تشكل التنظيمات الحزبية أسا لبناء معالم الديمقراطية التمثيلية ومن ثمة تمكين المواطنات والمواطنين أولا وقبل كل شيء من تأطير حزبي سياسي يجعلهن ويجعلهم قادرين على التكوين في مجال الممارسة الديمقراطية لتدبير قضايا الشأن العام، ومن جهة ثانية في سن سياسات عمومية تتماشى وطموحات من ينتخبهم من عموم المواطنين من أجل تمثيلهم سواء أتعلق الأمر بالمؤسسة التشريعية ومن خلالها الحكومة على أساس الانتخابات التشريعية، أو بالجماعات الترابية من جهات، عمالات وأقاليم وجماعات عبر منصة انتخابات الجماعات الترابية. إن الرابط بين الأحزاب السياسية والمواطن يتجلى في نسقين اثنين يتضمنهما الفصل السابع من دستور المملكة المغربية الحالي لسنة 2011 ويتعلق الأمر بلازمة الاضطلاع بمهمة التأطير الحزبي عبر نسق أول قوامه جذب المواطن المغربي الى الانخراط في العمل السياسي الحزبي ونسق ثاني يتكون من أسين اثنين، يتعلق أولهما بتأطير مناضلات ومناضلي الأحزاب السياسية تأطيرًا يتلاءم والتشبع بثوابت الأمة وكذا اليات الحوار والتناظر المبني على المرجعية التاريخية والبنيوية للحزب، أما ثانيهما فيرتبط بنسبة تأثير الخطاب السياسي للأحزاب السياسية في الناخب. للمغرب نظام تعددي حزبي، عنوانه توسيع رقعة العمل السياسي الحزبي في تأطير المواطن المغربي ومن ثمة الارتقاء بطموحاته عبر بوابة المؤسسات، أحزاب يبلغ عددها ما يروب من ثلاثة وثلاثين حزبا ذات مرجعيات سياسية متنوعة، وهذا ما يدفعنا الى طرح اشكال عريض عنوانه ماهية تأثير الخطاب السياسي للأحزاب السياسية المغربية في اختيارات وطموحات المواطن المغربي المناضل الحزبي والناخب ؟. سؤال عريض ومتجذر بالنظر للعدد الكبير للأحزاب السياسية بالمغرب ومن جهة أخرى باستمرار تعاظم ظاهرة العزوف السياسي وخاصة لدى الشباب المغربي الذي يمثل أعلى نسبة في الهرم السكاني المغربي. وفي هذا السياق، لابد من التذكير بنسب المشاركة في الانتخابات بالمغرب، بحيث بلغت 50.18 بالمئة على المستوى الوطني، بزيادة طفيفة عن النسبة المسجلة في انتخابات 2016 وهي 43 في المئة، كما بلغت نسبة السكان الذين هم في سن التصويت خلال سنة 2021 ما يقرب من 25.226 مليون مغربي (مقابل 23,211 مليون في عام 2016، بفارق 2 مليون) وهو ما يمثل 69.5% من إجمالي سكان المغرب، وتشكل النساء أكثر من النصف بقليل (12,801 مليون و50.7%) , كما يتشكل هؤلاء الناخبون في الغالب من سكان المدن بعدد 16,683 مليون ويمثلون 66.1% من إجمالي الناخبين في عام 2021 في وقت لم تتجاوز نسبة المشاركة في انتخابات عام 2007، 34 في المئة، وهي أدنى نسبة في تاريخ المغرب. مقومات تؤكد أن هناك تطور لدينامية مشاركة المواطن المغربي في التعبير عن اختياراتهم عبر منصة الديمقراطية التمثيلية ولكن هل هناك مواكبة حقيقية من لدن الاحزاب السياسية لهذا التحول الجذري الذي يتعلق بارتفاع نسبي لمعدل المشاركة المواطنة وهل هذا التطور مبني على ثقة بين الناخب والمنتخب اللذين من المفروض أن يجمعهما قاسم البرنامج الانتخابي أمر أن الأمر متعلق بتنامي وعي المواطن المغربي الذي فطن إلى أن شروط المواطنة الكاملة تتعلق بممارسته لكل واجباته والتي نجد من بينها حق التصويت الذي يعتبر واجبا وطنيا واجب ينطلق من المعنوي أي القناعة إلى المعنوي أي الفعل أي الاختيار ثم التصويت عبر صناديق الاقتراع . إن حديثي عن تنامي ظاهرة العزوف السياسي ليس مجرد حكم قيمة وبالرغم من سرد تنامي مستوى المشاركة السياسة للمواطن المغربي، غير أن هذه المشاركة تبقى نسبية وكذا غير مكتملة المعالم وذلك مقارنة بعدد سكان المغرب من جهة وارتفاع نسبة سكان المدن مقارنة بالقرى. وفي هذا المضمار، ورغبة منا في بلوغ مطمح المواطن المغربي في تحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لا بد لنا أن نقول على أن معادلة إقران البلاغة الحزبية بلغة الاقناع قد أصبحت متطلبة في مشهدنا الحزبي والسياسي وذلك ارتباطا أولا وقبل كل شيء بما تعرفه المملكة من أوراش استراتيجية كبرى وكذا تأسيسا على تنامي التطور التكنلوجي المبني على سرعة التواصل والتناظر بين الفاعل السياسي والمواطن، وفي هذا الباب وغيرة من الكاتب على الوطن وليس جلدا للعمل الحزبي السياسي المغربي، أعتقد بأنه حان الوقت لكي نغير من نمطية الخطاب الحزبي السياسي ونطوره عبر إحداث ثورة فكرية بداخله تتخذ من مغرب العهد الجديد توجها راسخا بالنسبة اليها، مطامح يمكننا بلوغها عبر اعتماد مسار التواصل الحزبي المستمر والغير مرتبط بفترات الذروة الانتخابية وكذا خلق منصات الكترونية لتمكين المواطن المغربي وخاصة فئة الشباب من ربط قنوات اتصال مع مدبري قضايا الشأن العام، مناقشتهم في انشغالاتهم وطموحاتهم ومن ثمة تقديم الحلول الممكنة في إطار التنمية الممكنة . خيارات من بين أخرى لا يمكننا التغاضي عنها في ألفية العالم الأزرق التي اصبحت تحتوي المواطن المغربي أكثر مما تحتويه الاحزاب السياسية، ومن ثمة فالتكامل بين العالمين قد أصبح لازمة من أجل الارتقاء بالعمل الحزبي والسياسي المغربي، وهي أمور تأكدت نتائجها وبالملموس في انتخابات سنة 2021 والتي أعطت السبق لثلاث أحزاب اخترقت سيلا من فيض هذا العالم الجديد المتجدد عبر الزمكان. لذلك وجب القول بأن العمل الحزبي السياسي المغربي يجب عليه أن يأخذ بعين الاعتبار بأن 2021 لن تكون هي 2026 وذلك انطلاقا من السيرورة اللامتناهية التي أصبحت تعرفها المنظومة الانسانية والتي أصبحت تتطور في اتساق تام مع تطور مقومات العولمة في شقيها النظري والتطبيقي. وعلى أساس ذلك فالإقناع هي النتيجة الحتمية للبلاغة الحزبية التي يجب على الاحزاب السياسية أن تطورها عبر بوابة تكوين كفاءات حزبية قادرة على تشفير المطمح المواطن من جهة، وعلى ضمان استمرار نجاحها وهو أمر لا يمكن الوصول إليه من دون التغيير المتواصل لقنوات التواصل الحزبي الذي أصبح مطالبا بالبرهنة على بلوغ النتائج.