تعد عمليات إحصاء السكان والسكنى من أهم الأنشطة التي تقوم بها الدول لضمان وجود بيانات دقيقة ومحدثة تساعد في التخطيط واتخاذ القرارات على المستوى الوطني. في المملكة المغربية، تم تنظيم عملية إحصاء السكان والسكنى من خلال القانون رقم 001.71 الصادر في السادس عشر من يونيو عام 1971، والمرسوم رقم 2.23.647 الصادر في الحادي والعشرين دجنبر سنة 2023. في هذا المقال، سيتم تسليط الضوء على الأبعاد الرئيسية لهذا الإطار القانوني وأهميته البالغة في ضمان سير هذه العملية المهمة. أولا: الأهداف الرئيسية وإجراءات التنفيذ يتمحور الهدف الأساسي من القانون رقم 001.71 حول تنظيم عملية إحصاء السكان والسكنى في المملكة المغربية، مع التركيز على ضمان سريتها وحسن سيرها. يتولى تنفيذ هذه العملية السلطة الحكومية المكلفة بالتخطيط، وذلك بالتنسيق مع وزارة الداخلية. ويتم تحديد شروط وتواريخ إجراء الإحصاء من قبل رئيس الحكومة، بناء على اقتراح من هذه الجهات. هذا التنظيم الدقيق يضمن سير عملية الإحصاء بطريقة سلسة وفعالة، مما يسهم في الحصول على بيانات موثوقة ودقيقة تستخدم في مختلف جوانب التخطيط الوطني. ثانيا: كتمان المعلومات وضمان السرية يولي القانون اهتماما كبيرا لموضوع السرية وكتمان المعلومات التي يتم جمعها خلال عملية الإحصاء. حيث يلزم جميع المشاركين في إعداد وتنفيذ واستغلال الإحصاء بكتمان السر المهني، ويعاقب بشدة كل من يخالف هذا الالتزام. بالإضافة إلى ذلك، يمنع الفصل الثانية من قانون رقم 001.71 بشكل قاطع تبليغ أو استخدام المعلومات الشخصية والعائلية التي يتم جمعها خلال عملية الإحصاء لأغراض المتابعات القضائية أو المراقبة الجبائية. هذا الحرص على حماية خصوصية الأفراد يعزز من ثقة المواطنين في العملية الإحصائية التي ستشهدها بلادنا هذه السنة، ويشجعهم على تقديم معلومات دقيقة دون الخوف من أي استغلال غير مشروع. ثالثا: العقوبات الصارمة للحفاظ على نزاهة العملية الإحصائية لتحقيق الامتثال الكامل لإجراءات الإحصاء وضمان دقة البيانات التي يجمعها المكلفون بهذا الشأن، يقر الفصل الثالث من قانون رقم 001.71 على فرض عقوبات على كل من يرفض الامتثال لإجراءات الإحصاء أو يدلي بتصريحات غير صحيحة. حيث يتم تطبيق هذه العقوبات وفقا لأحكام البند الحادي عشر من الفصل 609 للقانون الجنائي المغربي الذي يحدد إمكانية فرض العقوبات على الأفراد الذين يتجاوزون مرسوما أو قرارا صادرا عن السلطة الإدارية بشكل قانوني، شريطة ألا يتضمن هذا المرسوم أو القرار عقوبات محددة للمخالفين. بمعنى آخر، إذا لم ينص المرسوم أو القرار على عقوبات خاصة، فإن المخالفين يمكن متابعتهم وفقا لأحكام عامة تتعلق بمخالفة التعليمات الإدارية. وبالتالي، فإن غياب النصوص الزجرية المحددة في المرسوم أو القرار لا يعفي المخالفين من العقوبات، بل يعاقبون وفقا للقوانين الأخرى ذات الصلة. ومن هذا المنطلق يشكل هذا الإجراء ضرورة محورية للحفاظ على مصداقية البيانات الإحصائية، وللتأكد من أن النتائج النهائية موثوقة وتعبّر بدقة عن الواقع. رابعا: تاريخ الإحصاء القادم تبعا للمرسوم رقم 2.23.647 الصادر في الحادي والعشرون من دجنبر 2023، تحدد تاريخ إحصاء السكان والسكنى في المملكة المغربية ليبدأ من فاتح شتنبر إلى نهاية نفس الشهر من عام 2024. يوفر هذا الإطار الزمني فرصة كافية لتخطيط وتنظيم العملية بما يضمن الوصول إلى الأهداف المتوقعة. خامسا: الوضعية المرجعية الوضعية المرجعية تشكل عنصرا حيويا للحفاظ على دقة البيانات المجمعة في إحصاء السكان والسكنى، خاصة في ظل التغيرات الديموغرافية والاجتماعية المتسارعة. وفقا للمرسوم رقم 2.23.647، حددت الوضعية المرجعية في المادة الثانية منه على أنها "منتصف ليلة فاتح شتنبر 2024". حيث يطبق هذا التحديد على جميع الأشخاص المشمولين بالإحصاء، بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان إقامتهم. ويهدف تحديد الوضعية المرجعية إلى تجنب الغموض والتضارب في البيانات الفردية، خصوصا في حالات الزواج أو الطلاق أو الوفاة أو الهجرة التي قد تحدث خلال فترة الإحصاء. كما يسهم هذا التحديد في توحيد معايير جمع البيانات على المستوى الوطني ويعزز دقة النتائج ومصداقيتها. إن الوضعية المرجعية تسهّل كذلك تحليل البيانات ومقارنتها مع الإحصاءات السابقة، مما يتيح رصد التغيرات الديموغرافية والاجتماعية. على سبيل المثال، إذا تزوج شخص في أكتوبر 2024، فسوف يسجل في الإحصاء ك "أعزب"، بناء على وضعه في منتصف ليلة فاتح شتنبر 2024. وبالتالي، فإن الوضعية المرجعية تعد ركيزة أساسية لضمان دقة ومصداقية الإحصاء، مما يعكس حرص المشرع المغربي على توفير بيانات موثوقة تدعم التخطيط واتخاذ القرارات على المستوى الوطني بشكل دقيق ومحدد. وصفوة القول بأن القانون رقم 001.71 والمرسوم رقم 2.23.647 يحوزان أهمية بارزة في عملية إحصاء السكان والسكنى في المملكة المغربية، حيث يوفر هذا الإطار القانوني معلومات إحصائية دقيقة تساعد في التخطيط واتخاذ القرارات على المستوى الوطني. كما يؤكد القانون والمرسوم على ضرورة حماية سرية وخصوصية المعلومات الشخصية للأفراد، مما يعزز من ثقة المواطنين في هذه العملية ويضمن جمع بيانات دقيقة وموثوقة.