حوالي الساعة التاسعة والربع صباحا من يوم الإثنين، انطلقت جلسة محاكمة بالقاعة 7 بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، كما اعتادت عليها بعض أسر المتقاضين، هي الجلسة ال21 من حيث العدد، التي يتغيب عنها المحامون، بسبب استمرارهم في الإضراب عن العمل، احتجاجا على "مستجدات ضريبية" وردت بمشروع قانون المالية لسنة 2023. خيبة أمل في بهو محكمة "كوماناف"، قبل الوصول إلى إحدى القاعات، يقف بضع محامين، في تجمعات صغيرة يتحدثون مع بعضهم البعض بصوت لا يكاد يسمع، وأعينهم على أبواب قاعات المحاكمات، للتأكد من عدم خرق أحد المحامين لقرار المقاطعة. امتلأت القاعة 7 عن آخرها بأسر المتهمين والضحايا، أغلبهم نساء، أمهات أو أخوات أو زوجات، بدأ الرئيس في نطق أرقام الملفات وأسماء المعنيين، الصمت ساد القاعة، يسمع فقط صوت الرئيس، وبعد كل مناداة عن رقم الملف وصاحبه، يتبعها قوله بأن "الملف جاهز، وسيتم تأخيره لجلسة 9 أو 23 يناير 2023′′، ومع كل تأخير تزيد تعابير خيبات الأمل تبرز على ملامح الحاضرين. احتضنت القاعة 7 إلى جانب هيئة الحكم التي تم تعيين رئيسها حديثا بعد إحالة الرئيس السابق على التقاعد، ممثل النيابة العامة وكاتب الضبط، وشاب عشريني مكلف بترتيب الملفات، يقابلهم على المقاعد، عائلات المتقاضين فقط، في غياب تام لأي محام، على غير العادة، كون هذه القاعة تعرف في الظروف العادية، حضور عدد كبير من المحامين في كل جلسة. هنا تجلس سيدة عجوز، على الجانب الأيسر من القاعة، يبدو أنها قدمت وحدها، جلست منعزلة تستمع بانتباه شديد لعل القاضي يذكر اسم ابنها، لتعرف ماذا تقرر في حقه، بعد لحظات سمعت اسم فلذة كبدها، وقفت مفزوعة، لا تكاد تفهم ما نطق به الرئيس، فتوجهت إليه في تردد وحذر، فسألها: "مالكي ألالة شنو خاصك"، فردت عليه أنا أم فلان، ليجيبها: "الملف تأجل إلى 23 يناير ألالة باش يكون حاضر المحامي ديال ولدك"، لتلف وتعود أدراجها قاصدة باب القاعة للخروج، وعلى ملامحها خيبة أمل وقهر الحسرة. في الجهة الأخرى، رجل متوسط العمر، بعد سماعه لاسم ابنه المعتقل بسجن عين السبع، وبعد تأكده من تاريخ الأجيل، خرج وهو يردد كلاما بينه وبين نفسه لا يُفهم منه حرف واحد، لكن الواضح أنه غاضب جدا، وعند الاقتراب منه، سألته، متى تأخر الملف، فأخبرني إلى نهاية شهر يناير، وبدأ في اتهام المحامين بسبب إضرابهم "بكونهم السبب في تأخير ملف ابنه المراهق المعتقل احتياطيا، على خلفية أحداث شغب كروي". وبينما غادرت أغلب عائلات المتقاضين القاعة 7، بعد تأخير الملفات إلى يناير المقبل، ظل بعضهم، مصرا على البقاء إلى حين انتهاء الجلسة لعلهم يسمعون خبرا مفرحا، بينما يستمر بعض المحامين خارج القاعة، في الترقب والتركيز مع أي شخص دخل من باب المحكمة، بالتأكد من هويته من يكون، متقاض أم محام سيخرق قرار المقاطعة. استمرار المقاطعة وبينما تراجعت بعض الهيئات، كهيئة الرباط عن قرار مقاطعة الجلسات، تستمر هيئة الدارالبيضاء في المقاطعة، للأسبوع الخامس، بدون أن تعلن عما توصلت إليه من مخرجات خلال اجتماع نقيب الهيئة الطاهر موافق، مع وزير العدل عبد اللطيف وهبي، بعد اجتماع انعقد إلى وقت متأخر من مساء أمس الأحد 4 دجنبر 2022. وحاولت "العمق"، الاستفسار عن مخرجات الاجتماع، إلا أن بعض المحامين أكدوا استمرار المقاطعة في جميع الأحوال، مشددين على أن أي خطوة ستتخذها الهيئة مستقبلا، سيعلن عنها مساء اليوم الاثنين، عقب اجتماع سيجمع النقيب بأعضاء الهيئة بالدارالبيضاء. في المقابل، عبر محامون آخرون، عن رغبتهم في استئناف العمل، خاصة بعد تأكيد الحكومة عن "خفض مبلغ الدفعة المقدمة على الحساب من 300 درهم إلى 100 درهم شاملة لجميع مراحل التقاضي"، و"استفادة المحامين الممارسين غير المتوفرين على تعريف ضريبي الذين يسجلون أنفسهم قبل31/12/2022 من عفو ضريبي عن السنوات الماضية"، و"إعفاء المسجلين الجدد لدى إدارة الضرائب من الدفع المقدم على الحساب والرسم المهني لمدة 05 سنوات و03 سنوات من الحد الأدنى للضريبة على الدخل". ووجه وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، دعوة رسمية، إلى نقيب هيئة المحامين بالدارالبيضاء، الطاهر موافق، وأعضاء مجلسه، لعقد اجتماع، مرّ الأحد 4 دجنبر 2022، بالنادي البحري "club nautique" بسلا، حيث قال وهبي لموافق في نص الدعوة، إنه يسهر على " تعزيز التواصل الدائم والبناء بين وزارة العدل وكافة نقابات هيئات المحامين بالمغرب، في كل الأمور ذات الصلة بمهنة المحاماة". ويعتبر إضراب محامي هيئة الدارالبيضاء، أطول إضراب، حيث شلت الهيئة، جميع المحاكم بالعاصمة الاقتصادية، للأسبوع الخامس، رافضة المستجدات الضريبية المنصوص عليها في مشروع قانون المالية برسم سنة 2023.