ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تلقي الفيلم الوثائقي في العالم العربي.


تقديم.
الفيلم الوثائقي1 ،مكون ثقافي وفني وتربوي وجمالي،به، من الممكن، أن نراهن في عالمنا العربي، على تطوير ذوقنا ،والسمو به، وجعله ينفتح على الأسئلة الكبرى المحددة لإشكالياته الأساسية والجوهرية،ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وروحيا2، في زمن عولمة مخيفة ومرعبة3،بل في زمن يسير عالمنا نحو ما أصبح يسمى بعولمة العولمة4،على الرغم مما تنهض عليه هذه العولمة، من 'تدفقات' معلوماتية وسمعية وبصرية،متعددة ومكسرة للعديد من الحواجز بمفهومها التقليدي. ضمن هذا السياق،تتولد الحاجة إلى الفيلم الوثائقي5، في عالمنا العربي، الذي يمر اليوم من منعطف تاريخي، سيلعب فيه الفيلم الوثائقي دورا هاما،في الكشف عن طبيعة هذه الذات العربية وعلاقاتها البسيطة والمركبة،مع ذاتها والآخر ككل. في ضوء هذا المعطى، نتساءل عن طبيعة تلقي العربي، لهذا المكون السمعي البصري، والثقافي، والفني، والجمالي،في ظل وضعية سوسيوثقافية تتميز بالعديد من المعالم التي كشفت عنها مجموعة من الدراسات والبحوث6.إنه التساؤل الذي سنعمقه من خلال مجموعة من المحاور وهي كتالي.
ما موقع الفيلم الوثائقي في سياق إعلامه العربي؟، وكيف يتلقى المتفرج العربي العام،هذه المادة السمعية البصرية الثقافية والاجتماعية؟وما موقع الفيلم الوثائقي في كتاباتنا النقدية العربية؟وما درجة اهتمام بحثنا العلمي العربي بهذا الخطاب الفيلمي؟.
إنها أسئلة جوهرية،من خلالها من الممكن، أن نمسك ببعض العناصر التي من شأنها توضيح كيفية تلقي العربي لهذا الجنس التعبيري والفني والثقافي الذي به وضعت السينما كفن سابع،أولى خطواتها7،بل به تلقى العالم أولى الصور المتحركة التي أبهرت الجميع،وكانت بالفعل أهم و/أو أخطر ما اكتشف الإنسان،مما جعل عصره يسمى بالفعل عصر الصورة8،ومن تم الممسك بأسرارها هو ممسك بجزء مهم من أسرار هذا العالم.
العربي والفيلم الوثائقي
تشكل ثقافة الصورة بمفهومها الأيقوني العام الحديث،مجالا جنينيا في البحث والاهتمام داخل منظومتنا العربية التربوية والعلمية والثقافية،وذلك راجع الى طبيعة العلاقة الرابطة بين العربي والصورة بمفهومها الأيقوني وليس البلاغي، كعلاقة استهلاكية في الغالب الأعم،مما جعل صورته الثقافية 'النمطية' تصنع من طرف الغير،دون نفي أن بعض الأعمال العربية، بدأت تخلخل هذا التصور،في أفق الانخراط في رسم صورة حقيقية عن طبيعة هذا العربي ككل.
قليلة هي الدراسات والبحوث، المبنية على روح المساءلة العلمية،التي فككت سؤال تلقي العربي لثقافة الصورة بشكل عام،وثقافة الفيلم الوثائقي بشكل خاص،مما يجعلنا نثمن،هذه المبادرة التي تقوم بها إدارة الجزيرة الوثائقية،في جمع هذه الدراسات والمقالات العربية،ونشرها وتوزيعها داخل وخارج عالمنا العربي،مما سيخلق تراكما كميا وكيفيا،من شأنه المساعدة على تفكيك هذه العلاقة الموجودة بين العربي وكيفية تلقيه لمكون ثقافي وفني وجمالي،في زمن العولمة،ونقصد الفيلم الوثائقي9،'كجنس'،تعبيري سمعي بصري،لازال يقاوم من أجل نزع هويته وشرعيته المهنية في العديد من الأقطار العربية.
الفيلم الوثائقي في سياق وسائل الاعلام العربية.
إن الحديث عن اهتمام وسائل الإعلام العربية،بالفيلم الوثائقي،حديث يجرنا إلى علاقة هذه الوسائل،بثقافة الصورة ككل،علاقة لايمكن فهما إلا في ضوء علاقة التصور الثقافي الرسمي العام السائد، خصوصا في حقب تاريخية وسياسية عربية،لاسيما وأن طبيعة التمثلات السائدة عن السينما،ككل،والفيلم الوثائقي على وجه الخصوص،يدخل في سياق 'الترفيه'،وليس في خانة تطوير الذوق العام نحو ماهو أفضل وأكثر انفتاحا على العالم.
لمعرفة طبيعة هذه التمثلات السائدة،دون نفي لوجود بعض الاستثناءات،يكفي تتبع مايكتب في الصحافة العربية وكيفية ترتيبها للمواد الثقافية بشكل عام والفيلمية بشكل خاص،حيث تحتل الصفحات الأخيرة وبشكل كمي يضعف،بل ينعدم أحيانا، لترك المكان لمادة إشهارية،قد تتناقض أحيانا مع روح ما ينشر في هذه الصفحة الثقافية،لكي تبقى السياسة،المكون المهتم به بشكل ملحوظ.
إن ظهور التلفزيون في عالمنا العربي،ظهور تم 'تسييسه'،منذ البداية،مع التأكيد، على أن هذا التسييس،قد 'خفت'، إلى حد ما،لغته خصوصا في بعض البلدان العربية،التي سمحت بتحرير المشهد السمعي البصري،وهو ما أعطى الفرصة لتتحرر بعض الأقلام والبرامج والأفلام الوثائقية والروائية،وتوسيع مساحات المهرجانات المختصة الخ،مما سمح بإطلالات فنية وثقافية عربية،تعمقت بشكل ملحوظ، مع ازدهار ما يسمى بالربيع العربي،حيث لعب فيه جسد البوعزيزي وعربته،دورا هاما،أسقط من خلاله العديد من الأقنعة العربية السياسية.
حديثنا هذا،وبهذا الشكل،هو من أجل أن نؤطر ضمنه،كيفية تلقي هذه الوسائل الإعلامية العربية،لثقافة الصورة،بشكل عام. فإذا كانت هذه الوسائل،بين الفينة والأخرى، تقدم مواد إخبارية معلوماتية،عن بعض الأفلام الروائية،فهي في المقابل،كانت تتساير وتهميش الفيلم الوثائقي،في ظل تمثل سائد لديها حول هذا الشكل التعبيري،ومراده أنه نوع ثقافي 'نخبوي'،غير مستقطب لمتلق متعدد، مما جعل التصور السائد في العديد من وسائل الإعلام العربية،كالتلفزيون مثلا،مرتبط ببرمجة كمية قليلة للفيلم الوثائقي،وهي برمجة، يفاد منها،مجرد سد فراغ زمني إعلامي، وقد ولد هذا، نوعا من النظرة 'الدونية' للفيلم الوثائقي،مما جعل الاشتغال عليه يدخل في باب المبادرات الأولى.
لكن،وفي ظل بعض التحولات الآتية من ريح العولمة، كبعد ليبرالي10،المحولة لهذا العالم، إلى فضاء صغير،حيث الفضائيات الأجنبية،كانت ولا تزال قبلة مفضلة للبعض،تم الانتباه إلى مكانة الفيلم الوثائقي،وما تولده من كتابات ومناقشات ومهرجانات واستثمارات الخ،بل تم التأكد من ولادة قنوات متخصصة في هذا اللون التعبيري والفني والثقافي والجمالي،مما جعل العربي،هنا،عبارة عن مادة فيلمية وثائقية،مادة نمطية تضليلية،في الغالب الأعم،إنها الصورة التي تقدم عنا كعرب في معظم هذه القنوات.
في هذا السياق،بدأت بعض الشبكات الإعلامية العربية،تنفتح على الفيلم الوثائقي،مما سمح،وفي ظل الحاجة الثقافية والسياسية العربية لهذا الشكل التعبيري،من توسيع نسبة الاهتمام من خلال إحداث بعض القنوات القليلة والمتخصصة في هذا المجال،وهو ما ساهم في تطوير الحاجة إلى الفيلم الوثائقي،وبداية إنتاجه ولو لفائدة هذه القنوات العربية.
من الممكن الجزم أيضا،أن ربيعنا العربي،أعطى أيضا شحنة قوية، لكتابة وإخراج أعمال فيلمية وثائقية عربية مهمة،مما ولد الرغبة، لدى بعض وسائل الإعلام العربية،كالتلفزيون والصحافة المكتوبة وبعض المواقع الالكترونية المتخصصة،في التعاطي مع الفيلم الوثائقي،الذي بدأنسبيا،يفرض مدلوله لدى بعض الفئات من مجتمعاتنا العربية،ولو أنه اهتمام،يقدم من سياقات ّإخبارية معلوماتية.
الفيلم الوثائقي في سياق الفرجة العربية العامة
لازال الفيلم الوثائقي بشكل عام،مقارنة مع بعض الأشكال الفرجوية السمعية البصرية،لم يجد مكانته الكبرى،وهوما يفرض التفكيرفي العديد من الإجراءات التربوية والثقافية والإعلامية الخ،لأنه وكما قلنا في البداية،إن هذا الشكل السمعي البصري الثقافي،من الممكن الرهان عليه لتطويرقدرات المواطن العربي،سواء على مستوى ذوقه أو مخياله،أو معرفته لذاته وللآخر،والكون ككل. نقول هذا الكلام ونحن نعي،الغلاف الزمني الذي يستهلكه العربي أمام التلفزيون،بالمقارنة مع غيره.
في ظل هذا السياق،نسجل أن بعض القنوات العربية المتخصصة في ثقافة الفرجة الوثائقية،وكذا بعض القنوات الأجنبية المهتمة بنفس المادة،بدأت نسبيا تستقطب مجموعة مختلفة من الفئات العربية،لمشاهدة ما تقدمه هذه القنوات من أفلام وثائقية عربية وأجنبية مختلفة الموضوعات،وهو ما سجلناه من خلال تتبعنا لطبيعة ما يتلقاه رواد المقاهي،على سبيل التمثيل لا الحصر.
إن تلقي العربي لفيلمه الوثائقي،ولغيره،يفرض ضرورة تطوير المعايير الفرجوية لدى المتلقي العربي،الذي تتحكم فيها مجموعة من الأنماط(الفيلم الوثائقي الحيواني كمثال)،التي صنعتها بشكل قصدي وغير قصدي،سياسات سمعية بصرية محددة،ناهيك عن وضعية العربي التربوية والثقافية والتي هي في المجمل،وليدة فعل سياسي،يرتب هذه الوضعية ضمن مؤخرة اهتماماته،مما جعله يفر بأحلامه ليمططها في فرجته السينمائية الهندية والهوليودية ونماذج فيليمية عربية محددة،طغت فيها فرجة اجتماعية مصرية وغيرها،معيدة لما ينتجه الواقع بشكل أو بآخرفي كثير من الحالات، مما جعل العربي،في فرجته العامة،مشدودا دوما إلى ما هو اجتماعي،أو عاطفي،أو حربي عسكري11 الخ،في غياب ملحوظ لتدني الفرجة كلما تعلق الأمر بمواد فنية وثقافية تتطلب نوعا من المرجعيات النقدية والتحليلية والذوقية الجمالية والإنسانية12.
الفيلم الوثائقي في سياق النقد السينمائي
المتابعة النقدية في أي عمل إبداعي، تشكل علامة على الوعي بقيمة ملاحظة وفهم وتحليل وتركيب وتأويل عمل فني ما،وعي من الممكن أن يساهم في تطوير المنتوج الفني في بلادنا العربية وجعله أكثر فنية وإبداعية ومهنية،لكن السؤال الأكثرعمقا، يمكن طرحه على الشكل التالي. ما درجة اهتمام وتلقي الناقد العربي للفيلم الوثائقي؟.
قليلة هي المقالات والدرسات والبحوث، التي تنجز حول الفيلم الروائي،وشبه منعدمة هي تلك المرتبطة بالفيلم الوثائقي،وهذا راجع إلى العديد من العوامل المرهونة بطبيعة التأليف وسياسة النشر والتوزيع في عالمنا العربي المرتب في رتب جد متدنية على مستوى الكتاب وطبيعة ما ينشر ويترجم الخ.
إن سؤال النقد الفيلمي في وطننا العربي، لا زال أيضا في العديد من جوانبه،وعلى الرغم من قلته القليلة جدا، بالمقارنة مع نقد الشعر والرواية والمسرح الخ،يلامس مكونات مضمونية،أكثر من المكونات الشكلية المحيلة بشكل أو بآخر على سؤال المحتوى. سؤال المضمون الذي يرهن ما يكتب في وطننا العربي،سؤال حدثي وقائعي،أي أنه إجابة ضمنية،عن سؤال ضمني،مفاده،ماذا قال الفيلم؟،وليس كيف قال الفيلم قوله؟.
إن ملامسة الناقد العربي، لسؤال ال''ماذا''،يحيلنا مباشرة على طبيعة الممارسة النقدية/الثقافية العربية ككل، ممارسة مرتبطة بالبعد الخبري، كبعد مضموني،مما جعل هذا المعيار به "يقاس" العديد من الأعمال الفنية والإبداعية والثقافية. إنها المرجعية/الرؤية "الواقعية" لما يجري من حولنا،وبالتالي تصبح هنا عملية التلقي، بمفهومها النقدي/المنهجي/ العلمي،عملية تشوبها طبيعة الرؤية السائدة والمتحكم فيها من طرف ما يمكن تسميته بمنظومة القيم السائدة،هنا،يأتي دور خلخلة هذا الجاهز والبحث عما هو متجدد،السائر وحاجيات المتلقي في الحاضر والمستقبل،مما يعطي للعمل المتلقى ذلك الدور البارز، في تطوير قدرات المتلقي،وجعله كائنا له قيمته الرمزية،في تطوير ما يقدم إليه.
سؤال الفيلم الوثائقي،إذن،وفي ظل تلقيه،وفق سؤال ال"الكيف"، يحيلنا على مكونات متعددة،بدءا من كيفية طرح الفكرة،مرورا بالعديد من العناصر الفنية والشكلية والجمالية،كالموسيقى والأمكنة/الفضاءات التي تصبح بدورها بمثابة شخصيات لها وظيفتها الحكائية13، والشيء،نفسه يمكن قوله حول بقية العناصر الأخرى،مثل طبيعة الراوي وموقعه في الحكي،أي علاقته بما يقدم،وكل العناصر المؤدية الى الإمساك بسؤال الكيف. إن طبيعة هذا التلقي وفق هذه الرؤية التي تستمد بعض تجلياتها، مما تعيشه العلوم الإنسانية من تطور مفاهيمي ومنهجي، تلق،سيساهم بكل تأكيد في تطوير فعل التلقي لدى المشاهد العربي، وهنا سيكون دور النقد، بمثابة تلك الأداة المطورة والمخلخلة لمعايير السائد، المرسخ لما يخدم غير "الحقيقة".
سؤال المقاربة المعتمد على المكونات الداخلية للفيلم الوثائقي،دون التقليل طبعا من سؤال المضمون، سؤال يفعل فعله في المتلقي،ويجعله يطور رؤيته لذاته وللآخر وللعالم،ويجعله فاعلا في منظومة القيم الثقافية والجمالية14 التي هي في نهاية المطاف قيم إنسانية قابلة للتطوير والتحديث وفق سؤال الحاجة.
الفيلم الوثائقي في سياق البحث العلمي العربي
تشكل الفنون مدخلا نوعيا، لتطوير فعل التلقي لدى جميع أصناف البشر وفي كل المجتمعات الإنسانية،مما يستدعي تطوير كل الأغلفة المالية المخصصة للبحث العلمي،لاسيما في وطننا العربي،حيث لا زال الرغيف بمفهومه 'البطني'،وليس الثقافي، يؤسس لمعظم البرامج السياسية العربية، ممايجعلنا نراهن على تلك السياسات العربية الجديدة، المؤمنة بقوة الاستثمار في البحث العلمي،إنه رهان آخر من اللازم تطويره وتطويعه،وجعله ضمن أولويات برامجنا السياسية،إن أردنا ولوج الحداثة الفكرية والثقافية والعلمية، من أبوابها المشروعة إن نحن أردنا ركوب قطار التنمية البشرية الحقيقية،وليس التنمية اللحظوية المرهونة 'بشهوة' سياسية انتخابوية عابرة.
في هذا السياق،نسجل ضعف تطوير قدرات الإنسان العربي في مجال ترقيه الثقافي والجمالي والمعرفي الخ،بل يمكن الجزم هنا،أن الاهتمام بسؤال الثقافة في معظم أوطاننا العربية،يحتل رتبا ضعيفة جدا،دون نفي لبعض المجهودات المبذولة بين الفينة والأخرى،لكنها تبقى محدودة جدا،من هنا نسجل ضعف التكوين والتكوين المستمرفي مجالات السمعي البصري،بشكل عام،والوثائقي بشكل خاص،طبعا نستثني هنا أيضا مجهودات محدودة،يقوم بها البعض في مجالات إعلامية عربية محدودة أيضا.
إن الاهتمام بثقافة الصورة،أصبح اليوم، ممرا كونيا للمرور إلى أحد أسرارهذا الكون وفهمه وتحليله،مما يفرض ضرورة انفتاح منظومتنا العربية التربوية أيضا على هذا الشكل التعبيري والفني ككل،سواء في شقه السينمائي الروائي أو الوثائقي أو الفوتوغرافي أو التشكيلي الخ،مما يفرض ضرورة تطوير البحث العلمي التربوي أيضا،وجعل المتعلم العربي مدركا لآليات توظيف ثقافة الصورة بشكل عام،وثقافة الصورة الفيلمية الوثائقية بشكل خاص،خصوصا والفيلم الوثائقي،هو أيضا، أداة من أدوات التعليم/ التعلم والتربية والتكوين،وإدراك ما يجري لدينا ولدى الغير،مما يجعلنا 'نحلم' بضرورة إدماج هذا الشكل الثقافي والمعرفي والفني والجمالي في المنهاج المدرسي والجامعي والتكويني العربي، وهو الإدماج الذي لن يمر إلا عبر بوابة البحث العلمي ككل. مرور من اللازم أن يأخذ بعين الاعتبار،أننا أمام أجيال عربية تشغل بشكل مذهل كل الرقميات والتكنولوجيات الحديثة ، طبعا من موقع التشغيل الاستهلاكي،وإلا فالإنسان العربي أيضا ملزم بتطوير كل آليات البحث العلمي في كل المجالات ومن موقع بنيوي/ترابطي،تصبح فيه التكنولجيا 'العربية' حاضرة بقوة كإبداع15 في عالم اليوم عوض العيش على حافة الاستهلاك،وعدم الابتكار والاختراع،خصوصا والعربي له كل المؤهلات الذهنية التي تجعله يصل هذه المراتب،ودليلي في هذا مكانة العربي اليوم في مجتمعات الغير،وما يقوم به من ريادات علمية وطبية وفنية ورياضية الخ،ويعود هذا إلى كونه يجد لدى الغير،الذي يمتص إمكاناته المتعددة في ظل رؤية منفعية براكماتية مادية محضة، الفضاء المريح للإبداع والابتكار والبحث.
على سبيل التركيب
في ضوء هذه العناصر المستخلصة هنا نسجل جنينية الاهتمام بثقافة الصورة ككل،وثقافة الصورة الفيلمية الوثائقية على وجه الخصوص،مما يجعل تلقي هذه المادة الفيلمية الوثائقية تعترضها مجموعة من الصعاب المعرفية والقيمية والثقافية المستمدة من طبيعة تلقي العربي ككل لثقافة الصورة،والمبنية أساسا على أسس حدثية ووقائعية،رهنت منذ مدة بسؤال يحيل على ما هو مضموني،دون طرح السؤال العميق المؤدي إلى تطوير الذوق والرؤية الثقافية لدى العربي،أي كيف يقول عمل وثائقي ما قوله؟.
إنه السؤال العميق الذي من الممكن الرهان عليه،من أجل تلق فيلمي وثائقي وثقافي ككل،متطور ومدرك لقيمة القيم16 والفعل النقدي المؤدي إلى تطوير رؤية العربي لذاته وعلاقتها بنفسها والآخر والعالم ككل.
لقد حاولنا من خلال ما سبق، تبيان كيفية تلقي العربي لفيلمه الوثائقي ولغيره،من خلال مجموعة من الزوايا،بدءا بكيفية تلقي الإعلام العربي للفيلم الوثائقي، تساءلنا عن طبيعة علاقة العربي بهذه الفرجة الفليمية الوثائقية،وطرحنا سؤالا جوهريا يتعلق بكيفية تعامل نقدنا العربي مع هذا الشكل التعبيري السمعي البصري،وقد حاولنا أيضا وضع هذا المكون في سياق سؤال آخر يتعلق بالبحث العلمي العربي،كل هذا كان من أجل الإمساك ببعض العناصر المكونة لتلقي الفيلم الوثائقي في عالمنا العربي،وهي عناصر من الممكن أن تساهم في تشخيص هذا التلقي العربي،بغية وضع استراتيجية ثقافية فنية عربية متكاملة، الغاية منها،العمل على تطوير أساليب التعامل العربي،في أفق جعله يتفاعل مع الفيلم الوثائقي،تفاعلا فعالا هادفا إلى مده بكل الآليات الممكنة،حتى يتمكن من تحقيق إشباعه الفني والثقافي والمعرفي الخ،لأنه المدخل الحقيقي لكل تنمية17 إنسانية عربية حقيقية.
المراجع
. الدكتور الحبيب ناصري،أستاذ باحث،وناقد سينمائي /المغرب(رئيس المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بالمغرب).
1 الفيلم الوثائقي/قضايا وإشكالات،تأليف مجموعة من الباحثين،تنسيق حسن المرزوقي، إعداد قناة الجزيرة الوثائقية،ط1 السنة 2010.
2 الدكتور طه عبد الرحمان، الحق الإسلامي في الاختلاف،ص16 وما بعدها ،المركز الثقافي العربي الدارالبيضاء،ط 1،2005
3 فكر ونقد،أنظر محور العولمة والمقارنة الثقافية،ص 41،وما بعدها، السنة العشرة،ع 97،أبريل 2008
4 أنظر مؤلف الدكتور المهدي المنجرة،عولمة العولمة،منشورات الزمن،المغرب، ط2،
2011
5 الدكتور الحبيب ناصري،في الحاجة الى الفيلم الوثائقي ، مقال بالقدس العربي بتاريخ 5 أكتوبر2010.
6 أنظر المسألة الثقافية،الدكتور محمد عابد الجابري،مركز دراسات الوحدة العربية،ط1 1994
7 علاء عبد العزيز السيد، الفيلم بين اللغة والنص، ص 66 ومابعدها،منشورات وزارة الثقافة،المؤسسة العامة للسينما،دمشق سوريا
8 أنظر، الدكتورشاكر عبد الحميد، عصر الصورة،عالم المعرفة،ع 311، يناير2004
9 الفلم الوثائقي/مقاربة جدلية،تأليف مجموعة من الباحثين،تنسيق حسن المرزوقي،إعداد قناة الجزيرة الوثائقية،ص145 وما بعدها،ط1، السنة 2011
10 فكر ونقد،أنظر الليبرالية الجديدة والعولمة والثقافة،ص5 وما بعدها،ع94 يناير
2008
11 عبد المعين الموحد، التسويق السينمائي،ص178 وما بعدها،منشورات وزارة الثقافة السورية،المؤسسة العامة،2009
12 أنظر،إبراهيم العريس، ما وراء الشاشة /سينما الإنسان،ج2 منشورات وزارة الثقافة،المؤسسة العامة،دمشق2010
13Voir Moumen smihi. Ecrire sur le cinéma.Idées clandestines1.ed 1 .année 2006
14 الدكتور الحبيب ناصري، أنظر جماليات الحكي ، فصل الشخصيات،ط1، مطبعة عين أسردون بني ملال المغرب 2004
15 أنظر، الدكتور نبيل علي،العقل العربي ومجتمع المعرفة/مظاهر الأزمة واقتراحات بالحلول، ج1 عالم المعرفة،369،نونبر،2009
16 أنظر،الدكتور المهدي المنجرة،قيمة القيم،مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء المغرب،ط1،2007
17 الدكتور محمد عابد الجابري، مواقف/التنمية البشرية والخصوصية الثقافية،ص،51
ومابعدها، 2007، ط1
الدكتور الحبيب ناصري/ استاذ باحث مغربي
رئيس المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة
خاص ب: ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.