أثار النظام الأساسي الجديد لقطاع التربية الوطنية، الصادر بمرسوم رقم 2.23.819 بتاريخ 6 اكتوبر 2023، سخطا عارما وجدلا واسعا في أوساط جميع فئات الموظفين المنتمين لقطاع التربية الوطنية دون استثناء، وضمن اجماعا غير مسبوق لدى كل فئات القطاع للمطالبة بسحب المرسوم وإلغاء العمل به والدعوة إلى اصدار مرسوم جديد، يحفظ المكتسبات ويصون الحقوق ويحدد الواجبات ويضمن كرامة رجال ونساء التعليم، كل ذلك في اطار حِراك دينامي متجدد لحشود المنتسبين لقطاع التربية الوطنية بمختلف الفئات والدرجات والمهام، تقوده مختلف التنسيقيات الوطنية بالشارع العام على المستوى الاقليمي والجهوي والوطني؛ يُذكر الجميع بتداعيات الحِراك الاجتماعي لسنة 2011، مع فارق في الزمن والأهداف والغايات. واذا كان رجال ونساء التعليم هم شديدي الحرص على مصلحة المتعلمين من غيرهم، فإنهم اليوم يطالبون الوزارة الوصية بالتراجع عن المرسوم الذي نزع عنهم صفة "الموظفين" التي خاطبهم بها مرسوم 2003 وأصر على اعتبارهم "موارد بشرية" تشتغل لحساب قطاع التربية الوطنية، وبفتح حوار جدي ومسؤول مع المعنيين المتضررين من التراجعات الواردة في المرسوم الجديد خارج دائرة النقابات التي يعتبرها الكثير من موظفي قطاع التربية الوطنية مُساهمة مع الوزارة الوصية في حوار قطاعي دام لقرابة سنتين لإخراج نظام اعتبروه في الشعارات التي صدح بها المشاركون المنخرطون بعشرات الالاف في الاحتجاجات والمسيرات السلمية "نظام مآسي"، لم يأخذ بعين الاعتبار قاعدة مصلحة المتعلمين والمتعلمات من مصلحة رجال ونساء التربية والتعليم؛ ولاسيما فئة المدرسين الممارسين داخل الأقسام والفصول الدراسية، والتي أثقل المرسوم الجديد كاهلها بمهام اضافية جديدة دون تخصيصها إسوة بباقي الفئات بتعويض تكميلي يتناسب مع جهودها في التربية وتكوين الناشئة. أصر النظام الجديد على توظيف اصطلاح "الموارد البشرية" في المرسوم بدل "موظفي التربية الوطنية" التي خاطب بها مرسوم 2003 المنتسبين لقطاع التعليم. فقد وردت كلمة الموارد البشرية حوالي 25 مرة في نص يتضمن 98 مادة: في المواد من 1-الى 9 ثم المادة 39 و المادة 40 (3مرات) والمادتان 51-52 و 58-59، والمواد 62 إلى 64 والمواد 69 إلى 72 واخيرا المادة 82. و لا يخفى على أحد ما ينطوي عليه هذا التغيير في خِطاب المرسوم من "موظفي التربية الوطنية" إلى "الموارد البشرية" من دلالات حشر المؤسسات التربوية في خانة المقاولات الاقتصادية النفعية واعتماد مقاربة الربح المادي بدل منطق التربية والتنشئة الاجتماعية، فالمعاني التي تعمل في عقول واضعي المرسوم وجدت تعبيرا عنها في الأفعال وتجسدت في النظام الأساسي. لقد أسهب المرسوم في تفصيل وتدقيق مهام هيئة التدريس باعتبارها أحد أهم "الموارد البشرية" التي يعول عليها لإنجاح منظومة التربية والتكوين، نظرا لاتصالها المباشر بالمتعلمين والمتعلمات. وبدل تحفيز الفئة ودعمها وصون مكتسباتها وتشجيعها على ممارسة مهامها وفق مقاربة مندمجة تقطع مع الفئوية المقيتة، يضع المرسوم في مادته الأولى شرخا وتمييزا غير مبررين بين موظفي قطاع التربية الوطنية، والأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ويعتبرها معا "موارد بشرية" مُطالبة بتنفيذ مهام يمكن تقسيمات إلى أصناف نورد هنا تلك التي تهم هيئة التدريس وهي: 1- المهام المنصوص عليها صراحة وتفصل فيها المادة 15 وهي، التربية والتدريس؛ التقييم والدعم المدرسي والمواكبة التربوية؛ التعاون والتنسيق ضمن الفريق التربوي؛ المشاركة في عملية التنمية والتطوير المهني؛ المشاركة في تنظيم الامتحانات المدرسية والمباريات وامتحانات الكفاءة المهنية؛ والمشاركة في الأنشطة المدرسية والأنشطة المندمجة. وتَجدر الاشارة إلى كونها مهام تتطلب مجهودا كبيرا من الممارسين داخل الصفوف الدراسية لأجرأتها وتسهلك زمنا مدرسيا اضافيا، ويحتاج بعضها إلى عدة ديداكتيكية وبيداغوجية ومِراس وتجربة في التربية والتكوين لتنزيلها على أرض الواقع، في مؤسسات للتعليم العمومي يعاني الكثير منها من ظواهر تحد من فعالية الأداء المهني لرجال ونساء التعليم. كما أن بعض هذه المهام يتسم بالغموض ويحتاج بدوره إلى مرسوم لتفصيل مضامينه مثل "التعاون والتنسيق ضمن الفريق التربوي". 2- المهام المُضمرة بين ثنايا نص المرسوم، وهي الواردة في المادة 52 في شأن تقييم الأداء المهني وهي، تنفيذ المهام ؛ جودة الممارسات المهنية ؛ الالتزام المهني بالضوابط والأخلاقيات ؛ التنمية المهنية واستثمار التكوين المستمر؛ المشاركة في تحسين مردودية المؤسسة بالنسبة للذين يزاولون مهامهم بمؤسسات التربية والتعليم العمومي. فعلى غرار الصنف الأول من المهام، أدرجت هذه المهام الاضافية ضمن أعباء هيئة التدريس التي يطالبها المرسوم تبعا لذلك بالتنمية المهنية والمشاركة في تحسين مردودية واشعاع المؤسسة التعليمية. وجدير بالذكر أن أي "تقاعس" في تأدية هذه المهام يعرض "الاستاذ(ة)" لتقييم قد تؤدي درجته إلى أداء مهني غير مشرف، يضع صاحبه في خانة التعرض لأحدى العقوبات التأديبية التي فصلها المرسوم إلى أصناف على سلم من أربع درجات. إن المدرس في هذه الحالة مطالب تحت طائلة التهديد المبطن بالعقوبات، بالاشتغال مرغما في اطار فريق عمل تربوي يحسن مردودية المؤسسة ويضمن اشعاعاها التعليمي، في وقت كان فيه المدرسون والمدرسات يمارسون هذه المهام طوعا بتضحية وتفان ونكران ذات، ودون مقابل غير مصلحة تربية وتكوين النشء تكوينا تربويا سليما، يتناغم مع الغايات الكبرى للتربية والتعليم وعلى رأسها تكوين المواطن الصالح المتشبت بانتماءه لوطنه القادر على التضحية بالنفيس دفاعا عن ثوابت الأمة والمصالح العليا للبلاد. 3- مهام الريادة : وهي الواردة في المادة 60 ومنها المشاركة في الدورات التكوينية المبرمجة لفائدة العاملين بالمؤسسة التعليمية واستيفاء جميع مراحلها ؛ استثمار وتنزيل المقاربات البيداغوجية موضوع دورات التكوين ؛ تنفيذ مختلف العمليات المرتبطة بالتقويم الموضوعي لإنجازات المتعلم وتتبع الأثر على مستوى تحصيله الدراسي ؛ الإسهام في تفعيل أنشطة الحياة المدرسية ؛ تقديم أنشطة الدعم التربوي المبرمج خارج حصص التدريس المعتمدة. إنها مهام تلزم الممارس لمهنة التدريس بجهد إضافي يستلزم الأداء خارج الحصص الدراسية، وتتبع الوقع والأثر على التحصيل الدراسي، وتنزيل مضامين التكوين ومستجدات التربية والتعليم ومقارباتها على أرض الواقع. إنها مهام اضافية بعضها كان على المرسوم أن يعجل بتعميمها ووضعها ليس في خانة مدرسة الريادة، ولا في بند المهام، بل في اطار التكوينات المستمرة التي طالب بها نساء ورجال التعليم على الدوام، ولاسيما التكوين في البيداغوجيات والممارسات المهنية الجديدة التي تتجاوز الأهداف والكفايات والادماج إلى مقاربات تُخرج منظومة التربية والتكوين ببلادنا من أزمتها البنيوية التي تتكرس بالإصلاحات المتوالية اللامتناهية للتعليم. 4- مهام المبادرات المتميزة: جاء في الفصل 62 من المرسوم أن الوزارة الوصية تنتظر من هيئة التدريس وباقي الموارد البشرية القيام بمبادرات وممارسات متميزة، تتلقى بشأنها شهادات للتقدير والاعتراف، مرتبة حسب أهميتها، على النحو التالي: التشجيع؛ التنويه؛ ميزة الشرف. ولا تعني المبادرات والممارسات في هذا السياق سوى مهام تربوية تعليمية مكثفة تتطلب جهدا وتضحية من المدرس لخدمة مصلحة متعلميه بالدرجة الأولى، ولا ينال مقابل ذلك كله سوى شهادة تقديرية ورقية لا تقدر قيمة المجهود المبذول في التربية. لقد كانت هذه الشهادات التقديرية مثار سخرية منتقدي النظام الجديد، ورفعوا قطع من الورق الأصفر المقوى ( الكرطون) في مسيرات الاحتجاج تنديدا وتعبيرا عن رفض هكذا تقدير، ذاكرين أن كرامة رجال ونساء لتعليم فوق كل اعتبار؛ لأن أقصى ما يمكن أن يستفيده المعنيون بهذه التقديرات عير الاعتبارية، هو شطب عقوبات الانذار والتوبيخ التي قد تكون صدرت في حق البعض منهم خلال مساره المهني، كما جاء في المادة 65 من المرسوم ذاته. وحتى تكتمل سلسلة المهام التي لا حصر لها، أكد المرسوم في المادة 67 على أن السلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية، ستعمل على تدقيق وتفصيل المهام المنصوص عليها في هذا المرسوم، و إسناد 5- مهام أخرى للمعنيين، دون تحديد نوع وصنف وطبيعة والغلاف الزمني لهذه المهام الأخرى، كما أنه لا مبرر للمعنيين بالأمر خاصة من هيئة التدريس لرفض هذا الصنف من المهام الاضافية، ولاسيما وأن عدد ساعات العمل غير محددة بمنطوق المادة 68 من المرسوم نفسه. وعليه فإن هذه المهام تتسع لغلاف زمني اضافي، سيقتطع لا محالة من زمن المدرس، الذي صدح بأعلى الصوت أمام المديريات الإقليمية والاكاديميات الجهوية ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، اثناء مسيرات الاحتجاج السلمي الحاشدة غير المسبوقة، بإلغاء الساعات التضامنية واسقاط النظام، "نظام المآسي" ومرسومه المشؤوم. لقد أسهب المرسوم الجديد في إسناد مهام اضافية جديدة لرجال ونساء التعليم، وأطنب في سرد المخالفات التأديبية في منظومة عقابية متكاملة الأركان توثقها المادة 64، تترصد هفوات المدرسين والمدرسات، وتًفَصل العقوبات على مَقاس كل زلة قد تصدر منهم، اذ تراوحت العقوبات المرتبة في سلم الدرجات الأربع بين الحرمان من الحركة الانتقالية والحذف من لائحة الترقي والانحدار في الرتب والاقصاء من الامتحان المهني والخصم في الأجور والعزل والاعفاء من ممارسة مهنة التعليم...التي قيل عنها يوما إنها أنبل المهن ... توقف فيها تبجيل المعلم إلى أجل غير مسمى.