الدارجة المتلعثمة ؛ قميص مع ربطة عنق ونظرة منكسرة، كل ذلك داخل مشهد باهت لا يوحي للمتابع بأي تفوق: توابل ومظاهر تبرز بشكل واضح ان بنموسى لم يقدر على الصمود طويلا امام مدفعية الجميع (نقابات وتنسيقيات واحزاب سياسية ) لذالك فهو يسرع إلى إنقاذ ما تبقى من حياته السياسية،بالتزوير و الكذب والتدليس على نساء ورجال التعليم.. ظنا منه أنه سيجد التوقير والرفعة، الى مصاف رجال ونساء السياسة الشرفاء الذين يعتبرون أنفسهم من عيار خالص غير المخلوط بشوائب الأحزاب التي جاءتهم كقاصية الغنم تستجدي بقايا العشب الذي تكون الأولوية فيه لمن يزعمون أنهم خيول المخزن الأصيلة. اليوم سخر منك الجميع سيدي الوزير حينما خرجت الى الناس تشرح باسلوبك الرديئ عرضك التحفيزي عفوا (التحقيري) الذي يهدف إلى إقرار زيادة معتبرة في أجور العاملين بقطاع التعليم في حدود درهمين خاضعة للضريبة مقابل تصحيح أوراق الامتحانات ........ فطوبى لنا إذا بسياسيين يطلقون الكلام على عواهنه ولا يقدرون وقعه على شرائح حساسة من المجتمع، تتطلب التحفيز لإعادة الاعتبار لها . فالغضب الكبير الذي يعبر عنه رجال ونساء التعليم ليس لحظة شاردة وانما ثورة ولدت من رحم سياق سياسي واجتماعي، واحد، عنوانه الأساس؛ انسداد الأفق التغييري الذي سيؤدي إلى إصلاح التعليم عبر البنيات المؤسساتية التقليدية (أحزاب سياسية، مؤسسات رسمية، نقابات..) وفقدان الثقة فيها، وُلدت حملة التنسيق النقابي التعليمي رغم اختلاف وسائل وطرائق التعبير عندهم. ولكَوْن فاتورة التعبير عن الحنق من سياسات الدولة في التعليم والاحتجاج عليها -ولو سلميا- أصبحت غالية لهذه الدرجة، فقد أسست الشغيلة التعليمية لنفسها فضاء لا تشمله الإجراءات التقييدية للسلطة. فالتنسيقيات غدت مكانا مُفضلا للخطب السياسية الجماعية الموجهة ضد المسؤولين، حيث تعتبر الاشكال الاحتاجية التي تقوم بها هذه التنسيقيات وسيلة لبلورة شكل من أشكال المعارضة السياسية العصية عن التطويع والاحتواء بالأدوات الكلاسيكية التي درجت الدولة على استعمالها في ترويض الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية والنقابات والإتيان بها إلى بيت الولاء والطاعة. ففي التنسيقيات، حيث الجميع سواسية وفي غنى عن وسطاء لإبداء آرائهم والتعبير عن امتعاضهم من سياسة تدبير الشأن التربوي برمتها، لا وجود لمفاوضات ولا مطالب واضحة، غير المطالبة بثورة شاملة للإصلاح ورفع الظلم، أي تغيير الوضع القائم جذريا، هنا والآن. هكذا فهذه الأشكال التعبيرية المتفلتة بطبيعتها من رقابة السلطة وأدواتها الضبطية، ليست وليدة الصدفة. وإنما نتيجة تراكم أحاسيس عميقة بانعدام الثقة في المؤسسات وفقدان الأمل في المستقبل وموت الشغف بالحياة، تنامت في السنوات الأخيرة، على إثر الاغتيالات المعنوية للشغيلة التعليمية. إن إضراب "أيام 24،25,26" تعبير خالص عن وعي جمعي من طرف الشغيلة التعليمية بحدة أزمات غلاء المعيشة وعجز السياسات الحكومية عن مواكبة تنامي الحاجيات الاجتماعية لنساء ورجال التعليم وأشواقهم للحرية والديمقراطية. إن هذا الاضراب صرخة ثورية وموعظة سياسية في الآن ذاته، كلمات الاساتذة الغاضبة وعبرها المفيدة في الأهمية سواء. الذي يهمنا في كل هذا أن مهندس النموذج التنموي الجديد الذي باع كرامته السياسية رخيصة ،في مناقصة قهر وجلد الشغيلة التعليمية وجد نفسه معزولا بلا أم ولا أب و لا شهادة ميلاد .. رد بتصريح مهزوم يطلب فيه ود النقابات التي استغلها كاحتجاج خجول على إهانته من طرفها .. وكان حريا به لو كان معتداً بنفسه و منافحا حقيقيا عن أفكاره و مشروعه السياسي.. أن يرمي باستقالته على منضدة رئيس الحكومة المتغطرس الذي قال له ضمنيا .. أنت مهما وليناك من من مناصب بمزاجنا .. فلن تعدو أن تكون في نظرنا سوى صورة مهزوزة و لن تصبح أصلا في يوم من الأيام فبئس الرجال الذين يتذللون للجاه بحثا عن الرفعة في مستنقع المياه العكرة. * عبدالرحمان الداكي، إطار تربوي وباحث في سلك الدكتوراه