ماذا يريد أن يقول لنا الوثائقي؟؟.الوثائقي بصفة عامة سواء كان مكتوبا أو مصورا أو حتى شفويا،يريد أن يقنعنا أن ما يرويه هو بالضبط ما جرى على أرض الواقع، وأنه ينقله لنا بكل "أمانة" وبعين مجردة من كل عاطفة أو موقف أو تحيز من شأنه أن يلف ما حدث بضبابية مشوشة على الرؤية والتلقي. الوثائقي يزعم أنه يترك للمتلقي حرية اتخاذ الموقف الذي يشاء بعد "اطلاعه" على الوقائع الخام المطروحة. هل هذه الدعوى التي يقدمها لنا الوثائقي صحيحة وسليمة؟؟ من المؤكد أن ما تشير إليه الدعوى يندرج في إشكال معرفي أعم، يتعلق الأمر بإشكالية الذاتي والموضوعي، والعلاقة بينهما،هل الوثائقي موضوعية خالصة وإقصاء لكل ذاتية حاملة للتحيزات المتعددة المشوهة للعمل الوثائقي؟؟ يجب التسليم أن العمل الوثائقي عمل فني ،قد يكون على درجة كبيرة من الإبداع،خاصة وأن الواقع يصعب حصره وتجميعه وصهره في قالب جامع مانع . الواقع حركة دؤوبة لا تنتهي من الأحداث والوقائع البسيطة والمركبة، المتوازية والمتداخلة،المتعاقبة والمتجاورة،وتدخل العمل الوثائقي في الواقع لا بد وأن يطبع بانتقائية ما،واختيار ما يجب توثيقه ونقله وحفظه.إن مجرد التركيز على وقائع معينة،يدخل العمل الوثائقي في عتبة دنيا من الذاتية،ولا إبداع دون ذاتية. لم يكن الإنسان البدائي يميز بين الذاتي والموضوعي،كان مندمجا في الطبيعة،ومتآخيا معها،وكينونته جزء لا يتجزأ منها،يحكي الأسطورة معبرا عن رؤيته للعالم، وفي نفس الوقت، يرسم على جدران الكهوف ما يراه مختلطا مع ما توحي به الأساطير التي يحكيها ويؤمن بها،ويعبر عن انطلاقة القنص بمراسيم وطقوس راقصة ومغناة، ولكنه يشحذ أدوات صيده،في حركة واحدة داخل حياة جماعية،يتوحد الفني والتقني والأسطوري والواقعي،في تناغم وانسجام مع الطبيعة والعالم المحيط. أتت اللحظة اليونانية، وبدأت تظهر معالم انفصال ما بين "اللوغوس" الموضوعي و"الميتوس" الذاتي..وبدا "اللوغوس" وكأنه الصوت القادم من الطبيعة، صوت الوجود، و"الميتوس" صوت الذات المشوش على ما تريد أن تقوله الطبيعة..وشيئا فشيئا أقصي الخيال وقدرته على السرد وإبداع الصور البلاغية من دائرة "الحقيقة" التي يجب أن تكون موضوعية، تنقل "الموجود بما هو موجود"..وكانت ذروة الإقصاء مع الثلاثي سقراط وأفلاطون وأرسطو..وانشطر العالم،في ظل مجتمع مقسم أصلا إلى "أسياد وعبيد"، إلى روح وجسد، إلى علوي وسفلي، إلى عمل فكري ويدوي، وإلى ذاتي وموضوعي..إلى خير وشر.. وأقصي الذاتي لحساب الموضوعي..والخيالي لحساب العقلي..لأن هذه الثنائيات ليست مجرد تصنيفات..إنها أحكام قيمة تعلي من شأن عنصر على حساب العنصر المقابل له..سادت هذه الرؤية التي بدت أنها تحكمت في العالم معرفة وسلوكا،وأسست للرؤية الدينية المطمئنة لحقيقتها ولتفسيرها للكون،من تفسير أصله إلى تفسير أصغر تفاصيله،وانزوى الخيالي والأسطوري والشعري داخل الأرواح الحائرة والقلقة،بعيدا عن طمأنينة الخطاب الموضوعي ووثوقيته..لكن الخيال الذي أقصي من ملفوظ الخطاب "العقلي"،كان يعمل عمله في نسيجه وبنائه ومحتواه،إذ لم تستطع البناءات الفلسفية والدينية الفكاك منه،من "عالم المثل" الأفلاطوني إلى "العالم صورة للروح المطلق" عند "هيجل". الخيال هو قوة الإنسان الحقيقية، هو عقله الأول والأساسي،به يبدع ويبني عوالمه وعلومه ومعارفه.أما المنطق،فيأتي لاحقا لعقلنة الفكرة وعرضها للفهم والتلقين.. بين الذاتي والموضوعي،وبين الخيال والواقع جدلية لا تنتهي، وتداخل يصعب فك خيوطه،أشياء صنعها الإنسان ارتبطت بالواقع وأصبحت قطعة منه، تبدو عادية وواقعية ،وهي في حقيقتها من صنع الخيال الإنساني، وأشياء يتخيلها الإنسان ، ولكن عناصرها من الطبيعة والواقع.كما أشار ذات مرة "ديكارت" عندما حدد الخيال بكونه مجرد تركيبات غريبة لمعطيات حسية،أي لا شيء نتخيله لا توجد عناصره في الواقع..من هذه الزاوية يمكن مقارنة العمل الوثائقي،وضمنه الفيلم الوثائقي، بعمل المؤرخ،حيث يبدو المؤرخ وكأنه يجمع المادة التاريخية،ليقوم عالم التاريخ فيما بعد بإعادة بناء الواقعة التاريخية، وتفسيرها،أي بناء المعنى التاريخي.ويظهر وكأن المؤرخ عين مجردة موضوعية،لا تفعل شيئا سوى جمع الوثائق وتصنيفها وترتيبها مما يسهل عمل عالم التاريخ،غير أن الأمر ليس على هذه الصورة البسيطة،هناك تدخل للذات في عملية الاختيار،والتصنيف والترتيب،إذ يتم التركيز على وقائع معينة، وإهمال أخرى، والتبخيس من قيمة وثائق وإهمالها،إن العين التي ترى وتدرك،لا تستطيع أن تتخلص من ميولاتها واختياراتها ومواقفها وقيمها.لقد علمتنا الفينومينولوجيا أن وراء عملية الإدراك،دائما هناك قصدية ما،تجعلنا نختلف في إدراكنا للشيء ذاته..هب مثلا أن أمام منزل ما بضعة أشخاص، ينظرون إليه، فكل واحد سيراه بقصدية مختلفة عن الآخر،الذي يراه مجرد منزل،يدركه إدراكا حسيا،والذي يشبهه بمنزل عاش فيه طفولته،يجعله ذكرى،والذي له إلمام كاف بالهندسة المعمارية،يدركه عملا فنيا يرى محاسنه ونقائصه،والذي ليس له منزل ولا سكنى،يراه أمنية....إذن الإنسان العادي لا يدرك الواقع، بل يدرك ما يريده هو من الواقع،قد لا يرى أشياء لأنها لا تهمه،أو لا يتعاطف معها،أو لا يفهمها،وقد يدرك أشياء يكرهها إدراكا سيئا..هذا يعني أن مخرج الفيلم الوثائقي لا بد وأن يكون على دراية تامة بالذات وأهوائها، ميولاتها وإحراجاتها، وقدرتها على تشويه عمله، وتأثيرها على موضوعيته..إن نقد الذات نقدا قاسيا، والتسلح بالمعرفة والثقافة،وتبني قيم التسامح والتعاطف،عناصر قد تساعد مخرج الفيلم الوثائقي على تحمل الغريب والمختلف المناقض لقيمه وثقافته،وكلما انفتحت ذاته على العالم أكثر،كلما ارتفعت درجة الموضوعية في العمل الوثائقي، وكلما تعاطف المخرج مع الموضوع ،كلما زادت درجة الإبداعية والإتقان..إذن الموضوعية مجهود فكري ومعرفي ونفسي..وليست معطى نفسيا.. انطلاقا من هذه الرؤية يبدو العمل الوثائقي تركيبا غامضا بين الذاتي والموضوعي، تركيب يصعب التعرف فيه على الحدود التي تشير إلى أين ينتهي الذاتي ليبدأ الموضوعي.العتبة الأولى هي عتبة الاختيار،أن نختار معناه أن نقحم ذاتنا في العمل،ماذا نريد؟ من أين نبدأ؟ على ماذا نركز اهتمامنا؟ كلها أسئلة تعبر عن الذات واختياراتها، دون الحديث عن لماذا؟؟..أي الدافع والمحرك للقيام بالعمل..يبدو الذاتي خادعا في العمل الوثائقي المصور..أي الفيلم الوثائقي..لأن الصورة تتماهى مع العين والرؤية، وتشعر المتلقي أنه يرى بنفسه، دون وساطة، ويغمره شعور بكونه رأى بأم عينه ما "حدث" وما "وقع"..ومن قوة الصورة وسيطرتها على المتلقي، وقدرتها على توجيهه..سنجزم الآن أن أي عمل وثائقي..وخاصة الفيلم الوثائقي هو عمل موجه، عمل ذاتي، يخدم غرضا ما، أو قضية ما، يسعى إلى توصيل رسالة ما إلى المتلقي وإقناعه بمضمونها،لإحداث تغيير ما في سلوكه وموقفه..يبقى السؤال عن الجودة الفنية للعمل الوثائقي..أي درجة مكره الفني والإبداعي،لإقناعنا بواقعيته.. تختلف درجة تخفي الذاتية من فيلم وثائقي إلى آخر،حسب طبيعته ونوعه،هل هو فيلم وثائقي سياسي أم ثقافي أم علمي ؟؟.ففي السياسي نجد درجة حضور الذاتية في صورة الإيديولوجية حاضرة في خفائها ودهائها، وتحضر هنا "صورة" ذلك الجندي الإسرائيلي المقتول والمدلى من برج وسلاحه يتدلى معه تعبيرا عما حدث أثناء "انتفاضة الأقصى"،عندما وطأت أقدام "شارون" باحة المسجد بصورة استفزازية واضحة، وكانت سببا في اندلاع الانتفاضة.قام الفلسطينيون برشق الجنود بما تيسر لديهم من أحذية وحجارة،ورد الجنود الصهاينة بالرصاص الحي، وكانت الإصابات قاتلة في الصدر والرأس، مما دفع قوات الأمن الفلسطيني إلى التعاطف،والرد بالسلاح..لكن وسائل الإعلام المنحازة جلها لإسرائيل،لم تنقل سوى "صورة الجندي الإسرائيلي المقتول والمدلى من برج"في دلالة واضحة على"همجية الفلسطيني" المتوحش أمام "وداعة الإسرائيلي" المتحضر..ولا شيء عن المدنيين العزل الذين قتلوا بالعشرات تحت الرصاص الصهيوني..لكن في المقابل هل من الضروري نقل الواقع كما هو، وخاصة واقع العنف والدم؟؟..يرى عدد من الإعلاميين أن نقل ما هو رمزي في الواقع أفضل من نقله عار وخام..يمكن الحديث عن فيلم وثائقي فلسطيني وثق لاجتياح إسرائيل ل"جنين" ، حيث ركز على شيخ طاعن في السن يتحدث عن الحمام الذي كان يربيه من زمان، وغاب دون رجعة لأن البيت الذي كان يأويه هدمه الصهاينة بآلياتهم الثقيلة ؟..ورمزية الحمام واضحة في الفيلم..وعلاقته بالسلام ونبد العنف والكراهية والعنصرية الدامية ..ويمكن الحديث في المقابل عن الصور والأفلام الإعلامية التي يظهر فيها الفلسطينيين مدججين بالسلاح ومحزمين بعبوات ناسفة..مقدمين دون وعي مبررات لا حد لها لتستمر إسرائيل في التنكيل بهم، بحجة "الدفاع عن النفس"..ألا يمكن للفلسطيني أن يقاوم دون إشهار سلاحه لوسائل الإعلام؟؟..نعم،عليه أن يقاوم، ويركز على ضعفه وضحاياه، وليس على قوته ومقاومته..لأن معركة الإعلام معركة كسب التعاطف بانتقاء ما يمكن أن يكسب تعاطف الناس بإثارة مشاعرهم ،ويغير موقفهم من القضية الفلسطينية..ليس هناك فيلم وثائقي يحكي عن الواقع من أجل الحكي بل دائما من أجل هدف ما..قد تكون دمعة أم..أو دمية طفلة..أو فردة حذاء طفل ..أو أثاث منزل مبعثر..أفضل من صورة الأشلاء والدم والقتلى.. ليس الفيلم الوثائقي بريئا في جميع الأحوال، فوراء عدسة الكاميرا إنسان له أهداف معينة،يريد تبليغها ضمنية أو صريحة من خلال رسالة واضحة أو مشفرة.مثلا..عندما تعرض علينا أفلام وثائقية تتعلق بالحرب العالمية الثانية أو الأولى، يبدو جليا أنها تصور الحرب، ولكن من وجهة نظر المنتصرين، ويتم التركيز على ضحاياهم، وعلى انتصاراتهم، تحت غطاء الدفاع عن قيم لا يؤمنون بها،لإخفاء أهداف الحرب الحقيقية، وهي اقتسام السيطرة على العالم،والصراع من أجل توسيع المجال الحيوي،وحرمان المنهزمين منه،وتقديم الحرب على أنها حرب عادلة تهم العالم كله ضد حفنة من "الأشرار"...ترى لو كان "هتلر" هو الذي انتصر،هل كنا سنشاهد نفس الأفلام الوثائقية حول الحرب العالمية الثانية؟؟..في الصراعات التي تملأ العالم صخبا ودما وضحايا،يصعب أن ترى وتصدق بسذاجة ما يقدم لك، لا بد من عين ناقدة،لا بد من تنويع المصادر،لا بد من الشك واتخاذ مسافة من البضاعة المعروضة..عندما أسقط "تشاوسيسكو" في رومانيا..تبين أن جل الصور الموثقة المعروضة على الشاشات،والتي تشير إلى "جرائمه"،كانت مفبركة وملفقة، وخاصة "صورة أم وطفلها الصغير مقتولان" التي اتضح أنها صورة مركبة،وأن المرأة لا علاقة لها بالطفل، وأنهما صورتان قآدمتان من زمنين ومكانين مختلفين ومتباعدين.. وتبين فيما بعد، أن "هنغاريا" كان لها دور في تلفيق الصور لحسابات لها مع السلطة في "رومانيا"..ولقد عبر،عن هذا الأمر،فيلم أمريكي،عنوانه "ستارة الدخان"، أخرجه"باري لفينسون"، ومن شخصياته "دوستين هوفمان وروبير دينيرو"،وللعنوان رمزيته التي تشير إلى الستارة والدخان وكلاهما حاجبان ومعيقان للرؤية وللحقيقة أيضا،يحكي الفيلم عن رغبة إدارة البيت الأبيض صرف النظر عن فضيحة أخلاقية سقط فيها الرئيس، فأرادت أن تحول الأنظار إلى حدث مفتعل ومفبرك في "ألبانيا"، بالإدعاء أن هناك حربا تدور رحاها، وهناك فضاعات حرب ترتكب ضد المدنيين،فطلبت من مخرج أن يصور مشهدا معبرا عما يدور هناك، فصور فتاة مرعوبة أمام خلفية زرقاء، وأمرها أن تعدل يديها ليبدو وكأنها تحضن شيئا على صدرها، وخائفة عليه، ثم ظهر الشريط المصور النهائي في وسائل الإعلام ، تبدو فيه الفتاة مذعورة وهي تحمل قطا منزليا جميلا،ووراءها الخراب والدمار،مع التركيز على الدخان المتصاعد من الأبنية المقصوفة والمدمرة .وإذا فككنا عناصر الصورة من حيث الدلالة، سنجد اختيار فتاة جميلة، أي عدم القدرة على القتال بالإضافة للإيحاء الجنسي المضمر، والقط الأليف لإبراز المشترك بين الفتاة، وهي من ثقافة أخرى مختلفة، وبين عادة تربية الحيوانات الأليفة عند جل الأمريكيين .. أي نقطة تشابه مثيرة لعطف المتلقي الأمريكي..مع التركيز على الدخان علامة القتل والموت،الدخان رمز الموت كما الهواء رمز الحياة،والدخان يشير إلى النار المحرقة والقاتلة خلافا للماء نقيضها المطفئ للحرائق الذي يشير إلى الحياة واستمراريتها...وقد نتوسع أكثر لإبراز عمليات التلفيق والفبركة التي تمس الأفلام الوثائقية وخاصة التي يكون هدفها إعلاميا وليس ثقافيا..ونشير إلى ما تقوم به الجزيرة في تغطيتها لما يحدث في "سوريا"..وما قامت به أثناء الحرب في "ليبيا"..وكيف أن "الناتو" قصف محطات الإعلام الليبية ليحرم النظام الليبي من إبداء وجهة نظره، وخوفا من أن يكشف جرائم "الناتو" ضد المدنيين الليبيين..وكيف تجلى عنف الصورة والتوثيق في التركيز على "الثوار" وهم أقلية "بنغازي ومصراتة"..وإهمال بقية المواطنين الليبيين الرافضين للاحتلال...وسحقهم قصفا تحت ظلام ليل إعلامي بهيم..وكيف تم التشهير إعلاميا بصورة رئيس دولة(مهما اختلفنا معه) ينكل به في الشارع العام تحت مسمى "الثورة"، وحرمانه من محاكمة عادلة بقرار من واشنطن وباريس حسب ما أوردته مجلة"لو كنار أنشيني" الفرنسية..في مقال بعنوان:"القدافي محكوم عليه بالموت من قبل واشنطن وباريس".. يلعب الجانب الفني في الفيلم الوثائقي دورا هاما ومحوريا،من حيث جودة الصورة والصوت، ومن حيث زاوية التقاط الصور،ورصد الحركة، وأحيانا تركيب الصور وتسلسلها،والتسلح بآحدث التقنيات التكنولوجية في مجال الصورة والصوت، والتقاط المدهش والمبهر، وغير العادي، والاستثنائي الذي لا يحدث إلا نادرا، والغريب الذي يحدث بعيدا عن وسط المتلقي،الغريب عن ثقافته وعاداته وتقاليده..فأفلام "ناسيونال جيوغرافي"..كلها أفلام وثائقية غاية في الاحترافية والإبداع الفني..سواء حول الطبيعة والحيوانات أو حول البشر في تعددهم واختلافاتهم الثقافية والعقائدية والإثنية .. والهدف واضح في الحالتين..ففي حالة الطبيعة والحيوان، تهدف إلى كسب التعاطف مع الطبيعة وحماية أنواع حيوانية من الانقراض وتوسيع الوعي بحماية البيئة من التلوث القاتل، وفي حالة الإنسان يبدو الهدف إرساء قواعد التقارب والتعارف بين الثقافات والمعتقدات..أي التأسيس لإنسانية تعترف بالتعدد والاختلاف وتقبل به.. نشير أخيرا إلى أن الفيلم الوثائقي فيلما يدخل في إطار العمل الفني الإبداعي، ويخضع لمقاييس النقد الفني السينمائي بصورة من الصور، لكنه أيضا يخضع لمقاييس النقد الثقافي من حيث مضمونه، رغم أن رسالته الإيديولوجية تكون أكثر خفاء من الفيلم السينمائي الذي ينهل من الذاتية والخيال..وواقعية الفيلم الوثائقي قد تخفي وراءها ذاتية غير بريئة ..لكنها مضمرة وراء منطق الواقع ومنطق التوثيق.. مصطفى بودغية