رغم أن السياسة قطاع يهيمن عليه الرجال، إلا أن المرأة المغربية حققت تقدما غير مسبوقاً في المشاركة والتمثيل السياسي بعد الربيع العربي. وباتت تخصص لها مقاعد في البرلمان والمجالس المنتخبة والهيئات والجماعات الترابية. ومع ذلك فإن تمثيل المرأة لايزال أقل بكثير من التناصف عبر كل مستويات صناعة القرار السياسي. وما زالت المرأة تواجه التمييز والمضايقة وتتعرض للعنف النفسي والجنسي وحتى الرقمي عندما تنضم إلى الميدان السياسي وتكون لديها سلطة سياسية، وهذه العرقلة هي من ضمن الأسباب التي تساهم في نفور وقلة المشاركة والتمثيل السياسي للنساء وتهدد حقوقهن والمساواة والديموقراطية. العنف ضد المرأة الناشطة في المجال السياسي قد يعيق بناء الديمقراطية والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص التي جاء بها الدستور المغربي في كل القطاعات السياسية التي تستهدف النساء بشكل مباشر أو عبر الأنترنيت بغض النظر عن أدوارهن السياسية أو خلفيتهن المهنية أو الشخصية. هناك العديد من النساء تعرضن لمختلف أنواع العنف أثناء خوضهن للعمل السياسي خصوصا في فترة الانتخابات لكن أصعب ما في العنف السياسي هو الشعور بأن البيئة والمجتمع يتسامح ولا يعطي أهمية مع هذا النوع من السلوك وشعور النساء القياديات أن التبليغ عنه سيؤثر على صورتهن ومسيرتهن المهنية ومستقبلهن السياسي. العنف السياسي ضد المرأة العنف السياسي ضد النساء ظاهرة تستهدف المرأة بسبب نوعها الإجتماعي عند مزاولتها العمل السياسي في مناصب حكومية أو في الجماعات الترابية أو في الأحزاب السياسية وحتى اللواتي يمارسن دورا سياسيا في مراكز صناعة القرار، وهذا العنف يمكن أن يكون عن طريق المضايقة أو التهديد أو التحرش أو التخويف الذي يسعى إلى إقصاء المرأة عن العمل السياسي. وبالتالي يعمل على إحباط النساء لمنعهن من الترشح والحصول على مناصب مهمة وحتى أن يصبحن ناشطات سياسيات. ومع أن العنف ضد المرأة في السياسة يتخذ أشكالا عدّة إلا أنه غالبا ما يتركز على دور المرأة الإجتماعي التقليدي كأمهات وزوجات مع إنكار كفاءتهن وقدرتهن في المجال السياسي وفي شتى المجالات. بالرغم من تصميم النساء على مواصلة عملهن السياسي بلا كلل، تحدثت الكثيرات منهم على الأضرار النفسية والجسدية التي يمكن للعنف أن يؤثر على قدرتهن في إكمال مسيراتهن السياسية وانعزالهن إذا تفاقم الأمر. فللعنف السياسي أنواع شتى يمكن أن تخلق الضرر على النساء، فيمكن أن يكون عنفا نفسيا الذي يعمل على إخافة المرأة وإلحاق ضرر معنوي بالضحية، إذ المرأة في المجال السياسي تتلقى تهديدات وتتعرض للابتزاز أو التشهير تحت ضغط التهديد بتشويه سمعتها أو حتى أبناءها وعائلتها وقد يؤدي هذا العنف من حرمان النساء من الفرص أو نفورهن من السياسة ككل. يمكن أن يكون جسديا بسبب إصابات أو أعمال نفذت لإلحاق الضرر بأجساد النساء أو حتى أفراد عائلتها بغية منعها جسديا من المشاركة من العمل السياسي. أما بخصوص العنف الجنسي فينطوي على ارتكاب أو محاولة ارتكاب فعل جنسي عن طريق الإكراه، وهو الإدلاء بتعليقات أو تلميحات جنسية كالاستغلال الجنسي وإرغام المرأة على تقديم خدمات جنسية مقابل ترشحها وغيرها… أما العنف الإقتصادي فيكمن في مصادرة الموارد والفرص الإقتصادية والمادية لإعاقة ممارساتها للأنشطة السياسية أو حملاتها الدعائية الإنتخابية، ويكمن أحيانا عدم حصولها على الموارد المالية والإقتصادية بشكل منصف كالمتوفرة لدى الذكور. أما العنف الأخير والأكثر إنتشارا في الوقت الحالي وهو العنف الرقمي نظرا لسهولة استخدام التكنولوجيا. ويشمل العنف السيبراني الإساءة للنساء والتنمر عليهن وتشويه سمعتهن عن طريق الأخبار الزائفة والصور المفبركة وقرصنة صفحاتهن على مواقع التواصل الإجتماعي، وحتى الإتصالات الهاتفية والرسائل المجهولة للتهديد بالنساء وتخويفهن، وهذا قد يترك آثارا نفسية سلبية عديدة في نفوس النساء. وكل هذه الأنواع المذكورة لها آثار وخيمة وسلبية يمكن أن تنخفض من خلالها نسبة المشاركات والمرشحات في المجال السياسي، واختلال مبادئ المساواة والديمقراطية وانسحاب عدد من القيادات النسائية كل هذا نتيجة العنف السياسي المنارس ضدهن، وهذا قد يؤدي الى مشاكل على المدى البعيد بالوقوف كغائق أمام الجهود الوطنية والدولية للزيادة من نسب مشاركة النساء في السياسة وتدمير بنية الديمقراطية لدى المجتمع والجيل الصاعد ونفور الشباب وشابات المستقبل في المشاركة بالحياة السياسية. ولكن السؤال المطروح لماذا دخول المرأة لخوض غمار السياسة يطرح مشكلة لدى البعض، هل بسبب التفكير الإجتماعي التقليدي أم انضمامها يقلل من الفرص لدى الذكور؟ لهذا الغرض يجب دائما تسليط الضوء على النساء اللواتي نجحن في عملهن السياسي وفي كل مراكز صناعة القرار وتوفيرهن العيش الملائم لأفراد عائلاتهن في نفس الوقت، وكذا اجراء إصلاحات قانونية لحماية المرأة في الحياة السياسية وتوفير لها حياة رطبة وهادئة بدون مشاكل وبدون عنف لممارسة عملها السياسي وكذا الرفع من عدد النساء في مناصب القيادة السياسية في الكوتا النسائية، ورضخ الأفكار الذكورية التي تسعى لتشتيت والتقليل من سمعة وقيمة المرأة. وفي هذا الصدد أكدت الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، مريم أبليل أن هناك عدد من ممارسات العنف المرتبطة بالنساء في المجال السياسي وصنع القرار، اولها الذكورية المتجذرة في الاحزاب السياسية التي تجعل الوعي هو أن حضور النساء ترف ويبقى واجب عليهم ، فقط لوجود الكوتة النسائية المحددة قانونية، وان من الصعب صعب تواجد النساء في قيادات الاحزاب السياسية، فهذا يعنبر أول عنف يمكن أن يمارس عليها ألا وهو العنف المعنوي التي يجعلها ليست قدر القيادة والمسؤولية. أما العنف الثاني في نظر أبليل، هو المرتبط بالعنف المتواجد في المجتمع ألا وهو النظر للمرأة بنظرة دونية وأنها مجرد جسد، وهذا ما أظهرته وسائل التواصل الاجتماعي خلال فترة الحملة الانتخابية، بحيث أنه عدد من رواد التواصل الإجتماعي، من بينهم صحافيين ومدويين ومؤثرين يتناقلون صور مرشحات نساء في مختلف الأعمار ويتغزلن بهن بطريقة استهزائيه، قائلين انهم سيمنحون صوتهم لها فقط لأنها ذات مظهر جميل، فهذا فيه نوع كبير من العنف الذي يعطي نظرة دونية للنساء. وتضيف أبليل انه أثناء ممارسة النساء العمل السياسي يكون هناك إشكال وقعت فيه العديد من البرلمانيات من داخل البرلمان او خارجه والجدير بالذكر صاحبة "عوشرين" التي تعرضت لخبر زائف يدعي أنها حصلت على وقت إضافي أثناء مداخلتها بمجلس النواب والحالة الثانية التي تم التشهير بصورها الشخصية على كل مواقع التواصل الإجتماعي والتقليل من قيمتها كامرأة قبل كل شيء. الباحثة مريم أبليل لا تظن أن العنف الممارس على النساء هو السبب الرئيسي وراء نفورهن السياسة ، بل السبب الحقيقي هو استبعادهن وعدم إعطاءهن الفرص لإظهار كفاءتهن وقدرتهن ،وحتى مع النفور فالنساء يحاولن جاهدات لكن للأسف الذكورية المتغلغلة في الاحزاب هي التي تقلل من نسبة حضورهن. ومن جانبها أكدت أبليل أن ضعف أو قوة الحركة النسائية محدد أساسي في الدفاع عن المرأة لخوض غمار الحياة السياسية ، ومساندتها عند التعرض لأي شكل من أشكال العنف أثناء تأدية عملها، والأهم هو تواجد الحركة النسائية في المغرب بقوة بتجديد فكري وإنتاجي وحركة مجتمعية تدافع على النساء وتساندها في كل المواقف وصد اي نوع من أنواع العنف وعدم قبوله وتجاوزه بصفة نهائية. رغم المضايقات.. هي أيضا في السياسة صرحت المنسقة الوطنية للحركة من أجل ديموقراطية المناصفة خديجة الرباح أنه هناك هوة ما بين النقاش المفتعل حول القوانين الانتخابية في البرلمان والواقع، وتعتقد أن القوانين التنظيمية لمجلس النواب ومجلس المستشارين والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية التي جاءت بثورة على مستوى التمثيلية السياسية للنساء، لكن يكتشف على أن النتائج المحققة كانت بعيدة جدا على ما هو مذكور قانونيا، وخلق قطيعة مع الممارسات السابقة في مجال التمكين السياسي للنساء قدر ما أنه نسبة ولوج النساء الى البرلمان اليوم لم تتعدى 24 في المئة أما نسبة النساء في الجماعات الترابية لم تتعدى 26 في المئة وهذه تعتبر خطوات صغيرة للعمل في حين أننا نحتاج لطفرة نوعية على مستوى التمثيلية السياسية للنساء، فاليوم لا يمكن أن نعتبر بأنه بالفعل تم تحقيق إنجاز بل وفقط خطوة صغيرة في انتظار أن تكون هناك تغيير حقيقي على المستوى ولوج النساء الى مراكز القرار. ففي المغرب عانت النساء المناضلات والسياسيات من التضييق خلال الحملات الانتخابية وفي المجالس المنتخبة في مختلف الجماعات الترابية، وكذلك ويجب التشديد على دور المنظمات النسائية اللواتي حاولن جاهدات لمنح المرأة مراكز مهمة في صناعة القرار وتحقيق الثلث في تشكيلة الحكومة الجديدة وإعطاء أهم الوزارات للنساء كوزارة الإقتصاد ووزارة التعمير والإسكان، كما يجب الإشارة للنساء الثلاث اللواتي نجحن في كسب الأصوات لعمودية ثلاث أكبر مدن مغربية. ولكن دائما نجد على مواقع التواصل الإجتماعي التعاليق العنيفة والسلبية المتواصلة ضد كل النساء التي نجحت في الوصول الى هذه المراكز والتشكيك في قدراتهن ومهاراتهن. في كل الأحوال يجب القول أن الرهانات عالية جدا في السياسة لأن السياسة مهمة نضالية لمن يريد خدمة الوطن فلا فرق بين ذكر أو أنثى، وبما أنها مهمة خدمة الوطن فليس على المرأة خيار سوى مواصلة فرض وجودها في السياسة والمطالبة بحقها في المساواة مع الرجل وتحدي كل العراقيل وكل أشكال التخويف والتهديد. *طالبة باحثة في سلك الماستر قانون عام وعلوم سياسية