الرابعة صباحا: مازالت تتجول في بهو الدار عارية وكأسها في يدها ممتلئ عن آخره بنبيذ من النوع الرديء، هو يقرأ قصيدة لمتصوفة مجهولة عاشت على ما يبدو في القرن الرابع الهجري، لم يدعها لجلسة مضاجعة أوتوماتيكية كما كانا متعودين، بل كان منبهرا باكتشافه لأوراق صفراء لشاعرة تهيئ طقوس الانفلات من الذات، يتذكر ذلك اليوم شديد المطر يقوم بجولته المعهودة في شوارع مدينته المخنوقة بالعسس ويدلف من زقاق عتيق بحي يهودي، وجدها هناك وحيدة منكمشة بين كومة نفايات، ولأنه متعود على التقاط الأشياء الغريبة لاستعمالها في لوحات الكولاج، فلم يضيع فرصة الظفر بكنز ثمين من الأوراق الصفراء، ظن في البداية أنها أوراق لتلميذ فاشل في مادة الرياضيات أو الفيزياء. خبئها في جيب معطفه الفاحم.. "بثينة" اسم يرن كأجراس كنيسة عملاقة. سحرته موسيقى اسمها الذي يتوسط قلبا مرسوما بقلم رصاص في صدر الصفحة. "إذا صراطك المستقيم يريد فتمنى الشاعر - فقط - عنك وفيك" في غرفته الوردية يقرأ للمرة المليون نفس الأسطر الشعرية، لم يبهر بشاعر في حياته أكثر من انبهاره ببثينة المرأة اللغز. بالتأكيد ليست ككل النساء اللواتي عرفهن سواء في بار "لوفرونسي" أو "لو ريف" أو أي واحدة قابلها في محطة الحافلة أو جنب البحر، لا يعرف شيئا عنها غير هذه الأبيات، لكن في ذاكرته ضباب من وجهها. ربما قابلها في زمن آخر. ربما كانا مستنسخين على هيئات أخرى. ليس في هيئة حيوان على حسب معتقدات الهنود. بل بصفات هلامية. فلا يمكن لبثينة إلا أن تكون امرأة هلامية. اقتحمت خلوته "سامية" ونبيذ الدرجة صفر يفوح منها: - ضاجعني - فيما بعد أنا الآن مشغول - مشغول -هه- سبع صنايع والرزق ضايع - لماذا اخترقت مضجعنا، تخيلي أنك تمارسين الجنس معي، نبيذك سيقوم بالمهمة. - نسرين على حق قالت لي دائما صديقك ممسوس بالجن والشياطين الخالق تختلف عوالمه عن بقية الخلق. - وماذا جنيت من التخربيق الذي تفعله صباح مساء. على طول الخط مفلس وحزين - حزن الكتابة أهم من فرح الحياة - ضاجعني قلت لك ابحثي عن رجل غيري، لست سوى قلم حبر يصلح فقط للكتابة. ------ فاشل، لست رجلا - سامية وهل أنت أنثى، يجب أن تؤمني اليوم بانعدام التصنيفات القديمة، الحلزون هو الحيوان الوحيد المرتاح من مخلوقات الله، إنه يضاجع نفسه. حاولي فعل ذلك.. تخرج غاضبة من الغرفة باصقة على الأرضية ترتدي ملابسها بسرعة وتصفق خلفها الباب. هناك نساء كثيرات بعدد حبات المطر الذي يلتصق بزجاج النافذة. نساء سيأتين ويذهبن تبقى سوى عطورهن أو نتانتهن على جسده المنهك، جسده الذي يزيد نحولا كلما قرأ بيتا من أبيات بثينة، هي فقط يبقى عطرها الشرقي، الغامض، كأنه قادم من قافلة من بلاد الفرس محملة بالحرير وبالعطور السرية التي تستعملها نساء السلطان ولا تظفر بها باقي النساء.