التجربة القصصية للقاص والروائي والأديب العراقي العريق جمعة اللامي، هي ثمرة لعقود طويلة وحفيلة من الزمان، تتحدر إلينا من أوساط الستينات من القرن الفارط، وما يفتأ العطاء موصولا إلى الآن ، لا ملال ولا كلال. وقد لمع إسم جمعية اللامي في فسحة المشهد القصصي العربي بعامة، في مرحلة تاريخية حساسة شهدت فيها القصة القصيرة العربية مخاضات حداثية وتجريبية مهمة، غيرت من طقوس العروض القصصي السائد، وفتحت آفاقا جديدة ومشروعة للكتابة القصصية. وكانت مساهمة جمعة في هذا المجال بادية ولافتة للأنظار، حيث ضخت نصوصه القصصية المتبكرة نسوغا جديدة وحارة في جسد القصة العربية. و أهم ما يسم ويميز التجربة القصصية لجمعة اللامي ما يلي : 1/- تجديد شكل القصة القصيرة العربية والنأي بها عن الثوات والقواعد الكلاسيكية المألوفة والمعروفة . 2/- مهارة الالتقاط والرصد لتيمات مرحلية ضاغطة ومحورية كالقمع والمنع والملاحقة والسجن وما يترتب عنها من مشاكل ومآزم اجتماعية ونفسية تأخذ بمخانق الشخوص القصصية. واللامي هنا، يعتبر في طليعة القاصين العرب الذين رصدوا كوابيس وشجون المرحلة برهافة إبداعية وسخرية سوداء، الشيء الذي نحا بنصوصه منحا سورياليا وفنطاستيكيا إذ يحكي ويحاكي واقعا عربيا موغلا في سورياليته ومأساويته. 3/-مع هذا المنحى التحديثي والتجريبي في قصص اللامي، تحضر الذاكرة التراثية حضورا قويا ودالا من خلال أقنعة ورموز بليغة . واللامي في ذلك، يحاول اجتراح المعادلة الصعبة، من خلال التوليف بين البعد التراثي والبعد الحداثي. ومن ثم لم تكن حداثته القصصية حداثة تمرينية أو نزوية على غرار كثرة كاثرة من شباب القصة العربية بل كانت حداثة أصيلة ناضجة من صفيح عربي ساخن وناغل بجمرات الأسئلة. أعني بهذا أنها سردية وإبداعية اقتضتها وحتمتها المرحلة وكوابيسها العاتية . وإذا اتسعت الفكرة ضاقت العبارة، كما قال النفري.أو بالأحرى، إذا اتسعت"الكُربة" ضاقت العبارة. وقد اكتوى اللامي بلظى هذه المرحلة وعاني من مرائر أسئلتها وكوابيسها، فكان إبداعه طالعا من نار ونور و خارجا من أصلاب زمانه وإنسانيته، وكان الشكل عنده لصيق المضمون وصنوه. إن جمعة اللامي بعبارة جامعة مانعة، يعتبر ( الأول بين كتاب القصة العرب، بل بين كتاب القصة في كل مكان كتب القصة بهذا الأسلوب.) كما قال الكاتب اللبناني عصام محفوظ.