في ظل دكتاتورية عسكرية تتخذ من الانتخابات مجرد قناع للتمويه تبقى قضية تقديم موعد انتخاب الرئيس او تأخيره مجرد لعبة لشغل الرأي العام وتضليله. إذ لا يمكن الحديث عن انتخابات رئاسية جزائرية بالمفهوم المتعارف عليه في العالم الحر والديمقراطي، فالانتخابات في هذا البلد مثل غيره من الأنظمة التوتاليتارية تتخذ شكل مسرحية لتبييض وجه النظام أمام الرأي العام الدولي. ويتأكد هذا المنحى من خلال احتقار الجنرالات الجزائريين للدستور الذي كتبوه بأيديهم، حيث تم التلاعب به عدة مرات، ففي سنة 2008 تم تعديل الدستور على المقاس لإزالة البند الدستوري الذي كان يحدد ويحصر الفترة الرئاسية في عهدتين، ليُفتح المجال أمام عبد العزيز بوتفليقة للفوز بعهدة ثالثة ورابعة رغم إصابته بجلطة دماغية جعلته قعيد كرسي متحرك، لا يقوى على الحركة ولا حتى على الكلام، وربما يتذكر المتابعون كيف قام وزيره الأول عبد المالك سلال بحملة انتخابية نيابة عنه. وقد كان الجنرالات يُعدٌون العدة لعهدة خامسة لولا الحراك الشعبي الذي انفجر في فبراير 2019 فأجهض المشروع. والتلاعب بالدستور لعبة الجنرالات التي تكررت أيضا سنة 2018 بالعودة مرة أخرى إلى تحديد عهدتين رئاسيتين، وتلاها خرق الدستور لإقالة الرئيس بوتفليقة سنة 2019 من طرف الجنرال قايد صالح، ولو أنه اتخذ شكل استقالة لا أحد صدٌقها، وبعد ذلك تم خرق الدستور لتمديد المدة القانونية الفاصلة بين شغور منصب الرئيس وبين إجراء الانتخابات، وتم خرق الدستور ايضا عند إقالة رئيس البرلمان الجزائري السعيد بوحجة سنة 2018 دون سند قانوني، وتناسلت بعد ذلك عدة تلاعبات بالدستور. ويمكن أن نعود بلعبة الخروقات الدستورية في الجزائر إلى فترات سابقة وخاصة عند محطة إلغاء الجيش الجزائري للانتخابات البرلمانية سنة1991 والتي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وبعدها عند إقالة الرئيس الشاذلي بن جديد سنة 1992 من طرف الجيش، وعند تنصيب مجلس عسكري يحكم البلاد خارج الدستور في نفس السنة. وهناك تلاعبات أخرى لا يتسع المجال لاستعراضها بالتفصيل في هذا الحيز. إن هذه التلاعبات المتكررة بالدستور الجزائري تؤكد أن تقديم موعد الانتخابات لا قيمة له في نظام عسكري ضبابي لا احد يعلم أين هو مركز القيادة فيه ولا أين هو مركز القرار الحقيقي، لأنه حتى داخل المؤسسة العسكرية المتحكمة في مصير البلد، هناك تيارات متناحرة بدليل وجود 31 جترالا جزائريا خلف القضبان، جنرالات فارين إلى إسبانيا وفرنسا، وبدليل سجن رئيسي المخابرات العسكرية سابقا الجنرال توفيق والجنرال طرطاق في عهد قائد الجيش السابق قايد صالح، ليتم إطلاق سراحهما في عهد قائد الجيش الحالي الجنرال شنقريحة، مما يلغي أي وجود للنظام القضائي في حدوده الدنيا، وبالأحرى أن نتحدث عن استقلالية القضاء الذي يعتبر ركنا من أركان الديمقراطية. في مثل هذه الظروف يصبح تقديم موعد الانتخابات مجرد لعبة، وهدفا في حد ذاته يراد به شغل الرأي العام المحلي عن مناقشة جوهر الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة والمركبة في الجزائر، ويراد به شغل الرأي العام الدولي بمناقشة اسباب تقديم موعد الانتخابات عن مناقشة زيف الانتخابات تحت حكم العسكر وفي غياب دولة مدنية طالب بها ملايين الجزائريين الذين خرجوا في الحراك لأزيد من سنتين ونصف. وفي هذا الخضم، لا يجب أن ننسى الأساسيات، ومنها كيف جاء الجيش بالرئيس تبون إلى الحكم ضد إرادة الشعب الذي ندد بذلك في تظاهرات مليونية، وعلينا أن نتذكر تصريح قائد الجيش الذي قال آنذاك بأنه سيتم تنصيب الرئيس المعين تبون حتى ولو صوت عليه واحد بالمائة فقط من الشعب، وكان في ذلك يرد على إعلان كل أحزاب المعارضة مقاطعتها للانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2019. وهو ما حدث فعلا إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة في تلك المسرحية سوى 27% من الجزائريين حسب الأرقام الرسمية، من ضمنها أصوات الجيش الذي ينتخب داخل أسوار الثكنات وليس في مكاتب التصويت مع المدنيين. وهذا وحده دليل كاف على زيف الانتخابات وزيف الديمقراطية العسكرية في الجزائر. إن جترالات الجزائر يريدون خلق حجاب من الدخان لتوجيه النقاش إلى القشور، اي إلى موعد الانتخابات، وكأننا أمام ديمقراطية حقيقية وليس أمام دكتاتورية عسكرية.. إنهم يريدون بلعبة تغيير مواعيد الانتخابات الإلهاء وحجب الرؤية عن نظام فاقد للشرعية، ويريدون الحيلولة دون النفاذ إلى مناقشة حقيقة أن الجزائر تتحكم فيها "جهات غير دستورية"، كما سمٌاها المرشح الرئاسي السابق علي بن فليس وهو ابن الدار، فقد شغل منصب وزير اول في عهد بوتفليقة ورئيسا لديوانه. أما الشعب الجزائري فقد سمى تلك الجهات خلال الحراك "بالعصابات"، وصيغة الجمع تظهر وعي الجماهير الجزائرية بما يجري، فالأمر لا يتعلق بعصابة واحدة بل هي عصابات متناحرة كلما وصلت واحدة إلى سدة الحكم لعنت أختها، وهي التي تتحكم في الجزائر بلا دستور وبلا انتخابات وبلا معارضة وبلا صحافة حرة، حيث يوجد أزيد من 300 صحافي وناشط حقوقي داخل السجون الجزائرية، وإلى جانبهم يوجد مرشحان سابقان للرئاسة وهما علي غديري والمعارض رشيد نكاز، ووزيران أولان هما اويحي وسلال. لهذه الاعتبارات وغيرها كثير لا يجب الوقوع في فخ العسكر الجزائري من خلال نقاش مغلوط حول تقديم مواعيد انتخابية في غياب اي مقوم من مقومات الدولة المدنية او الديمقراطية. أحمد نورالدين، خبير في العلاقات الدولية