بادئ ذي بدء فإن أي انتصار للحق على الباطل في كل أنحاء المعمور، فكيف بمن ينتصر للقضية الفلسطينية إحدى أعدل القضايا الإنسانية، فإنه يجب أن يكون محل تقدير وإكبار وإجلال واعتبار. فمثلا كانت جهود تجمع كيبك من أجل السلام انتصارا لفلسطين بعقد ندوة ضمت أساتذة سوسيولوجيا وإحدى أقدم اللاجئات الفلسطينيات في كندا، هو أمر لا شك يسهم في مزيد من إلقاء الضوء على قضيتنا العادلة، ويعرف بها ما أمكن في هذا المجتمع الكيبيكي والكندي بشكل عام، والذي من المعروف أنه مؤطر ومعبأ إعلاميا بشكل كبير ومجانب للحق أحيانا كثيرة. وهو مجتمع بطبيعته مادي نفعي عملي، شبه منغلق على نفسه كثيرا ما ينأى عن مشاكل العالم وآفاته ويهتم بدلا من ذلك بتنمية المجتمع وازدهاره ورفاهيته المادية. ولذلك فإن أي مجهود ولو كان بسيطا فمن شأنه تنوير المجتمع والرأي العام الكيبيكي حول هذه القضية الهامة للمسلمين بل لكل أحرار العالم. غير أنه من اللازم إبداء بعض الملاحظات حول فلسفة ورؤية مثل هذه الهيئات التي تنتصر لفلسطين نعم، ولكن تظل رؤيتها غير متوازنة برأيي وغير واقعية. ونحن هنا نسعى لتوضيح حقيقة الوضع وعمق الصراع والمنهجية المثلى للتعامل معه، بغية اتخاذ المواقف الصحيحة والمتوازنة والثابتة، لأن ذلك سيحدد إلى حد بعيد عوامل حسم الصراع وسبل تحقيق العدالة المطلوبة فيه والانتصار المرجو. فأن يقول أحد المتدخلين في المنصة الرئيسية من الأساتذة أن حقيقة الصراع وكيفية النظرة إليه يجب أن تبقى بمنأى عن الدين بحيث يجب وصف الصراع بأنه مجرد قضية تحرر وطني، فهو أمر خاطئ ويُبعد القضية عن جوهرها. وهنا أقول أن هذا الأمر مرتبط أشد الارتباط بالدين والمعتقد، ليس فقط من الجانب الفلسطيني والعربي-الإسلامي، ولكن بشكل أكبر ومؤسِّس لطروحات الجانب الإسرائيلي كذلك، فمن منا لا يعلم أن من أسس بناء هذا الكيان كان ادعاء ما ورد في توراتهم من أن أرض فلسطين هي لليهود وقد وعدهم الله بها عبر مقولتهم الشهيرة: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" لا بل هو شعب الله المختار! وكلنا يعلم كيف أن الحاخامات المتشددين يسهمون بشكل كبير في التنكيل بالشعب الفلسطيني، ويزكون عقيدة الجيش الغاشم عبر ما يروجون باسم الدين من نصوص ودعوات لقتل المسلمين بلا رحمة! وهذا ما قام عليه هذا الكيان أول أمره لشد عزيمة جنوده واستقدام الأفاقين من كل حدب وصوب عبر تلك الدعوات. بل وجدنا من رؤساء أمريكا والغرب من يصف هذا الصراع وجولاته المستمرة بالحرب الصليبية؛ عبر زلة لسان أو قصدا. وعلى النقيض تماما هناك جماعة من الحاخامات وهم رجال دين يهود ويتبعهم كثير من اليهود ينضوون تحت جماعة تسمى " ناتوري كارتا" وهي تدعو لمنع قيام دولة إسرائيل لإيمانهم الشديد حسب دينهم أن اليهود لا يجب أن تقوم لهم دولة حتى يأذن الله لهم ويأتي المسيح المخلص، أما قيام الدولة بحسبهم فهو إيذان بانتهاء اليهود وهم يعصون أمر الإله، وهذا الموقف بدوره من صميم الدين عندهم. فمن يقول إذن أن الصراع يجب أن يبقى بعيدا عن الدين، وينتقد هنا حركات المقاومة الباسلة، لربطها جهودها بالدين وتحليتها خطابها بدعوات تحرير الأقصى، فهو إذن مخطئ لأن العدو من يبني كل خطابه وأساس اعتداءه على الدين. فهي إذن ليست قضية تحرر وطني فحسب، وهي كذلك ضمنا، ولكن القضية أكبر بكثير من مجرد شعب صغير وإن كان عظيما في عزمه ومقاومته، بل إنها قضية أمة بأسرها. وحتى نكون واقعيين، فهل هذا الكيان الغاشم يشن الحروب وحده؟ لا، بل وراءه أعتى الأمم وأقواها عُدة وعتادا وهي لا تخفي دعمها اللامشروط له مهما بلغ تنكيله بالأبرياء من الأطفال والنساء فضلا عن الرجال، فكيف نترك شعب فلسطين وحيدا فريدا إزاء كل تلك القوى الغاشمة باعتباره هو فقط المعني بالدفاع عن وطنه؟! وضمن تلك الرؤية أيضا، يقولون أنه عندما يتم ربط القضية الفلسطينية بالدين الإسلامي فقط، فإنه يتم حرمان باقي الأطراف من شرف الدفاع عن القضية الوطنية والإنسانية! ولكن من قال ذلك؟ بل لكل إنسان عبر العالم، وليس فقط أي مسيحي أو غير مسلم في فلسطين، للجميع حق الدفاع عن هذه القضية العادلة بمختلف الطرق المشروعة. غير أن الواقع على الأرض يقول بصراحة أن أكثر طرف صامد ومقاوم ويرعب العدو هو حركات المقاومة الإسلامية، فهل نجبرهم على وضع أيديهم وتخفيف حدة خطابهم مراعاة للأطراف الضعيفة أو المتخاذلة أو المتواطئة!! فالأمر إذن يجب أن يكون جليا وواضحا، وهو أن قضية فلسطين قضية كل حر شريف وكل إنسان يعتز بإنسانيته عبر العالم، ولكن قبل ذلك هي قضية المسلمين المخلصين الذين يرحبون بكل دعم صادق من كل أحرار العالم من أي ديانة أو ملة ويعتبرون مجرد كلمة حق أو وقفة رمزية أو دعم مادي بمثابة انتصار للقضية. وإن الانتصار فيها لن يتأتى إلا بتوطين النفس أنها قضية عادلة إنسانيا، عميقة دينيا وعقديا، متجذرة وطنيا. والانتصار فيها لا يتم بإقصاء أي طرف مخلص، ولكن لا يتم أيضا إلا بيد أصحاب القضية الصادقين الذين هم كل المسلمين، وإن كانت طليعتهم اليوم هم الرجال الفلسطينيون الأشاوس أولي البأس الشديد الذين هم عباد لله قبل أن يكونوا دعاة تحرر لقطعة أرض. وهن كذلك النساء الشامخات الصابرات والمناضلات، بل وكذلك أطفال فلسطين الذين يقاومون ولو بالحجر وكثير منهم يرتقون شهداء ويدفعون حياتهم البريئة فداء لأرض آباءهم وأجدادهم، بل وأرض المسلمين جميعا. وسعيا وراء توضيح المواقف والأفعال الحقة من أجل القضية وعدم الاكتفاء بالمعارك الكلامية والشعارات، يمكن هنا استحضار صورتين تبينان مشهدا للعزة والاستنفار لنصرة غزة، سنة 2012 حين انبرت قيادة مصر آنذاك لنجدة غزة، ومشهدا للذل والهوان رضوخا للعدو حين عجزت القيادة الحالية وغيرها من نجدة الأبرياء في غزة ولو بكسرة خبز! ويحضرني هنا تحليل في الصميم لأحد المتخصصين الذي استحضر عوامل النصر في -حطين- وهي موقعة لازال العدو يدرسها من جميع الجوانب، ولعله خلص إلى أن اجتماع العرب والمسلمين ولو على الأقل دول الطوق كاف لطرده شر طردة! فالمتأمل والمتعظ من التاريخ يجد أن النصر في حطين كان بفتح من الله، ثم أساسا بمدد من سوريا والعراق والأردن ومصر، ولأن العدو يدرس التاريخ جيدا- بينما أمتنا تزدريه!!!- فقد عملوا ولازالوا على محاربة كل قائد صادق أو رئيس مخلص لقضايا الأمة، وسرعان ما فعلوا كل ما يمكن لعدم السماح لمشهد العزة في 2012 ليكتمل، بل كلنا يعرف كيف دبروا القلاقل في مصر وأسقطوا الحكم المدني المنتخب والذي كاد يعصف بهم ويقربهم من حطين! ومالبثوا أن أعادوا حلفاءهم للمشهد وهاهم يبررون الجرائم ويخضعون، فشتان ما بين 2012 العزة، و2023 الخزي!! ولكن ريثما تتهيأ شروط النصر وهي آتية لا محالة، وهم يعرفون ذلك وواثقون منه أكثر من أكثرنا، فإن على كل حر يعمل من أجل القضية تحديد موقفه الصحيح وتبين المفاهيم بشكل دقيق فيما يخص حقيقة ومآلات الصراع في فلسطين بين الحق والباطل. وسعيا وراء توضيح المواقف المبدئية، لابد من تبين أصل الحكاية وهو ما وضحته الآيات الأولى من سورة الإسراء، والتي قدم فيها الشيخ الشعراوي رحمه الله تفسيرا كافيا وافيا، والعدو أشد إيمانا به قبل أن نتبينه نحن! فلا ندع دعاة القومجية العربية الكاسدة، ولا نسمح لأصحاب فصل الدين عن كل القضايا المصيرية للأمة أن يدلسوا علينا، فمن نقلوا عنهم علمانيتهم يُحكمون دينهم وإن كان محرفا في كل الأمور المصيرية ويجعلونه وقودا لتحريك الهمم وتبرير الأفعال! فكيف يحثون العرب والمسلمين على ترك معتقداتهم الصحيحة والجري وراء وهم القانون الدولي وما يسمى بالشرعية الدولية التي يتبين زيفها يوما بعد يوم! ولعل هذه الشراذم التي باتت تشكك الناس في أصالة وثبوت عديد من قضايا المسلمين في الدين فما بالك بقضايا الوطن، ولعل هؤلاء أشد خطرا من الأعداء الظاهرين والمجاهرين، ولعل تلك الجماعات من جاء فيهم قوله تعالى: ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ". 1) Collectif de Québec pour la paixm : page Facebook, Site : https://siriel.reseauforum.org/ 2) https://www.youtube.com/watch?v=ZU-TNk6iX4Y&pp=ygVG2KrZgdiz2YrYsSDYp9mE2LTYudix2KfZiNmKINmI2YLYttmK2YbYpyDYp9mE2Yog2KjZhtmKINin2LPYsdin2KbZitmEIA%3D%3D