنى، والحلم المزعج بالعنكبوت الذي اتخذ منه السارد عنوانا لروايته،وفي العنوان إشارة إلى الشبكة التي ينسجها العنكبوت لاصطياد فرائسه،لكن السارد كان نبيها ولم يخضع لمغريات الرجل الشاذ،كما أن الشخصيات المؤثثة لفضاء الرواية ساعدت على انقاذ السارد من الوقوع في شباك العنكبوت،حيث كان لنصائح هدى ابنه حسن الرجل المحتال. إن المتتبع لرواية رقصة العنكبوت يلاحظ بأنها رواية تحكي حالة من الحلات الاجتماعية التي يكون فيها الشباب عرضة للانحراف الخلقي والجنسي بسب انعدام فرص الشغل،وعدم الاستفادة من المواهب الفنية مثل حالة يوسف الرسام الموهوب،وتظهر هذه البطالة من خلال عملية التسكع في أحياء الدارالبيضاء حيث كانت الرواية "رواية وصف الدارالبيضاء بامتياز. وهذا يعني ان الرواية لم تنشغل بذاتها وبجمالياتها،ونسيت ما يقع خارجها،إنها رواية تحيل على عالم الانسان وعلى محيطه الخارجي،وتعمل من خلال التشخيص على ملاحقة ما نعيشه من مشاهد ولقطات اجتماعية،وتفسح المجال للحوار بين الذات و المجتمع في فضاء الرواية. رقصة العنكبوت رواية اجتماعية بامتياز بعد تناولنا للبنية الفنية باعتبارها الوعاء الذي يصب فيه المبدع ما التقطته عيناه من مشاهد اجتماعية عاشها في الواقع المعيش أو عايشها في الواقع المتخيل،إن الرواية تنهض وتتحرك من الواقع إلى الفن الروائي لتعود مرة أخرى إلى الواقع،إنها رواية بؤرية اشتغلت على نقل المحيط الاجتماعي، و بصفة خاصة محيط الدارالبيضاء وإقليم الجديدة،لكن يمكن تعميم هذه التجربة على محيطات اجتماعية مشابهة. وعندما نتعامل مع الواقع الاجتماعي في الرواية ينبغي أن ندرسه في حركيته وديناميته،بترصد القضايا الاجتماعية المحيطة بالسارد وبشخصيات الرواية،بمعنى أننا عندما ندرس"رقصة العنكبوت" لابد من أن نضع في الاعتبار بأنها نتاج مادي مرتبط في صيرورته ونشاطه الاجتماعي ،وباعتباره كذلك فنا أدبيا له ظاهر هو البنية الفنية التي تعكس هذا الخارج،ومن خلال البنية الفنية نستطيع معرفة هذا الخارج بواسطة عملية التلقي و التأويل،ومن خلال العلاقة بين المرسل(السارد) و المرسل إليه(القارئ). فرقصة العنكبوت رواية تخاطب آذان أوسع الفئات الاجتماعية،فهي خطاب المثقف للقارئ بصفة عامة سواء أكان مغربيا أو عربيا أو إنسانيا،إنها رواية مسكونة بدلالات اجتماعية تفهم عن طريق الفهم الظاهرو المباشر الذي لا يحتاج إلى تأويل. و الروائي مصطفى لغتيري يكتب بلغة المثقف الملتزم الذي يحمل هم المجتمع ويعبر عن هذا المجتمع بلغة أدبية تلامس مشاعر عامة الناس و تقف على همومهم،و لكن لا ينبغي أن نفهم الرواية هنا باعتبارها مرآة تعكس الواقع بشكل حرفي وإنما تنقله لغايات( وعلى هذا،الرواية تعني أولا نقلا للواقع أو إعادة تصويرله،كما تعني كذلك أنها في نفس الوقت تفسير له يتضمن حكما عليه) إدريس الناقوري /أقلام عدد 6/77 فالرواية تمس أغلبية مكونات المجتمع المغربي،تمس الأسرة و المجتمع و الانحراف الخلقي (أخرج حزمة من النقود،ومدها نحوي،أمسكتها تأملتها ثم رميتها على الأرض،وقلت له بلا مبالاة لا تلزمني....فقط أريد أن أغادر هذا الوكر المتعفن)ص92 فالسارد يحمل الصفة الاجتماعية التي تخول له الحياة كفرد داخل الجماعة،يحمل ثقافة مستمدة من الجماعة،وتصبح الكتابة عنده وظيفة لابد منها في فضح هذا الواقع وتسجيل متغيراته إيجابا وسلبا،ومن هنا يمكن أن ننعت السارد بالمثقف العضوي الذي يساهم في تغيير الوعي،ويحرص على تغيير الواقع انطلاقا من قناعات ورؤى فكرية وأيديولوجية معينة. ومن هنا يصبح السارد هو الصوت المجسد للنزعة الرافضة للواقع المنحرف،فهو الذي يقوم بالدور الاصلاحي ويعمل على نشر المعرفة وتنمية حس تقاسم الهم المعرف،فترقى وظيفته من الهواية إلى الكتابة المسؤولة، وخاصة أن السارد ينتمي إلى هيئة التعليم التي يكون من بين أبرز مهامها الوقوف على مكامن الضعب و الخلل في المجتمع، و العمل على تقويم هذا الخلل بكافة الوسائل، وكانت وسيلة مصطفى لغتيري هي الكتابة الروائية التي تتخذ مساحة أوسع للبوح و التعبير عن هذه الاختلالات الاجتماعية،بأصوات الشخصيات المشاركة في تشخيص الأدوار و التعبير عن وجهات النظر المختلفة و المتصارعة. وعندما نركز على السارد في الرواية لايعني أنه الوحيد المسؤول عن كشف هذه الاختلالات و الانحرافات في المجتمع بل بالعكس، إنه واحد من مكونات عدة تعمل على تشكيل فضاء الرواية. و الروائي يستمد حضوره من حضور جميع الفئات المشكلة للمجتمع،فالبطل هنا في هذه الرواية يعبر بلسان الكاتب ويحكي حاله،إن الكاتب من خلال أدوات الكتابة الأدبية يحرك البطل بنوع من الحرفية و التقنية العالية في السرد الحكائي الماتع،و الحوار الجواني و البراني .. غير أننا لا يمكننا التكهن بشخصية البطل(يوسف) ، فهو شخصية متناقضة من جهة فهو أخلاقي، ومثقف، و من جهة أخرى هو اتكالي ، وشهواني، وميكافيللي . ولم تستطع الرواية أن تضع لنا حدود شخصيته في إطار السردية حتى يتسنى لنا التعرّف إليه من الناحية الإنسانية لنتمكن من الحكم عليه. بينما كانت شخصية منى و هدى أكثر وضوحا من شخصية يوسفً. بمعنى أن السارد في شخصية يوسف هو شخصية زئبقية انفلاتية يقدم من خلال شخصياته مواقفه و اقتراحاته العلاقات التي تجمع المتخيل بالمعيش،بين الظاهر و الباطن،والسارد عندما يكتب فإنه يدخل في مغامرة لاكتشاف اللحظات التاريخية وكيفية تشكيلها. واللغة الروائية بهذا المعنى ليست تعبيرا عن الواقع وإنما تساهم في وضع حدود لهذه الحياة وآفاقها ورؤية السارد إلى المستقبل وإلى العالم. فالسارد وهو ينقل الواقع فإنه ينقل الحركة و الفعل،ينقل الممارسة و التجربة الحياتية في المجتمع،فعندما يتحدث عن قبول يوسف لتزوير اللوحات كان الغرض منها كشف هذا النوع من السلوك السئ، وعند قبوله لهذا العرض كنا جميعا مشاركون في تتبع نفسية البطل وهو يقبل هذا العرض ،كنا وراءه نتتبع حركاته ونبرات صوته وهو يرد على منى التي حثته على رفض العرض. فهذا المقطع الروائي ،بل قد نكون جازمين ونقول بأن أغلب المقاطع تمزج بين تشخيص الداخل وتشخيص الخارج،إنها توحي بما يضطرب في داخل يوسف من انفعالات نفسية وأقوال ذهنية،تنقلنا من الداخل إلى الخارج ومن الخارج إلى الداخل بشكل انسيابي يتصف بالفنية و الجمالية،بطريقة تنقلنا من صوت السارد إلى أصوات الشخصيات المؤثثة لفضاء الرواية،يصعب التمييز بين أصوات هذه الشخصيات. لكن في النهاية كان البطل ايجابيا حيث كان يتأرجح بين الطموح الذاتي و الطموح الجماعي، فطموحه الذاتي تمثل في الرغبة في تحسين وضعيته المادية و التخلص من التسكع، والطموح الجماعي تمثل في رفض الشخصيات المحيطة بيوسف لقبول العرض المغري،ففي البداية لم يعلن عن هدف محدد وانما كان متذبذبا بين الرغبة في المال ومنع هذه الرغبة من طرف القيم الاخلاقية، لم تكن له رؤية واضحة في البداية لكنه سينقلب على نفسه ويتخذ القرار النهائي عندما رفض عرض الرجل الشاذ و الرجوع الى منى التي تجمعه بها رؤية مستقبلية. رقصة العنكبوت و السارد المصلح من خلال تتبعنا لأصوات الرواية المختلفة التي تعبر في مجملها عن رأي السارد نلاحظ تركيزه على الجانب الاصلاحي وانه معني بتغيير هذه الاختلالات الاجتماعية،فنراه يلبس لباس المصلح والعارف بالحلول الممكنة لاصلاح المجتمع وأنه ( صوت من لاصوت لهم) وانه العقل الذي يدافع عن المجتمع وعن الفئات المحرومة في المجتمع. ورؤيته هذه ليست رؤية حالمة وإنما هي رؤية حسية ترصد الواقع العيني وتنقله بطريقة تمزج بين الواقعية و الأدبية بمعنى تنقله بواقعية متخيلة،تقوم على انتقاد الواقع انتقادا لاذعا وتتبع أخطائه من أجل تشريحها و إصلاحها. إلى درجة يمكن اعتبار الرواية "رقصة العنكبوت "رواية تنهض وتتحرك من السيرة الذاتية إلى التخييل الذاتي بمعنى أن السارد يريد رسم عالم مثالي خال من مثل هذه السلوكيات التي تنتشر في المجتمع بشكل واضح وفاضح،من خلال تصور شخصي وليد خبرة وتجربة حياتية استطاعت الوصل بالبطل و القارئ إلى شط الأمان من خلال نهاية جميلة أسعدت الأبطال وأسعدت معهم القارئ المفترض.