هكذا يسألني الفيسبوك. حتى الفيس فضولي كأكثر الناس، لكن فضوله أجمل لأنه لم يسأل مثلا: ماذا فعلت اليوم أيها الجنوبي؟ أو مع من كنت تتكلم في الهاتف؟ أو ماذا أكلت في غذائك؟ أو كم عمرك؟ وماذا تفعل في حياتك؟ يسأل بم تفكر وهو سؤال جميل، لكن عليه أن يعلم أننا لا نفكر دائما، أو على الأقل نفكر ألا نفكر مادام التفكير يرهقنا يربكنا يُهرمنا... حاولت أن أفكر بم أفكر.. وجدتني أفكر في وجع في بطني لا يريد أن ينتهي. أفكر في كثير من عمر ضاع هنا وهناك، أفكر في بحث يشغلني ولا أجد له وقتا ولا ما يكفي من حماس لأنجزه، أفكر جهرا مع صديقي في التلاميذ، وهل علينا أن نتحمل يوميا كل هذا الضغط وأنواعا من البشر لفظتهم أسرهم ونحن علينا أن نرعاهم ونقبل كل شغبهم وجنونهم وانحرافهم.. أليس من حقنا أن نغضب ونلعن الواقع الذي صنعهم وصنعنا وصنع كل هذه الكوارث... أخيرا فتحت صفحة وورد في محاولة للكتابة "من قتل فينا فلسطين؟" هكذا عنونت المقال محاولا أن أتذكر حبا قديما وجرحا نازفا لا يندمل، فلسطين الحب الأول... فلسطين التي كانت تملأ الثانوية التي درست فيها.. تغنى بها اليساريون والإسلاميون واللامنتمون وهتفت معهم جميعا: "قولوا لتجار السلام فلسطين عربية/إسلامية *** لا تفاوض لا سلام لا حلول استسلامية" لم أتمم المقال ولم يتوقف وجع بطني، كل ما فعلت أن فتحت هذا الفيس ووجدته يسألني بم تفكر؟ فحاولت أن أجيبه بهذه الطريقة، ربما يكون هذا فعلا ما أفكر فيه. تذكرتني وأنا تلميذ في الثانوي.. خرجت يوما من المؤسسة على الساعة الرابعة مساء وتوجهت إلى كرسي إسمنتي أمام ثكنة عسكرية.. جلست هناك وحيدا وأنا أفكر في فتاة أعجبتني لعلها كانت معي في القسم وأظنني لم أعجبها .. المهم أنني جلست ولم أكن في حاجة إلى الفيسبوك ليسألني بم تفكر؟ فقد كنت أفكر فيها، وأخرجت دفترا وكتبت نصا يشغل صفحة وسطورا بعنوان "حبيبة من نوع خاص" مما بقي عالقا منه في ذهني "...حبيبتي أنت أملي ومستقبلي، أنت قلبي وعقلي، أنت زهرة حقلي ونجمة ليلي...." بقي النص عندي مدة، ثم قررت أن أعطيه لأستاذي في العربية ليصححه.. وحفاظا على الوقار الواجب لأستاذي أعدت قراءة النص فعدلت منه بعض التعابير وأضفت سطورا تغير معها موضوع النص من حبيبتي الأنثى إلى حبيبتي "فلسطين".