1 كتابة الأنا في تعيين وجود الآخر، كتابة الآخر لتحديد وظيفة الأنا. هناك كتابة باهرة، طريق الاكتشاف داخل الطموح الإنساني، الوصول للمقدرة الفائقة في محاكاة الذات، التوق لتحصيل التفوق، البراعة وحدها لا تكفي و القدرة على امتلاك اللغة و أسرارها لا يكفي حتى دونما اقتراف للأخطاء، حتى في استعمال الكلمات الدقيقة والصحيحة أيضا؛ وبقدر ما تقترب الكتابة من اللغة البسيطة المستعملة ومكانها عند الآخر فمن خلالها تعيّن الآخر ومكانه على خريطة الفكر و الإبداع. الحالة النفسية و الاجتماعية و السياسية تشي بالآخر واتجاهه في الحياة من خلال الملاحظات و الاقتراب بعلاقات التواصل الدائم مع المحيط فترسمه في صورة كما تريدها و تحمل الصورة ألوانها كما هي في النص والذي لا يخفي معنى الصورة و إن خبأها جائزة لمن يقدّم جهده العقلي و الفكري؛ الكنز يحتاج لنبّاش أسرار. الآخر هنا يفيض بالأحداث يرتدي ألبسة فكرية كثيرة وكلما دعت ضرورة المكان والزمان لذلك؛ جزء من ماضي الذات يصنع حادث الكتابة، يكوّن حضور الذات في النص ولو بتقليد محاكاة الآخر، كتابة الآخر نقلٌ لتجاربه لسلوكياته بواسطة لغة متموّجة تضيع منه وتنتهي إلى شاطئ المؤلف. انتقال الملاحظة الماضية وتكوّنها في استحضار مسألة مفاتيح المعاني الأنا المتقاربة لهذه التجارب؛ والتجارب ظواهر وتحولات للأشياء يعبر عنها الإنسان انطلاقا من حواسه والحواس تختلف من بشر إلى آخر فإن المعرفة ذاتها مشكوك فيها كما رأى ذلك جورجياسgeorgias وبروتاغوراس protagoras1 إن سلوك الآخر بوجه عام هي حقيقة جزء من كياننا جميعا و إن اختلفت مستوياتها. لقد أكد سقراط على حقيقة واحدة موجودة و هي الماهية فإذا توصلنا إلى معرفة الماهيات فإننا نتوصل بالضرورة إلى الكشف عن الحقيقة الكامنة راء كل تغيّر؛ و الحقيقة لا تتمثل عنده في الخصائص المتغيرة التي تبدو في الأشياء و إنما في الخصائص الثابتة لكل نوع من أنواع الموجودات.2 نحن طبيعة واحدة بشرية دلالة مشاركة الآخرين في صنع الكتابة المعتبر ملكية المؤلف. الحقيقة أنّ الآخر يقدّم خدمة ابتغاء جواز الوجود للذات لولاه ما انفتحت مسألة الفكر والبحث و لما اتسعت مدارك العقل ولما تحركت دواليب الجوهر في تحفيز رسم العالق في حياتنا القاسية الجارحة حزنا أو فرحا. يعتبر ياسبرز الوجود حقيقة لا يمكن أن تدرك إلا على نحو وجودي عن طريق المعاناة و التجربة و ليس عن طريق التصور و التعريف المنطقي، و الطريقة المثلى لمعرفته هي أن يكون على وعي مباشر ومن أجل أن يفكر في شيء هو بطبيعته لا موضوعي لكنه يفكر فيه في صورة شيء موضوعي و هذا الشيء يكون مجرد وسيط أو وسيلة يجعل ذلك الإنسان واعيا بالشامل."3 فالوجود انبثاق ينجذب دائما نحو وجود آخر، بحث عن اليقين مصدر الوجود و أصله. الذات تكتب تفاعلات كيميائها الباطنية فتتشارك مع آلاف الحالات الكيمياء نفسها والمعادلة نفسها، الذات تتحرر في النص من قيد اللحظة وترفض الواقع حين تمثّل فعلها وتغير زمنها لتقدّم حريتها في الاعتراف، الاعتراف المحدد لحريتها المنفلتة. الذات في الكتابة تكسّر قيدها لتخالط ذوات كثيرة في رحلة تلتقي فيها بماضي صنعته الجماعة على اعتبار التفاعل المباشر كما يحدد ذلك هومانز، الأفراد طالما يتحقق بينهم نوعا محددا من التكامل كما قال لاندكر، ثقافة اعتبارها الجزء من البيئة الذي صنعه الإنسان على حد تعريف تايلور، وعرفا وتحولا إلى وظائف و أدوار . ممارسة الحرية لتثبيت استقرارها و تأكيد حقيقتها تغيير الآخر، تغيير الآخر في اتجاهات مختلفة ووجهات كثيرة التي هي بحاجة للتغيير أو قابلة لتغيير التغيير. الفلاسفة اليونانيون القدامى اعتبروا التغيير يخفي في طياته الحقيقة التي لا يجب أن نربطها بمظاهر الأشياء؛4 ولا شيء جاهز في الذات مهما اكتسبت موهبة من غريزة نائمة أو فطرة في طبيعة اللاشعور، في خضم الكتابة الذات تتحرر لتصنع فعلها بتساوي العقل مع الروح، طاليسthales أكد بأن كل شيء يتغير ويعود إلى مصدر واحد؛5 تصنع فعلها داخل المعنى لتحريك القارئ ندما أو اعترافا بالخطايا، تأثرا أو انقلابا وارتقاء واقترابا من مصدرها الأول الذي انبثقت منه كما أجتهد في ذلك أفلوطينplotin6 واعتبر حركة الذات هبوطا صعودا. الكتابة تصنع فعلها زمن التدوين أو في لحظات القراءة كما فِعْلُ الجلد و السوط الذي يحدث أثره في اللحظة ثم يزول بزوال العقوبة ؛ والذات حركة مستمرة تبدأ من عالم الذات إلى الكون الذي انبثقت منه إلى الخارج (الآخر) إلى الواقع (الفساد) الذي تنتهي إلى مواجهته لأجل هدف التصفية و المجاهدة إلى الصعود نحو الأفضل الذي أصدرت كتابتها عنه. الكتابة الرديئة تصنع الأثر السيئ و الذات القارئة الرديئة تصنعه أيضا. التناقض بين المسألتين واضح إذ أن الواحد لا يتغير لأنه بسيط أما الذي يجب أن يتغير فينبغي أن يكون مرّكبا كتابة رديئة و قارئ رديء. الكتابة التي تتغير الذات في سطورها و لا تثبت تحدث معنى الفعل داخل الآخر تحرّك لتتوغل لتحفر عميقا فتطوّر من الفكر وتصبغ عليه رغبة في ذلك. فأنكسمندرanaximandre يعتقد أن هناك لا نهائيا من خواص كامنة تنبعث من الحرارة والبرودة الصحة و المرض والأشياء تحمل التناقضات. في زمن كتابة الذات يتساوى أحيانا الآخر مع الذات كثيرا و الذات باحثة عن هذا التساوي لأجل إنتاج خطابها المعرفي و الأدبي و الجمالي وتسويقه، وأحيانا في بحثها عن المعرفة تشترط انتقال العقل من حالة القوة إلى الفعل و الانتقال ليس بفعل الإنسان ذاته بل بتأثير عقل آخر وهو يتجاوز العقل الإنساني(العقل الفعّال) كما قال بذلك الفارابي.7 الكتابة في السوق الإبداعية تعجّ بأنواع البضائع الأدبية و الفكرية و الفلسفية لأن الكِتاب تحوّل إلى صناعة و سوق. الكتابة الجيدة الحاملة للذات والآخر في جدلية دياليكتية ونقاش مستمر في التفاوض والإقناع تمثل البضاعة النادرة المتهافت عليها لأنها تحمل أصالتها دون زيف. الذات ارتباط بحوادث متتالية ومتغيرة وكل منها له سبب معقول يرجع إليه حدوثه كما قال ابن خلدون8 فإذا فهمت الأسباب فهمت الحادث و أثبتته وهذا هو قانون السببية. الكتابة كما الوجود تجربة وتغير و تحوّل وبحث عن هدف أسمى، لا يمكن للكتابة أن تعطى دون وجود تحمله لأنه لو كان كذلك لنفينا صفة التغير. علّقت الدكتورة فريدة غيوة حيرش حول التغير عند الفلاسفة الوجوديين المؤمنين من أمثال كيركاد وياسبرز وجابريال مارسال " نحن نخرج من ذواتنا ونعرف من خلال هذا الخروج المطلق أو الله لكن هذه العملية تعني في نفس الوقت أننا نتغير ونصير إلى الوجود لا خارج الوجود." يتبع