سيُقبل المغرب بتاريخ 8 شتنبر 2021 على تنظيم الاستحقاقات الانتخابية التشريعية ثم الجماعية والجهوية في آن معا؛ وهي استحقاقات يعيشها المغرب بشكل متواتر كل 5 سنوات (بخصوص انتخابات أعضاء مجلس النواب) و6 سنوات (بخصوص أعضاء مجلس المستشارين) بهدف تجديد النخب السياسية التي تمثل المواطنات والمواطنين، سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد المحلي. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، هنا، في إطار علاقة الانتخابات بالمواطنين، يمكن صياغته وطرحه على الشكل الآتي: إلى أي حد، يعتبر المواطن المغربي – بكافة تلاوينه الثقافية وانتماءاته السياسية وشرائحه الاجتماعية – واعيا بمكانة ودور الاستحقاقات الانتخابية في حياته الخاصة والعامة من جهة، وتأثيرها البين على متطلباته وحاجياته اليومية من جهة أخرى؟ للإجابة عن التساؤل أعلاه، سوف نتطرق إلى ثلاث نقط أساسية، محورية، في علاقتها بسؤال الانتخابات عامة والمواطن المغربي خاصة. أولا، مكانة الانتخابات في الحياة السياسية العامة ترتبط الانتخابات دوما بالثقافة السياسية التي يتمتع بها المواطنون بمختلف مستوياتهم وشرائحهم الاجتماعية؛ ومتى كانت هذه الثقافة منعدمة، تظل الإنتخابات في مرتبة متدنية من اهتمامات المواطنين بصفة عامة. وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن الثقافة السياسية تستدعي توفر معرفة مسبقة وشاسعة بالانتخابات وأنواعها، فضلا عن طرق المشاركة فيها، قبل امتلاك الوعي الإدراكي بأهدافها وغاياتها القريبة أو المرتبطة بشكل أو بآخر بحياتنا الخاصة والعامة. ولذلك، تظل الانتخابات عصب كل نظام سياسي ودستوري في أي دولة مستقلة في العالم المعاصر؛ فمن خلالها، يمكن للمواطنات والمواطنين التعبير عن اختياراتهم الحرة والنزيهة، من خلال التصويت عبر صناديق الاقتراع – التي تتنافس الأحزاب خلالها – وفق طرق ومنهجيات تختلف باختلاف الأنظمة الانتخابية المتبناة أو باختلاف طبيعة الفصل المعتمد بين مختلف السلط من نظام سياسي إلى نظام آخر. وعليه، يمكن القول، ختاما، بأن مكانة الانتخابات في الحياة السياسية العامة، ترتبط بمقدار ثقافة الوعي السياسي والإدراكي الذي يمنحه المجتمع لمواطنيه، والذي يتجلى أغلبه في الفضاءات العامة المفتوحة للنقاش الحر والنزيه حول القضايا الوطنية الأساسية وعلى رأسها قضايا الانتخابات، فضلا عن دور مؤسسات التنشئة السياسية، في هذا الإطار، وعلى رأسها الأحزاب السياسية. لذلك، قد نتساءل: إلى أي حد تعكس الاختيارات الحرة للمواطنات والمواطنين أثناء التصويت، على من يمثلونهم في الانتخابات بصفة عامة، المشاركة المستقلة للمجتمع في تدبير شؤونه العامة؟ ثانيا، دور المواطنات والمواطنين في تدبير الشؤون العامة للمواطن عامة مكانة هامة وأساسية في مسار اتخاذ القرار السياسي، في مجال تدبير شؤونه العامة، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. غير أن هذه المساهمة، لا يمكن أن تظهر بشكل جلي إلا عبر ثلاث خطوات أساسية. – الخطوة الأولى، وتتعلق بدعم مشاركة المواطنات والمواطنين، في تدبير الشؤون العامة، من خلال تكوينهم السياسي فيما يخص طرق التدبير وآلياته وشروطه من جهة، وتشجيعهم على الانضمام إلى الأحزاب السياسية لتعلم كيفيات المساهمة في اتخاذ القرار الصحيح والصائب وسبل إيصاله إلى المعنيين بالأمر من جهة أخرى (ونقصد هنا، المسؤولين السياسيين مثل قادة الأحزاب السياسية، ونواب الأمة أو مستشاريها، فضلا عن الوزراء على المستوى المركزي بجانب ممثلي السلطة المركزية على المستوى المحلي) ؛ – الخطوة الثانية، يمكن أن تتخد طابع المشاركة المتميزة في كل استحقاق انتخابي عوض المقاطعة أو العزوف، مما قد يساهم في استغلال أصوات الغائبين والتلاعب بها لفائدة الأصوات المنافسة التي لا تخدم المصلحة العامة بقدر ما تهتم بمصالحها الخاصة. وعليه، تبقى عمليات التصويت الفعلي أهم طرق إبداء للرأي السياسي الحر والمسؤول حول ممثلي الأمة وبرامج أحزابهم الانتخابية (التي ترشحوا باسمها)؛ الأمر الذي سيحدد مدى إمكانية المساهمة في تدبير شؤونهم العامة، تبعا لاختياراتهم المسؤولة والواعية، من خلال المشاركة في العمليات السياسية عامة والانتخابية خاصة؛ فالتصويت حق مكتسب قبل أن يكون واجبا وطنيا أيضا؛ – الخطوة الثالثة، وتستهدف النخب السياسية الحاصلة على ثقة المنتخِبين بقصد مراقبة أعمالها ومتابعة تصرفاتها، فيما يخص القيام بأدوارها ومهامها السياسية المنصوص عليها دستوريا، تطبيقا للمبدأ القانوني: "ربط المسؤولية بالمحاسبة"! غير أن الإشكال المطروح، في هذه المرحلة، يتعلق بالسؤال الآتي: ما طبيعة العلاقة التي تجمع الانتخابات بالديمقراطية والحريات الأساسية وعلى رأسها الحريات السياسية؟ ثالثا، الانتخابات، الديمقراطية والحريات الأساسية تلعب الانتخابات والديمقراطية والحريات الأساسية دورا بارزا فيما يخص تقريب المواطنين من السياسة بصفة عامة والمساهمة في تدبير الشأن العام بصفة خاصة. إلا أن ما تجدر الإشارة إليه أولا، هو ما تمثله المفاهيم الثلاثة من عناصر تكامل، في إطار معادلة سياسية أشبه بالمعادلة الرياضية؛ بحيث أن تحقيق الديمقراطية عموما، لا يمكن بلوغه ما لم يتوفر لدى المواطنين شرطي الاختيار والتصرف الحرين في نفس الآن؛ وذلك، دون أي تدخل أو توجيه أو محاولة فرض اختيار محدد أو تصرف معين على مستوى الحياة السياسية للأفراد والجماعات. ولذلك، فالديمقراطية تتطلب – من جهة – اختيارا حرا ونزيها في التصويت على من يستطيع أن يمثل المجتمع وينوب عن المواطنين بكل جدارة واستحقاق؛ فضلا عن التصرف الواعي والحر الذي يمثل حق الشعب في التمتع بحياة سياسية هادئة وعادلة ثم منصفة، أساسها الحرية التامة في التعبير وإبداء الرأي في إطار مستقل تماما، دون مراقبين أو أوصياء. إذا، فالديمقراطية تساوي مجموع التصرفات والاختيارات الحرة غير المقيدة، سواء على مستوى التعبير أو على مستوى إبداء الرأي والرأي المخالف أو على مستوى تحديد الاختيارات العملية وفق المطالب والاحتياجات العامة. في الختام، يمكن القول بأنه لا ديمقراطية بدون انتخابات نزيهة وحرة، واختيارات واعية ومستقلة. وكلها، أشبه بمراحل لا يمكن تحققها ما لم يكن لدينا مواطنة ومواطن نزيه وحر وواع ومستقل. فكيف ينظر – بالفعل – المواطن المغربي إلى الانتخابات؟ وما هي تصوراته وتمثلاته بخصوصها؟ ربما الإجابات العميقة، تستدعي – أحيانا – أبحاثا ودراسات ميدانية عميقة أيضا. * أستاذ باحث في القانون العام، جامعة ابن زهر، أكادير.