عندما المطر يتأخر تكون مياهه مبهجة عند الفلاح، لكن معظم الناس لا تحفل بسقوطه المتأخر عن وقته.. فهل كان زفافي المتأخر بزوجتي مبهجا لها، وكنت غير حافلا به؟..إذن فليجري كما تجري مياه المطر المتأخرة، أو فلأنطح رأسي مع الحائط..فالزفاف أتى وزوجتي تلح على إقامته وهي فرحة كالطفل تحت قطرات المطر، لا يعبأ بعواقب الأيام المقبلة ! المطر خيطا من السماء أتت به إحدى مؤسسات الدولة، بإعلانها للأسر المعوزة عن خبر تنظيم زفاف أحد أفرادها المقبلين على الزواج، وذلك بإقامة عرس جماعي لهم.. وهو الخبر الذي نقلته إلي زوجتي هذا المساء، سحابة ممطرة على وجه السرعة، لأنها وفي جعبتها ثلاثة أطفال وفي عمرها الأربعين ونيف لا تزال تحن إلى اليوم الذي قد يأتي لنقيم فيه حفل زفافنا، الذي لم نستطع أن نقيمه عندما عقدنا على بعضنا منذ سبعة عشر سنة..وكنا قد خططنا لهذا الزفاف من دون جدوى، ولما استعصى علينا إقامته أقامنا هو حين قبِلنا زوجين من دون زفاف..زفّنا الزفاف على طريقته السهلة والبسيطة..فالزفاف كان رحيما بنا، وكان يبتسم لنا وهو يذكرنا بأنه هو الحاكم بأمره علينا..وكنا نلاطفه ونومئ له بأنه مولانا وسيدنا، وكان يمنينا بأنه آت لا محالة..وقد أتى ولو متأخرا، فوفى بوعده الذي قطعه على نفسه ! وكانت ظروفنا المعيشية قد اضطرتنا لكي نظل نتخبط من أجل جمع مال الزفاف.. حتى قبلنا هو بالعيش داخل صعوبة الزفاف..وهكذا بقيت أفراحنا كلها داخل الصعوبة، من صعوبة إقامة الزفاف إلى صعوبة إقامة حفلات العقيقة لطفلينا، إلى صعوبة إقامة حفل الختان لطفلنا، إلى صعوبة تلبية فرحة أخته بحفل ختانه، إلى صعوبة استكمال تعليمهما، إلى صعوبة إقامة حياة مستقيمة تستجيب لقواعد شروط الأسرة..وهكذا حتى أتتنا فرصة إقامة زفافنا الجماعي..ولما أتتني زوجتي فرحة بهذا الخبر المفرح، اقترحتُ عليها أن تبادر هي إلى تقديم الطلب إلى مؤسسة الدولة بإقامة زفافنا الجماعي..لكنها خجلت من عدم تلبية الطلب، ففهمتُ أنا أنها تلقي بالكرة في ملعبي..حينها قلت لها: أنت تعلمين منهجي في الحياة، الذي من بين قواعده الأساسية تقديم ما هو مفروض على ما هو مشروط..وبهذا المنهج ظللنا طول عشرتنا نقدم سومة الكراء على حفل الزفاف، وسومة الدواء على حفلتيْ العقيقة، وسومة العيش السنوي على سومة الأفراح الموسمية..فماذا تراني أفعل إذا ما قبلت مؤسسة الدولة بطلبي للزواج الجماعي، فحتما سأطلب منها كذلك أن تضع ثمن الزفاف في يدي.." وقبل أن أتمم بقية كلامي، لقفتني زوجتي ثائرة كخبط المطر وهي تزمجر وترعد: وهل ستخضع ثمن الزفاف إلى منهجك الذي ضيع علينا كل الأفراح؟ فأجبتها كعهدي مع أسئلتها المستنكرة: بل سأضعه هذه المرة بيد طفلينا، وسأترك لهما الخيار ما بين إقامة حفل زفافنا أو إقامة حفل طلباتهما العديدة التي طال انتظارها، فما رأيك؟ ردت زوجتي والحسرة كالجفاف على سحنتها: بل أطلب الله أن لا تضع مؤسسة الدولة ثمن زفافنا بين يديك..وحتما لن تجاريك مؤسسة الدولة لأنها تعلم أنها فرصتنا الأخيرة لحفل زفافنا، وسيتبرؤون حتما من منهجك هذه المرة، إذ سيسألونك: فماذا عن حفل زفافكما والفرصة لا تُتاح سوى مرة في العمر؟ فأجبت زوجتي كعهدي: إذن سنؤجل زفافنا لفرصة عمرنا التي قد تُتاح كما أتيحت أختها، أليس بهذا التأجيل قضينا عمرا من حياتنا؟