تختلف المقاربات والتحاليل التي تتخذ النص الدرامي موضوعا لها حسب الأدوات الإجرائية المقترحة للمقاربة والتحليل. وبالتأكيد ليست هناك أداة واحدة بل أدوات. هذه الأخيرة، لاسيما إذا كانت أدوات مستنبطة اعتمادا على تحاليل داخلية، تعد مفاتيح لولوج النص الدرامي وتفكيك فسيفساء وأسرار البنية الدرامية. إنها فسيفساء لأن اللغة الدرامية لا تعتمد على الحوار الدرامي فقط، بل قد يكون أيضا للصمت بعد دلالي في تلك البنية. هذا فضلا عما تقدمه الإرشادات المسرحية من إشارات لا يمكن إغفالها في التحليل والمقاربة. وبالتأكيد، فإن التصورات النظرية والأدوات الإجرائية التي قد يخضع لها النص الدرامي الواحد ليست موحدة. وهي منحدرة من الأبحاث الدرامية والمسرحية التي تتخذ من النص الدرامي والعرض المسرحي موضوعا لها، أو من علوم ومعارف أخرى؛ فكم هي عديدة المصطلحات، التي يتم توظيفها في التحليل الدراماتورجي وتحليل الدراما والمسرح، التي انحدرت أول مرة من تلك المعارف والعلوم. وهذا في الحقيقة مصدر غنى يقود إلى تعدد القراءات والمقاربات، لاسيما إذا كانت هذه التصورات محكمة في صياغاتها النظرية المعلنة أو الضمنية وإذا كانت هذه الأدوات مضبوطة. هذا دون نفي إمكانية التقاطعات التي قد تحصل بين هذه التصورات وهذه المقاربات المختلفة للنص الدرامي الواحد أو العرض المسرحي الواحد، ودون نفي أحدها أو إحداهن، أي أحد التصورات أو إحدى المقاربات، للآخر والأخرى. انطلاقا من هذه الاحتياطات النظرية سأقدم قراءة إجمالية للنصوص الدرامية التي يتضمنها كتاب "الجرافات لا تعرف الحزن" لقاسم مطرود، الذي تضمن عنوانا فرعيا يحدد نوعية النصوص التي يتضمنها. هذا العنوان الفرعي هو "مسرحيات". هذه الأخيرة تعني هنا نصوصا درامية. لقد وصفت هذه القراءة بالإجمالية لأنني سوف لن أحلل كل نص على حدة، بل سأقوم بتحليل إجمالي جامع لها. إن المنهجية السليمة تقتضي إنجاز تحليل لكل نص درامي على حدة، مع إمكانية إنجاز مقارنة بين هذه النصوص الدرامية فيما بينها على مستوى كل بنية وخطاب دراميين. ومعلوم أن لكل نص درامي خطابه الدرامي. ومع ذلك سأقوم بهذه القراءة الإجمالية لاسيما وأن هناك خصائص مشتركة بين هذه النصوص الدرامية على مستوى الشخصيات والموضوعة Le thème تحديدا. وقبل مباشرة التحليل الداخلي، لابد من الإشارة إلى أن المبدع الدرامي عموما ينفعل بالمحيط العام المباشر فيعقله أي يدركه إدراكا عقليا، ويفعل فيه فعلا قد يتجاوز هذا الفعل الإبداع الدرامي، إذ قد لا يقتصر الأمر على الفعل الدرامي أو المسرحي بل قد يكون، بالإضافة إلى هذا الفعل الأخير، أي الفعل الإبداعي، فعلا في الحياة كذلك. والفعل الدرامي يبنى بأدوات درامية. هذا التعبير الدرامي يوجهه موقع المبدع الدرامي ووجهة نظره ومقصديته. من بين الأدوات الدرامية التي يتوفر عليها المبدع الدرامي لتشكيل عالمه الدرامي والمتخيل الدرامي، هناك الشخصية الدرامية. هذه الشخصية الدرامية وكذلك المسرحية تكون في حالة فعل وفي دائرة فعل كذلك قائم على الصراع، إذ يعتبر هذا الأخير ركنا أساسيا في الدراما والمسرح. ذلك أنه "إذا كان هناك مسرح فهناك إذن أطراف متكلمة في حالة صراع، وفي حالة عدم التوازن، وكذلك هناك عالم اجتماعي مصغر من شخصيات لم تجد أفضل وسيلة للتعبير غير هذا الشكل الصراعي"[2] الذي هو الشكل الدرامي. لا أريد أن أتطرق إلى مفهوم الشخصية الدرامية والشخصية المسرحية من الناحية النظرية. فقد تناولت هذا الموضوع في مبحث مستقل في كتابي "دراسات في المسرح"[3]. لكن أود أن أشير إلى أن عدم التوازن المشار إليه، وحالة الصراع، والأطراف المتكلمة، أي الشخصيات الدرامية هنا، هي العناصر الأساسية التي سأركز عليها في تحليلي للنصوص الدرامية المذكورة. في هذه النصوص الدرامية هناك صنفان من الشخصيات. الصنف الأول يتكون من شخصيات ذات علاقة حميمية. وتجسدها شخصيات الأم –الزوجة- الزوج- الإبن- الأخ- البنت. هذا الصنف من الشخصيات تقدمه النصوص الدرامية في حالة يأس وإحباط. وهو مغلوب على أمره وذو نفسية جريحة. أما الصنف الثاني من الشخصيات فهو على العموم هلامي وغير مصرح به لفظا تارة، لكنه، حسب وضعيته في الصراع الدرامي، سلطوي؛ أو مصرح به اعتمادا على وظيفته المهنية (ضابط التحقيق) تارة أخرى. هذا الصنف الثاني يشكل الطرف الثاني في معادلة الصراع الدرامي غير المتكافئ. وهناك علامة لغوية يمكن استنباطها من الأفعال اللغوية و الدرامية تدل على هذا الصنف. هذه العلامة هي ضمير "هم" الموجود في هذا التعبير:" لا أتذكر شيئا سوى تداخل أصوات رجال غابت عن قلوبهم الشمس (برهة) ركلوني عدة ركلات بعد أن جرجروني من سرير نومي" ثم "هم أغلقوا باب غرفتي بعد أن بعثروا أشيائي. ثم أدخلوني صندوقا كبيرا فيه كان يتبدد عمري" بالإضافة إلى هذا الضمير "هم"، هناك "الرجل" غير المحدد الملامح سوى أنه "على هيئة محصل القطارات" هذا الأخير كان يقدم للزوج والزوجة القناني. تقديم هذه القناني تخلل هذا النص الدرامي من بدايته إلى نهايته. والملاحظ هو أن هذا الرجل لا يتكلم، ولكنه يقوم بأفعال مثل التدوين في دفتر صغير، وتصدر عنه حركات وأفعال مختلفة الدلالة في ثنايا النص الدرامي. فقد تدل على أمر ما موجه منه إلى الزوج والزوجة، أو دعوة إلى السكوت... هذا "الرجل" غير المحدد الملامح والهوية، صدرت منه ابتسامة في نهاية النص الدرامي. كان صدورها متزامنا مع ترديد الزوج والزوجة للشعارات التالية: "(يكرران الجمل الأخيرة دون أن نفهم معناها.. الحرب للرجال؛ دماؤنا فداء للمحرقة؛ سنرميهم في البحر؛ الموت للأعداء؛ حتى ولو بآخر قطرة دم. يبتسم الرجل بعد أن يضع جميع القناني. يخرج)”. لكن المفارقة هي أن هذا الأخير إذا كان يبتسم أثناء ترديد تلك الشعارات فإن الزوجة والزوج كانا "ينظران إلى الجمهور مع تساقط الدموع دون بكاء" إن ترديد شعارات متفائلة مع تساقط الدموع والبكاء شيء متناقض. قد يدل على ترديد تلك الشعارات بالإكراه. وانطلاقا من هذا التأويل نفهم الإشارة الموجودة في الإرشادات المسرحية وهي: "يكرران الجمل الأخيرة دون أن نفهم معناها" وهناك ذكر لشخصية تدخل في إطار الصنف الثاني ذات صفة محددة؛ هذه الشخصية هي "ضابط التحقيق" الذي صدرت منه أفعال تدل على ممارسة السلطة القائمة على العنف والقهر تجاه الصنف الأول، دونما اعتبار لكرامة الإنسان. هذه الأفعال هي: الصفع، البصق، إطفاء السجائر على خارطة الجسد[4] . هناك كذلك القتلة، "إني لا أحسن البكاء لأن أنهاري جففها الرصاص لا أجيد الغناء لقد سرق القتلة ألحاني" كما جاء على لسان العجوز في "الجرافات لا تعرف الحزن". ولأن الأمر كذلك، فإن عددا من هذه الشخصيات، وأمام جبروت وسطوة الصنف الثاني، لم تجد أمامها سوى الدين بوصفه ملجأ وعزاء لها، أو المزيد من القناني، وبالتالي المزيد من الشرب، المقدمة لها من قبل "الرجل". من مظاهر جبروت الصنف الثاني من الشخصيات تجاه الصنف الأول هناك قطع الساق واليد، استبدال الساق بعصا، الجنون، الذاكرة المشروخة، انطفاء ضوء الجمال، الموت في حرب مجهولة، التجنيد الإجباري، القبر، تبديد أحلام الأطفال والتلاميذ إذ عوض تحقيق هذه الأحلام يكون التجنيد الإجباري، سرقة الأحلام (عدم بناء سطح الدار) في هذه النصوص الدرامية تحضر المفردات و العلامات العسكرية حضورا لافتا. إذ هناك البندقية، اللون الخاكي، الرصاص، الزي العسكري، البذلة العسكرية، الملابس العسكرية، المعسكر التدريبي، الحذاء (البسطال)، الحرب الموصوفة بكونها مجهولة. إنها مجهولة بالنسبة للذين يخوضونها ميدانيا، وليس الأمر كذلك بالنسبة للذين يخططون لها ويقومون بتدبيرها. وبطبيعة الحال، فهناك مفارقة اجتماعية كبيرة بين المنفذين ميدانيا والمخططين والمدبرين. هذا فضلا عن كون الحرب بالنسبة لهؤلاء الأخيرين ليست مجهولة بل معلومة. إنها وسيلة للاستمرار في مواقع المسؤولية وإصدار الأوامر. وإذن فهم المستفيدون من هذه الحرب. أما شخصيات الصنف الأول فهي المنفذة والضحية في الوقت نفسه. لقد نتجت عن هذه الحرب بالنسبة لشخصيات الصنف الأول مظاهر سلبية متعددة تركت بصماتها واضحة على الجسد والروح معا. ومنها: 1- التشوهات الجسدية. هناك إشارات إلى الأطراف البشرية المبتورة، بل إلى أفظع من ذلك. ومثال ذلك حينما ذهب الزوج والزوجة إلى قبر ابنهما واستحضرا روحه ثم وجهت إليه الأم الخطاب مباشرة باستعمال ضمير المخاطب أنت وكأنه أمامها، وهو خطاب موجه من أم حية إلى روح ابن مقتول، مات في حرب لا يدرك الهدف الحقيقي منها، فضلا عن كونه أجبر على خوضها على حساب مستقبله. تقول هذه الأخيرة ويجيبها الزوج: "أين ذهبت يا ولدي كان بودي سماع صوتك وأن تستقبلني بقدر الشوق الذي يحركني (إلى الزوج) أين تطوف روحه الطيبة الآن الزوج: يتفقد أصحابه ممن شاركوه الحياة. أحدهم مات بعد موته بعام لكنه بقي في الأرض الحرام حتى تفسخ جسده (برهة) أشهر طويلة وهما يلملمان ما تبقى من العظام ويبحثان عن الأجزاء المفقودة فقلبه في بطن نسر وعينه ابتلعها غراب وأطرافه تقاسمتها الكلاب وما تبقى كان من حصة ديدان الأرض". 2- اضطراب الذاكرة. ومنه عدم القدرة على تذكر الماضي وعدم التمييز بين الحلال والحرام. 3- الكوابيس واليأس والتشاؤم. وقد بلغ هذا التشاؤم ذروته حين تم الإفصاح عن النفور من الولادة ذاتها أي من الحياة و الرغبة في الموت. ففي حوار افتراضي بين ابن مفقود في معركة وأب مجروح، يقول هذا الأخير: "لماذا تدفعني إلى البوح بالأسرار ومعرفة نبض الجراح طالما قررت أن لا يعقب ليلي نهار. لو كنت أعلم أنك المصير لعلقت طفولتي على أعمدة النور ولعنت ساعة الولادة التي ألقت بي إلى بوابة القبر" لم تعد إذن تعني الولادة، في هذا العالم المبني على الخوف والتخويف وأداء التحية بالإكراه والتجنيد الإجباري، الحياة، بل بالعكس، وأمام قوة المعاناة النفسية وعمقها، صارت الولادة تعني الألم والحزن و الرغبة في الموت. 4- أزمة نفسية عميقة. فعلى سبيل المثال قول الزوجة التي فقد ولدها في المعركة وهي تتذكره: "لكنه نام وتركني وحدي في ساحة الحرب أتجرع البرد والتوسلات متوجة بموت ولدي ذلك الضوء الذي اختفى". إنها حرب نفسية داخلية، من تجلياتها الشعور بالوحدة النفسية رغم التواجد وسط الجموع البشرية. دليل ذلك قول الزوجة في النص الدرامي "رثاء الفجر": باه (برهة) لأول مرة أشعر بالوحدة والعزلة رغم جموع الناس المكتظة حولي والذين يواسونني خير المواساة هذه الأزمة النفسية يزيد من تعميقها الصمت. هذا الأخير يتخلل عددا مهما من الحوارات. ووظيفة هذا الصمت الناطق هي الإشارة إلى عمق هذه الأزمة و عمق الجروح النفسية. في أجواء الدمار و الحرب غير المقدسة والمجهولة بالنسبة لشخصيات الصنف الأول، تصير الحناء دما وتمزق العروس ثوبها بعد انتظار طويل دون أمل في العودة وتستبدله بثوب الحزن. في هذه النصوص الدرامية تحضر موضوعة الانتظار بشكل لافت. ولكنه انتظار الذي لم يأت ولن يأتي أبدا. وذلك لأن هذا الذي يتم انتظاره موجود في العالم الآخر بسبب الحرب التي يؤدي فاتورتها البشرية والمادية البسطاء والفقراء، أي الصنف الأول من الشخصيات. في هذا الجو المفعم بالحزن واليأس، لا يتوفر الإعلام الرسمي على أية مصداقية. فقد بلغ اليأس بالزوج في النص الدرامي "نشرب إذن" درجة قصوى جعلته يقول:"سأتبول على التلفاز" وهو ما كان ليتلفظ بهذا التعبير لولا يقينه بوجود مفارقة كبيرة بين المادة الإعلامية التلفزية الرسمية والواقع. لقد تم تصنيف الشخصيات الدرامية حسب طبيعة الصراع وموقعها فيه. لكن هناك شخصية تم استحضارها عبر الذاكرة . إنها شخصية شيخ المسجد. وهذا التعبير الأخير يجعل من هذه الشخصية شخصية دينية، من المفروض أنها ترمز إلى القيم الدينية الإسلامية ومكارم الأخلاق وتجسدها. لكن المعجم اللغوي الذي تلفظت به الزوجة في النص الدرامي "رثاء الفجر" يحيل على العكس تماما. تقول هذه الأخيرة: "عانيت منهم كثيرا. فقد طلب مني شيخ المسجد مبلغا ضخما عن كل سورة يقرؤها ثوابا وترحما عليك وإذا أعاد قراءة السورة تضاعف الأجر طبعا. وأحيانا لا يكمل القراءة لكن الأجر كما هو أو يصرفني بالذهاب إلى المنزل مدعيا أنه سيكمل قراءة الباقي في المسجد". إن ضمير "هم" الموجود هنا يدل على شخصيات الصنف الثاني. لذلك فإن شيخ المسجد واحد من هؤلاء الذين يشملهم هذا الضمير اللغوي، وإن كان دوره لا يتعلق هنا بممارسة السلطة القهرية، ولكن دوره هو الابتزاز واستغلال الدين الإسلامي والشعائر والمشاعر استغلالا ماديا، دون مراعاة أو اعتبار لهذه المشاعر والحالة النفسية والوضعية المادية الصعبة (باعت الزوجة أثاث المنزل). وعليه، فليس هناك شكل واحد للاستغلال؛ وإنما هناك أكثر من شكل وأكثر من صورة واحدة. والجدير بالإشارة هو أن لمفهومي "المسجد" و"الشيخ" دلالة مهمة بالنظر إلى طبيعة تركيبة المرجع العام الذي يرتبطان به هنا. ومن حيث البنية الزمنية، هناك تداخل بين الماضي والحاضر في كثير من المواقع في النصوص الدرامية موضوع التحليل. تداخل تساهم فيه الذاكرة. وهذا مثال واحد فقط. "الزوج:.....وقبل منتصف الليل طلبت مني الجلوس قربك. وجلست تسألنني: (يمثلان المشهد) الزوج: هل رجع ابنك؟ الزوجة: خرج مع أصدقائه ولم يعد بعد الزوج: سأنتظره (يعود إلى ما كان عليه) تصوري أنني مازلت أنتظره الزوجة: (تعود إلى ما كانت عليه) أتذكر ما طلبت مني وقتها" في هذا الحوار مثلا هناك الزمن الذي دار فيه الحوار. والمفترض دراميا أنه "الآن". لكن زمن الوقائع يتعلق بالماضي (طلبت، جلست تسألينني). والمشهد الممثل "الآن" جرى في الماضي. وعبارتا "(يعود إلى ما كان عليه)، و(تعود إلى ما كانت عليه)" فاصلتان بين الزمنين. لكن الملاحظ هو هيمنة الأفعال التي جاءت في صيغة الزمن الماضي في الحوار الدرامي أو التي لها دلالة زمنية ماضية وإن كانت صيغتها النحوية تتعلق بالمستقبل مثل "سأنتظره"، وهو هنا مستقبل بالنسبة للماضي وليس للحاضر. وسبب ذلك أن الشخصيات المحورية، وهي من الصنف الأول، مشدودة إلى الماضي وهي في حالة انتظار وترقب أو في إطار استعادة الأجواء الماضية كالطفولة والتمدرس والأحلام التي تم إجهاضها. إضافة إلى ما سبق ذكره، هناك لغة شعرية أحيانا تتخلل الحوار الدرامي. هذا علاوة على إنطاق الموتى[5] . وهذا لا يحدث إلا في المتخيل. وهو في هذه الحالة متخيل درامي. كما أن هناك عناية بالإرشادات المسرحية Les didascalies، التي تساهم في إضاءة و توضيح الحالة والموقف. وهذا يدل على أن الكاتب حين كتابته لهذه النصوص الدرامية كان يضع الخشبة المسرحية أو الركح في الحسبان. إن هذه الإرشادات، التي تتضمن تفصيلات فنية وتقنية تثري اللغة الدرامية، توجه وتساعد في التقاط الرسالة الدرامية. وقد تم انتقاء مفرداتها انتقاء يدل على الثقافة و الخبرة المسرحية التي يمتلكها الكاتب. وقد كانت نهاية "الجرافات لا تعرف الحزن" نهاية مفتوحة، حيث كانت خاتمتها هذه العبارة: "(الحكاية لم تنته بعد؛ لأن العربة لم تتوقف)”. وهذه إشارة دالة، تم التعبير عنها بواسطة شكل درامي مفتوح. ذلك أن هذا الشكل الدرامي المفتوح هنا أسلوب فني، ولكنه يحمل دلالة فكرية تدل على أن المأساة كانت ما تزال مفتوحة حين كتابة هذا النص الدرامي. وقد نشر النص الدرامي "للروح نوافذ أخرى" سنة 1997، وقدم على مسرح الرشيد في نفس السنة. ونشر النص الدرامي "رثاء الفجر" سنة 1998، ثم غادر الكاتب العراق أما النص الدرامي "الجرافات لاتعرف الحزن" فقد كتب سنة 2001/2002. كانت الكتابة الدرامية إذن قبل يوم التاسع من ابريل 2003 . وأزمنة الكتابة الدرامية الخاصة بهذه النصوص الدرامية لها دلالتها غير الخافية. هذه الدلالة تتعلق بالمرجع أي بالسياق العام، حسب الرؤية الفكرية العامة المؤطرة لهذه النصوص الدرامية. وهي رؤية فكرية اخترقت وتجاوزت السطح والظاهر لتلامس العمق والباطن. ولذلك انحازت هذه الرؤية الفكرية للإنسان وقيمه ومشاعره. وبعبارة أخرى، انحازت إلى الحقيقة الإنسانية وليس إلى المصلحة الذاتية. فكان لابد من ثمن بالنسبة لصاحب تلك الرؤية، أي المؤلف الدرامي، أمام قوة وعنف وشراسة المرجع أي السياق العام حسب الصورة المقدمة عنه في هذه النصوص الدرامية. لقد كان الثمن هو الهجرة الاضطرارية بحثا عن الحرية والقيم الإنسانية المفقودتين. لقد تمت الإشارة سابقا إلى الحضور القوي للذاكرة والاسترجاع في هذه النصوص الدرامية. وبالنظر إلى ثقل الأحداث التي تختزنها هذه الذاكرة وخطورة انعكاستها النفسية على الصنف الأول من الشخصيات على الخصوص، فقد أمست هذه الأحداث منقوشة وموشومة فيها، إلى درجة أنها أثرت عليها هي نفسها. ولذلك يجوز القول بأنها ذاكرة موشومة. أحمد بلخيري باحث مسرحي من المغرب