كيف يمكن للثقافة أن تكون مدخلا من مداخل التنمية السياحية؟ وما السبيل إلى جعل تراث البلدان ومآثرها وأنماطها الحضارية عامل جذب للسياح عوض الاقتصار على الطرق التقليدية في السياحة؟ وإلى أي حد يمكن أن تساهم الأسفار والرحلات السياحية في التقريب بين الأفراد والجماعات، وفي تكريس قيم المحبة والتسامح والسلم والتعايش؟ هذه الأسئلة وغيرها شكلت محور اهتمام المشاركين في المؤتمر الدولي "استكشاف آفاق للسياحة الثقافية" الذي انطلق مساء الأحد 28 أبريل في مسرح البحرين الوطني، والذي يُعقَد في المنامة بصفتها عاصمة السياحة العربية للعام 2013 بالتعاون ما بين وزارة الثقافة والمنظمة العالمية للسياحة وبمشاركة مجموعة من الوزراء وممثلي المنظمة العالمية للسياحة وخبراء واقتصاديين من مختلف أنحاء العالم وعدد من الشخصيات الدبلوماسية والمستثمرين في القطاع السياحي وغيرها من الجهات والمنظمات ذات الصلة. نيابة عن عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، قام الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء بافتتاح المؤتمر الدولي حيث أشار إلى أهمية مثل هذه اللقاءات قائلا: "إن البلدان في يومنا هذا بحاجة إلى مثل هذه المؤتمرات التي تسمح بوجود جلسات حوار وورش عمل موسّعة يشارك فيها خبراء دوليون بأفكار بنّاءة تُسهِم في دعم السياحة والتبادل الثقافي في ظل تطوّر مفهوم السياحة الثقافية"، مؤكدًا أن مثل تلك المفاهيم لا تقتصر على المكوّنات والمؤهّلات الوطنية من ثروات تاريخية أو أثرية، بل تنسجم كذلك مع المناسبات والظروف التي تعمل على تنويع المنتج السياحي وجذب الزوّار، حيث أوضح أن مختلف الفعاليات من مؤتمرات وندوات ومعارض وفنون وبرامج أخرى سياحية من شأنها التعبير عن الحالة الثقافية للشعوب وتعزيز التواصل وترسيخ المفاهيم الحضارية والتاريخية والثقافية. كما أشار نائب رئيس مجلس الوزراء إلى الدور الحكومي في تحقيق تنمية سياحية فاعلة لاعتبار هذا القطاع واحدًا من أهم القطاعات الاقتصادية التي ترفد الدخل القومي للدول، مبيّنًا: "لقد عملت الحكومة على تعزيز دور هذا القطاع ودعم صناعة المعارض وتشجيع الندوات والاهتمام بمختلف المؤتمرات التي تُعقَد في مملكة البحرين إيمانًا منها بأهمية هذه العناصر في دعم قطاع السياحة الثقافية". من جهتها، أشادت وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بدعم عاهل البحرين لهذا اللقاء الدولي، مشيرةً إلى الأهمية التي يكتسبها قطاع السياحة الثقافية، لكون منجزاته صناعة لسيرة الأوطان ومؤثرًا حقيقيًا في التنمية الاقتصادية. كما وجّهت شكرها لمنظمة السياحة العالمية والمنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة اليونيسكو اللتين ساهمتا في إنجاز المؤتمر الدولي. كما أعربت وزيرة الثقافة عن سعادتها باستضافة المنامة لهذا الحدث الاستثنائي الذي تحتفي من خلاله العاصمة البحرينية بفكرة السفر والسياحة عبر معالجات موضوعية وحبكٍ متقن للعلاقة ما بين السياحة والثقافة، مشيرةً إلى أن "المنامة تكبرُ اليومَ بامتلاءٍ حميم بجميعنا، لم يعد يكفيها التأريخ البعيد، بل تستثمر أيضًا إنسان اليوم، وتواصل صنيع الحضارات فيها تباعًا حتى تصيغ مستقبلها". كما أوضحت أن التدويل للسياحة الثقافية من شأنه أن ينسج في تناوله وأطروحاته أشكالاً مبتكرة لهذه المادة، ويبحث عن منجز عالمي تُسهم فيه المنامة خصوصًا بعد استرسالها خلال العامين الأخيرين في تقديم جدلياتها الثقافية والفكرية وأطروحاتها الفريدة التي اشتركت العديد من دول العالم في تقديمها، مبيّنة: "منامتنا لم تنسَ بعد عامها الماضي حينما كانت عاصمة للثقافة العربية، إذ تستمرّ الآن وتواصل سفرها في الثقافات، الإرث، التفاصيل الفنيّة والموسيقية، لتشكّل بذلك أجمل أشكال السياحة: السياحة الثقافية". ونيابة عن الأستاذة إيرينا بوكوفا (مدير عام منظمة اليونيسكو)، أوضح السيد بيتر ديبراين مسؤول برنامج التراث العالمي للسياحة المستدامة وممثل اليونيسكو أن الاهتمام بالتراث الإنساني العالمي يتواشج مع فكرتيّ السياحة والثقافة، خصوصًا وأن العديد من هذه المواقع الإنسانية العالمية تمثّل جواذب سياحية وشروحات إنسانية لمختلف الحقب الزمنية، مؤكدًا أن التوجّه لمثل هذه الاشتغالات يطرح استراتيجيات هامّة للمعالجة تتعلّق بالديناميكية والاستدامة لهذه المشاريع. فيما أشاد الدكتور طالب الرفاعي أمين عام منظمة السياحة العالمية بالخصوصية الثقافية والسياحية التي تتمتّع بها المنامة عاصمة السياحة العربية 2013م، موضحًا: "نحن الآن مع المنامة في الوقت المناسب والمكان الملائم، حيث رسائل السلام تنبعث من هذه العاصمة التي تنفرد بخصوصية تاريخية جميلة وبنية تحتية ترتكز على الثقافة". وأوضح الدكتور الرفاعي أن السياحة ظاهرة عالمية لا تكتفي بكونها فعلاً وإنما حقًا إنسانيًا للجميع، مشيرًا إلى احتمالات فرص عديدة تتيحها السياحة والسفر والتي حان الوقت لاكتشافها. كما بيّن أن البحرين تمثّل نموذجًا حقيقيًا للصناعة السياحية قائلاً: "لا يوجد ما هو أجمل من اللقاءات الإنسانية، لأنها من تصنع الذاتية الخاصّة بالأفراد والشعوب". وأردف أن السياحة اليوم يجب أن تتلاءم مع التغيرات الحاصلة على مستويات التكنولوجيا، التمدّن والعمران وكذلك التقارب العالمي من خلال التواصل والترحال. أتبع اللقاء حفلٌ موسيقيٌ وغنائيٌ قدّمته الفنانة الأوبرالية هبة القوّاس برفقة أوركسترا فيلمارمونيكا ترانسيلفانيا العالمية، حيث كانت الموسيقى خطابًا عالميًا بأداء متقن وشفيف. تجدر الإشارة إلى أن الفنانة اللبنانية هبة القوّاس مؤلفة موسيقية وتُعتَبر من روّاد الأوبرا العربية. حاصلة على ماجستير بامتيازٍ عالٍ في الغناء الأوبرالي والتأليف الموسيقي من المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى. كما حازت على جوائز عالمية عديدة خلال سيرتها الفنيّة.