يعرف الدكتور عبد الرحيم خالص، باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة، العزوف الانتخابي السياسي بأنه "فعل اختيار موجَّه بقناعات شخصية وذاتية، وبكل وعي وإرادة مسبقين لأحد الأفراد، أو لجماعة من الأفراد، المسجلين في اللوائح الانتخابية، من خلال مسارات قرارية وسلوكية". وأورد خالص، ضمن بحث له ورد بين دفتي كتاب صدر حديثا عن مركز تكامل، أن العزوف الانتخابي "قرار يُبديه الفرد، ويتخذه سواء عن اقتناع تام أو من دون أي اقتناع، لاسيما عندما يقرر عدم المشاركة السياسية الانتخابية يوم الاقتراع للتعبير عن اختيار محدد، وخارج أية ضغوطات أو تهديدات خارجية". وذهب الباحث إلى أن العزوف الانتخابي السياسي يفترض عدة شروط مجتمعة، ليمكن الحُكم على ظرفية معينة أو حالة فردية بالعزوف عن القيام بأمر ما، كالقيام باختيار حزب معين للتصويت من أجله ولصالحه، دون حزب آخر، أو عن العزوف التام عن المشاركة بصفة عامة بالتصويت في يوم الاقتراع. وسرد خالص عددا من هذه الشروط، من بينها "توفر اختيارات متعددة، تكون كلها مُتَّحِدَة حول نتيجة يتعين الوصول إليها أو هدف محدد يستوجب تحققه من خلال إحدى تلك الاختيارات، وأن يكون عرض تلك الاختيارات بشكل طبيعي، وغير مثير للشك، أو مشوب بعدم الوضوح". ومن الشروط الأخرى "ألا يكون أحد تلك الاختيارات مفروضا عليه قسرا أو تهديدا، بل يجب أن تخضع كل الاختيارات لرغبة الفرد دون أي تدخل خارجي كيفما كان في محاولة لفرض أي اختيار، علاوة على وجود إدراك بمختلف الاختيارات ووعي تام بحرية الاختيار". ومن الشروط التي تتيح الحكم على وضعية معنية بأنها عزوف انتخابي سياسي، كون الفرد مسجلا في اللوائح الانتخابية ولا يعيقه أي سبب يسحب منه الحق في الانتخاب والاختيار، ووجود هدف معين يفترض اتخاذ قرار الاختيار، ثم وجود سبب معين يفترض العزوف عن اتخاذ قرار الاختيار. وذهب خالص إلى أن العزوف الانتخابي السياسي "يعد مظهرا خاصا من مظاهر أزمة سياسية انتخابية متعلقة بالنسق السياسي خاصة، وبالمواطن السياسي عامة"، داعيا السلطات المسؤولة والإدارات العامة المعنية والمؤسسات التوعوية إلى "أن تعيد النظر في واقع الممارسة السياسية للانتخابات المغربية". وحث الباحث السلطات المعنية على التفكير في المواطن قبل أن تفكر في اللحظة الانتخابية ذات الطابع "الموسمي"، لكون العزوف يمكن أن يتطور من مشكل مرحلي إلى إشكالية بنيوية نسقية عامة؛ حيث "يتجاوز المجال السياسي إلى المجال الاجتماعي والتعليمي ثم إلى المجال العملي". وعاد الباحث إلى اقتراع الرابع من شتنبر 2015، وقال إنه "مناسبة وطنية للتعبير عن المواطنة السياسية التي تنادي بالتغيير، من خلال إعلان رغبتها في المشاركة في التنمية السياسية لجماعاتها الترابية"، مردفا أن "المشاركة الانتخابية تعَد الخطوة الأولى للمساهمة في التغيير السياسي". وأفاد خالص بأن الانتخابات الجماعية والمحلية ليوم 4 شتنبر الماضي تعتبر امتحانا للدولة ومؤسساتها السياسية، لاسيما السلطة السياسية ذات الطابع التنفيذي، "بغية إثبات حيادها في إقامة انتخابات نزيهة وحرة ثم شفافة، على أمل تحقيق الانتقال إلى الديمقراطية بصفة نهائية." واستطرد بأن الاستحقاقات التشريعية السابقة أثبتت من خلالها السلطة السياسية المركزية رغبتها الملحة وسعيها، من خلال تنمية الوعي السياسي والمعرفة السياسية لدى المواطنين، إلى محاولة استرجاع ثقتهم في السياسة عامة والانتخابات خاصة، رغبة في تجاوز العزوف الانتخابي في الانتخابات التشريعية لسنة 2007. وخلص خالص إلى أن اتخاذ قرار التصويت في اقتراع 04 شتنبر 2015، بنسبة "مرتفعة" نسبيا، هو "خطوة جريئة يخطوها المواطن السياسي المغربي في اتجاه ترسيخ مبدأ المشاركة السياسية كفعل انتخابي وطني واع ومسؤول، وله من الرسائل السياسية الموجهة إلى المعنيين بالأمر ما يجب أن يمتثل له كل المنتَخَبين".