بمناسبة انعقاد الدورة الثامنة للمهرجان المتوسطي للفيلم القصير بطنجة، إلتقينا في «طنجة الأدبية»، الناقد السينمائي والمسؤول عن التواصل بالمركز السينمائي المغربي والمدير الفني للمهرجان محمد باكريم الذي حدثنا عن المستوى الفني للأفلام المشاركة في هذه الدورة وعن واقع وآفاق المهرجان وأشياء أخرى نتابعها في هذا الحوار: * ما هو تقييمك للأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية للدورة الثامنة للمهرجان المتوسطي للفيلم القصير، باعتبارك ناقدا قبل أن تكون عضوا في لجنة التنظيم؟ - هناك تقييمات على عدة مستويات، في المستوى الأول هناك أصداء طيبة بخصوص الأفلام المشاركة خلال هذه الدورة من طرف الجمهور الواسع، وباعتباري عضوا في لجنة انتقاء الأفلام الدولية المشاركة من البلدان المتوسطية، كنت مهتما باستقاء رد فعل جمهور قاعة «روكسي» والذي كان إيجابيا على العموم. المستوى الثاني للتقييم هو للجنة التحكيم والذي سيظهر عشية الإعلان عن النتائج*، وأيضا قبل ذلك في ارتساماتهم وتعبيرات وجوههم عندما يخرجون من القاعة بعد مشاهدة الأفلام، إضافة إلى الحوار الذي أجرته جريدة المهرجان مع رئيس لجنة التحكيم الشاعر عبد اللطيف اللعبي والذي أكد فيه صعوبة الاختيار نظرا للقيمة الفنية الكبيرة للأفلام المشاركة. ثم المستوى الثالث للتقييم، والمتجلي في الحدة والحيوية التي تميزت بها جلسات نقاش الأفلام، والتي أصبحت تركز أكثر على ما هو جمالي، فني وسينمائي، وهذا مكسب كبير لمدينة طنجة وجمهور مدينة طنجة، وكان قد أشار لهذا المخرج فوزي بن سعيدي حينما قال أنه فوجئ لحسن التلقي عند جمهور صالة «روكسي» لتنوع الأفلام، أحيانا في مواضيعها، ووجود بعض اللقطات الساخنة أحيانا، أو جرأة الأفلام في معالجتها السينمائية في أحايين أخرى، وكان الجمهور التقطها بسعة صدر، وهذا نتيجة للتراكم الثقافي لمدينة طنجة، خصوصا من الناحية السينمائية، إضافة إلى التراكم الذي خلقه المهرجان لهذا الجمهور . أما تقييمي أنا، كما أشرت، فقد كنت متخوفا أثناء الإعداد لهذه الدورة من مستوى الفيلم المتوسطي، إذ أنني أفضل تشبيه دورات المهرجان المتوسطي للفيلم القصير بالاستعارة الفلاحية، إذ هناك بعض السنوات العجاف والأخرى السمان، وكان منبع تخوفي من أننا في السنة الماضية وجدنا صعوبة في الوصول إلى خمسة وخمسين (55) فيلما جيدا، لكن فاجأتنا في هذه الدورة كثافة الأفلام المتقدمة للانتقاء وجودتها، إذ كانت هناك دول كلاسيكية كإسبانيا التي تقدمت بأكثر من 60 فيلما، وفرنسا بأكثر من 40 فيلما، واليونان وإيطاليا كذلك. وقد عرفت هذه السنة مشاركة كثيفة لتركيا أيضا ودول البلقان ونسبيا الجزائر وتونس، الأمر الذي سهل عملية الانتقاء. عندما نتحدث في منبر يهتم بشكل ثقافي وفني بالسينما، يمكننا أن نقول أن هناك خطا رفيعا يفصل بين نوعين من الأفلام المشاركة في هذه الدورة، إذ هناك تيار حداثي راديكالي، يغلب الاشتغال على الدال السينمائي ويذهب بعيدا، إن صح التعبير، في استنزاف إمكانيات التعبير في اللغة السينمائية، بل إن هذه الأفلام وعلى هذا المستوى، تذهب أحيانا بعيدا في إزعاج المشاهد وخلخلة رغبة التلقي الهادئة لديه، وشاركت من ضمن هذا التيار أفلام متقدمة وتبشر بأن السينمائيين الشباب في البحر المتوسط، خصوصا في إيطاليا واليونان، استوعبوا الرصيد الثقافي السينمائي وقاموا بتوظيفه للبحث عن أشكال تعبيرية جديدة تستفيد مما يسمح به كل ما هو رقمي، وأيضا من تعب المعنى الذي ينتجه التلفزيون، حيث تم استهلاك بعض المواضيع الساخنة بشكل كبير، خاصة في نشرة الثامنة، وبالتالي أصبح ضروريا للسينما، في بحثها عن خصوصية متفردة، أن تخلق مسافة في علاقتها مع الواقع. وهذه الأفلام الموسومة بالحداثية الكلاسيكية، والتي تكون تجريبية أحيانا، تسعى لخلق المعنى ابتداء من الشكل، لتصل إلى تأسيسه مع المشاهد، كانت حاضرة بقوة، ويمكن لنا أن نقول بكل سعادة أنها مرت بسلام. أما النوع الثاني من الأفلام والتي تقع في الجانب الآخر من الخيط الرفيع، فيظل انتماؤها إلى الأنوية التقليدية -ليس بالمعنى القدحي للكلمة- والتي ترى أن قوة الفيلم تأتي من قوة الموضوع، وهذا إغناء للتنوع الذي نسعى إليه. * بخصوص الأفلام المتوسطية (غير المغربية)، كيف يتم اختيارها إن كان هناك اختيار، أم يقبل كل ما يتم اقتراحه للمشاركة بدون فرز؟ - بخصوص الأفلام المغربية حسمنا في الأمر، وهناك لجنة مستقلة تقوم باختيارها، وحتى هذه اللجنة يمكن أن يكون فيها نقاش، هل هي مستقلة فعلا أم لا، رغم أنها لم تأت هكذا مرة واحدة ومن فراغ، بل إنها لم تكن في وقت ما، ثم تم إنشاء لجنة تضم المهنيين، وأخيرا أصبح فيها النقاد والصحفيين فقط، وهي مازالت مفتوحة على التطور. وبالنسبة للجنة الأخرى المتخصصة في اختيار الأفلام الأخرى المتوسطية، العمل فيها جد شاق ومرهق وبالتالي هناك لجنة فنية دائمة يترأسها مدير المركز السينمائي المغربي ورئيس المهرجان، وهو الذي يحسم مثلا عندما يحتد النقاش في اختيار فيلم معين. هذه اللجنة الفنية تقوم بما يسمى الإعلان عن الترشيحات appel à candidatures، ومع تطور الموقع الإلكتروني للمركز السينمائي المغربي أصبحنا نتقدم فيها بشكل جيد، ومباشرة بعد نهاية هذه الدورة سنعلن عن تاريخ الدورة القادمة وسنفتح باب الترشيحات، وقد ساعدتنا هذه العملية كثيرا، إذ لم نعد ننتظر حتى آخر لحظة لمشاهدة الأفلام، خصوصا أنك حينما تكون متأخرا تضطر لقبول ما يرسل إليك كيفما كانت قيمته الفنية. وهذه اللجنة يترأسها المدير الفني للمهرجان وتتكون من الأطر الأخرى للمركز السينمائي المغربي، والتي تشتغل في مجال المهرجانات، وانفتحنا هذه السنة على بعض الفعاليات الفنية المحلية لمدينة طنجة، بعض الجامعيين الذين لديهم تجربة في ميدان الفيلم القصير ولديهم علاقات في حوض المتوسط، ثم لدينا بعض أصدقاء المهرجان المغاربة وبعض الأصدقاء خارج المغرب الذين يقومون بعملية الربط مع بعض المخرجين لإثارة الانتباه لبعض السينمات التي ليست لها فرصة للظهور، إضافة إلى أن أطر المركز السينمائي تحضر المهرجانات الدولية، ومنذ سنوات أصبح لدينا حضور عادي ومستمر في أكبر مهرجان عالمي للأفلام القصيرة وهو «كليرمون فيران»، وحضور في مهرجان «كان»، ولكن حضورنا في مهرجان «كليرمون فيران» ليس لأخذ الأفلام التي عرضت به وشاركت في مسابقته الرسمية وفازت بجوائزه، وإلا سيصبح مهرجان طنجة مهرجانا للمهرجانات، بل العكس هو الصحيح، إذ أن المسؤولين بمهرجان «كليرمون فيران» كانوا متواجدين حينما فاز الفيلم البرتغالي «أفتر تمورو» بالجائزة الكبرى في الدورة ما قبل الأخيرة للمهرجان المتوسطي بطنجة، فتساءلوا أين وجدناه.. إضافة لهذا هناك دول لديها مركز قومي للسينما كسوريا ومصر واليونان.. نأخذ ماتقترحه، ولكن لا نكتفي بذلك فحسب، بل نظيف المستقلين، حتى لا نسقط في السينما الرسمية التي تمثل الدولة. إضافة إلى هذا نستفيد من تجربة دول كإسبانيا التي ترسل لنا مشاركاتها عبر الجهات، فالباسك التي لديها شكل تنظيمي جميل تكون أول من يرسل مشاركاته وتليها الأندلس ثم جهة مدريد، وذلك بمعدل 20 فيلما لكل جهة، ولهذا غيرنا القانون الأساسي للمهرجان الذي كان يسمح لكل دولة بالمشاركة بثلاث أفلام كحد أقصى، ليصبح خمسة أفلام لكل دولة، إذ ليس من اللائق أن دولة ترسل ثمانين فيلما ونختار منها ثلاثة فقط. * الآن والمهرجان قد بلغ دورته الثامنة، ماذا يمكن أن يقال كخلاصة لتطوره عبر دوراته السابقة، وما هي الآفاق المأمولة؟ - هذا سؤال جوهري واستراتيجي، فرغم أن الدورة الثامنة قد تبدو صغيرة وقصيرة بالمقارنة مع المهرجانات التي بلغت الدورات الثلاثين والستين، لكن واقع هذا العصر يحتم علينا أن نتكيف ونتغير في خمس أو ست سنوات فقط، وهذا يفرض علينا عدة أمور، من بينها أن البنية التحتية لاستقبال المهرجان يجب أن تتغير، إذ يجب إيجاد قاعة سينمائية كبيرة، إضافة إلى قاعات أخرى في المدينة نظرا للإقبال المتزايد لجمهور طنجة على المهرجان. هناك الآن انفتاح على الخزانة السينمائية «الريف»، لكن مازال هناك ضغط على البنية التحتية للمهرجان. لكن الضغط الكبير يبقى على بنية المهرجان نفسه، والذي ينظم خلال ستة أيام، يوم للافتتاح وآخر للاختتام وتبقى أربعة أيام للعروض، والآن أصبح فوق الطاقة البشرية، إذ أن تلك الأيام الأربعة لم تعد كافية لا بالنسبة للجنة التحكيم ولا بالنسبة للجمهور، فالأمر أصبح جد مرهق لمن يريد المتابعة، ولهذا أضحى مفروضا توسيع الخريطة الزمنية للمهرجان، ولهذا انعكاسات على الميزانية، خصوصا أننا وصلنا إلى هذا في وقت أصبح فيه الخطاب الرسمي يدعو إلى التقشف، لكن للتقشف مناطق أخرى غير هذا الرأسمال الرمزي الذي تساهم فيه السينما بشكل كبير. الضغط الآخر حول تركيبة المهرجان، فهناك تركيبة محورها المسابقة الرسمية وبانوراما الفيلم القصير المغربي ودرس السينما والانفتاح على الأفلام القصيرة بمدارس السينما والندوة الصحفية، والآن هناك ضغط كبير للشباب قصد اقتراح فقرات أخرى، إذ آن الأوان للانفتاح على الفيلم القصير المتوسطي الوثائقي، والفيلم التحريكي وأفلام الفن التجريبي، حيث تأتينا أفلام منبع قوتها من كونها تجرب نفسها. *تم الحوار مساء اليوم الأخير للمهرجان قبل الإعلان عن النتائج .