فيلم " 200 متر " تحفة سينمائية عن فلسطين، عن عائلة قسمها إلى قسمين أو إلى عائلتين، الجدار العنصري الذي بنته إسرائيل منذ سنوات في الضفة الغربية لوقف الانتفاضة الفلسطينية. هي حكاية عن أب يعيش في منزل معزول عن أولاده وزوجته في مدينة طولكرم بعد أن رفض الحصول على الجنسية الإسرائيلية حتى لا يعترف بالاحتلال. لكن الأب ومن أجل الالتحاق بعائلته أو لزيارة ولده المريض يحتاج في كل مرة إلى ترخيص وإلى سعات ومسافات يقطعها عبر حواجز الأمن الإسرائيلية. كل طرف من العائلة يسكن إذن في منزل خاص به. والمثير هو أن المنزلين متقابلان يقعان على جانبي الجدار على بعد 200 متر فقط، بحيث أن أفراد العائلة يشاهدون بعضهم البعض عن بعد، ويتبادلون التحيات والقبلات عبر إشارات من أضواء ونوافذ المنزلين كل ليلة قبل النوم… لن أحكي القصة بكاملها. سيناريو وحوار من الدرجة الرفيعة (قد لا نجد كلمة واحدة زائدة أو ناقصة)، مع حضور بارز وقوي للممثل الرئيسي (علي سليمان في دور الأب). "يوميات اجتماعية عن فيلم عن السفر road movie يتميز بالفرادة وبالاضطهاد" حسب وصف جريدة لوموند الفرنسية. في حين شبهت مجلة "لوكوريي أنترنساسيونال" مغامرات البطل بحثا عن العمل وعن لقمة العيش برحلة "يوليس" اسم بطل الأسطورة الإغريقية الشهيرة صاحب الرحلات المليئة بالصعاب. الفيلم من إنتاج العام 2000 أي بداية فترة كوفيد 19. هل سمح له ذلك بانتشار أقل أو أكثر؟ رغم هذه الظرفية العالمية الخاصة، فقد استطاع الحصول على العديد من الجوائز العالمية من بينها جائزة الجمهور في مهرجان البندقية الإيطالي الشهير وعلى جوائز أخرى، لكنه أثار جدلا في أوساط الفلسطينيين المعارضين للتطبيع بعد أن شارك في مهرجانات إسرائيلية. وقد تم عرضه في أوروبا وفي الشاشات الفرنسية خلال الصيف الماضي. وقد وصل إلى المغرب في 2021 ليس إلى القاعات الكبرى ولكن تم عرضه قبل أسابيع في سينما النهضة بالرباط في إطار برنامج جمعية اللقاءات المتوسطية حول "السينما وحقوق الإنسان". هو أول فيلم طويل للمخرج الفلسطيني الشاب أمين نايفة. فيلم يحكي بإيقاع سريع عن "سردية الوجع الفلسطيني" حسب وصف جريدة "العربي الجديد" مستلهما قصصا واقعية عاشها المخرج. وقد تم تصويره بالكامل في الضفة الغربية في ظروف صعبة. هي متعة سينمائية لم أحصل على مثلها منذ فترة بسبب كوفيد 19. وقد كانت لذة النص السينمائي أفضل داخل قاعة سينمائية. حكاية بسيطة عن الحياة والعائلة والعمل في ظل الصراع الوجودي اليومي للفلسطينيين مع الاحتلال، أنصح كل عاشق للسينما والصورة بمشاهدتها، سواء في القاعة أو عبر الانترنيت، ولو أن القاعة تبقى أفضل. انتشرت سينما الهاتف لكنني أعتقد أن السينما متعة جماعية بالأساس.