في إطار أنشطة الدورة السادسة لمهرجان تاصميت للسينما والنقد ببني ملال تنشط الكاتبة لطيفة باقا لقاء مع المخرج السينمائي محمد مفتكر، على شاكلة ماستر كلاس، وذلك ليلة الجمعة 2 دجنبر 2022 ابتداء من الثامنة. فيما يلي ورقة بقلم أحمد سيجلماسي حول هذا المخرج المتميز: محمد مفتكر مخرج مغربي يعمل بتأن وثبات، يعطي لكل عنصر من عناصر التعبير السينمائي حقه ووقته لكي ينضج، ليس متسرعا في الإنجاز لأنه يتوخى الجودة والإتقان. في رصيده لحد الآن ثلاثة أفلام روائية طويلة هي تباعا الدراما السيكولوجية "براق" (2009) والكوميديا الاجتماعية "جوق العميين" (2014) والدراما الاجتماعية "خريف التفاح" (2020)، توجت كلها بجوائز معتبرة داخل الوطن (المهرجان الوطني للفيلم بشكل خاص) وخارجه. ولعل قاسمها المشترك، هي وأفلامه القصيرة "ظل الموت" (2003) و"رقصة الجنين" (2005) و"آخر الشهر" (2007) و"نشيد الجنازة" (2008)، هو الاشتغال على تيمة الأب والعلاقة المتوترة أحيانا بينه وبين الإبن. فالأب حاضر بقوة في جل أفلام هذا المخرج البيضاوي القصيرة والطويلة، بحيث نشعر ونحن نشاهدها أنه لم يستطع لحد الآن التخلص من وطأة الأب وكأنه يرغب شعوريا أو لا شعوريا في تصفية حساباته معه بما لها وما عليها. أفلام إذن تحضر فيها ذاتية المخرج وذكريات أليمة وجميلة من طفولته، لا يستلهم مواضيعها وشخصياتها من الواقع وإنما من ذاته وما يعتمل داخلها من مشاعر، فكل فيلم من أفلامه هو بمثابة سفر طويل، ممتع ومؤلم في آن، في/ ونحو اللاشعور الذي ما هو إلا تراكم لكل ما عشناه وورثناه منذ زمن غابر، وكل واحد منا يحمل داخله القصة المأساوية للبشرية جمعاء (من حوار أجرته معه كوثر فردوس، منشور بعدد 3 أبريل 2020 من "ملاحظ المغرب وإفريقيا"). كما تحضر فيها عنايته الفائقة بالتفاصيل والجزئيات وتحكمه النسبي في أدوات السرد، الشيء الذي يضفي على هذه الأفلام صدقا وخصوصية يميزانها عن غيرها ويجعل من مبدعها رائدا من رواد سينما المؤلف بالمغرب، رغم محاولته الخروج من دائرة هذه السينما النخبوية إلى دائرة سينما الجمهور العريض في فيلمه "جوق العميين". محمد مفتكر من المخرجين المثقفين، المواضبين على مشاهدة أفلام الرواد (ستانلي كوبريك نموذجا) وغيرها وعلى التمتع بمختلف العروض المسرحية والموسيقية وغيرها وعلى القراءة والاطلاع على أمهات الأدب والفكر والعلوم، ولهذا فأفلامه ممتعة فكريا وفنيا ومثيرة للنقاش، وأفكاره وتصريحاته وحواراته وكتاباته جد مقنعة بعمقها وصدقها ووضوحها وتلقائيتها وتواضع صاحبها، فهو فنان صاحب رؤية ومشروع ولا ينطلق في كتاباته السيناريستية والإخراجية من فراغ. بالنسبة إليه، ليس مهما ما تحكيه أفلامه من قصص ومواضيع وإنما الأهم هو كتابتها البصرية وكيفية توظيفها لمختلف أدوات التعبير من تصوير وموسيقى وتشخيص ومونتاج وأصوات مختلفة وغير ذلك لجعل المتلقي يحس بها، فالإحساس أهم من الفهم لأنه هو الذي يدوم. يذكر أن محمد مفتكر من مواليد الدارالبيضاء يوم 4 شتنبر 1965، تابع بعد حصوله على شهادة البكالوريا (آداب عصرية) سنة 1984 دروسا جامعية في الأدب الأنجليزي من 1985 إلى 1989. كما تابع دروسا جامعية بمونبوليي بفرنسا سنة 1991 واستفاد في نفس المدينة من تدريب في كتابة السيناريو سنة 1992 ومن تدريب مماثل بتونس سنة 1994، وفي سنة 1997 تلقى تدريبا في التقطيع التقني بألمانيا. لم يكتف بهذه التداريب فقط بل انخرط في معمعة الممارسة السينمائية إلى جانب المبدع الكبير مصطفى الدرقاوي وغيره، حيث وقف عن قرب على مراحل إنجاز الأفلام وتفاصيل العمل السينمائي، وتدرج في تخصصات تقنية عدة إلى أن أصبح مساعد مخرج، وعندما استأنس في نفسه قدرة على الإبداع كتب وأخرج باكورة أفلامه القصيرة "ظل الموت" سنة 2003، وساهم في كتابة سيناريو الفيلم الروائي الطويل "هنا ولهيه" (2004) إلى جانب مخرجه الراحل محمد إسماعيل، وكتب سيناريو الفيلم التلفزيوني "انكسار" (2006) من إخراج عبد الكريم الدرقاوي. وبعد مرحلة الأفلام القصيرة، بما في ذلك فيلمه الطويل "محطة الملائكة" (2009) المشترك بينه وبين هشام العسري ونرجس النجار، أقدم وعمره 44 سنة على إخراج باكورة أفلامه الروائية الطويلة "براق" وأردفه بالفيلمين الآخرين "جوق العميين" و"خريف التفاح" بمعدل فيلم طويل كل خمس سنوات تقريبا. هذا بالإضافة إلى فيلم قصير بعنوان "حجر/Confinement" صوره بهاتفه الذكي سنة 2020 بطلب من المركز السينمائي المغربي، إبان جائحة كورونا، وعرض على المنصة الرقمية للموقع الإلكتروني الرسمي للمركز المذكور إلى جانب أفلام أخرى من توقيع فوزي بن السعيدي وطالا حديد وحكيم بلعباس وياسين ماركو موروكو وعادل الفاضلي. تجدر الإشارة في الأخير إلى أن الدورة 12 لمهرجان الرشيدية السينمائي (من 9 إلى 13 نونبر 2022) قد احتفت بالتجربة السينمائية لهذا المخرج المغربي المبدع من خلال عرض جل أفلامه الطويلة والقصيرة وتنظيم لقاء مفتوح معه وندوة حول أفلامه شارك فيها ثلة من النقاد والباحثين والأساتذة الجامعيين، ستصدر أشغالها لاحقا في كتاب.