عندما طلب مجلس الأمن وقف «المسيرة « وأجاب الحسن الثاني : لقد أصبحت مسيرة الشعب    وهبي للمحامين: هل تريدونني أن أنبطح أرضا على بطني؟ ادخلوا للأحزاب وشكلوا الأغلبية وقرروا مكاني        ذكرى المسيرة الخضراء: ملحمة خالدة في مسار تحقيق الوحدة الترابية    بنك المغرب يكشف حقيقة العثور على مبالغ مالية مزورة داخل إحدى وكالاته    في "أول ظهور برلماني".. زيدان يراهن على جذب وتبسيط استثمارات الجالية    "يوسي بن دافيد" من أصول مغربية يترأس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط    الوداد يواجه طنجة قبل عصبة السيدات    "الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة" إصدار جديد للشاعرة مريم كرودي    18 قتيلا و2583 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعاً بريدياً تذكارياً بمناسبة الذكرى العاشرة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر    الأحمر يغلق تداولات بورصة الدار البيضاء            أخنوش: خصصنا في إطار مشروع قانون المالية 14 مليار درهم لدينامية قطاع التشغيل    جدل في البرلمان بين منيب والتوفيق حول الدعوة ل"الجهاد" في فلسطين    قرض ب400 مليون أورو لزيادة القدرة الاستيعابية لميناء طنجة المتوسط    التجمع الوطني للأحرار يستعرض قضايا الصحراء المغربية ويشيد بزيارة الرئيس الفرنسي في اجتماع بالرباط    إسبانيا تواصل عمليات البحث وإزالة الركام بعد أسبوع من فيضانات    أنفوجرافيك | أرقام رسمية.. معدل البطالة يرتفع إلى 13.6% بالربع الثالث من 2024    تحقيقات جديدة تهز كرة القدم التشيلية    بن صغير يكشف أسباب اختياره للمغرب    كَهنوت وعَلْموُوت    التساقطات ‬المطرية ‬أنعشت ‬الآمال ..‬ارتفاع ‬حقينة ‬السدود ‬ومؤشرات ‬على ‬موسم ‬فلاحي ‬جيد    رئيس الحكومة يستعرض إنجازات المغرب في التجارة الخارجية    "روائع الأطلس" يستكشف تقاليد المغرب في قطر    وزارة الاستثمار تعتزم اكتراء مقر جديد وفتح الباب ل30 منصب جديد    الاحتقان يخيم من جديد على قطاع الصحة.. وأطباء القطاع العام يلتحقون بالإضراب الوطني    مستشارو فيدرالية اليسار بالرباط ينبهون إلى التدبير الكارثي للنفايات الخضراء و الهامدة بالمدينة    "متفجرات مموهة" تثير استنفارًا أمنيا في بولندا    فن اللغا والسجية.. المهرجان الوطني للفيلم/ جوائز المهرجان/ عاشت السينما المغربية (فيديو)    الأرصاد الجوية تتوقع ارتفاع الحرارة خلال الأيام القادمة في المغرب    غير بعيد على الناظور.. حادث سير مروع يخلف عشرة جرحى    حقيقة انضمام نعية إلياس إلى الجزء الثالث من "بنات للا منانة    أولمبيك أسفي يوجه شكاية لمديرية التحكيم ضد كربوبي ويطالب بعدم تعيينها لمبارياته    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    وزيرة التضامن الجديدة: برنامج عمل الوزارة لسنة 2025 يرتكز على تثمين المكتسبات وتسريع تنفيذ إجراءات البرنامج الحكومي    هاريس في آخر خطاب لها: "كل صوت مهم في الانتخابات"    صاعقة برق تقتل لاعبا وتصيب آخرين أثناء مباراة كرة قدم في البيرو    الانتخابات الأمريكية.. نحو 83 مليون شخص أدلوا بأصواتهم مبكرا    دقيقة صمت خلال المباريات الأوروبية على ضحايا فيضانات فالنسيا        آس الإسبانية تثني على أداء الدولي المغربي آدم أزنو مع بايرن ميوني    ترامب يعد الأمريكيين ب"قمم جديدة"    استنفار أمني واسع بعد العثور على 38 قذيفة في ورش بناء    تصفيات "كان" 2025.. تحكيم مغربي المباراة نيجيريا ورواندا بقيادة سمير الكزاز    افتتاح النسخة الثانية من القافلة السينمائية تحت شعار ''السينما للجميع''    «حوريات» الجزائري كمال داود تقوده الى جائزة الغونكور    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام الأساسي الخاص بموظفي التربية الوطنية .. أسباب الرفض
نشر في العمق المغربي يوم 22 - 10 - 2023

ما يقارب السنتين من الزمن، ظل نساء ورجال التعليم، يترقبون نتائج الحوار القطاعي بشأن النظام الأساسي الجديد، أملا في ولادة عادية لنظام جديد، علقوا عليه كل الآمال والتطلعات، في أن يعيد لهم "الهيبة" و"التحفيز" و"الاعتبار" و"الكرامة"، بعد سنوات عجاف، طبعها القلق واليأس، وميزها احتقان متعدد الزوايا، كانت له تداعيات مباشرة على المدرسة العمومية وعلى صورتها المجتمعية، وبقدر ما كان سقف الانتظار مرتفعا، ومساحات الآمال والتطلعات رحبة وواسعة، بقدر ما كانت الخيبات كبيرة، وبؤرة الأسف عميقة، بعد الإفراج عن المرسوم المؤطر لهذا النظام، الذي قوى الإحساس الفردي والجماعي في أوساط الشغيلة التعليمية وعلى رأسها أطر التدريس، بالغبن والتذمر والسخط و"الحكرة" و"انسداد الأفق"، في لحظة تراجعت فيها النقابات إلى الخلف، مكتفية بالصمت، بعدما قادت حوارا مارطونيا نيابة عن الشغيلة، أتى مخيبا لكل الآمال والتطلعات، فيما تقدمت الوزارة الوصية على القطاع نحو الأمام، ممثلة في مسؤوليها المركزيين والجهوييين والإقليميين، مدافعة عن مرسوم، رأت فيه "فتحا مبينا" أتى بما تشتهي سفينة أسرة التعليم بكل فئاتها وانتماءاتها، أما الشغيلة، فقد كان لها رأي آخر، عبرت عنه مبكرا، حتى قبل أن يصدر المرسوم بالجريدة الرسمية، بالركوب مثنى وثلاث ورباع على صهوة النضال، والنزول الاضطراري إلى مضمار الاحتجاج، متقاسمة بارود الرفض والإدانة والتنديد، وأصابعها ممسكة بالزناد، طمعا في إسقاط مرسوم الجدل بالضربة القاضية، أو على الأقل النجاح في تعديله وتقويمه وتصويبه، بما يحقق أهداف التحفيز والاعتبار والكرامة والتقدير، وعليه، ومن باب الإسهام المواطن، في النقاش الجاري بشأن النظام الأساسي الجديد، وتفاعلا مع ما أثاره ويثيره من طقوس الاحتقان داخل المدرسة العمومية، سنحاول عبر هذا المقال، قراءة لبعض مقتضيات مرسوم الجدل، الذي أشتعل فتيل الاحتقان في أطر التدريس وفئات أخرى، وسنركز على بعض الملاحظات و الأسباب ، التي نراها حسب تقديرنا، مبرر ة لما طال هذا المرسوم من رفض وإدانة وتنديد؛

التسمية: مرسوم النظام الأساسي الجديد، وبخلاف مقتضيات القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، وعدد من الأنظمة الخاصة، وضع موظفي التربية الوطنية، وأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، في خانة "الموارد البشرية"، بكل ما يحمله هذا التوصيف الجديد، من خلفيات "مقاولاتية"، في مهنة تربوية وتعليمية، لابد من صونها وحمايتها من أي توجه "مقاولاتي"، يحاول الارتقاء بالتعليم إلى مستوى "السلعة"، الخاضعة إلى منطق وهواجس الربح والخسارة ، لارتباطاتها الوثيقة بصناعة الإنسان وبناء القيم الوطنية والدينية والاجتماعية والإنسانية، وبدون أدنى شك، فاستقرار الرأي على المفهوم المذكور، تحكمت فيه أهدافا، ما لم نقل "حيلة ذكية" من المشرع، لحل ملف "أطر الأكاديميات"، بأقل الأضرار الممكنة، مع حفظ ماء الوجه، بعدما بات "التوظيف الجهوي" خيارا استراتيجيا لارجعة فيه بالنسبة للدولة، التي تراهن على توسيع وعاء الجهوية الموسعة، وعلى الرغم من الاهتداء إلى هذه التخريجة القانونية، فالمرسوم الجديد، وإن حرص واضعوه على الوحدة وجمع شتات الشغيلة التعليمية، إلا أنه، أبقى على مسافة قد تطول وقد تقصر بين فئتين، فمن جهة "موظفو التربية الوطنية الخاضعين للنظام الأساسي السابق"، و من جهة ثانية "أطر الأكاديميات الخاضعين سابقا للأنظمة الداخلية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين"، والذين يخضعون في توظيفهم إلى "آلية التوظيف الجهوي" عبر الأكاديميات الجهوية المشغلة لهم، ومع ذلك، من اللازم الاعتراف، أن هذه الفئة الثانية، حققت مكتسبات في ظل النظام الأساسي الجديد، مقارنة مع الوضع السابق الذي كان سنة 2016 وما بعدها، وباتت في المجمل، تحظى بنفس الحقوق والواجبات، إسوة مع الموظفين الخاضعين للنظام القديم.

مهام أطر التدريس: أتى المرسوم الجديد سخيا كل السخاوة مع "أطر التدريس" الذين تم إدراجهم في "هيئة التربية والتعليم"، بعدما حملهم ما لاطاقة لهم به من المهام والأعباء، تنوعت بين "التربية والتدريس" و"التقييم والدعم المدرسي" و"التعاون والتنسيق ضمن الفريق التربوي" و"المشاركة في عملية التنمية والتطوير المهني" و"المشاركة في تنظيم الامتحانات المدرسية والمباريات وامتحانات الكفاءة المهنية"، فضلا عن "المشاركة في الأنشطة المدرسية والأنشطة الموازية"، ليصل مجموع المهام الملقاة على عاتق المدرس إلى "ست" مهام ثقيلة، تورطه مع سبق الإصرار في القيام بمهام، يفترض أن تسند إلى أطراف أخرى داخل "هيئة التربية والتعليم" من قبيل "المستشار في التوجيه المدرسي" و"المختص التربوي" و"المختص الاجتماعي" خاصة في الشق المتعلق بالتوجيه المدرسي والمواكبة وتنشيط الحياة المدرسية والأنشطة الموازية، وهذه المهام التي ستضاف إليها مهمة "التواصل المنتظم مع أولياء المتعلمين في إطار المواكبة المستمرة لمسارهم الدراسي"، لا تكرس في الواقع، إلا مدرسا عبارة عن "سوبرمان" يقوم بكل شيء ويعرف كل شيء "يدرس" و"يدعم" و"يحرس" و"يصحح" و"يحفز" و"يواكب" و"ينشط" و"يتواصل مع أولياء الأمور"...، أو "حيطا قصيرا"، لا يصلح إلا لتحمل المزيد من الأعباء والمهام ما ظهر منها وما بطن، وما يؤكد على هذا التصور، أن المهام الست، التي قيست بدقة وعناية على مقاس المدرس، لم تفرض لها، أية تعويضات، سواء أساسية أو تكميلية، تتناسب وحجمها وجسامتها، مما قوى لدى المدرسات والمدرسين، الإحساس الفردي والجماعي بالغبن والتحقير والتصغير والتفقير وعدم الاعتراف والاعتبار، استحضارا لما نالته فئات أخرى، من تعويضات، كان نصيب أطر التدريس منها "أصفارا تنطح بعضها البعض"؛

وحتى وإن حضرت التعويضات المرجوة، فهذا لا يمنع من القول، أن المهام المشار إليها سلفا، لم تراع البتة، الحالة النفسية والصحية والاجتماعية للمدرس، بعدما تحول "التدريس" في السنوات الأخيرة، إلى ما يشبه الجحيم، في ظل معضلة الاكتظاظ، والإفلاس القيمي في صفوف شرائح واسعة من المتعلمين، وانتشار ثقافة العبث وانعدام المسؤولية، وارتفاع منسوب العنف المدرسي الممارس في حق نساء ورجال التعليم، سواء داخل الفصول الدراسية، أو بمناسبة الامتحانات المدرسية ، التي بات اٌلإقبال السنوي عليها، مرادفا للقلق والتوجس والرعب والخوف بالنسبة للمدرسين المراقبين، في غياب أدنى شروط الحماية الإدارية والقانونية، وبلغة الواقع، نرى حسب تقديرنا، ومهما بلغ المدرس من الحيوية والشطارة، فلن يستطيع البتة، الالتزام بما عهد إليه من مهام ومسؤوليات جسام، لاعتبارين اثنين: أولهما مرتبط بانعدام التعويضات المحفزة، وثانيهما: مرتبط بحجم المتاعب والمعاناة المستدامة، التي يعانيها المدرسات والمدرسين داخل الفصول الدراسية، بكل ما لها من آثار نفسية وصحية ، لا يحس بها إلا الممارسين، مما يصعب معه، الاضطلاع بباقي المهام، استحضارا لمعطى آخر، لايمكن تغييبه أو إغفاله، أن شرائح واسعة من المدرسات والمدرسين، ألفوا الاشتغال بالمدارس الخصوصية – الذي بات مشروطا بترخيص – ومراكز الدعم، بكل ما لذلك من استنزاف للقوى ومن انعكاسات على أدائهم داخل المدرسة الوطنية العمومية، بحثا منهم، عن مردود مالي، كان من المفروض أن يحضر في النظام الجديد؛

تقييم الأداء المهني: ستخضع الموارد البشرية بموجب النظام الأساسي الجديد – ما عدا هيئة الأساتذة الباحثين في التربية والتكوين – لتقييم سنوي للأداء، أسس على عدة عناصر، تم حصرها في "تنفيذ المهام" و"جودة الممارسات المهنية" و"الالتزام المهني بالضوابط والأخلاقيات"، و"التنمية المهنية واستثمار التكوين المستمر" ، فضلا عن "المشاركة في تحسين مردودية المؤسسة ، بالنسبة للذين يزاولون مهامهم بمؤسسات التربية والتعليم العمومي"، وتؤخذ بعين الاعتبار في تقييم أطر التدريس كذلك، "استمارات التقييم الذاتي للأداء الموضوعة رهن إشارتهم، والمعبأة من طرفهم قبل الخضوع للتقييم"، وفي هذا الإطار، وخلافا لهيئة التفتيش والمراقبة والتقييم والمكلفين بمهام الإدارة التربوية، الذين يخضعون إلى تقييم الأداء المهني من طرف مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين المعنية والمدير الإقليمي التابع له المعني بالأمر، كل فيما يخصه وفق النصوص الجاري بها العمل، فإن أطر التدريس سيخضعون إلى تقييم الأداء المهني من طرف مدير المؤسسة والمفتش التربوي المعني، ودون الخوض في تفاصيل هذه العملية التقييمية "الازدواجية"، فيما إذا كانت ستتم بشكل "ثنائي" أو "فردي" – كل يقيم الجوانب المتعلقة به – فإن العناصر التي تؤسس لهذا التقييم المهني، تطرح أكثر من علامة استفهام، لما يعتريها من "لبس" و"ضبابية" و"إبهام"، من قبيل "تنفيذ المهام" و"جودة الممارسات المهنية" و"الالتزام المهني بالضوابط والأخلاقيات" و"التنمية المهنية" و"استثمار التكوين المستمر" و"تحسين مردودية المؤسسة"، وهذه العناصر ما حدودها وما مستوياتها؟ وكيف يمكن قياسها؟ وما مؤشراتها؟ وهل هي عناصر ثابتة أم متغيرة حسب البيئة التعليمية؟ وما حدود ومسؤوليات أطراف أخرى في التأثير الإيجابي أو السلبي على هذه العناصر كالإدارة التربوية ومدى إمساكها بزمام الأمور، وبنيات الاستقبال، ومدى تفعيل أنشطة الحياة المدرسية، ومدى حضور روح الفريق داخل المؤسسة، ومدى حضور ثقافة المسؤولية والجدية والالتزام في أوساط التلاميذ، ومدى تحمل الأسر لمسؤولياتها التربوية، وما مدى حضور مشكلة الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية، وما صواب ونجاعة هذا التقييم المهني، في بيئة تعليمية ليس المدرس وحده المؤثر فيها؟ ومهما أسهبنا في السؤال، فإن الثابت، أن "الترقية في الدرجة" باتت تستند إلى معدل النقط المحصل عليها برسم السنوات المطلوبة لهذه الترقية، فضلا عن "نتائج تقييم الأداء"؛

التعويضات: كما تمت الإشارة إلى ذلك سلفا، كان نصيب أطر التدريس في النظام الأساسي الجديد، "أصفار تنطح بعضها البعض"، بالمقارنة مع عدد من الهيئات والفئات، وهذه التعويضات بدون شك، هي التي أفاضت كأس الاحتقان قبل الأوان، وأخرجت المدرسين بكل فئاتهم، إلى الشوارع احتجاجا على مرسوم، قوى فيهم الإحساس بالحكرة وما يرتبط بها من غبن وتبخيس وتصغير وتيئيس وعدم تقدير واعتبار، وهذا التوجه، لا يمس فقط بقيمة المهنة ووضعها الاعتباري، بل ويكرس مهنة فاقدة لأدنى شروط الجاذبية والتقدير والاعتبار، مقارنة مع مهن أخرى كالطب والتمريض والقضاء والعدل والمالية والتحفيظ العقاري والشرطة و التعليم العالي وغيره، وبلغة "الأقراص" و"الخشيبات"، كان من المفروض، أن يتم تمكين أطر التدريس، من تعويضات أساسية أو تكميلية، تتناسب وحجم وجسامة كل مهمة أسندت لهم، لكن العكس هو الذي حصل تماما، بعدما، حضرت المهام بثقلها وجسامتها، وغابت التعويضات برمتها، وهذا معناه أن الذين وضعوا المرسوم، فصلوه على مقاس فئات بشحمها ولحمها، وتم استثناء أطر التدريس، وخاصة أطر الثانوي التأهيلي، الذين خرجوا بصفر مكاسب، دون استحضار لوضعهم الاعتباري والمحوري داخل المنظومة التعليمية، وهذه "اللاعدالة" أمام "التعويضات الأساسية والتكميلة"، كرست وستكرس نظاما أساسيا، أشعل فتيل "الفئوية" ما لم نقل "العصبية" داخل القطاع، لما شابه من تمييز وإقصاء، وأسس لظهور "ضحايا جدد"، اختاروا عن طواعية، لغة النضال والاحتجاج، طمعا في الاعتبار والاحترام والتقدير، وما فجره هذا النظام الجديد، من أشكال احتجاجية مقلقة، معناه، أنه لم ينجح في تحرير المدرسة العمومية من أسر الاحتقان، بل وأشعل فتيل هذا الاحتقان المقلق، بما له، من تداعيات تربوية وتعليمية، ومن آثار على النظام العام والسلم الاجتماعي، ولم يفلح، في وضع المنظومة التربوية على سكة الإصلاح، الذي لا يستقيم عوده، إلا بشغيلة موحدة ومحفزة؛

التحفيز المهني: المشرع الذي أقفل باب التعويضات كاملا، أمام أطر التدريس، دخل عبر نافذة ضيقة للتحفيز، بعد إقرار منحة سنوية، ابتداء من يناير 2024، قدرها "عشرة آلاف درهما"، تمنح لفائدة أعضاء الفريق التربوي بمؤسسات التربية والتعليم العمومي، الحاصلة على شارة "مؤسسة الريادة"، وهذه المنحة التحفيزية على قلتها وتواضعها، وبدل أن تشمل كافة المدرسين والمؤسسات قاطبة، تمت إحاطتها بمجوعة من الشروط والتقييدات "التحكمية" و"التعجيزية"، من قبيل "ضرورة الحصول على إشهاد بالمشاركة في الدورات التكوينية المبرمجة لفائدة العاملين بالمؤسسة التعليمية، واستيفاء جميع مراحلها"، و"استثمار وتنزيل المقاربات البيداغوجية موضوع دورات التكوين"، "وتنفيذ مختلف العمليات المرتبطة بالتقويم الموضوعي لإنجازات المتعلم، وتتبع الأثر على مستوى تحصيله الدراسي"، "والإسهام في تفعيل أنشطة الحياة المدرسية"، فضلا عن "تقديم أنشطة الدعم التربوي المبرمج خارج حصص التدريس المعتمدة"، وهذه الشروط التي تصل إلى حد "الاستحالة"، كرست مرة أخرى، نظرة للمدرس، بعيدة كل البعد عن ثقافة الاحترام والتقدير والاعتبار، وطريقة للتعامل، مبنية على التحكم والتحقير والتضييق والإخضاع، إذا ما استحضرنا أن هيئات وفئات أخرى، تم التكرم عليها، بتعويضات محترمة، دون ربطها بأية شروط أو تقييدات؛

وإذا ما توقفنا عند خيار "المدرسة الرائدة" ذاتها، فنرى حسب تقديرنا، أن "الريادة" يفترض أن تحضر مشاهدها في كافة مؤسسات التربية والتعليم العمومي، عبر تحسين وتجويد بنيات الاستقبال وتجهيز الفصول الدراسية، والارتقاء بمستوى الحياة المدرسية وما تتطلبه من إمكانيات مادية وقاعات متخصصة، وإرساء منظومة للمهارات الحياتية والتنمية المعلوماتية والثقافية والفنية وغيرها، والتخفيف من جائحة الاكتظاظ، ونفض الغبار عن المناهج المتقادمة وتحرير البرامج الدراسية من الكم، والتقليص من ساعات العمل، وأنسنة مناخ العمل، وتحفيز المدرس وتمكينه من وسائل العمل، ومن هوامش للخلق والإبداع والابتكار، وغير ذلك من التدخلات الداعمة للفعل الريادي، والمحققة لمقاصد "المساواة" و"العدالة" و"الإنصاف"، وعليه، فمشروع "المدرسة الرائدة" بكل ما حمله من شروط وتعقيدات، لن يحقق البتة، الأهداف المرجوة منه، غير إثارة المزيد من الرفض والتشرذم والاحتقان في أوساط أطر التدريس، الذين لم يترددوا في التعبير عن مواقفهم الرافضة للنظام الأساسي الجديد، حتى قبل أن يصدر المرسوم المتعلق به بالجريدة الرسمية؛

ولم يكتف واضعو المرسوم المثير للجدل، بسخاء "المدرسة الرائدة"، بل أصروا أن يكونوا أكثر سخاوة مع أطر التدريس، بإقرار شهادات للتقدير والاعتراف، تتنوع بين "التشجيع" و" التنويه" و"ميزة الشرف"، تمنح بمقرر للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية، لفائدة الموارد البشرية، التي تقوم بمبادرات وممارسات وصفت بالمتميزة، وهذه الشهادات، بقدر ما نعترف أنها ذات قيمة معنوية تشجيعية، بقدر ما نرى أنها عديمة الفائدة، لأنها لا تستند على أي أثر مادي، من شأنه التحفيز والدفع في اتجاه المزيد من الجد والاجتهاد والعطاء والابتكار، وفي هذا الإطار، فإذا كانت الغاية من منح هذه الشهادات هو التحفيز، فلا تحفيز إلا بالتعويضات عن المهام والأعباء والتأطير والمخاطر، في ظل المهام الجسام، التي فرضت عنوة على المدرسين، وهنا نتساءل: ماذا ستفيد شهادة كرتونية، مدرس في منطقة نائية وسط الجبال؟ أو مدرس لا يستكمل الشهر إلا بالمشقة؟ أو مدرس يمر بأزمة مالية خانقة؟ أو مدرس غارق في أوحال القروض؟

العقوبات التأديبية: بقدر ما أقفل باب التعويضات أمام أطر التدريس، وإثقالهم بالمزيد من المهام والمسؤوليات، بقدر ما فتح أمامهم باب العقوبات التأديبية على مصراعيه على غرار باقي الموارد البشرية، وفي هذا الصدد، وبدل الاكتفاء بما ورد في مقتضيات قانون الوظيفة العمومية من عقوبات تأديبية، تم استعراض ما لذ وطاب من العقوبات، من الدرجة الأولى التي حصرت في "الإنذار" و"التوبيخ"، والعقوبات من الدرجة الثانية ، التي تصل حد "الحرمان من المشاركة في امتحان الكفاءة المهنية برسم سنة واحدة" أو "الانحدار برتبة أو رتبتين" و"الحرمان من المنحة المالية، إذا كان المعني بالأمر مستفيدا منها"، والعقوبات من الدرجة الثالثة، التي تتنوع بين "الحرمان من المشاركة في الكفاءة المهنية برسم سنتين"، و"الحذف من لائحة الترقي في الدرجة بالاختيار برسم سنتين متتاليتين"، و"الإقصاء المؤقت عن العمل، مع الحرمان المؤقت من الأجرة ما عدا التعويضات العائلية، لمدة لا تتعدى ثلاثة أشهر"، و"الخصم من الراتب الأساسي بما لايتجاوز 10 أيام، في حدود 60 يوما خلال السنة الواحدة، إضافة إلى العقوبات من الدرجة الرابعة، التي قد تصل حد "العزل" و"الإعفاء" بالنسبة للمتمرنين؛

وإذا ما استقرأنا هذه العقوبات كاملة، يتضح أن "البعد العقابي" كان حاضرا بقوة في أذهان واضعي ومهندسي النظام الأساسي الجديد، مما يعكس ميولات مسبقة، تحكمت فيها أهداف ومقاصد التحكم والتخويف والتضييق والوعد والوعيد، عوض فلسفة التحبيب والترغيب والتحفيز، ونفس البعد العقابي، حضر في "محو العقوبات"، التي تم ربطها بضرورة الحصول على ميزة "التشجيع" و" التنويه" و"ميزة الشرف"، وحتى إذا ما حضرت ميزة من هذه الميزات، فإن عملية المحو، تقتضي إصدار مقرر للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية، بعد استطلاع رأي اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء المختصة، علما أن إدراك أو بلوغ هذه الميزات، يقتضي شروطا تحفيزية ومناخ عمل ملائم وفريقا متجانسا يؤمن بروح الفريق، وهو ما يغيب بدرجات مختلفة في كل المؤسسات التعليمية، وإذا ما تركنا هذه الميزات جانبا، التي تحيل على مفهوم "إعادة الاعتبار" بالنسبة لذوي السوابق العدلية، فالعقوبات التي تم استعراضها بإسهاب، تبقى واسعة وفضفاضة، مما يجعلها مفتوحة أمام باب الاجتهاد والتأويل وربما الشطط والانتقام، في ظل غياب توصيف صريح ودقيق للمخالفات وما يناسبها من عقوبات، حتى يكون "المخالف" على بينة واطلاع من العقوبة التي تنتظره في حالة المخالفة، وعلى علم مسبق بقائمة السلوكات والتصرفات التي تعد مخالفة، حتى يتسنى له اتخاذ التدابير اللازمة من باب الوقاية والاحتراز، علما أن المرسوم برع في استعراض العقوبات، لكنه غيب بالمقابل، الحقوق والضمانات القانونية، التي يفترض أن يتمتع بها هذا المخالف، في الحالة أو الحالات التي يكون فيها موضوع مخالفة أو مخالفات؛

وفي خاتمة المقال، لابد من التأكيد أن ما تمت الإشارة إليه من ملاحظات، ومن أسباب مبررة للرفض الذي طال المرسوم المؤطر للنظام الجديد، تمت استعراضه على سبيل المثال لا الحصر، ونحن على يقين، أن الدائرة تستوعب مجموعة من القضايا والملفات المطلبية الفئوية، التي عجلت بتأسيس جملة من "التنسيقيات"، تناضل اليوم في الميدان، دفاعا عن الحقوق المسلوبة والكرامة المفقودة، وفي طليعتها تنسيقية أساتذة الثانوي التأهيلي، التي صارت من أولى ضحايا النظام الجديد، بعدما خرجت بخفي حنين، مقارنة مع فئات أخرى، وفي المجمل، فطنجرة الضغط، ستواصل الصفير – بعد العطلة البينية الأولى – استحضارا للبرنامج النضالي التصعيدي، المعلن عنه من طرف التنسيقيات، واستحضارا لعدد من النقابات التي لم تجد من خيار، سوى مباركة النضال، حفظا لماء الوجه، والوزارة الوصية على القطاع ومن ورائها الحكومة الاجتماعية، تبقى مطالبة بحسن الإصغاء إلى نبض الشارع النضالي التعليمي، واستشعار ما للاحتقان الجاري، من تداعيات على المدرسة العمومية ومستقبل الموسم الدراسي، وعلى النظام العام، وهي مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بالتفاعل الإيجابي والمسؤول مع الأصوات الرافضة، عبر الرجوع إلى طاولة الحوار إلى جانب النقابات، ومحاولة البحث المشترك، عن الصيغ القانونية الممكنة، والحلول المبدعة والمبتكرة، القادرة على تجويد المرسوم المثير للجدل، ومؤازرته بمراسيم وقرارات تنظيمية أخرى، من شأنها "منح أطر التدريس ما يستحقونه من تعويضات أساسية وتكميلية" إسوة بباقي الفئات والهيئات، و"ضبط المهام" و"تقنين ساعات العمل " و"إعادة النظر في نظام العقوبات"، و"الرفع من الأجور" و"إعادة النظر في الأرقام الاستدلالية" و"اعتماد الدرجة الجديدة"، و"إرساء نظام مرن للترقي"، و"نزع صفة الإلزام أو الإكراه عن التكوين المستمر"، و"تسهيل الولوج إلى الجامعة لمتابعة الدراسة"، و"الرفع من تعويضات التصحيح" و"منح تعويضات عن الحراسة/المخاطر"، و"الحماية القانونية لموظفي القطاع"، و"رفع التقييد عن الإلحاق"، و"تيسير المشاركة في المباريات الخارجية"...، وإجراءات من هذا القبيل، ستكون بدون شك، مدخلا حقيقيا لإرساء سلم حقيق داخل المدرسة العمومية، يسمح بتنزيل مختلف أوراش إصلاح، لا يستقيم عوده، إلا بشغيلة تعليمية مستقرة وآمنة ومحفزة ومطمئنة، وإذا كتبنا أو عاتبنا أو آخذنا، فمن أجل المدرسة العمومية، التي ما أحوجها اليوم، إلى "حكماء"، يضعونها على سكة الإصلاح الشامل، بعيدا عن ممارسات التردد واللخبطة والارتباك...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.