للدم أهمية قصوى وبالغة جدا في حياة الإنسان، فهو يعتبر مادة حيوية لا يمكن تصنيعها، ولابد أن تأتي من الإنسان السليم صحيا للإنسان المريض المحتاج إليها للعلاج والحياة ، حيث يعتبر التبرع بالدم الوسيلة الوحيدة للحصول على ما يحتاجه العديد من المرضى، حسب تصنيف الفصائل الدموية المتعددة والتي تتنوع مابين الفصائل الدموية المتوفرة بكثرة والفصائل النادرة التي تنسب لنسبة ضئيلة من المواطنين والمواطنات، والمرتبط جدليا بالمتبرع و المستلم. وتعتبر فصيلة (Bombay Group) من أندر الفصائل الدموية في العالم، والتي تم اكتشافها وتصنيفها لأول مرة كفصيلة دم نادرة في مدينة بومباي في الهند، وأن حاملي هذه الفصيلة يعمدون إلى التبرع بدمائهم لدى فروع بنك الدم من أجل تخزينها لهم خصيصا، كرصيد احتياطي من الدم للاستفادة منه وقت حاجتهم إليه لعدم توافر هذه الفصيلة، و توجد بنسبة تراوح بين 1و3 لكل مليون نسمة، بحيث أنه على مستوى قارة أمريكا اللاتينية فقط، تم اكتشاف سبعة أشخاص فقط يحملون هذه الفصيلة، وان المريض الذي يحمل فصيلة دم "بومباي جروب" لا يقبل نقل الدم إليه مطلقاً سوى من الفصيلة نفسها بخلاف بعض الأشخاص الذين يحملون الفصائل الدموية النادرة الأخرى، حيث من الممكن أن تتقبل نقل الدم من فصيلة أخرى مع حدوث بعض الأعراض بسبب اختلاف فصيلة الدم، ويعود السبب في ذلك إلى أن نظام H في تحديد فصائل الدم يحتوي على نوعين من الجينات الأول H والذي يتواجد في فصيلة الدم O وهو الجين السائد ويفرز المستضاد (الأنتيجين)، والذي يتحد مع نوع معين من السكريات إلى المستضاد A في فصيلة الدم A وغيرها من الفصائل المعروفة، أما الجين الثاني H فهو الجين المتنحي ولكي يظهر يجب أن يتواجد في صورة HH لينتج عن ذلك ظهور فصيلة "بومباي" التي يرمز لها ب Oh، مضيفاً أنه باستخدام الطريقة الاعتيادية لتحديد فصيلة الدم يتم تصنيفها كفصيلة O وهي تتميز بوجود مضاد H في السيرم والذي يتفاعل بقوة مع خلايا الدم الحمراء لفصيلة الدم O ويسبب تخثرها ويعمل على درجة حرارة تراوح بين 4و37 درجة مئوية كما أنه يتفاعل مع الخلايا الحمراء في فصائل الدم A-B-AB بدرجة أقل. تنظم باستمرار حملات للتبرع بالدم و تتجدد الدعوات اليها بالمغرب، ويطلب من كل المواطنين القيام بذلك تطوعيا، ويفتح معها النقاش العمومي حول ثقافة التبرع بهاته المادة الحيوية، التي لا يمكن تصنيعها مطلقا، ويطرح أيضا في العمق دور الاعلام العمومي والخاص، و كذا آليات التحسيس والتوعية عبر السياسة التواصلية المنتهجة في هذا الاتجاه، والواقع أن بلادنا تعرف اليوم نقصا حادا في كميات الدم المتحصل علية من المتبرعين والمتبرعات من المواطنين والمواطنين، و الحاجة الماسة إلى انتظامية عملية التبرع باستمرار، إذ تظل النسبة المئوية بعيدة عن الرقم الذي تشترطه منظمة الصحة العالمية لتأمين حاجيات المرضى من هذه المادة الحيوية، حيث يجب أن لا تقل نسبة المتبرعين بالدم عن 5%من العدد الإجمالي للساكنة، و تعتبر المشتقات الدموية مصدر الحياة الوحيد والذي لا بديل له في الصيدليات لكثير من المرضى، وهذا ما يضاعف معاناة المرضى في الكثير من المدن المغربية ، ليضطر هؤلاء إلى البحث عن متبرعين لفائدتهم زيادة على المعاناة مع المرض حتى يحصلوا على الدم اللازم للعلاج و الاستمرار في الحياة. فلابد إذن من نهج يصل بنا إلى ثقافة للتبرع بالدم تكون سليمة وبعيدة عن كل المفاهيم الخاطئة التي تعيق قيم الواجب والتكافل الاجتماعي، حيث يمكن لأي طرف التحسين من أدائه من أجل رفع نسبة التبرع بالدم في مجتمعنا المغربي إلى نسبة تليق بما يحمله هذا الأخير من قيم إنسانية نبيلة، من مؤسسات حكومية وغير حكومية ومجتمع مدني حيوي وشريك أساسي في المنظومة الصحية. ومنه يفتح النقاش حول التطوع و قيمته الانسانية دون الارتباط بموعد محدد للتبرع بالدم بناء على طلب من مراكز تحاقن الدم ، أو عبر الحملات الوطنية المنظمة في هذا الاتجاه، إذ لابد من التحلي بالوعي الثقافي الذي من شانه أن يشجع على التبرع المستمر لفائدة المرضى ممن هم في حاجة ماسة للدم، وفق تصور إنساني هدفه حماية الأرواح وانقاد العديد من المرضى من الموت، يعكس أن التبرع بالدم سلوك اجتماعي وجمعوي لدى المواطن، مستمد من التحسيس بالقيمة المعنوية لذلك داخل المجتمع ارتباطا أيضا بالوازع الديني باعتبار التبرع صدقة جارية. فمن أهم المؤشرات البنيوية السليمة للتبرع، توفر عدد كبير من المتبرعين الطوعيين الذي لا يعلمون من سيستفيد من دماءهم، فهم الذين يتبرعون طوعا بدون وجود مريض مقرب منهم، و دون وجود أي ضغط عليهم للتبرع بالدم وعيا منهم بأنه واجب إنساني وديني، إذ يعتبر دمهم أكثر سلامة للمريض لأنهم يجيبون على أسئلة الطبيب بكل صدق و لا يتوخون منفعة عاجلة من وراء التبرع، وهنا بجدر الأمر بان تكون النسبة مرتفعة من هؤلاء المتبرعين حتى تتمكن جميع المدن من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي بنسبة 100% ، وهذا ليس بالأمر الصعب إذ تم الوصول إلى اعتماد آلية للتبرع المنتظم وفق عمل مشترك بين مراكز تحاقن الدم وجمعيات المجتمع المدني، مع توفير الإمكانيات اللوجستيكية لذلك، ليتم بهذا السلوك القضاء نهائيا على المتبرع التعويضى وما يسببه ذلك من مشاكل صحية باعتباره متبرعا من الأهل والأصدقاء لانقاد حياة قريبه، إذ يكون هناك شعوره بشيء من الأضطرار إما من أجل قريبه أو من أجل جني مقابل مادي من المريض، مما يجعله يضطر لإخفاء بعض الموانع التي تكون لديه عن الطبيب أثناء الفحص،فهو مصدر غير أمن، محفوف بخطر الأمراض المتنقلة عبر الدم، علما أن هذه الظاهرة غير صحية بالمرة رغم أنها ما زالت موجودة في اغلب المدن، حيث يمكن القضاء عليها من خلال تحسيس المواطنين للتوجه بانتظام إلى مراكز تحاقن الدم، لنصل إلى نسبة كبيرة للمتبرع المنتظم الذي يرتاد المركز على الأقل مرة واحدة في السنة، فهو المتبرع الأكثر أمنا للمريض، حيث أن حالته الصحية تكون مراقبة باستمرار في المركز ويكون على قدر مهم من الوعي بموانع التبرع بالدم. و يعتبر الدم علاجا حقيقا للكثير من المرضى من خلال مشتقاته الأساسية حيث أن الدم كسائل يتكون من:الكريات الحمراء التي تتجلى مهمتها في نقل الأوكسجين إلى الخلايا، والكريات البيضاء والتي يتمثل دورها الدفاع عن الجسم من أي خطر خارجي، ثم الصفائح الدموية التي تمنع تسرب الدم خارج العروق و لها دور فعال في تخثر الدم، فالبلازما كسائل تسبح فيه جميع الخلايا السالفة الذكر و يتكون من البروتينات بالإضافة إلى عوامل تخثر الدم ومواد أخرى، فيساهم كل ذلك حسب الحاجة في علاج فقر الدم المنجلي وفقر الدم للبحر الأبيض المتوسط، وفقر الصفائح الدموية وسرطان الدم أو اللوكيمياّ، و مرض الناعور ومرض فيلبرون، وحالات النزيف عند الولادة وغيرها و حالات عدم التوافق بين فصيلة دم الأم والطفل،وأمراض السرطان والحروق. أما بخصوص الفضل الذي يعود على المتبرع من الفوائد الصحية فيتمثل في تجديد كريات الدم عبر تنشيط عمل النخاع العظمي المسؤول عن إنتاج الخلايا الدموية وتسهيل سيولة الدم، و علاج بعض حالات الشقيقة، ورفع عوامل التخثر في الدم، وبالتالي المساهمة في علاج بعض حالات النزيف كالرعاف، القرحة...والوقاية من أمراض القلب، حيث ثبت أن الأشخاص المتبرعين بدمهم أقل عرضة لأمراض القلب، ومعنويا تتمثل الفائدة من التبرع في تخفيف الذات والتميزعبر الانخراط في عمل إنساني متميز يعد قمة مظاهر السخاء والعطاء، أما اجتماعيا تتكرس الفوائد بوجود متبرعين متطوعين ومنتظمين، حيث يضمن المجتمع لفئة المستفيدين من الدم أدنى شروط العيش الكريم ويجنبهم عناء البحث عن متبرعين لتعويضهم، مما قد يجعلهم عرضة لتجار الدم، إذ يعد التبرع بالدم تعبيرا عن أسمى قيم التكافل والتضامن الاجتماعي، كما أن تبرعا لا يتجاوز وقته نصف ساعة من عمر المتبرع قد يكون سببا في عمر طويل لثلاث أشخاص كصدقة جارية، من خلال المساهمة في علاج ثلاث حالات مرضية بواسطة عملية تبرع واحدة حيث أن كيس الدم الواحد يتم فصله إلى ثلاث أكياس (كيس الكريات الحمراء- كيس الصفائح – كيس البلازما ) ليستفيد كل مريض من المادة التي يحتاجها ، فبذلك يجني المتبرع بالدم عدة فوائد صحية ونفسية واجتماعية. إنه من الواجب الاجتماعي والصحي أن نتبرع وننشر ثقافة التبرع، على اعتبار انه خلال كل ثلاث ثوان هناك شخص يحتاج إلى نقل الدم، وواحد من كل عشرة مرضى يدخلون المستشفى في حاجة إلى نقل الدم، ودم متبرع واحد يمكن أن ينقذ ثلاثة أشخاص وليس شخصا واحدا في ظل عدم وجود أي بديل اصطناعي للدم ومشتقاته، كما أن المتبرع بالدم يستفيد صحيا من الحصول على نتائج فحوصات الدم الخاصة به كفصيلة الدم والكشف عن أمراض مثل: الزهري – السيدا – الالتهاب الكبدي من نوع ب و س، وهنا لابد من محاربة العديد من المفاهيم الخاطئة المتداولة وللأسف من قبيل لا أتبرع بدمي لأنه يباع ! ،أخاف من الأمراض المتنقلة !، أفضل الحجامة بالطريقة التقليدية على التبرع بالدم !، أخاف من نتائج التحاليل !،قد أصاب بفقر الدم !،لييس لدي الوقت لذلك: بمعنى أن التبرع بالدم لا يمكن أن يكون مهما لدرجة آن اجعله من أولوياتي فأجد له وقتا ولو مرة في السنة! ومن الجهات المؤثرة في العملية الصحية هاته، نجد المراكز الجهوية لتحاقن الدم تحت إشراف المركز الوطني لتحاقن الدم، وجمعيات المتبرعين بالدم تحت إشراف رابطة جمعيات المتبرعين بالدم، والمواطن المغربي بحمولته الثقافية الايجابية أو السلبية تجاه التبرع بالدم، فلكل جهة من هاته الجهات بصمتها على التبرع بالدم بالمغرب خاصة أن للمركز الوطني لتحاقن الدم استراتيجية في هذا المجال تم تطويرها مند سنة2011 بعد استقراء معمق لوضع التبرع بالدم في جميع المدن، لتجتهد جمعيات المتبرعين بالدم بالتنسيق مع مراكز تحاقن الدم في بعض المدن المغربية لتطوير أساليب التواصل مع المواطنين لإقناعهم بان التبرع بالدم مسؤولية الجميع. وبشكل عام تساهم الحملات المتنقلة المنظمة بين الجمعيات ومراكز تحاقن الدم الجهوية في المعاينة الطبية لأعداد كثيرة من المواطنين والمواطنات المتطوعين والمتطوعات للتبرع بالدم والوقوف عند أمراض مثل ارتفاع الضغط الدموي ... وحالات أخرى مرضية تم تقديم النصح بشأنها مما جعل حملات التبرع بالدم تكون أيضا محطات طبية للتوعية والإرشاد والتوجيه، وهو الدور الذي يعتبر حافزا للتبرع وتكرار العملية في كل الحملات المتنقلة وأيضا بالانتقال إلى المراكز الجهوية لتحاقن الدم، وهنا تجدر الإشارة أيضا إلى دور جمعيات ونقابات الأطباء والصيادلة و مراكز الهلال الأحمر المغربي في كل هاته المبادرات الصحية، بحيث بإمكانهم جميعا لعب أدوار جانبية مهمة تواكب عملية التبرع بالدم ، تتمثل في الكشف عن بعض الأمراض وتقديم النصائح الطبية و العلاجات الضرورية والإسعافات الأولية. إنها صورة لعمل تشاركي تكاملي متداخل بين أطراف عديدة، تمثل مختلف الجهات المؤثرة من مراكز مسؤولة، وجمعيات المجتمع المدني و وسائل الإعلام باشتغالها المشترك والدائم ستسهم كثيرا في دعم الاستراتيجية الصحية للوزارة الوصية من أجل توفير الدم بشكل دائم، من منظور التفكير والعمل المشترك لتصحيح الأوضاع السلبية للقطاع، ليتكرس بذلك التبرع بالدم عملا إنساني راقيا، ويكون قليل التكلفة، كثير النفع على فاعله و على المجتمع عامة، ويصبح سلوكا ثقافيا عاديا عند المغاربة كغيرهم من بعض شعوب العالم.