واضح أن قطاع التعليم يعيش مرحلة صعبة جدا، لربما لم يسبق لها مثيل في تاريخ المغرب، فالساحة التربوية على محك ساخن بعد صدور النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، هذا النظام الذي لم تتريث فيه الوزارة أثناء صدوره، فجاء في حلة زحفت على حقوق ومطالب الشغيلة التعليمية. فمعلوم عند العامة والخاصة لما يكتسيه العلم والتعلم من شرف ومنزلة، فحديثي لن يكون في هذا السياق، بقدر ما يكون في سياق رمتني بدائها وانسلت، بيد أن الحديث سيكون عن التخبطات التي يعيشها قطاع التعليم. بالمناسبة والمناسبة شرط، قد يقول قائل: ما علاقة مثل: رمتني بدائها وانسلت، بالتعليم؟ هناك علاقة وطيدة بين هذا وذاك، لأن وزارة التربية الوطنية وللأسف الشديد، دائما ترمي بدائها وأسقامها إلى الأساتذة والأستاذات، وتلصق التهمة بهم وهي صاحبتها، ولا تتحمل في كل ذلك مسؤولية اختياراتها الإصلاحية، أنا هنا لا أبرأ جهة معينة، فالكل مسؤول عن ما يعيشه التعليم من تخبطات، جميع المتدخلين فيه، ولكن قصدت وزارة التربية الوطنية لأنها تبرأ نفسها من التهمة، ولا تعترف بأخطائها وفشلها ولا تتحمل المسؤولية في ذلك. أقول إن المجتمعات المستنيرة والمحترمة لثقافتها وقيمها ومبادئها، تجعل من التعليم منطلق النهضة والرقي والتقدم، فتسخر كل طاقاتها ومواردها للتعليم، وتعتني به جملة وتفصيلا من جميع النواحي. والمتأمل في تاريخ البشرية على مر العصور، يرى مال التعليم من دور كبير في قيام الحضارات والمجتمعات، فمثلا على سبيل المثال لا الحصر نجد في العصر الذهبي للإسلام أسس في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد بيت الحكمة الذي يعتبر أول بيت علمية فكرية خلال ذلك العصر، وتخرج منها فلاسفة ومفكرين وشعراء...، وكذلك عصر النهضة الأوروبية الذي يعد حركة فكرية ثقافية بامتياز، انطلق من إيطاليا ثم أخذ في الانتشار إلى بقية أرجاء أوروبا، بفضله تخرج فلاسفة عظام أمثال ميكيافيلي وتوماس مور وغيرهم كثير. هذا عن المجتمعات التي تجعل السبيل نحو التنمية، والمحرك الأساسي للإبداع والإنتاجية هو التعليم، فماذا عن مجتمعنا المغربي الذي يجعل من الفن والرياضة ولست ضد هذا ضمن أولوياته، والتعليم جمرة محرقة تلقي بها في أيدي عديمي الضمير والمسؤولية، ولا تولي له أولوية وأهمية، فيا ترى ما السبب؟ الأسباب كثيرة والعلل جمة ليس المقام لبسط ذلك. وماذا عن وزارة التربية الوطنية المبدعة في الشعارات المنفردة بإخراج الإصلاحات، بعيدا عن استشارة أهل الخبرة التربوية والبيداغوجية والأخذ بآراءهم وتوجهاتهم، وما نلاحظه من تخبط وعشوائية وتقديم وتأخير في الإصلاح قطاع التعليم خير دليل على ذلك. ثم إن التعليم له فلسفة خاصة ولكن هؤلاء القوم لا يفقهون حديثا واحد من المجالات التي لا يدرك حقيقتها وكنهها إلا من عمل فيها وتدرج حتى عرف وخبر مشكلاتها، فأي سبيل لتطوير التعليم وإصلاحه لا ينبع من الوسط التربوي ضرب في عماية، لماذا؟ لأن من أمضى سنوات طويلة معلما أو مدير مدرسة أو مشرفا لو سألته عن وجهة نظره في التعليم، سيجيبك دون تردد إجابة كافية شافية، قد يكون هناك تباين لكنه حتما ليس بالكبير. إن المعلم (ة) والأستاذ (ة) ينبغي أن تشعره بأنه شريك أساسي في العملية التعليمية التعلمية، والبحث دائما عن آليات لتطوير مهاراته وقدراته وتحفيزه، والحفاظ على هيبته ومكانته لتبقى هيبة التعليم قوية في نفوس المتعلمين، أما ثقافة البصري لا تنفع في شيء كما يقول الأستاذ الكريم الحسن اللحية حفظه الله، فوزارة التربية الوطنية وللأسف الشديد نقولها وبكل أسى وتحصر لا تختار إلا هذه الثقافة، هذه أولوية لا يمكن تقديم كثير من الإصلاحيات أو الإضافات الشكلية عليها، من أجل هذا اعتبر ((جون ديوي)) المعلم الموجه والمرشد لطلابه في تعليم يعتمد على البحث والتجريب كثورة محتدمة على التعليم التلقيني الذي يصنع سوى نماذج مكررة. واختتم هذا بالقولة الشهيرة لابن خلدون: ((الأيام الصعبة تخرج رجال أقوياء، الرجال الأقوياء يصنعون الرخاء والترف، الرخاء يخرج رجال ضعفاء، الرجال الضعفاء يصنعون أيام صعبة))، تعليقا على هذا ينبغي أن يكون قبل ذلك الحكمة والتعقل والتريث والمجادلة بالتي هي احسن وعدم ردة الفعل، لصناعة الرخاء والترف.