في بداية هذه المقالة المتواضعة لا أريد إبتداء التطرق للتعريفات العدة للإعلام، باعتباره وسيلة من أجل تحقيق التواصل بين الأفراد و الجماعات، و لا أريد أن أشير أن للإعلام سلطة و مكانة مهمة في المجتمع، و لا أريد أيضا أن أقول أن للإعلام تحالف موضوعي مع قوى النكوص و الردة كما يحلوا للبعض الإشارة إليه في خطاباته، بل أريد أن أنظر للإعلام من زاوية الواقع الملموس و المؤلم، حيث في عصرنا هذا أصبح للإعلام مركزية مهمة في بناء و تنشئة المثقف العضوي، ذلك المثقف الذي يفقه في عدة مجالات و مواضيع و يناقش الحيثيات و يحلل و يفكك المعلومات التي يتلقاها من أجل استنباط مضامينها و جزئياتها و يخلص بذلك إلى إصدار رأيه و موقفه، هذين الأخيرين يصدرهما عن وعي و إدراك تام لحقائق المعلومة التي تلقاها. أيضا للإعلام مركزية مهمة في استغفال و استعباط المتلقي، عبر ما ينشره من أخبار زائفة و برامج تافهة و معلومات مقيتة و غير صحيحة، يتلقاها ذلك المتلقي عن يقين و مسؤولية و بدون أدنى شك في مصداقيتها و مدا موضوعيتها، فيستسلم في ثناياه ذلك العقل النقدي الذي يستعمل المنطق في استقبال المعلومة و يفككك شفراتها، و يعوض بالعقل الأداتي الذي ينساق مع كل شيء و يتبع كل شيء و لا يحلل و لا يناقش و يستسلم لكل شيء، ليصبح العقل في حالة خمول و أفول، و يعطل مفعوله و تمحو بذلك تلك الميزة التي ميزنا الله تعالى بها عن باقي المخلوقات. و مجمل القول أننا لابد أن نستحضر و أن نستوعب هاته الميزة التي نمتاز بها، من أجل إعطاء العقل المكانة التي وجب أن يكون فيها، و إحياء الدور المنوط به و إشاعة ثقافة النقد و التحليل بدل الخضوع و الإستسلام، و بالمقابل لابد للإعلام أن يكف عن استغفال الجماهير و أن يصحح مساره عبر نشر المعلومات الصحيحة و الحقيقية بعد جمعها و انتقائها، و إعطاء الحقائق و الأرقام و لابد أن يعبر بتعبير موضوعي ينسجم مع عقلية الجماهير و ميولاتها و اتجاهاتها، و ذلك من أجل إشاعة ثقافة النقد.