ما إن تشرق شمس تأهل أسود الأطلس للعب الإقصائيات النهائية من كأس أفريقيا، حتى يرتفع سقف تطلعات الجماهير الرياضية، وتلعب الشركات الاقتصادية على وتر الشغف الرياضي، ويبحث الإعلام المحلي عن تأمين النقل التلفزي، فيخرج المسؤول الرياضي مؤكدًا الجاهزية التامة لحصد اللقب، ليكتمل المسلسل بإقصاء مرير. متلازمة كروية تلاحق المنتخب المغربي عبر تعاقب الأجيال، ونبوغ الأسماء الرنانة التي تشكل العمود الفقري للتركيبة البشرية، ليصبح الأمر عدوى تلاحق الكرة الوطنية، على الرغم من الإمكانيات المرصودة والاستثمارات الرياضية المنجزة. فهل الإخفاقات المتكررة لعنة حظ أم غياب لحكامة رياضية؟ قد يتبادر إلى ذهن المشاهد الرياضي أن سيناريوهات الإقصاء تكاد تكون متشابهة، ومحكومة بالمنطق الكروي، لكن التكرار يفيد التأكيد، ذلك أن أعراض الإقصاء المتطابقة دليل على مرض مزمن تعاني منه الكرة الوطنية خاصة، والرياضة على وجه التعميم، بالنظر للمشاركات المتواضعة للمغرب في المحافل الأولمبية. وترجع أسباب الإخفاقات الكروية المغربية للعوامل التالية: . رياضيًا: يشهد المغرب تعطيلًا لأوراش كبرى متعلقة بتشجيع الاستثمار الرياضي (الشركات الرياضية)، مما يجعل مالية الفرق الرياضية رهينة بتدخل للجهاز الوصي، الشيء الذي يؤثر سلبًا على تنافسية الفرق الرياضية في أفريقيا، وإن كانت تبصم على مردود جيد. وبغياب الاستثمار الرياضي، فإن الاستقلالية المالية والإدارية للفرق الرياضية لا تكاد ترى النور؛ مما يجعل أي إنجاز رياضي للفرق أو المنتخبات، وليد مصادفة وليس بعمل هيكلي، على اعتبار أن تمركز السياسة الرياضية حول نجاح المنتخب، مؤشر على فقدان البوصلة، وخير مثال على ذلك أن تألق الأهلي والزمالك القاهريين مهد لتألق المنتخب المصري في أمم أفريقيا من 2006 إلى 2010. . تكوينيًا: عاش المغرب في العقد الأخير طفرة كبيرة على مستوى البنية التحتية الرياضية؛ مما ساهم في اكتساح ملاعب القرب لعدد مهم من المدن المغربية، غير أن الملاحظ، أن تطوير قاعدة الممارسين، تم بأفقية إدارية، بدل مأسسة الرياضة المدرسية والجامعية، وما لهذا التوجه من تأثير على مستوى تنمية الروح الانتصارية، بفعل التدخلات البيداغوجية المتوقعة (البيداغوجيا المؤسساتية)، كما يلاحظ غياب البعد الجهوي في تكوين الأطر الرياضية، وتعطيل أوراش أكاديميات النوادي الرياضية الكبرى، لتكون النتيجة المتوقعة: محدودية ممارسة النشاط الرياضي المهيكل. . إداريًا: ساهم «تسييس الرياضة» بالمغرب، في إغفال المسؤول الرياضي لأدق جزئيات الإدارة، والمتمثلة في تقسيم العمل، ومأسسة العمل على قواعد النجاعة، مع تعزيز استقلالية كل هيئة، وما تواجد رئيس الجامعة في مستودع ملابس منتخب المحليين قبل موقعة الجزائر إلا دليل على تداخل المشرفين والمقررين، كما تعرف الإدارة التقنية غياب مشروع مهيكل، للتوجهات الكبرى في مجالات التكوين والتأهيل، كما تخضع القرارات الرياضية للمزاجية (إقالة الزاكي نموذجًا)، وهو ما يستدعي أن يكون إدارة الكرة الوطنية من لدن أهل الاختصاص كخطوة أولى نحو الاحتراف. . تقنيًا: ساهمت سياسة «جبر الخواطر» في اختيار العناصر الوطنية، في تكبيد المنتخب إخفاقات، كما يخضع هذا الاختيار لمواقف شخصية (استبعاد زياش ومزراوي نموذجًا)، في غياب تام لرؤية تقنية، من شأنها تقديم الإضافة، ومدير رياضي، ممارس لمهام التنسيق والإشراف على المنتخبات الوطنية، ليكون المنتخب الوطني مجالًا خصبًا لرؤية الناخب الوطني وحده. . نفسيًا: يتشكل الرأسمال الرمزي للمنتخب الوطني من عراقة مونديالية مشهودة، وكأس أفريقية يتيمة، وهو ما يفسر غياب الروح الانتصارية لدى العناصر الوطنية، كما أن الأجواء الأفريقية تتسم بالانفعالية، وغياب الاحترافية الكاملة؛ مما قد يؤثر سلبًا على نفسية اللاعبين الممارسين بأعلى المستويات، بالنظر للمحيط الكروي، المفتقد لقواعد التنافس الرياضي السليم. على سبيل الختم يعد الإخفاق الكروي القاري، المسجل بالكاميرون، وقبله بقطر، نقطة في بحر التناقضات التدبيرية للمشهد الرياضي بالمغربي، ومؤشرًا واضحًا على غياب قيادة رياضية، قادرة على إكساب الروح الانتصارية، وتطوير قاعدة الممارسين، وهيكلة الإدارة التقنية، وتحقيق الاستقلالية الإدارية والمالية للنوادي الرياضية، فضلًا عن الانتصار لروح النزاهة والتنافس الرياضي الشريف.