واقف على باب الزمن أسائله عن حالنا اهو مرض معدي ام وراثي ام انه تدجين انا حقا حائر ومتيقن، تائه ومهتد،جاهل ومدرك،نعم كلها متناقضات اجتمعت علي، وانا أحاول سبر غوائر هذا الأزمة التي كانت بالأمس القريب ولا زلت تعيش معنا أزهى ايامها. لكن اين هو هذا الورم؟ كيف نشأ؟ ومن زرعه، وما ترياقه، كل هذا سأحاول ان أجيب عنه في قراءة شخصية سأحاول فيها ان أقارب واسدد. إن المتفحص لحال المجتمع والسابر لغوائره لا بد حقا وأن تصيبه الحيرة في تأصيل لمفهوم الأزمة،أزمة أصابت جل المجتمع بالشلل وأفقدتهالتوازن وجعلته يترنح كلما أراد النهوض، غير أنه وبالرغم من ذلك يمكننا أن نرمق ورم هذه الأزمة ونصفه ولو بكلمات بسيطة نحاول من خلالها تشخيص الداء والبحث عن الدواء. لا يمكن ان ننكر أن للسياسة دورا كبيرا في صناعة المجتمع السليم، وذلك لما تمتلكه من ملكات تمنحها قوة التأثير والتأطير، والتي لن أُفصل في تحديدها لتعددها وتنوعها وتعقدها، وبهذا فهي المُضغة التي إذا صلحت صلح المجتمع كله وإذا فسدت فسد المجتمع كله، وبطبيعة الحال حال مغربنا الحبيب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء يتوسط الدائرة ويتمركز في نواتها، وهو ما يضعك في قالب من الحيرة ، فتارة ترى النور يبسط راحتيه على بساط هذا المجتمع وتارة أخرى تجد الصفعات تتولى حتى تفقد المجتمع وجهته السليمة، وتزج به نحو نفق الظلمة البيضاء، وبهذا فهذا العضو هو كل شيء لا نَفَس من دونه ولا خَفَقان في غيابه، الا أن قراءة مكونات هذا الوسط هي من تبعث على الحيرة وتجعلك تتوسط بدورك دائرة الحكم فعندما تبحث عن من يُطَعِّم نواة هذا الفريق المتعدد الخلفيات والمآرب، تجده انهنتاج للمجتمع فتصاب بالصدمة وتتساءل أيهما شكل الآخر؟ هل هذا ام هذا؟ غير ان الكرونولوجية التاريخية تؤكد على الإنسان التجأ الى الفكر السياسي كنتيجة اختيارية لتحضر ممارسته وعلاقاته الاجتماعية، والتي سعى فيها الى إيجاد صيغة توافقية لتأطيرها وتنظيمها عبر ممارسات سياسية قائمة على مبدأ اختيار تمثيلية معينة تُعنى بتدبير الشأن العام والمشترك، وبهذا فإرادة المجتمع هي التي صنعت المنطق السياسي، وكل تغير يصيب هاته الإرادة لا بد وأن ينعكس على نمط الممارسة السياسية، وعلى هذا الأساس فالمجتمع هو من يصنع السياسة وهو الآمر والناهي إن كان في وعيه، أما وإن كانت تطغى عليه أعراض الإرتباك فإن مجهوداته التوجيهية تتشتت ولا تؤتي أكلها، وكثيرا ما تترجم الى أساليب عشوائية بحثا عن واقع افضل، وهو ما لن يتأتى لأن الأساس هو كل شيء فإن كان هشا سينهار وإن كان صلبا قويا البنيان يشتد عظمه ويقوى عضده. وبناء على هذا الطرح فإن أصل الأزمة يكمن في المُصَدِّر وليس المستورد فالمدخلات هي أساس المخرجات،وعليه فلا داعي ان نعيب زمننا ونندب حضنا الضائع بين السياسيين، ولنكن أكثر واقعية وجرأة في الطرح ونسمي الأشياء بمسمياتها،حتى نستطيع الوقوف بثبات أمام نكبات الدهر عساها تزول، وإذا كنا أصلنا لمكان الخلل فلنشخص المرض الآن ولنعدد أعراضه وتأثيراته والمركبات التي أعطبها والتي أوقفت المحرك المجتمعي عن الإنتاج الفعال والمثمر. وان كان المتخصصون في علم الاجتماع يتفقون على اعتبار المجتمع جماعات من البشر تعيش في رقعة معينة لمدة زمنية مهمة تسمح له بتثبيت الروابط وتطويرها في إطار رؤية عامة تقتضي تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى مقومات الحياة، فإن مجتمعنا الآني قد وَرِثَ المقومات النفسية للمجتمع السليم، غير أنه بدأ يفقدها شيئا فشيئا ويفرط في سلاماتها الصحية ويضعفها، إلا أن التساؤل المطروح أي معيار ذاك الذي يتحكم في هذه السلامة ويؤثر فيها؟هنا سيعارضني كثيرٌ من الحداثيين وحجتهم في ذلك ترنيمة النموذج الغربي الذي أقام حضارته على أنقاض الإمبريالية التي سلبت خيرات الشعوب لتحيا هي في امان وبذلك تبقى حضارة معاقة، لكن بوصولها لهرم السلطة العالمية استطاعت ان تزرع منظومة مفاهيميةملفوفة بالوان بحسبها الجاهل جميلة، وتحت ظل العولمة والانفتاح والنمط الواحد استقبلها البعض ويعملون على بعثها في كينونة المجتمع التقليدي كما يسمونه، وبتغلغل المادية في المجتمع وارتفاع حجم الكماليات أصبح المجتمع يعيش حالة عطش دائم لا يشبع ولا يقنع يسأل دائما عن المزيد، وهو ما أودى به إلى تَشَتُت في الهدف وتنافس في الوصول واقتتال للحصول، وأصبحت لغة المادية عنوانا عريضا يطبع السلوك المجتمعي لهذا العصر وسقط بين أوحال الإشتراكية التي تُؤصل لمفهوم الصراع الطبقي والرأسمالية التي أسست لمفهوم الإنسان الآلة الذي ينافس بشراسة بعيدا عن الأخلاق والقيم، فأصبحت كلها مفاهيم تتصارع في الوعي الجمعي للمجتمع المغربي وبعثرت بِنْيَتَهُ الأصلية وأفقدتهحركِيَتَهُ المُتَزِنَة، ولا داعي لأن أُعَدِدَ مكامن هذا الاختلال لما لا تسمح له هذه الأسطر أو بالأحرى ثقافة القراءة في المجتمع المعاصر الذي يسابق مفهوم الزمن ليربحه، غير ان كل قارئ باستطاعته استرجاع شريط التسجيلات الذهنية ويحلل جُلَّ المواقف التي صادرها في حياته الاجتماعية ويقوم بتفكيكها وتحليلها ليحصل على خلاصة من الأكيد أنها تؤكد حالة الفوضى المجتمعية وان اختلف معي في التأصيل للسبب. وعلى هذا المنوال يمكن ان أخرج بخلاصة أساسية مفادها أن فقد المجتمع للقيم المُهَذِّبَة للسلوك مثل فقدان الحاسوب لبرنامجه التشغيلي، هذا الأخير رغم وجود جميع المكونات المادية إلا أنه يفقد قيمته الوظيفية بمجرد فقدانه لأهم عنصر يربط بين باقي العناصر ويكون لها بمثابة العُرف المعلوماتي إن شئنا القول، الذي يُبَرمج طبيعة العلاقات والوظائف الخاصة بكل عنصر وقِس على ذلك أيضا بالنسبة للمجتمع، وإن كنت أنا أيضا شرحت بالمادة فهذا لأن ماديي العصر لا يعترفون الا بلغتهم واضطررت لأشرح لهم "بخُشَيباتالإبتدائي" وهكذا فالمادة لا تساوي شيئا إن هي جردت من اللمسة الروحية التي تُهَذِّب النفس وتعطيها زينتها في رونقها الكلي . وان استطاع المجتمع ان يسترجع منظومة الأخلاق ولو بشكل تدريجي فحتما يقطع مع الأزمة قطعا كليا لأن الأساسات عمدة البنايات فالقيم تشحن النفوس في إطار الحس المشترك وفق هدف واحد يطبعه التعاون والتضامن وروح الجماعة والتي تصنع معالم الحضارة.