لابد من الاعتراف أن اللجوء إلى القوة و العنف و المواجهة و التحارب و الإرهاب و الإرعاب كان و لا يزال ملازما لمسيرة الحضارة، يضيق و يتسع لكنه لا ينقطع، له فلسفاته و مسوغاته و حتى حضاراته التي قامت على إلغاء الآخر !! و عدم الإقرار بحقه في الوجود و الحياة، بمسوغات و ذرائع و فلسفات مشبعة هي نفسها بالترهيب و الترعيب، و الشواهد في الواقع أكثر من أن تحصى، حتى وصل الأمر ببعض الفلسفات إلى اعتبار أن الأصل في الحياة هو الحرب و المغالبة بالقوة !! و أن فترات السلم لا تخرج عن كونها هدنة مؤقتة لمعاودة الاستعداد لحرب أخرى !! فالحروب و المواجهات أصبحت اليوم لا تحتاج لكثير من المسوغات و الأسباب، فقد ابتدعت لها مصطلحات غريبة و عجيبة تسوغ العدوان، من قبيل « الحرب الاستباقية مثلا » أو « الهجوم الدفاعي » أو « الدفاع الهجومي » أو « الانتصار لحقوق الإنسان » أو « لإقرار الحريات » أو « لمحاربة الإرهاب » ...!! و هكذا ... و لقد تولد عن هذا كله، فلسفات خطيرة تؤمن بفكرة الصراع و الهيمنة و المواجهة و إلغاء الآخر، و توجه عجلة الحضارة و رحلة العلم للإنتاج التقني إلى ما يحقق لها السيطرة و الهيمنة و غلبة القوة، و الإنتاج الأدبي و الثقافي لما يرسخ لها فلسفة القوة و يسوغ لها صناعة الموت !! ظاهرة العنف و المواجهة و الإرهاب ظاهرة ممتدة تاريخيا، و ليس لها هوية أو مكان و زمان أو دين، هي ظاهرة رافقت الوجود البشري على الأرض، و هي صناعة بشرية أولا و أخيرا حتى و لو مورست باسم القيم الدينية، و جاءت فلسفتها ثمرة لِلَون من التدين المغشوش و لتسويغ الاستبداد و التسلط !! و لعل من أخطر دوافع هذه المغالبة الحضارية : الاستكبار و الاغترار بالقوة و شهوة الهيمنة على الآخر، و محاولة دمغ دين أو حضارة أو أمة بالعنف و وصمها بالإرهاب !! حتى يشكل ذلك مسوغا للتدخل في شؤونها و السيطرة على مواردها و التحكم بمصيرها؛ لذلك تصر دول الهيمنة و الاغترار و اعتماد سياسة التسلط و الاستعمار على عدم وضع و اعتماد تعريفات محددة للعنف و التطرف و الإرهاب المقصود، الأمر الذي يمكن لها أن تضع هي دون سائر الخلق التفسيرات و المسوغات التي تناسبها و تشكل لها الذريعة ... و ليس ذلك فقط، و إنما تحاول أن تفرض نوعا من الإرهاب الفكري لتطارد كل من يحاول أن يبحث الظاهرة، و يحرر مفهومها و ينظر في أسبابها، و يقوم بمقاربة و مقارنة لممارستها و نتائجها، و تتهمه بأنه بذلك العمل الموضوعي يشكل مسوغا و داعما للإرهاب و التطرف، و قد تلحقه بالمتطرفين، و تلاحقه بكل أسلحتها، لأنه بتعريفه للإرهاب و بيانه لأسبابه المنشئة له ينغص عليها طعامها و يكشف أساليبها الخفية ..!!! لذلك بقيت مفاهيم العنف و التطرف و الإرهاب و التعصب عائمة و ملتبسة و مختلطة، و هي أقرب للأشباح منها للواقع، و الذي يتجرأ و يحاول مناقشتها فكأنه يسير في حقل الألغام، حيث لا يسمح بذلك إلا لعملاء الحضارة الغالبة المهيمنة المتسلطة نفسها، الذين لا يخرجون عن فقهاء السلطان الظالم أو مثقفي السلطان المستبد .. و الذي أحب أن أوؤكد عليه ابتداء؛ أننا ندين العنف و التطرف و الإرهاب، إلى آخر هذه المصطلحات، من أي جهة جاء، سواءً من الأفراد أو الجماعات أو التنظيمات أو الدول، و تحت أي مسوغ أو سبب، لكن ذلك لا يمنعنا أبدا من دراسة هذه الظواهر و التفتيش عن أسبابها في محاولة للتحقق من وجودها فعلا و من تم كيفية الوصول إلى الحل، ذلك أن الحل الأمني الذي ما يزال معتمدا برهن عن فشله و عجزه، بل تحول ليصبح سببا و موقدا لإثارة التطرف و صناعته ... و للحديث بقية ..