سلوى الشودري، من مواليد مدينة تطوان، تنحدر من أسرة أندلسية الجذور، ترعرت وتربت في أسرة مولعة بالشعر والموسيقى الأندلسية والعربية..سلوى الشودري عشقها للفن الطربي الأصيل جعلها تتوجه للمعهد الموسيقي بتطوان، لدراسة الصولفيج والنظرية، لتنتقل بعد ذلك إلى المعهد الوطني للموسيقى بالرباط، بهدف الاستفادة من دروس في غناء الموشحات العربية. حبها للغة العربية جعلها تتخصص في مادة الأدب العربي بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان. شكل حفل تأسيس جمعية لليتامى، سنة 1989، أول مناسبة تقدم خلالها الشودري أول أعمالها الفنية، لتتواصل مسيرتها الفنية، بإصدارها سنة 2004، ألبومين غنائيين للأطفال، خصصت مداخيلهما لجمعية اليتامى، وخلاله تعاملت مع مجموعة من كبار الشعراء المغاربة، من بينهم أحمد عبد السلام البقالي، والطاهر الكنيزي، والوافي فؤاد، وحسن مارصو، وتضمنا حوالي 13 أغنية موجهة إلى الأطفال، كما نظمت وشاركت في العديد من الحفلات والملتقيات الخاصة بالجمعيات، التي كانت ترأسها، خاصة فرع المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين، وجمعية المحبة والإخلاص، فضلا عن مشاركتها في العديد من الندوات والحفلات، من بينها مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية، كباحثة في أغنية الطفل، لتتوج مسارها الفني سنة 2006، بجائزة "خميسة" التي تمنح للمرأة المغربية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة (8 مارس). في هذا الحوار مع "المغربية"، تبرز الفنانة سلوى الشودري، مجموعة من الجوانب في مسارها الفني والجمعوي، وحياتها الخاصة، إلى جانب تقييمها لمجموعة من التظاهرات التي شاركت فيها. ما هو جديدك الفني؟ أنا بصدد التحضير لعملين اثنين، الأول بعنوان "قصائد المتنبي" من ألحان الموسيقار علي عبد الله من العراق، إذ التقينا منذ سنوات في مؤتمر الموسيقى العربية بالقاهرة، وبقينا على اتصال، وافتتنت بهذا العمل. وكنت سعيدة بالثقة، التي وضعها في الفنان علي عبد الله، والتي كانت نابعة من شعوره بأنني أهل لغناء ألحانه، وفعلا بدأت في تنفيذ اللحن مع مجموعة من الموسيقيين المغاربة، منهم إلياس الحسيني على الكمان، ورشدي المفرج في آلة القانون، ومهندس الصوت، الفنان مصطفى هارون. وتطلب منا العمل، جهدا ووقتا طويلين، خاصة أن صاحب العمل لم يكن برفقتنا. ومطلع القصائد: الأولى تقول: واحرا قلباه ممن قلبه شبم، ومن بجسمي وحالي عنده سقم القصيدة الثانية مطلعها: عيد بأية حال عدت ياعيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد القصيدة الثالثة: إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم القصيدة الرابعة: بم التعلل لا أهل ولا وطن ولا نديم ولا كأس ولا سكن وأشتغل في الألبوم الخامس على قصيدة بعنوان "سيدة الحزن الجميل" للشاعرة المصرية شريفة السيد. ويضم كذلك قصائد لمجموعة من الشاعرات العربيات، وهي من ألحاني. كما أحضر لقصيدة "النائمة في الشارع"، لشاعرة أدب المهجر نازك الملائكة، رحمها الله من العراق، وقصيدة للشاعرة الأردنية سهير داوود بعنوان "هذا أنا"، وقصيدة لأمل طنانة من فلسطين بعنوان "لا تغلقوا فمي". ومازلت أبحث عن قصائد أخرى لشاعرات أخريات يروقني شعرهن، لأن عملية البحث هي الأصعب. وعندما كنت في القاهرة، التقيت بالدكتور جمال سلامة، وعرض علي فكرة إعادة غناء بعض من ألحانه الدينية، وفرحت بهذا العرض، وأتمنى أن يوفقني الله في ذلك، لأنها أغاني رائعة وستظل خالدة، خاصة أغنية "محمد يا رسول الله"، التي غنتها ياسمين الخيام. كيف كانت مشاركتك الأخيرة في مصر؟ شاركت في شهر فبراير الماضي، في الليلة المحمدية، بمناسبة المولد النبوي الشريف، التي تقيمها دار الأوبرا المصرية، والتي كانت أولى مشاركتي كمطربة، لأنني كنت أشارك دائما كباحثة في مؤتمر ومهرجان الموسيقى العربية. كانت مشاركة ناجحة ورائعة بالنسبة إلي، إذ استقبلني الجمهور المصري بحفاوة كبيرة، خاصة أنني أثناء الحفل أخبرتهم أنني جئتهم خصيصا من أرض المغرب، لأحتفل معهم بهذه المناسبة الطيبة. وأشكر كثيرا الدكتورة جيهان مرسي، مديرة قسم الموسيقى الشرقية، التي دعتني للمشاركة، التي قدمتني إليها وفاء بناني، زوجة الموسيقار، جمال سلامة، وطلبت مني أن أؤدي مقطوعة مغربية، وهكذا اخترنا "يا محمد صاحب الشفاعة" للملحن عبد القادر الراشدي. وكانت مفاجأة للجمهور المصري، الذي أحبها كثيرا، وأغنية "عليك صلاة الله وسلامه"، بقيادة المايسترو صلاح غباشي. وشاركت أيضا بحفل مماثل، أقيم بالمسرح الجمهوري في المناسبة نفسها، مع فرقة الإنشاد الديني مع المايسترو عمر فرحات، وكانت السهرة ناجحة جدا، تفاعل معها الجمهور بطريقة أبهرتني. لماذا اخترت الغناء الصوفي في بداية مسارك الفني؟ مند أن بدأت أفكر في الغناء بجدية، كنت أتمنى أن أغني قصائد صوفية ودينية، خاصة القصائد الفلسفية مثل قصيدة لأبي الحسن الششتري: أيها الناظر في سطح المرى أترى من ذا الذي فيه ترى هل هو الناظر فيه غيركم أم خيال منك فيه قد سرى وكانت من أولى الأغاني التي لحنتها، كنت أشعر بمتعة كبيرة وأنا أنشدها، لأنها تحمل معاني عظيمة في العشق الإلهي، وأيضا في الرسول الحبيب عليه أفضل الصلوات. كيف ترين مستوى الغناء الصوفي بالمغرب؟ المغرب معروف بالغناء الصوفي منذ القدم، خاصة في الزوايا، وأغلب القصائد التي تغنى في الموسيقى الأندلسية بكل أشكالها، هي قصائد في العشق الإلهي، لذلك فمستواها جيد، أما بالنسبة إلى الغناء المعاصر، فأغلب ما هو موجود هو أغاني في المدح مأخوذة من التراث الشعبي ألأندلسي. ألا تعتبرين بأن جمهور اللون الصوفي والملتزم في المغرب محدود، مقارنة مع باقي الألوان الموسيقية؟ هناك اختلاف كبير بين الغناء الصوفي والغناء الملتزم، الغناء الصوفي هو غناء عالمي، له خصوصياته من شعر ومقامات، وهذا ما نراه جليا في مهرجان الموسيقى الروحية بفاس، ومن المشاركات، التي تأتي من كل العالم، وهو لا يقتصر على ديانة دون أخرى، أما الغناء الملتزم، فهو الذي يهتم بقضايا المجتمع، مثل مارسيل خليفة، الذي يهتم بالقضية الفلسطينية. أما بالنسبة إلى جمهوره فهو محدود، لأنه يخاطب الطبقة المثقفة جدا، والقادرة على فهم هذا النوع من الموسيقى والشعر والإحساس به. لماذا تخصصين ريع أغلب حفلاتك لفائدة الجمعيات الخيرية؟ كنت سعيدة جدا وأنا أغني من أجل قضايا إنسانية، وكنت أشعر أنه لدي شيء يمكن أن أساعد به مجتمعي، خاصة الأطفال الفقراء والمحتاجين، فكنت أضرب عصفورين بحجر واحد، أحقق متعتي في الغناء وأساعد تلك الجمعيات. هل تعتبرين أن ذلك يجب أن يكون من أولويات الفنان؟ ربما، فالفنان لديه قدرة كبيرة على العطاء إذا استطاع، وهذا يعود بالتأكيد لقناعاته في الحياة، فالفنان يملك حب الناس، وعبر الفن يستطيع أن يقوم بأشياء كثيرة لفائدة مجتمعه، وهذا ما نراه في البلدان المتقدمة، لأنه يأخذ حقه بالكامل المادي والمعنوي، ولكن في بلدان العالم الثالث، الفنان هو الذي يحتاج إلى المساعدة، وفاقد الشيء لا يعطيه، لذلك، تظل، ربما، حالتي خاصة، لأنني لم أحترف الفن، بل يشكل لي عشقا ورسالة، أود من خلالها أن أمرر العديد من القضايا، التي تعيق تطور مجتمعنا. وأبلغ مثال هو أغنية "النائمة في الشارع"، التي يدور موضوعها حول موضوع أطفال الشوارع. هل تفكرين في أغان جديدة للأطفال؟ نعم لدي مشروع كنت شرعت فيه منذ سنوات، وهو توظيف الألحان الشعبية في أغنية الطفل. وأول قطعة اشتغلت عليها هي من كلمات الشاعر حسن مارصو، ومن ألحاني، وقام بتوزيعها موسيقيا رشدي المفرج، واستعملت فيها "الطقطوقة الجبلية" للمناطق الشمالية، وأنا مقبلة حاليا على إدراج ألوان شعبية أخرى من مناطق مختلفة، ومن المنتظر أن تكون جاهزة قريبا. ماذا أضاف لك تتويجك بجائزة "خميسة" سنة 2006؟ هذه الجائزة تحاول أن ترد الاعتبار لمجموعة من الكفاءات النسائية في مجالات متعددة، وأعتبرها شهادة تمنح نوعا من المصداقية للمرأة في كل أرجاء الوطن، وأصبحت تتميز بمكانة مهمة في المجتمع، وهذا ساعدني في الاستمرار في عملي الجمعوي، خاصة أنني الآن أترأس جمعية لمساندة مرضى القلب والشرايين، وهو مجال أجد فيه كافة ميولاتي وراحتي في الاشتغال. ألا تفكرين في تصوير أغانيك بطريقة الفيديو كليب؟ أكيد أفكر في تصويرها، وقد التقيت، أخيرا، ضمن فعاليات مهرجان المبدعات العربيات بتونس، مع المخرجة السينمائية العراقية المقيمة بسويسرا، عايدة شليفر، وخلاله اتفقنا أن ننجز عملا مشتركا عما قريب. كيف تقييمين مشاركتك الأخيرة في مهرجان المبدعات العربيات بتونس؟ شاركت بورقة حول مفهوم الحداثة في النسيج الإبداعي الموسيقي، خاصة لدى النساء، وقدمت تجربتي في اللحن والغناء، فنالت استحسانا من قبل الحاضرين. وضم المهرجان مجموعة من المبدعات من كل الدول العربية في الشعر، والقصة، والفن التشكيلي، والإعلام، وشكل فرصة جعلتنا نلتقي لبحث مجموعة من الأفكار، المنتظر أن تتوج بمجموعة الأعمال المشتركة. كيف ترين مستوى الأصوات الجديدة التي تعرفها الساحة الفنية المغربية حاليا؟ أصوات جميلة، لكنها تفتقر إلى أهم عنصر، يتمثل في المؤسسات الإنتاجية، التي تستطيع أن ترعاها. العديد من القنوات التلفزيونية تقدم برامج تهتم باكتشاف المواهب الشابة في الغناء، كيف ترين أداء هذه المواهب؟ هذه البرامج للأسف، تصنع للفرجة، لا يهمها مطلقا الأصوات الجيدة، لأنها تعتمد على التصويت عبر مجموعة من وسائل الاتصال. لكن للأسف فتلك المواهب تصاب بخيبة أمل كبيرة بعد أن تقصى بالطريقة ذاتها، وتظل تعيش على أمل أن تجد طريقا آخر تظهر من خلاله، ويبقى مستواهى جيد طبعا، لكنها تحتاج إلى الدراسة والمتابعة، وإلى الاحتضان الموسيقي والمالي. ألا تظنين أن الحجاب سيمنعك من الشهرة السريعة؟ ربما، لا أدري، لكن شخصيا لا يهمني الانتشار السريع بقدر ما يهمني أن أقدم عملا لن أندم عليه أبدا، وأظن أن العمل إذا كان جيدا سوف يصل إلى الجمهور، لكن المهم أن يظل عالقا في الذاكرة. وارتداء الحجاب، يشكل لي قناعة شخصية، وأظن أن كل إنسان لديه الحق في اختيار نمط حياته، المهم أن لا يؤذي أحدا.