للعنف معنى واحد وهدف أوحد وهو إلحاق الضرر بالشخص المعنف، وهو سلوك يكتسب منذ النشأة ويتخمر مع تقدم الفرد في السن واكتسابه لمجموعة من التجارب، يمكن أن يكون نتيجة فقدان الشخص السيطرة على أعصابه كرد فعل لشيء سبب له الأذى بدوره، كما يمكن أن يكون مرتبطا بشخصيته التي تركبت منذ سن الطفولة، فيعتقد أن العنف هو تعبير على قوة الشخصية ووسيلة لاكتساب احترام وتقدير الآخرين. والعنف ضد المرأة كصورة من صور العنف المنتشرة في مجتمعات العالم، مجتازة كل الحدود والأديان والثقافات، ليس وليد اليوم أو الأمس القريب، وإنما له جذور في التاريخ باعتبار أن المرأة كانت من ممتلكات الرجل وطبّعت مع أحقية الزوج في تعنيف زوجته، لكن مع تطور المجتمعات وازدياد الوعي، خصوصا عند فئة النساء، ساعد ذلك وبشكل كبير في مناهضة العنف ضد المرأة وحماية حقوقها بتجريم هذه الظاهرة في مجتمعاتنا المعاصرة. لكن ومع تجذر هذه الظاهرة في المجتمع والعادات والتقاليد، ومع الفهم الخاطئ للدين والقانون، هل استطاع القانون الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة؟ وهل استجابت مقتضياته لتطلعات المجتمع المدني؟ وكيف هي صورة المرأة في مجتمعنا الراهن؟ إن إيمان الجمعية العامة للأمم المتحدة بالحاجة الملحة إلى تطبيق الحقوق والمبادئ المتعلقة بالمساواة بين كل البشر وبأمنهم وحريتهم وسلامتهم وكرامتهم كان لزاما الحاجة إلى وجود تعريف واضح وشامل للعنف ضد المرأة، وهو ما جاء في المادة الأولى للإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة الذي تم اعتماده من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 48/104 المؤرخ في 20 دجنبر 1993. أغراض هذا الإعلان: يعني تعبير "العنف ضد المرأة" أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة. وجاء في المادة الثانية: يفهم بالعنف ضد المرأة أنه يشمل على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، ما يلي: العنف البدني والجنسي والنفسي الذي يحدث في إطار الأسرة بما في ذلك الضرب والتعدي الجنسي على أطفال الأسرة الإناث، والعنف المتصل بالمهر، واغتصاب الزوجة، وختان الإناث، وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة، والعنف غير الزوجي والعنف المرتبط بالاستغلال؛ العنف البدني والجنسي والنفسي الذي يحدث في إطار المجتمع العام، بما في ذلك الاغتصاب والتعدي الجنسي والمضايقة الجنسية والتخويف في مكان العمل وفي المؤسسات التعليمية وأي مكان آخر، والاتجار بالنساء وإجبارهن على البغاء؛ العنف المدني والجنسي والنفسي الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه، أينما وقع. من خلال هاتين المادتين نجد أن العنف ضد المرأة يشمل المنظور الاجتماعي الذي من خلاله تظل المرأة أقل درجة من الرجل بشكل قسري بحكم الأعراف والتقاليد، والمنظور الجسدي حيث إن القوة البدنية تفرض الهيمنة الذكورية، والمنظور الجنسي بحيث إن المرأة تعتبر سلعة أو أداة لتلبية نزوات وشهوات الرجل، والمنظور النفسي المتجلي في مفهوم الجنس الناعم الذي لا يستطيع مقاومة الاختبارات. وفي هذا الصدد، سنتطرق أولا للتحرش الجنسي، ثانيا للاغتصاب الزوجي، وثالثا للسياسات الوطنية لمحاربة العنف ضد النساء. يمكن تعريف التحرش الجنسي بكونه تلك المضايقة ذات الطبيعة الجنسية، وتشمل أفعالا أو أقوالا أو إشارات أو غير ذلك انطلاقا من الانتهاكات البسيطة إلى المضايقات ومحاولة الاغتصاب أو هتك العرض، ويعتبر من الجرائم التي تفشت مؤخرا في المجتمع المغربي وبشكل ملحوظ من خلال المنابر الإعلامية المكتوبة والمرئية والمسموعة. اختلفت الدراسات والبحوث فكان هناك من أكد على الجريمة الجنسية النفسية المرتبطة بالتنشئة الاجتماعية الخاطئة للطفل، من خلال الاعتداء عليه في طفولته أو إرغامه على مشاهدة سلوك جنسي منحرف أو التحرش به جنسيا. وهناك من ربط بين التحرش الجنسي والاضطراب النفسي، واعتبار المتحرش الجنسي يعاني نقصا في تقدير الذات. وهناك من ذهب إلى أن المتحرش ليس مريضًا نفسيًّا، بل هو شخص مدرك لأفعاله ولكنه يعاني خللًا يجعله يتصرف بعنف تجاه الآخرين كرد فعل ناتج عن عدة أسباب بيولوجية واجتماعية وسياسية. ومن جهة أخرى، فطالما ارتبطت ظاهرة التحريم مع العرف والشريعة الدينية فيعتبر إخلالا خطيرا بالالتزام الديني للفرد المؤمن تجاه الدين الذي يتبعه، كما نجد أن فكرة الإرادة والتراضي هي أصل العلاقات الإنسانية، وخاصة أخلاقيات السلوك الجنسي، فعنصر الرضا ضروري لاتفاق الطرفين على ممارسة النشاط الجنسي. والحقيقة أن عنصري الرضا والإرادة ينبعان من صميم الفقه والقانون، لذا فإن التحرش الجنسي يدخل بشكل عام ضمن الاعتداء الجنسي الذي يعرف بأنه الفعل الذي يقوم فيه الشخص بالاتصال الجنسي بشخص آخر دون موافقته، أو يكره هذا الأخير أو يجبره جسديًا على الانخراط في عمل جنسي ضد إرادته. وهو شكل من أشكال العنف الجنسي الذي يشمل الاغتصاب، أو التحرش الجنسي، أو الاعتداء الجنسي على الأطفال أو تعذيب الشخص بطريقة جنسية. وقد وضح القانون الجنائي المغربي في الفصلين 484 و485 أنه من هتك دون عنف أو حاول هتك عرض قاصر تقل سنه عن 18 سنة أو عاجز أو معاق أو شخص معروف بضعف قواه العقلية سواء كان ذكرا أو أنثى يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات... كما أن من هتك أو حاول هتك عرض أي شخص ذكرا كان أو أنثى مع استعمال العنف فيعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، وفي حالة إذا كان المجني عليه طفلا تقل سنه عن 18 سنة أو كان عاجزا أو معاقا أو معروفا بضعف قواه العقلية، فإن العقوبة تكون السجن من عشر إلى عشرين سنة. ثم يأتي بعد ذلك الفصل 486 ليعرف الاغتصاب بأنه مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها ويعاقب عليه بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، في حين إن جريمة التحرش تم تعريفها من خلال الفصل 1-503 الذي تم تغييره وتتميمه بمقتضى المادة 2 من القانون 103.13 فيعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من خمسة آلاف إلى خمسين ألف درهم من أجل جريمة التحرش الجنسي كل من استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه أو أية وسيلة أخرى مستغلا السلطة التي تخولها له مهامه لأغراض ذات طبيعة جنسية. والملاحظ أن جريمة التحرش الجنسي لا تتعلق فقط بتحرش الرجل ضد المرأة، بل بالعكس أيضا. ثانيا، يعتبر الاغتصاب الزوجي من أقصى درجات العنف الجنسي الممارس على المرأة، بحيث تضمنت المواثيق الدولية والتقارير الحقوقية مجموعة من التعاريف التي يمكن اختزالها في أن الاغتصاب الزوجي هو إقدام الزوج على معاشرة زوجته بدون رضاها وباستخدام الإكراه، والذي لا يقصد به الإكراه المادي والقوة الجسدية من أجل إجبار الزوجة على المعاشرة الجنسية، بل أيضا الإكراه المعنوي المتمثل في الابتزاز والتهديد بالطلاق أو الهجر أو الحرمان من المصروف المالي، وكذا ممارسة الجنس بطرق وأساليب من شأنها أن تهين المرأة وتحط من كرامتها، ومعاشرة الزوجة وهي نائمة أو غائبة عن الوعي أو مخدرة. وباستقراء القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، وبالرجوع إلى التشريع المغربي والقانون الجنائي، لا نجد أي تجريم صريح للاغتصاب الزوجي. أما القضاء المغربي، فقد اعتبر على غرار الفقه أن الاغتصاب الزوجي مستثنى من نطاق المادة 486 من القانون الجنائي المغربي، بحيث إننا لا نجد أي حكم يدين الزوج الذي يغتصب زوجته. ثالثا، قد تضافرت جهود مختلف الفاعلين من قطاعات حكومية وبرلمان وهيئات مدنية وشركاء دوليين ووسائل إعلام في مجال مناهضة العنف ضد النساء، حيث اتخذت مجموعة من التدابير في إطار تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف ضد المرأة، إحداث أول المراكز للتكفل بالنساء ضحايا العنف سنة 1995 وإطلاق أول حملة وطنية لمناهضة العنف ضد النساء سنة 1998، بناء سياسة عامة للدفع بدسترة المساواة، إطلاق البرنامج متعدد القطاعات لمحاربة العنف المبني على النوع الاجتماعي عن طريق تمكين النساء والفتيات "تمكين 2008-2011". كما حرص المغرب على إدراج مؤشرات نوعية في منظومته الإحصائية بخصوص واقع المساواة بين الجنين ومظاهر التمييز والعنف، وإجراء أبحاث وطنية دورية، وإحداث المرصد الوطني للعنف ضد النساء. وبعد إقرار دستور 2011، تم إطلاق سنة 2012 تقييم حكومي لإستراتيجية وخطة عمل مناهضة العنف ضد النساء بالمغرب، وتقويم وتطوير الإطار الاستراتيجي الذي تم العمل به منذ سنة 2003. على هذا الأساس، تم اعتماد الخطة الحكومية للمساواة "إكرام" من أجل المناصفة، وإنشاء مؤسسات للرصد والتقييم، منها المرصد الوطني لمحاربة العنف ضد النساء 2014، والمرصد الوطني لتحسين صورة المرأة في الإعلام 2015. ومن كل هذا، فمكافحة الظاهرة يجب أن تنطلق من جذورها بالبحث عن أسبابها، وبه وجب نهج مقاربة شمولية تقوم على الوقاية أولا ومن ثم الزجر والعلاج، وذلك بالقضاء على المفاهيم الدينية والاجتماعية المغلوطة، بالإضافة إلى تحسيس وتوعية المرأة بحقوقها والوسائل القانونية المتاحة لها من أجل الدفاع عن نفسها، ومراجعة المنظومة الأخلاقية للمجتمع. *طالب باحث في ماستر التواصل السياسي