بعد انتظار طويل صادق المجلس الحكومي المنعقد يوم 27 شتنبر 2023 على النظام الأساسي الجديد لكنه قوبل برفض شديد من رجال ونساء التعليم توج باحتجاجات قوية بلغت مداها يوم 5 أكتوبر، الذي يصادف اليوم العالمي للمدرس، عندما عبرت الأسرة التعليمية عن غضبها بمسيرة حاشدة في مدينة الرباط. وفي الوقت الذي كان الوسط التربوي ينتظر تهدئة للأجواء من طرف الوزارة سارعت الحكومة إلى نشر المرسوم المعني في الجريدة الرسمية في عددها الصادر يوم 10 أكتوبر، الشيء الذي زاد من منسوب الاحتقان في الساحة التعليمية ترجم إلى إضرابات متتالية عرفت مشاركة واسعة. وبغض النظر عن مضامين النظام الأساسي الجديد فإن ما جعله يواجه هذا المصير غير المرغوب فيه يمكن إجماله في نقطتين. أولا، غياب مقاربة واضحة لتدبير التغيير لدى الوزارة خاصة وأنها تبنت مقاربة التدبير بالنتائج التي تعتبر الموارد البشرية، وفي مقدمتها المدرس، مسؤولة مسؤولية مباشرة عن نتائج التعلمات لجميع المتعلمين والمتعلمات. وهذا ما يفسر ربط الزيادات في التعويضات الواردة في المرسوم بالأثر على التحصيل الدراسي كما هو واضح في التحفيزات المرتبطة بمدارس الريادة. وإذا كانت المقاربة في حد ذاتها محمودة نظريا فإن تطبيقها ليس بالأمر السهل خاصة فيما يتعلق بتحديد المسؤوليات، وهو ما كان يتطلب مجهودا تواصليا مضطردا من أجل شرح المقاربة، بالإضافة إلى آلية لتدبير التغيير تمكن من تيسير الانتقال السلس من المقاربة السائدة إلى المقاربة المأمولة. ثانيا، الوقوع في بعض الأخطاء على مستوى منهجية الاشتغال يمكن إيجازها في العناصر التالية: 1. الملاءمة مع المرجعيات: يبدو أن الوزارة تخلت عمليا عن مرجعية القانون الإطار عندما لم تصدر النصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة به. وبعلاقة مع النظام الأساسي الجديد فهي تجاهلت ما أوصى به القانون الإطار بخصوص ضرورة وضع إطار مرجعي للوظائف والكفايات قبل أي مراجعة للأنظمة الأساسية. وتجاهلت ما أقره فيما يتعلق بتجميع كل مكونات ما بعد البكالوريا في التعليم العالي الشيء الذي يتناقض مع إحداث إطار أستاذ باحث في وزارة التربية الوطنية الذي جاء به النظام الأساسي الجديد، والذي أفضى إلى مفارقة عجيبة تتمثل في أن هؤلاء الأساتذة سيتم تدبير مسارهم المهني من طرف نظامين أساسيين ينتميان لقطاعين مختلفين: التعليم العالي والتربية الوطنية. حتى مرجعية البرنامج الحكومي لم تلتزم بها الوزارة، فلا هي زادت في أجور الأساتذة 2500 درهم، ولا أقرت بالتكوين الأساس للمربيات والمربين في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، ولا قامت بإلحاق هذه المراكز بالتعليم العالي، وكلها التزامات حكومية ملزمة لوزارة التربية الوطنية. بل إن المربيات والمربين تم إقصاؤهم نهائيا من النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية وكأنهم ينتمون إلى قطاع آخر. 2. الإنصاف: رغم التأكيد عليه في اتفاق 14 يناير 2023 بوصفه مبدئا ناظما لعملية مراجعة النظام الأساسي الجديد إلا أن مضامين هذا الأخير اشتملت على مقتضيات تخل بهذا المبدأ، الشيء الذي ينم عن غياب معايير واضحة لأجرأته. من بين هذه المعايير نذكر مثلا التناسب بين حجم المهام المطلوبة من كل فئة والتعويضات التي ستستفيد منها، ووضع سلم للتعويضات التكميلية يمكن من التحديد الدقيق لها ومن فهم التفاوتات الموجودة بين فئة وأخرى، واعتبار معيار الكفاءة المحدد الأساس لولوج مهنة التدريس دون تقييد ذلك بسن معين قد يؤدي إلى إقصاء شرائح واسعة ممن تتوفر فيهم شروط الجودة المطلوبة. أما الغياب الأبرز للإنصاف فيتجلى في حرمان من يعرفون بأطر الأكاديميات من الزيادة في الأجور رغم الالتزام الحكومي الواضح بزيادة 2500 درهم لكل الأساتذة في بداية مسارهم المهني. 3. التوحيد: عرف النظام الأساسي الجديد بصفة الموحد اعتبارا لكونه وحد المسارات المهنية لجميع أطر قطاع التربية الوطنية. وإذا كان صحيحا أن من يترسم يستفيد من نفس الحقوق ونفس الواجبات بغض النظر عن انتمائه الوظيفي، فإن من الخطأ أن نعتقد بأن فئة أطر الأكاديميات لم يعد لها وجود أو أنها قد أدمجت في الوظيفة العمومية. الدليل على ذلك هي المواد الثلاثة الأولى من النظام الأساسي الجديد. فالمادة الأولى تنص صراحة أن الموارد البشرية للوزارة تتكون من موظفي القطاع ومن أطر الأكاديميات. والمادة الثانية تنص أن تدبير فئة الموظفين من مسؤولية الوزارة أما تدبير فئة أطر الأكاديميات فيتم من طرف الأكاديميات وهو ما يتوافق مع قانون هذه الأخيرة الذي تم تعديله بمرسوم بشكل استعجالي في شهر غشت الماضي. أما المادة الثالثة ففصلت نهائيا في أمر الفئتين عندما قررت بأنه تسري على الموارد البشرية أحكام النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة على موظفي الدولة التي لا تتعارض مع مقتضيات هذا المرسوم. من جهة أخرى فإن المناصب المالية المحدثة لأطر الأكاديميات ستظل في قانون المالية ضمن باب المعدات والنفقات المختلفة ويتم تمويلها من الإعانة التي تمنحها الدولة للأكاديميات. 4. التجويد: كان منتظرا أن يبنى النظام الأساسي الجديد على تصور مغاير للفلسفة التي حكمت إنتاج نظام 2003، لكن رغم ادعاء الوزارة بأننا أمام جيل جديد من الأنظمة الأساسية فإن المقارنة بين النظامين لا توحي بوجود فروق جوهرية بينهما، بل أنهما حافظا على نفس الخيط الناظم باستثناء تقليص عدد الهيئات من خلال دمج بعض الأطر مع بعضها البعض دون تغيير يذكر على مستوى الهندسة. وقد كان ممكنا الوصول إلى هندسة جديدة لو تم العمل بأحكام القانون الإطار التي تنص على البدء أولا بصياغة الإطار المرجعي للوظائف والكفايات قبل الشروع في بناء النظام الأساسي. تبقى بعض الإضافات التي أملتها المقاربة المفضلة لدى الوزارة ألا وهي التدبير بالنتائج، والتي أدت إلى تبني نظام للتحفيزات مرتبط بتحسين المردودية، واعتماد معايير لتقييم الأداء، ووضع نظام جديد للعقوبات، وكلها تدابير كانت ستكون ذات قيمة إضافية مهمة لو أنها اندرجت ضمن تصور شمولي ونسقي يضمن الإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع الفئات. 5. الوضوح: لقد كان ملفتا للانتباه رفض النقابات الأربع للنظام الأساسي الجديد رغم أنها ساهمت في وضعه بحجة استفراد وزير التربية الوطنية بالقرار ونشر الحكومة للمرسوم دون إدخال التعديلات الجوهرية التي اقترحوها على المشروع الذي سلم إليهم يوم 20 شتنبر. وإذا كان ذلك يعكس بالتأكيد أزمة ثقة بين النقابات والوزارة فهو يؤشر أيضا إلى جانب مؤشرات أخرى على عدم وضوح الوزارة بما يكفي في بعض النقط الواردة في النظام الأساسي، بل وتناقضها أحيانا عند توضيحها لبعض العناصر التي أثارت جدلا لدى الرأي العام التربوي. فأولا بالنسبة للمهام التي يرى أطر التدريس أن المرسوم الجديد قد أثقل كاهلهم بها فإن الوزارة ترد عليهم بأنهم كانوا يمارسونها فعليا وتم فقط تدقيقها وترسيمها بشكل قانوني. لكن الجميع يعرف أن المهام الزائدة عن تلك المنصوص عليها في مرسوم 2003 كانت تمارس بشكل طوعي مع تعويضات إضافية في الكثير من الأحيان، أما المرسوم الجديد فجعلها إلزامية دون أن يرفقها بأي مقابل مادي. ولا ننسى أيضا بأن المادة 67 تعطي الحق للوزارة في إضافة مهام أخرى بمجرد قرار يصدره الوزير وهو ما يزيد من مخاوف رجال ونساء التعليم. ثانيا فيما يتعلق بالعقوبات التي أرفقت لأول مرة في تاريخ التعليم المغربي بالنظام الأساسي دون أن توضح الوزارة أسباب ذلك. ويبدو أن السبب الأول هو أن عدم التنصيص عليها في المرسوم الجديد كان سيعني أن العقوبات التأديبية المنصوص عليها في قانون الوظيفة العمومية ستسري فقط على موظفي القطاع وليس على أطر الأكاديميات. أما السبب الثاني فهو إضافة عقوبات أخرى سمتها الوزارة بالبديلة، لكنها في الواقع لا تلغي العقوبات السارية على موظفي الدولة لأنها كلها تم الاحتفاظ بها في المرسوم الجديد، وإنما تقترح أشكالا جديدة لتصريفها هدفها الأساس هو ضمان حق المتعلم في التمدرس حتى في الحالات التي يكون فيها المدرس في وضعية الخضوع لعقوبة تأديبية. وهكذا سيصبح تطبيق نظام العقوبات أيسر من الماضي حينما كانت أغلب العقوبات على شكل إنذار أو توبيخ، ولم يكن يلجأ إلى العقوبات الماسة بأجور الأسرة التعليمية إلا نادرا، وبعد استيفاء المسطرة التي يستفيد فيها الشخص المعني من جميع ضمانات المحاكمة العادلة. وخلافا لما جاء في توضيحات الوزارة فباستثناء الإنذار والتوبيخ جميع العقوبات الأخرى ابتداء من الدرجة الثانية إلى الدرجة الرابعة تمس بالوضعية المالية لرجال ونساء التعليم. كما أن محو العقوبات من ملف المعني بالأمر ليس أمرا جديدا بل هو منصوص عليه في قانون الوظيفة العمومية، والمرسوم الجديد ربط الاستفادة من هذه الميزة بتطبيق أحكام المادة 75 من هذا القانون وهو ما يعني أن تبييض الملف مرهون بانقضاء عشر سنوات عن العقوبة وتقديم طلب في الموضوع للوزير. ثالثا بالنسبة لأطر الأكاديميات فإن الوزارة تقول إنهم أدمجوا في النظام الأساسي لكنها لم تقل أبدا بشكل صريح أنهم لم يدمجوا في الوظيفة العمومية، بل كثيرا ما تستعمل لفظ الإدماج للإيحاء بذلك. 6. المقاربة التشاركية: لقد بنت الوزارة مشروعية النظام الأساسي الجديد على مشاركة النقابات الأكثر تمثيلية في بنائه. لكن بعد انصرام سنة ونصف على هذا العمل المشترك خرجت النقابات الأربع لتطعن في مصداقية الوزارة وتتهمها بالإخلال بمبادئ المقاربة التشاركية. وقد سبق لنقابة خامسة أن انسحبت وسط الطريق احتجاجا على منهجية الاشتغال. وبما أن التعليم قضية مجتمعية وأن النظام الأساسي يكتسي أهمية خاصة في نجاح الإصلاح كان مؤملا توسيع المشاركة في النقاش إلى النقابات الأخرى وباقي الهيئات التمثيلية، مع عرض النظام الأساسي على المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ليبدي رأيه فيه. 7. الانتظارات: إن سقف الانتظارات كان عاليا خاصة لدى أطر الأكاديميات الذين أمضوا سنوات وهم يناضلون من أجل تحسين الوضعية الهشة التي أوصلهم إليها نظام التعاقد. لكن المقاربة المالية المعتمدة، وتشبث الحكومة بتصورها للتوظيف الجهوي، ساهما في خفض سقف العرض المقترح إلى مستوى لم يرق إلى مستوى تطلعات الأطراف المعنية. هذه بعض العناصر التي ربما أدت إلى ولادة نظام أساسي يشكو من عدد من الاختلالات الجوهرية التي أصبحت بحاجة إلى معالجة عميقة، وهو ما نتمنى أن يتم بعد تدخل رئيس الحكومة. إن إصلاح المنظومة التربوية وخاصة المدرسة العمومية رهين بإصلاح وضعية رجال ونساء التعليم وضمان كرامتهم، وهم لا يطلبون في نهاية المطاف سوى المعاملة بالمثل إسوة بموظفي قطاع التعليم العالي وقطاع الصحة، في إطار مراجعة عادلة لمنظومة الأجور في الوظيفة العمومية.