1- أحقاد والساحة حاشدة كالزكام، طبع حركة يده بقدسية الظاهر. دسّها يستخرجه من جيب عند ضلعه الأيسر؛ دون عناء سبابته وإبهامه أوصلاه للورقة البيضاء. سلاحه السّري والذّري ألهب في خطبته نشيد الميعاد: - ألا أنيبوا إلى رشدكم يا أبناء آدم. ولّوا قلوبكم شطر شالوم!.. تعالوا نفتح سويا صفحة في بياض هذا الكتاب. كلنا لغزة، وغزة دار للجميع !... شيء ما ضغط على زناد... الطلقة سافرت منذ ألف عام. ارتجاجاتها الفزيائية تمتطت تقرع صواوين حيفا. تهاوى الحاخام إلى الخلف من فوق المنصة. الكتاب الأبيض انزاح منه إلى أسفل. استنفار.. هلع .. هدوء. مدّ إسماعيل يدا يلتقطه. قرأ العنوان: التلمود! 2- البلبل.. بهندامه المهلهل، وقف بجراح غائرة في شارع الرشيد... من قلبه تناهت إلى عدستيه مشاهد بالأسود والأبيض من شريط الدنيا الوثائقي. استدار يعاين ما حوله... غص الشارع المرصوف بالأشباح. الأجساد لفافافات سجائر عتقت الديكور الجنائزي.. امتصه الدخان إذ شعر بأنه قطعة غيار في جرد الأكسيسوارات المبرمجة لفيلم صامت احتفاء بالشرق الأوسط الجديد. أطلق صرخة تعوي!.. لم يدو صوته سوى في عقله..! وقتئذ أدرك أن الحريق شب في الرشيد، وبابل البلبل في القفص. أما الأرض، فأمسكت عن الدوران. 3- العالم الجديد.. المكان هارفارد.. الزمان أمريكي. دس البروفسير يده في الجيب الداخلي لمعطفه الفضفاض.. فتش يمنة.. يسرة.. أخيرا أخرج ورقة خضراء. رفعها في وجه المدرج بحركة نصف دائرية أعادت طواحين الهواء للاشتغال. - ما هذا الذي أمسك بيدي؟.. دوى سؤاله عبر الميكروفون. جاءه الجواب في شكل سيمفونية بعدة حركات! - م..آءة دولار!.. مآءة دوولار! مآءة دوووولا..ر!.. - من يريد هذه الورقة النقدية؟ - أن....ا ..أن...ا..أن...ا!.. صرخة بعثت كريستوف كولومبس لركوب السفينة ومعاودة اكتشاف العالم الجديد. أنزل يده مكورا الورقة النقدية بين كفيه مرات. رمى بها على المسطبة. تقوس.. التقطها من جديد شاهرا بها في الوجوه. - من منكم لا يزال يطالب بها؟ صوت كورال المدرج نشًد "بالأنا" على كذا تآلف طبقة لحنية. كرر البروفسير تكوير ورقته. رمى بها على المسطبة.. ركلها. داسها بحذائه الخشن.. تقوس... التقطها. سواها تقريبا .شهر بها في وجه المدرج. - هل بينكم من لا يزال يطالب بها؟! كورال المدرج نشدت "بالأنا" على الطبقة الحادة من مقام العجم. ان اااااا!...أن اااااااا!.. أن ااااااااااااااا!.. وقبل أن يستدير ويخط عنوان درس الاقتصاد على الصبورة، قال بصوت كأنما ينعي العالم الجديد: - هكذا أريدكم حينما تتخرجوا، أن تبقوا على قيمتكم مهما حصل!