إن أكبر التحديات التي ستواجه البشرية خلال القرن 21 هي تلك المرتبطة بتطور تقنيات العالم الرقمي والذكاء الصناعي وانصهار البيوتكنولوجيا في تكنولوجيا المعلوميات. فالشركات الكبرى للأنترنيت (مثل كوكل و مايكروسوفت و فايسبوك ) تسعى للسيطرة على كل مجالات حياة الكائن البشري عبر جعله مرتبطا بالذكاء الصناعي في كل مجالات حياته الشخصية و العملية. في ظل هذه الرغبة الجامحة لتطوير العالم الإفتراضي يبرز حلم إقامة "الميتافيرس" كبديل حقيقي للأنترنيت الحالي. الميتافيرس: من الأدب إلى التكنولوجيا إن مفهوم الميتافيرس المشكل من كلمتي "الميتا" (Meta) و "يونيفيرس" (Univers) أو الكون الفوقي هو مفهوم تم ذكره لأول مرة في رواية "الساموراي الإفتراضي" للكاتب الأمريكي نيل ستيفنسون المتخصص في أدب الخيال العلمي. و يهدف الميتافيرس كمفهوم تقني إلى نزع كل الحدود الموجودة في العالم المادي إلى أبعد مدى للتمكن من الوصول إلى انصهار حقيقي بين العالمين المادي و الإفتراضي مما سيشكل عالما رقميا جديدا يمكن أن يكون هو أنترنيت الغد. إن الميتافيرس كما يقدمه مهندسو وادي السليكون يهدف إلى المرور من أنترنيت ثنائي الأبعاد إلى واقع رقمي جديد ثلاثي الأبعاد. حيت سيكون بمقدورالمستخدم عبر صورته الرمزية « l'avatar » ربط علاقات داخل هذا الواقع الإفتراضي في ظروف شبيهة بتلك التي يوفرها العالم المادي الحسي. فالميتافيرس فضاء لا يمتلكه أحد و هو فضاء يتجاوز الحدود الجغرافية للدول بل و يتجاوز كل القوانين الوطنية و أشكال التنظيم الموجودة. إنه عالم قائم بذاته بعيد عن مراقبة الدول حيث يستطيع الفرد أن يعيش تجربته الخاصة في عالم موازي ويحس و ينقل أحاسيسه للمستخدمين الآخرين الذين يتعامل معهم. كما أنه يشكل منصة رقمية صالحة للإستخدام الشخصي أو للعمل عن بعد. وربما يبدو للبعض أن الوصول إلى تحقيق هذا العالم الإفتراضي الجديد بعيد المنال. لكن الحقيقة أن المسألة هي مسألة وقت فقط. فنحن لا نعلم حقا ما الذي يخفيه عنا مهندسو وادي السليكون. كما أننا لا نستطيع أن نتنبأ بالسرعة التي قد يتم حل المشاكل التقنية الحالية حتى تكون التكنلوجيا قادرة على نقل تجربة الحواس الخمس والأحاسيس والمشاعر بصفة متوازية بين المستخدمين. إن كل الظروف تبدو، اليوم، مواتية لإنشاء الميتافيرس أكثر من أي وقت آخر بفضل وجود بنية تحتية رقمية قوية وملائمة. كما أن جائحة كوفيد 19 قد دفعت قسرا إلى تسريع وثيرة رقمنة المجتمعات في جميع مجالات الحياة. بالإضافة إلى أن تطوير تقنية الجيل الخامس (5G) سيجعل صبيب الأنترنيت أكثر سرعة و قدرة على تبادل المعلومات. و حسب مكتب الدراسات IDC (INTERNATIONAL DATA CORPORATION) فإن الإستثمارات المالية المخصصة لتطوير البنية التحتية الرقمية على الصعيد العالمي ستصل خلال سنة 2021 إلى 718 مليار دولار و يتوقع أن تبلغ سنة 2025 مليار و 300 مليون دولار. اهتمام عالمي كبير: إن الميتافيرس كآلية إفتراضية جديدة يدخل في صلب اهتمام كبرى الشركات المتخصصة في الأنترنيت التي تخصص استثمارات مالية كبيرة لتطويره. بتاريخ 10 نونبر 2021 قامت شركة شركة يونيتي سوفتوير « Unity Software » المتخصصة في تطوير محركات تطوير ألعاب الفيديو بشراء شركة ويتا ديجيتال « WETA DIGITAL » المالكة للأستوديو المؤثرات الخاصة للمخرج بيتر جاكسون « PETER JACKSON » و ذلك سعيا منها لتطوير مستقبل عالم الميتافيرس. كما أنشات شركة روبلوكس « ROBLOX » عبارة عن منصة رقمية خاصة بألعاب الفيديو تمكن المستخدم بعد إنشاء حساب خاص و صورة رمزية من إنشاء عالم خاص به يتقاسمه مع المستخدمين الآخرين الذين يختارهم. هذه الشركة التي باعت خلال سنة 2021 أكثر من 40 مليون لعبة فيديو يستعمل خدماتها 42 مليون مستخدم يومي 67 في المائة منهم لا يتجاوز عمرهم 17 سنة . و قد قامت خلال فترة الحجر الصحي بتنظيم حفل موسيقي افتراضي للفنان ليناس حضره 30 مليون مستخدم. أما شركة فورتنيت لألعاب الفيديو فقد نظمت حفلات غنائية افتراضية للفنانين تريفيس سكوت و أريانا كرانذي. و قد أعلن مالكها تيم سويني عن تخصيص استثمارات مالية ضخمة لإنشاء عالم افتراضي. أشركة BMW للسيارات بدورها قامت بشراكة مع شركة نفيديا « NVIDIA » المتخصصة في الرقائق الإلكترونية بتطوير نسخة إفتراضية لمصانعها. و الصين هي الأخرى لن تخلف الموعد فقد بدأت شركات مثل تيك توك و علي بابا الإستثمار في الميتافيرس. كما أن شركة فايسبوك قد أعلنت مؤخرا عن تغيير اسمها إلى اسم "ميتا" في إشارة صريحة إلى الإستثمار في هذا الواقع الإفتراضي الجديد. ففايسبوك تسعى إلى التحول في غضون الخمس سنوات المقبلة إلى شركة ميتافيرس حقيقية. و قد أطلقت مؤخرا تطبيق « HORIZON WORKROOM » الذي يشكل آلية للعمل التشاركي. نفس الشركة كانت قد قامت منذ سنة 2014 بشراء شركة "أوكولوس" المتخصصة في صناعة الخودات الإلكترونية. كما أنها طورت مؤخرا بشراكة مع شركة "راي بان" للنظارات و العدسات نظارات إلكترونية للواقع الإفتراضي. عالم جديد بمخاطر جديدة إن العالم الإفتراضي الجديد الذي يبشر به عمالقة الأنترنيت لن يكون خاليا من المخاطر و يطرح معه إشكاليات و تحديات جديدة ترتبط أساسا باستغلال المعطيات الشخصية و الحفاظ عليها و الأمن السيبراني لمواجهة كل الهجمات الرقمية المحتملة. ففي عالم يستعمل فيه المستخدمون الميتافيرس لممارسة كل شؤون حياتهم الشخصية و العملية ستكون خوازميات الذكاء الصناعي أكثر تطورا من العقل البشري و بالتالي سيصيح الذكاء الصناعي هو المتحكم في كل القرارات الفردية من دراسة و تطبيب بل و حتى اختيار شريك الحياة بحكم أن الذكاء الصناعي سيعرفنا أحسن مما نعرف أنفسنا. كما أن المنصة الرقمية الجديدة لن تكون في منأى عن الهجومات السيبرانية التي تخطط لها مجموعات إجرامية مما يتطلب تطوير الأمن السيبراني. بالإضافة إلى أن تطوير الميتافيرس يتطلب استخداما مفرطا للطاقة مما يجعله في صلب الإنشغالات المرتبطة بالتغيرات المناخية و الإحتباس الحراري. * جمال الورديغي / دبلوم دراسات عليا في الإعلام والإتصال / االمعهد العالي للإعلام والإتصال بالرباط