تعززت المكتبات المغربية بمؤلف جديد للدكتور إدريس لكريني (أستاذ القانون والعلاقات الدوليين ومدير مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات بكلية الحقوق في مراكش) يحمل عنوان: العلاقات الدولية: مفاهيم أساسية وقضايا معاصرة، ويقع الكتاب الذي صدر أخيرا عن مطبعة النجاح الجديدة بالبيضاء؛ وبتوزيع مكتبة المعرفة بمراكش ضمن 168 صفحة من الحجم الكبير. يسعى الكتاب - حسب مؤلّفه - إلى تحقيق غايتين أساسيتين، أولها؛ الوقوف على أهم النظريات والمدارس المتعلقة بالعلاقات الدولية والنقاشات التي طرحها رواد مختلف هذه الاتجاهات، ورصد مدى قدرتها على الصمود في وجه التحولات الدولية الراهنة وتفسيرها للواقع الدولي المتطور، وثانيها؛ يرتبط بتسليط الضوء على عدد من القضايا الكبرى التي شهدتها الساحة الدولية منذ تأسيس الأممالمتحدة إلى الآن، والتي شكّلت في مجملها محكّا لطرح عدد من التصورات والمقولات الجديدة ومواكبة وتطوير مثيلاتها التقليدية.. يشير الكاتب إلى أن الإسهامات الفكرية والاجتهادات في مجال الدراسات الدولية التي ظهرت ما قبل التسعينيات من القرن الماضي، تشكّل إرثا معرفيا هاما، يعكس في مضمونه طبيعة العلاقات الدولية التي عمّت في هذه المرحلة، بقضاياها وانشغالاتها وأولوياتها وتوازناتها وتطوراتها.. حيث أتاحت المقتربات التي ظهرت خلال هذه المرحلة بالتعاطي مع الظواهر والقضايا الدولية من زوايا مختلفة، لتفسير هذه الأخيرة، والسعي إلى بناء نظريات قادرة على التنبؤ، أسوة بعدد من العلوم الأخرى.. يشير الكاتب إلى أن الواقع الدولي الذي أفرزته التحولات الدولية ما بعد الحرب الباردة، وضع الكثير من المفاهيم التي ظلت سائدة على امتداد عدّة عقود موضع تساؤل، وفي مهبّ تحولات العولمة التي عززت من تشابك العلاقات الدولية من حيث تنامي البعد الاقتصادي، وانتشار التكنولوجيا الجديدة.. فمفهوم القوة لم يعد مرتكزا إلى المقوّم العسكري فقط، بل ازدادت أهمية القوة الاقتصادية وامتلاك التكنولوجيا الحديثة.. وتصاعدت أدوار الفاعلين من غير الدول كالمنظمات والشركات الكبرى، فيما تعزّزت الحماية الدولية للفرد، كما أن مفهوم السلم والأمن الدوليين الذي ظل لعقود من الزمن مقرونا بغياب التّهديدات العسكرية، أضحى أكثر شمولية واتساعا، مع تزايد الاهتمام بقضايا تلوّث البيئة وجرائم الإرهاب الدولي، وتعاظم الجريمة المنظمة.. وهي المتغيرات التي فرضت من جهة أولى، تطوير آليات تدبير المخاطر، انسجاما مع التعقيدات التي باتت تطرحها الأزمات في عالم اليوم، ومراجعة العديد من المفاهيم التقليدية التي أضحت متجاوزة من جهة ثانية.. وسمحت بظهور نظريات ومقولات جديدة، حاولت وضع تفسيرات للواقع الدولي الراهن بإشكالاته وقضاياه المختلفة، والتنبؤ بمساراته وبمآلاته اعتمادا على مقتربات جديدة. حرص المؤلّف على رصد بعض الاتجاهات النظرية الدولية الجديدة، وتسليط الضوء على بعض القضايا الدولية الراهنة، والتي تعكس في مجملها تطورا في المفاهيم التقليدية، سواء على مستوى تحليل طبيعة النظام الدولي الراهن والمواقف المتضاربة بشأنه، وتناول مستقبل الزعامة الأمريكية، ومكانة الصين في النظام الدولي الراهن، اعتمادا على التبدّلات التي طالت مفهومي القوة، وتغيّر موازين القوى.. أو على مستوى استحضار التهديدات والمخاطر العابرة للحدود، والتي طرحت مفهوما جديدا للأمن في جوانبه الداخلية والعابرة للحدود، وفرضت مراجعة الكثير من الأدبيات التقليدية الواردة في هذا الخصوص. ليخلص الكاتب إلى أن مجمل الانتقادات التي واكبت تطوّر النظرية في العلاقات الدولية، لا تنتقص في حقيقة الأمر من أهمية وجدّية الجهود المعرفية المتراكمة في هذا الخصوص، كما لا تحدّ من قيمة العلاقات الدولية كعلم، بقدر ما تحيل إلى دينامية هذا الحقل المعرفي وتطوراته ومواكبته للمتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية في جوانبها التعاونية والصراعية، وهو ما يؤكّد أن هذا العلم مرشح للتطور أكثر، انسجاما مع المواضيع والقضايا التي أفرزتها التحولات الميدانية الدولية والتي ضاق خلالها الهامش بين ما هو داخلي وما هو دولي.