حسين أبو سعود شاعر عراقي، يحترف الكتابة في الرأي ويجعل القصيدة تولد في غرف ذهنه الخلفية، مشغول بالهم العراقي برمته، سألته عن رأيه بإشكالية الثقافة العراقية بالمرحلة الراهنة؟ - كل مرحلة ولها مشاكلها وتعقيداتها واشكالياتها والإنسان لم يمر بفترة خالية من المحن منذ أن هبط الي هذه الأرض وعليه فالمرحلة الراهنة لا تختلف عن المراحل الأخرى إلا في المد والجزر، ويجب أن يتم التفريق بين المثقف وبين أدعياء الثقافة فالذي يتمنطق بمسدس ويمتهن كتابة التقارير لا يمكن أن يعد ضمن زمرة المثقفين ولو كان من حملة الشهادات، والذي يجلس وسط الأثاث الفاخر ويستخدم قلمه لتزوير الحقائق ليس بمثقف. إن آفة الثقافة هي التشرذم وعدم احترام الرأي الآخر وانا اعتبر المثقفين الذين انخرطوا في الأحزاب المختلفة الدينية منها والعلمانية غير جادين ما لم يفرضوا علي أحزابهم احترام الآخر وتقبل الاختلاف، وما يحدث في العراق حتى الآن هي مخلفات الدكتاتورية وما هدمه السياسيون لا يستطيع المثقفون أن يبنوه في يوم وليلة والحياة تظل تعاني من الثغرات ولن تصل درجة الكمال أبدا.انه الامتحان الصعب والمستمر للمثقفين. إذن ما سبب العلاقة المتأزمة بين المثقف والسياسي من ناحية وبينه وبين الديني من ناحية أخرى؟ - المثقف رتبة ودرجة وشرف ومكانة وهو صفة يجب أن لا تطلق علي كل من يعرف القراءة والكتابة ولا علي كل من ينظم شعرا آو يكتب مقالا وإنما يجب أن يطلق علي كل إنسان يعرف حدوده الإنسانية وعلي كل من قدم شيئا للبشرية ولو بكلمة تساهم في إشاعة السلام، عالمنا عالم ملتهب منذ إن وجد والناس أعداء بعضهم البعض وكان من الضروري أن تظهر طائفة في كل مجتمع تدعو الي الوئام والمحبة والصفاء والأمان والي كل شئ جميل وهم طائفة المثقفين. المثقف مميز لا يحارب الخير أبدا ولو كلفته حياته والمثقف يدعو للسلام عندما تنشب الحروب. وعليه فالمثقف ليس لديه حساسية من الديني المتطرف ولا من السياسي المتمصلح حتى ولا مع الجهلة والغوغاء فهو يتماشي معهم ويقدر ظروفهم ولكنهم لا يتماشون معه ويريدون صياغته وفق قوالبهم، وهذا ما يرفضه المثقف. كيف يستطيع المثقف أن يحدث تغييرا في مجتمعه؟ - المثقف يتميز عن الآخرين بأنه يعاني أكثر وهو يعطي أكثر ويأخذ أقل ولا يستطيع أبدا إحداث تغيير شامل كامل في أي مجتمع ولم يسجل التاريخ له ذلك ولكن غاية الأمر انه يرفع صوته بالإصلاح ويحلم بالجمهورية الفاضلة ويملأ الدنيا شعرا ونثرا وألوانا وإزهارا وغناءا وتغريدا ويدعو الي الفضيلة عندما تنتشر الرذيلة ويدعو الي النور عندما يشتد الظلام نعم إذا أعطيت له الحكم وهيهات أن يُعطي الحكم للمثقفين فقد يستطيع أن يغير العالم انه سيفتح أبواب المطارات ويلغي القيود والتأشيرات ويطلق جميع العصافير المحبوسة من أقفاصها، انه سيعطي معني للصباح وللعيد. المثقف لا تتحقق أمانيه أبدا وهكذا حال المصلحين والانقياء. ما هي مهمة المثقف في هذا المضمار وكيف يستطيع أن يجعلها تأتلف كثيرا وتختلف قليلا؟ - الواقع الثقافي العراقي ليس واقعا مستقلا بذاته انه مرتبط بالواقع الثقافي المحيط به والثقافة إذا افترضنا إنها تعني بناء الحضارة الإنسانية فان واجباتها تتشابه في جميع المجتمعات وبناء الحضارة البشرية واحد لا يتجزأ ومن قضي زهرة حياته في البحوث العلمية حتى توصل الي اكتشاف حبة الباراسيتامول لم يشترط استعماله علي بني جلدته أو أبناء وطنه أو أتباع دينه ومذهبه وهذه الحبوب السحرية الموجودة في أوربا وأمريكا هي نفسها الموجودة في إسرائيل وفي الأردن في العراق وفي إيران وفي أفغانستان ودارفور، إنها العالمية وأنا أتمني للثقافة العراقية أن تكون مؤثرة ومتأثرة بالايجابيات المحيطة بها، فالمثقف واجبه التقريب وليس التخريب و يدعو الي الائتلاف وليس الي الاختلاف والإتلاف و يعمل علي جمع الشمل وليس تفريقه، وأنا لست قلقا علي مستقبل العراق، والعراق سيبعث من جديد ويمارس دوره مرة أخرى برفد الحضارة الإنسانية بكل ما هو جديد و مفيد. ما حال الثقافة في العراق؟ - في العراق كثرت الأقنعة، ومشكلة الأقنعة أنها تتشابه فصرنا لا نعرف المثقف الحقيقي من الدعي، الأسماء تتشابه وكذلك الأقلام والأدوار تتشابه فلم نعد نعرف من ضد من؟ وإذا كان كل من في المدينة يرتدون القفازات فان دم القتيل يذهب هدرا ولن نهتدي الي الفاعل الحقيقي، والفاعل الحقيقي في العراق مجهول، من يدمر؟ من يهدم؟ من يفخخ؟ من يقتل الفرح في عيون الأطفال؟. ولكن هذا ليس مدعاة للإحباط فالعراق فيه طاقات جبارة والعراق محط تعاطف من قبل المجتمع الدولي، وعندما انتشر مثقفوه في أقاصي الأرض احتجاجا علي الظلم والدكتاتورية إنما كانوا يريدون أن يوصلوا رسالة السلام والمحبة والإنسانية الي العالم اجمع، ومازال غناءهم في المنافي يشبه البكاء، وبكاءهم يشبه الغناء، العراق ضحية لحفنة من الظلاميين وقوي الشر الخارجين علي العقل والضمير،العراق سينتصر لا محالة وان كثرت الأقنعة. فما بين النخبة والغوغاء خيط رفيع والنخبة دائما كانت ضحية الغوغاء الذين لا يعرفون ماذا يريدون وقد يكون منهم حملة شهادات وأصحاب مطابع وأرباب قلم وشتان مابين نعيقهم وبين تغريد النخبة التي تعمل لغيرها وتوزع علي الآخرين خيرها وترضي بالقليل وأما الغوغاء فلا حد عندها للطمع والجشع وحب الذات وتحقيق الغايات بغض النظر عن الوسائل ولا يهمها حتى سفك الدماء فتسعي لتحقيق أمانيها الزائفة الي صلب المسيح وقتل الحسين وتسبي النساء وتهلك الحرث والنسل وتصبغ الأنهار بلون الدماء كل هذا والمثقف لا يستطيع أن يطأ زهرة أو يدوس علي حشرة. المثقف الحقيقي أمان الله في الأرض فهل تلتفت إليه الحكومات وتستأنس بهديه وتعمل برأيه في بناء المدن البهيجة؟.