كشف تقرير أممي أن تقنين الاستعمال غير الطبي للقنب الهندي "الكيف"، أدى إلى زيادة استهلاكه، خاصة لدى فئة الشباب والمراهقين، كما أدى إلى ارتفاع المخاطر الصحية وحوادث السير، دون أن يقلل من النشاط الإجرامي. جاء ذلك في تقرير أصدرته الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لسنة 2022، توصلت جريدة "العمق" بنسخة منه، والذي تم تقديمه بمركز الأممالمتحدة للإعلام بالرباط، بحر الأسبوع المنصرم، من قبل البروفيسور جلال التوفيق جلال، عضو الهيئة. وبحسب تقرير الهيئة التي تعمل تحت يافطة للأمم المتحدة، فإن تقنين الاستعمال غير الطبي للقنب الهندي يؤدي إلى زيادة في استهلاكه، لا سيما في أوساط الشباب، وإلى إضعاف تصور المخاطر التي ينطوي عليها، كما أنه لا يقلل من النشاط الإجرامي. وأشار التقرير السنوي، انطلاقا من الأدلة الواردة من الولايات القضائية التي تم فيها تقنين استعمال القنب لأغراض ترفيهية، إلى ارتفاع استهلاك القنب وزيادة في الآثار الضارة بالصحة والاضطرابات الذهانية، وأثرا ضارا بالسلامة الطرقية. ويتعاطى القنب الهندي ما يقارب من 209 ملايين شخص، ما يشكل حوالي 4 في المائة من سكان العالم، وفق الأرقام الأممية لسنة 2020، مما يجعله المخدر غير المشروع الأكثر استعمالا في العالم. وأظهرت زراعة القنب اتجاها تصاعديا على مدى العقد الماضي، وارتفع عدد الأشخاص الذين يتعاطونه بنسبة 23 في المائة، وفق المصدر ذاته. وفي هذا الصدد، تتباين معدلات تعاطي القنب الهندي تباينا كبيرا حسب مناطق العالم، إذ تبلغ أعلى مستوياتها في أمريكا الشمالية وأوقيانوسيا وغرب إفريقيا. ارتفاع الاستهلاك ومخاطر الصحة تظهر البيانات التي أوردها تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لسنة 2022، أن أهم آثار تقنين القنب هو احتمال زيادة تعاطيه، خاصة بين الشباب. البيانات التي جُمعت في الولاياتالمتحدة، كشفت أن المراهقين والشباب يستهلكون قدرا أكبر بكثير في الولايات التي جرى فيها تقنين القنب، مقارنة بالولايات التي ظل فيها الاستعمال الترفيهي غير قانوني. وبخصوص الأشخاص الذين تفوق أعمارهم عن 12 سنة، فقد ارتفعت هذه الأرقام في صفوفهم من 16.5 في المائة إلى 24.5 في المائة في الولايات التي قننت القنب الهندي. وبحسب التقرير، فإن تزايد استعمال منتجات القنب الهندي وازدياد قوة مفعولها، يؤدي إلى آثار ضارة بالصحة ويشكل خطرا على صحة الأفراد من جميع الأعمار. ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية التي اعتمد التقرير عليها كنموذج بارز للآثار السلبية لتقنين القنب، ازدادت المشاكل الصحية المتعلقة بالقنب في جميع الولايات التي قننته. وبين عامي 2000 و2018، ارتفعت حالات الانخراط في البرامج العلاجية بسبب الارتهان للقنب الهندي والأعراض الانسحابية المتعلقة به، وذلك ثمانية أضعاف على مستوى العالم. كما ازدادت حالات الانخراط في البرامج العلاجية في جميع الولايات التي قننته، بسبب الاضطرابات الذهانية المرتبطة بالقنب، أكثر من أربعة أضعاف في جميع أنحاء العالم. وفي ولاية كولورادو، ارتفعت أعداد زيارات أقسام الطوارئ وحالات القبول في المستشفيات نتيجة للتعاطي المفرط للقنب، ارتفاعا كبيرا بعد اعتماد التقنين، كما ازدادت حالات مراجعة المستشفيات بسبب إصابات ناجمة عن حوادث متعلقة بالقنب، ب%30. حوادث السير والإجرام وكشفت استطلاعات الأثر المترتب على تقنين القنب في مجال السلامة على الطرق، أن هناك زيادة كبيرة في عدد الحوادث المميتة في ولايتي واشنطن وكولورادو بالولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد فتح مستوصفات القنب القانونية. وتظهر الأدلة الإحصائية من كولورادو أن نسبة السائقين الذين كانوا تحت تأثير القنب في جميع الوفيات الناجمة عن حوادث المرور، بلغت في عام 2020 ما يقارب ضعف ما كانت عليه في عام 2013. وكذلك ازداد تواثر مطالبات التأمين ضد التصادم بشكل كبير بعد تنفيذ التقنين في كولورادو وواشنطن وأوريغون مقارنة بالولايات المجاورة، وفق الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات. وفي نفس السياق، قال التقرير ذاته إن الهدف الرئيسي الذي سعت إليه الحكومات من خلال تقنين القنب كان هو تقليل الأنشطة الإجرامية، موضحة أن هذا الهدف لم يتحقق ولا تزال الأسواق غير القانونية تعمل. وأشارت البيانات إلى أن الأسواق غير القانونية لتوريد القنب ظلت تعمل في جميع الولايات القضائية التي نفذت التقنين، ووصلت إلى %40 في كنداء، ونحو %50 في أوروغواي، و%75 في كاليفورنيا. وأورد التقرير أنه كان لدى الحكومات التي شجعت تقنين القنب هدف هام آخر، وهو إحداث دخل ضريبي على استعمال القنب الهندي، وهو الهدف الذي لم يتحقق بالشكل المطلوب، كذلك. فعلى الرغم من أن الدخل الضريبي المتأتي من مبيعات القنب زاد عاما بعد عام في كنداوالولاياتالمتحدة، إلا أن الإيرادات الضربية كانت أقل مما كان متوقعا، إذا لم تشكل سوى %1 من الميزانية في الولايات التي نفذت التقنين. وفي هذا الإطار، تشير الهيئة إلى أن الهدف الذي سعت إليه بعض الحكومات من استخدام القنب كوسيلة لتحقيق زيادة في الإيرادات الضريبية، لم يتحقق من خلال التقنين. التقليل من مخاطره وكشف التقرير ذاته عن وجود أدلة تشير إلى أن ازدياد توافر منتجات القنب في الدول التي تجعل استهلاكه مشروعا، قد قلل من إدراك السكان لمخاطره. ويزيد من هذا الاتجاه ظهور أشكال جديدة من منتجات القنب مثل المنتجات الصالحة للأكل أو التي تدخن إلكترونيا وتسوق في عبوات جذابة بصريا، حيث يسهم كل ذلك في التقليل من شأن آثار تعاطي القنب في نظر الناس، خاصة الشباب. واعتبر التقرير أن هذا الاتجاه التطبيعي مع "الكيف"، أضعف التصور بأن تعاطي منتجات القنب قد يكون له آثار ضارة على الصحة وعلى عملية اتخاذ القرارات. ولكن البيانات أظهرت أن الاستعمال الإدماني للقنب يؤدي إلى آثار سلبية على الصحة، ولا سيما على النمو الإدراكي للشباب، مما يؤثر على نتائجهم التعليمية وسلوكياتهم الاجتماعية، يقول المصدر ذاته. وتشدد الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات على أن موقفها واضح جدا، وهو أن تقنين القنب الهندي لأغراض غير طبية يشكل انتهاكا لاتفاقيات المخدرات. سوق اقتصادي ضخم وفي سياق متصل، لفت التقرير إلى أن تقنين القنب الهندي أدى إلى إحداث سوق اقتصادية جديدة ذات إمكانات كبيرة للنمو وفرص الاستثمار. وكشف أن الشركات الكبيرة التي تهدف إلى توسيع أرباحها التجارية، تعمد إلى دخول مجال صناعة القنب وقد حشدت تأييدا من أجل رفع الضوابط عن القنب. كما تتطلع كثير من الشركات إلى التوسع في أسواق القنب الطبي والقنب المخصص للبالغين التي بدأت تظهر في جميع أنحاء العالم. وفي الولاياتالمتحدة، يمثل التوريد القانوني لمنتجات القنب أحد أسرع القطاعات نمواء، محققا مبيعات بقيمة 25 بليون دولار في عام 2021، بزيادة قدرها 43 في المائة عن عام 2020. "جاغجيت بافاديا"، رئسية الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، ترى أن تقنين القنب واستعماله للأغراض غير الطبية وغير العلمية ينتهك أحكام الاتفاقيات. وأوضحت المسؤولة الأممية، وفق التقرير ذاته، أن الدلائل تشير إلى أن تقنين القنب لم ينجح في ثني الشباب عن تعاطي منتجاته، وأن الأسواق غير المشروعة لا تزال قائمة. وقالت إنها تشعر بقلق خاص إزاء توسع أسواق صناعة القنب التي تسوق المنتجات القائمة على القنب بطرق تروق الشباب، وإزاء تقليل شأن الأضرار المرتبطة باستعمال منتجاته قوية المفعول. كما تشعر الهيئة بالقلق إزاء زراعة وإنتاج الأفيون على نطاق واسع في أفغانستان؛ حيث توجد حاجة ملحة إلى تحسين الوقاية والعلاج لجميع الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات؛ ولا سيما النساء. نماذج مختلفة يقول التقرير إن بعض الحكومات ليست متأكدة إذا كان ينبغي تصنيف القنب والمواد المرتبطة به على أنها ضارة، وما إذا كانت الضوابط المنصوص عليها في اتفاقيات مراقبة المخدرات لا تزال ذات أهمية فيما يتعلق باستعمال القنب. وأوضح أن تنوع النماذج التشريعية المختلفة من بلد إلى آخر، يجعل من الصعب تقييم أثر تغييرات تقنين القنب على المجتمع. كما أن الأدلة محدودة والبيانات المقدمة، ما تزال في الغالب أحدث من أن تمكن من التوصل إلى استنتاجات ذات مغزى، وفق الهيئة ذاتها. وبدأ الاتجاه نحو تقنين القنب رسميا من أجل التوريد والاستعمال للأغراض غير الطبية أول مرة في القارة الأمريكية، وهو الآن يترسخ في أورويا ومناطق أخرى. وعلى الرغم من أن عدد البلدان التي تقنن استعمال القنب لا يزال صغيراء، فإن المزيد من الحكومات تفكر في اتخاذ هذا المسار. ففي يونيو 2022، نشرت حكومة لكسومبورغ مشروع قانون يسمح للبالغين بزراعة ما يصل إلى أربع نبتات من القنب في المنزل لأغراض ترفيهية. وفي أكتوبر 2022، وضعت حكومة ألمانيا مخططا لقانون سينظم التوزيع المراقب للقنب على البالغين لأغراض ترفيهية في متاجر مرخصة. من ناحية أخرى، رفضت المحكمة الدستورية في إيطاليا، فبراير 2022، مقترحا بإجراء استفتاء لتقنين الزراعة الشخصية للقنب وغيره من النباتات ذات التأثير النفساني. يُشار إلى أن الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، هي هيئة رقابية مستقلة تعمل تحت يافطة للأمم المتحدة، وتُعنى برصد تنفيذ المعاهدات الدولية لمراقبة المخدرات، وقد أنشئت عام 1968 بمقتضى الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961. وتنشر الهيئة؛ استناداً إلى أنشطتها، تقريراً سنويًا تحيله عن طريق لجنة المخدرات، إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة. ويقدّم التقرير دراسةٌ استقصائية شاملة عن حالة مراقبة المخدرات في مختلف أنحاء العالم، وتحاول الهيئة بوصفها هيئة محايدة، تحديد الاتجاهات الخطيرة والتنبؤ بها، وتقترح التدابير التي يلزم اتخاذها.