كثيرا ما يتساءل الناس خصوصا في خضم ما يجري الآن على أرض الإسراء من صراع بين الصهاينة المحتلين والفلسطينيين المرابطين، هل لليهود حق في فلسطين؟ نعيش بقلوبنا مع ما يجري لإخواننا في فلسطين، لقد طغت مأساتهم على كل المآسي التي يعيشها المسلمون في أكثر من مكان وما من أحد منا إلا وهو يتابع أخبارهم ويتفقد أحوالهم، ويحزن لما يصيبهم ويفرح لما يصيب أعداءهم، يدعو لهم ويدعو علي خصومهم، وهذا بعض حقهم علينا، فقضية فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم ولكنها قضية المسلمين جميعا، واهتمامنا بها وحديثنا عنها وتشاورنا فيما يجب فعله لإنقاذها وتحريرها واجب إسلامي لا خلاف فيه. والمساجد والمنابر أحق وأولى من ينهض بهذه الرسالة، فلو شئت لقلت إن قضية فلسطين تتلخص في تحرير مسجد هو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين مع ما يتبع ذلك التحرير من تحولات في موازين القوى ومصادر القرار في العالم كله. والخطبة تذكيز بتاريخ احتلال أرض الديانات وإعطاء آليات نصرة الجهاد الفلسطيني. ومن أهم الموضوعات التي يجب على المنابر توضيحها هل لليهود حق في فلسطين؟ ذلك أن إيماننا بأننا أصحاب حق وأن عدونا يطالب بما ليس من حقه شرط لصمودنا وثباتنا في وجه أصحاب التنازلات التي يريدها البعض ضدا على التاريخ والمبادئ الثابتة في ديننا. لقد دأب الإعلام الصهيوني منذ مائة سنة على الزعم بأن فلسطين لليهود وهم لم يفعلوا أكثر من العودة إلى أرضهم ولابد أن نعرف حقيقة هذا الزعم ونكون قادرين على تفنيده والرد عليه. فليعلم المسلم أن فكرة إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين لم تكن تروج حتى عند زعماء الحركة الصهيونية إلا بعد عام 1905، بدليل أن هرتزل بعد أن قاد الصهيونية السياسية لم تكن فلسطين المرشح لهذا الوطن القومي الذي يدعو له، وقد محاول هرتزل الحصول على مكان في موزمبيق وفي الكونغو أو في أوغندا أو في قبرص أو الأرجنتين. ولما لم يتجاوب يهود العالم مع الفكرة، حول هرتزل القضية إلى قضية دينية ورأى أن فلسطين هي أنسب أرض لدعوته الصهيونية واحتضن المؤتمر اليهودي العالمي فكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين سنة 1905 أي بعد وفاة زعيم الصهيونية بعام. والمعروف تاريخيا أن الذين سكنوا فلسطين قرونا وقرونا هم الكنعانيون إلى أن جاء إبراهيم عليه السلام من العراق هو وزوجته سارة فسكن فلسطين وولد له فيها إسحاق وولد لإسحاق يعقوب وولد ليعقوب إثنا عشر ولدا فما حكم إبراهيم ولا إسحاق ولا يعقوب ولا الأسباط فلسطين وإنما سكنوا مع أهل فلسطين كسائر الناس مثلهم مثل أي غريب يقدم أرضا فيسكن مع أهلها. فلما استدعى يوسف أباه وإخوته دخل يعقوب مصر وأقام بها وبقي أبناؤه في مصر بعد يوسف وعندما جاءهم موسى وهم في مصر وأراد أن يدخل بهم فلسطين ترددوا ومات موسى عليه السلام ولم يدخل فدخل بهم فتاه يوشع ابن نون ولم يحكموا فلسطين، حتى إذا كان زمن داود وسليمان حكم هذان النبيان الكريمان جزءا من أرض فلسطين لأقل من مائة سنة ولم يحكما لأنهما من بني إسرائيل بل لأنهما كانا نبيين عادلين ارتضى حكمهما أهل فلسطين من العرب واليهود ثم جاء الغزو البابلي من العراق فأنهى مملكة داود وسليمان وأخذ بنو إسرائيل إلى العراق. وبعد الاضطهاد البابلي جاء الاضطهاد الروماني وجاء المسلمون فاتحين فوجدوا فلسطين تحت حكم الرومان ولم يجدوا فيها يهوديا واحدا، وأسلم أهل فلسطين شيئا فشيئا وصارت فلسطين جزءا من دار الإسلام وبقيت كذلك في ظل الخلافة الراشدة والأموية والعباسية والعثمانية قرابة ألف وأربعمائة عام فكيف يدعي اليهود اليوم أن هذه الأرض لهم وهم إنما أقاموا فيها غرباء لبعض الفترات. ولو حسبنا المدة التي حكم فيها داود وسليمان وأبناؤه ما بلغت المدة التي حكمت فرنساالجزائر وحكمت بريطانيا الهند مع العلم أن أهل فلسطين كانوا في أرضهم عندما كان داود ملكا عليها وسليمان وأبناؤه. ولأن دعاة الصهيونية يعلمون هذا فإنهم سعوا إلى إسقاط الخلافة حتى تختلط الأوراق وتروج دعايتهم الكاذبة وإن كانوا لا ينتظرون اقتناع العالم بما يقولون فقد هجروا وشردوا أهل فلسطين وأقاموا دولتهم على أرضهم وجعلوا يربون أبناءهم على هذه الأكاذيب التاريخية ومعها نصوص من التوراة المحرفة فيها أن الله تعالى أعطى هذه الأرض لإسرائيل، والله عز وجل لا يظلم شعبا بأكمله فينزع أرضه ويعطيها لغيره فهو عز وجل أحكم الحاكمين. إن كثرة الأفلام والأقلام التي سخرها اليهود لتزييف التاريخ لا تغير من الحقيقة شيئا ويمكن لليهود أن يدعوا لأنفسهم ما شاؤوا فهم يدعون أكثر من هذا، إنهم يدعون أن الرب أعطاهم الأرض كلها وهم في مشروعهم الصهيوني يسعون للسيادة على العالم وجعل البشر جميعا تحت أقدامهم والله تعالى قال: (والأرض وضعها للأنام) وقال سبحانه (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون). إننا أيها المسلمون أصحاب حق واليهودية دين وليست وطنا قوميا، وإذا كان اليهود حولوا دينهم إلى قومية وعنصرية فلن يكون ذلك على حسابنا وعلى حساب وحدتنا الترابية من المحيط إلى المحيط. لابد أن يكون هذا واضحا عندنا حتى لا نخدع بدعوى الحق الديني والحق التاريخي لليهود في فلسطين وبعد ذلك فمن قتل دون ماله فهو شهيد. إذا ذهبت الثوابت فلا تقف بنا المتغيرات عند حد وهذا هو الباب الذي يراد ولوجه في مهاوي التنازلات حتى يصير الحق باطلا والباطل حقا. فإذا أردنا الرجوع وجدنا خط الرجعة مقطوعا فلنتمسك بحقنا ولنلقنه للأجيال. ولكن أيها المسلمون ما واجبنا اتجاه حقنا الشرعي والتاريخي في فلسطين؟ يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور). هذه الآيات الكريمة إن نزلت أول مرة تأذن للمسلمين بعد الهجرة أن يقاتلوا من ظلمهم وأخرجهم من ديارهم بغير حق فإنها تنطبق على حال إخواننا في فلسطين فقد ظلموا أنواعا من الظلم، وأخرجوا من ديارهم بغير وزاد عدوهم الغاصب على إخراجهم سلب أموالهم وقتل رجالهم ونسائهم... أيها المسلمون إن ما يجري في فلسطين هذه الأيام هو حملة تصفية للمقاومة التي تقود الانتفاضة وخاصة كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى ولقد خاب بحمد الله تعالى سعيهم وفشل عملهم ففي خضم هجمتهم تتواصل العمليات الفدائية في القدس وحيفا ومعبرا يرتز وغيرها ليعلم شارون وحكومته المتطرفة أن ما تسميه الإرهاب وهو مقاومة مشروعة ضد الاحتلال سيستمر بل إن محاولتهم لإسقاط مخيم جنين باء هو الآخر بالفشل فقد صمد هذا المخيم لعشرة أيام وواجه عدد محدود من المقاتلين آلاف الجنود اليهود ومئات الآليات العسكرية، وصدق الله تعالى: (وإن الله على نصرهم لقدير). فقد طلبت دولة الصهاينة قبل أيام وقف إطلاق النار لتسحب قتلاها وجرحاها بعد أن نجح المجاهدون في نصب كمين لقواتها الغازية. إن شارون يريد القضاء على المقاومة بطريقته الخاصة، وقد استهدف السكان بدون تمييز، والصور التي تنقلها الشاشات التلفزية غنية عن أي تعليق يرمون أجساد الشهداء في المجاري ويهدمون البنايات على ساكنيها ويدفنون الشهداء في مقابر جماعية مجهولة... والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيها المسلمون ماذا يجب علينا لنصرة إخواننا في فلسطين؟ إن واجب الشعوب نلخصه في المطالب الآتية: 1 تجديد التوبة إلى الله تعالى ومراجعة كل مسلم لحاله ومحاسبته لنفسه وإصلاحه لشأنه فما وجد مت نقص كماله وما وجد من عيب قومه حتى نكون أهلا لنصرة الله تعالى وتكون استقامتنا عونا لإخواننا في جهادهم وهذا أول الجهاد رأس الأمر الإسلام هو الاستسلام لله تعالى وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد، وكما نتواصى بالتوبة والاستغفار عند حصول الجفاف وقلة المطر ونعد ذلك من البلاء الذي يرفع بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى، فإن تسلط العدو على بعض بلاد المسلمين من البلاء أيضا وما وقع بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة. 2 توحيد الصف وجمع الكلمة حول هذه القضية فهي قضية المسلمين جميعا وليست مجالا للتنازع والاختلاف، وحتى نوحد صفنا حولها لابد أن نكون متفقين على ثوابتها ومنها أن فلسطين أرض إسلامية وهي جزء من دار الإسلام ويجب أن تعود كما كانت لأكثر من ألف وأربعمائة عام واليهود لاحق لهم فيها وهم غاصبون معتدون اجتمعوا من أقطار الأرض وقتلوا وشردوا أهلها وحلوا مكانهم وأن المقاومة هي السبيل إلى تحريرها والمقاومة كلمة جامعة لأنواع الجهاد الذي يقهر المحتل ويدحره وأن يكون هذا الجهاد بأنواعه تحت راية الإسلام وأن يبتغى به وجه الله تعالى نصرة لدينه وإعلاء لكلمته (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز). 3 مواصلة التعبير عن الإدانة والشجب لما يجري من جرائم مبكل الوسائل الممكنة من مسيرات ومهرجانات ووقفات وبيانات حتى لا تخبو القضية أو تموت في النفوس، فهذه المسيرات التي عمت أنحاء العالم من الرباط إلى الخرطوم ومن روسيا إلى أمريكا جهاد إعلامي يعرف بالقضية ويلفت أنظار العالم إليها ويعبئ الجماهير لدعمها ويجعل الحكام أمام مسؤولياتهم ليقوموا بها ويفاصل بها بين العدو والصديق وبين الصادق والكاذب والمجاهد والمتخاذل وهي وحدها لا تكفي لكنها ذات دور سياسي وإعلامي مطلوب. 4 استشعار الجد واستصحاب روح الجهاد فمن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق. فالمسلم جاد في حياته ويعطي لنفسه من الراحة والاستجمام بقدر ما يتقوى على الجد الذي يطبع أيامه فالراحة في حياته مثل الملح في الطعام، فإذا نزلت بالأمة مثل هذه النوازل العصيبة زاد جده واهتم بما حل بأمته وعافت نفسه اللهو واللعب وكثرة الضحك فضلا عن الفجور والخلاعة والذنوب. إننا ننوه بالقرار الملكي القاضي بإلغاء الاحتفالات التي كانت ستصاحب زفافه تضامنا مع ما يعانيه إخواننا في فلسطين ونريد أن يعم هذا إعلامنا وتلفزتنا فتكف عن الأفلام الساقطة والبرامج التافهة وتنقل المشاهد إلى ما ينفعه. 5 مقاطعة البضائع الأمريكية والصهيونية وعلى رأسها الأفلام السينمائية والسجائر والمطاعم والكماليات التي لا حاجة إليها أولها بديل من بضائع محلية أو خارجية. ونحن نعلم أن الشركات اليهودية متنفذة ومتغلغلة في الاقتصاد العالمي إلى درجة يصعب معها مقاطعة جميعها ولكن الواجب علينا أن نفعل مافي وسعنا ولا معنى لجمع التبرعات للشعب الفلسطيني والاستمرار في شراء البضائع الأمريكية واستهلاك ثقافتهم إننا بذلك نعطي للفلسطينيين بيد ونعطي للصهاينة باليد الأخرى. 6 الدعم المالي وهو جهاد في سبيل الله، فمن جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا وهذا الدعم المالي يحقق هذين الغايتين فهو يجهز المجاهدين أو يخلفهم في أبنائهم وأزواجهم بخير. والزكاة تضع في هذا الباب لأن الله تعالى جعل من مصارفها الجهاد في سبيل الله. 7 الدعاء الصالح ولكن بقلوب موقنة بالإجابة مؤمنة بالنصر وقد وعد الله تعالى المؤمنين بالنصر (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) وأمرنا سبحانه أن نستنصره فعلينا أن نلزم باب الدعاء ونترصد أوقات الإجابة من السجود وفي جوف الليل الآخر وعند الصيام وعند التحام الجيشين. هذه بعض حقوق إخواننا علينا وليعلم كل واحد أن تحرير الأقصى هو تحرير للأمة الإسلامية وهو بداية قيام خلافتها التي صاغت منها والله سبحانه نسأل أن ينصر إخواننا إنه سميع مجيب. إعداد: الحبيب إسماعيلي