رغم التطور الهائل الذي عرفته التكنولوجيا الحديثة خلال العشر سنوات الماضية، ورغم الآثار الإيجابية لذلك و التي نتج عنها تطورا ملحوظا على مستوى الفكر البشري عامة ومن ضمنه الفكر الانساني المغربي، لا زالت بعض الكائنات الانتخابية ببلادنا، تعتمد نفس الأدوات والأساليب العتيقة، والتي استنفذت دورها التحفيزي و انتهت مدة صلاحيتها، وهكذا وبمجرد الاعلان عن موعد الاستحقاقات المنتظرة في شهر شتنبر، و التي لم يعد يفصلنا عنها سوى أسابيع قليلة،حتى انطلقت الأيادي الفاسدة في استعمال المال الفاسد وتوزيعه على المستضعفين تحت مغلفات الخير وتقديم الصدقات ومساعدة المعوزين، وقد عرف هذا المال الفاسد تحركات خلال شهر رمضان تحت علامة "القفة" صنع في المغرب، وها هو مستمر اليوم بعباءة أضحية العيد أو جزء منها، أمام عيون المفترض فيهم منع ذلك والحرص على تطبيق القانون! لكن ما يثير الاستغراب هو أن الذي ينتهج هذه الأساليب البئيسة ويمارسها دون شعور بأي حرج، هم شباب من الجيل الذي ينبعث ب X و Y ، وهو طبعا كما يعرف الجميع الجيل المزدان مع الانترنيت، والذي يفترض فيه محاربة هذه الأساليب وليس الاعتماد عليها، ما معنى الاعتماد على هذه الأساليب؟ و كيف تفسير وجود زبناه لها؟ في اعتقادنا، هناك أمرين أساسيين يتحكمان في هذه الأساليب البئيسة : الأمر الأول يكمن في غياب التأطير الحزبي للمواطنين، وعدم التصاق هذه الأحزاب بهمومهم المواطنين والانصات لهم ومواكبتهم لتذليل الصعاب والعوائق. الأمر الثاني يكمن في غياب تطبيق القانون ومعاقبة المخالفين، وغض الطرف عن التجاوزات، والسماح لمشاريع المرشحين بالعبث بالقوانين وخرقها دون خوف من العقاب، وفي رأينا نعتبر هذا الصمت تجاه هذه الخروقات نوع من التشجيع على ذالك وتكريسه. أما تبرير ذلك بارتفاع نسبة الامية والجهل والفقر، ففي نظرنا ما كان ذلك يحدث أو حتى إمكانية التفكير فيه، لو تم الحرص على تطبيق وتنفيذ الأمران السابقان، ولنا في التجارب العالمية ما يضحض هذا التبرير، ويؤكد الأمرين المشار إليهما أعلاه، خذ مثلا الهند، التي تعم فيها الخرافة أكثر مما هي ببلادنا، وينتشر الجهل والامية والفقر بها أكثر بكثير مما هو عليه بلادنا، ولكن رغم ذلك تعتبر الهند من أعرق الديمقراطيات في العالم، ولا تنتشر فيها رشاوي الانتخابات كما هو ببلادنا، وحتى ان كانت فهي محدودة ومحصورة. لماذ إذن الأحزاب لا تقوم بدورها التأطيري، ببساطة لأن ذلك يخدمها ويوفر لها إمكانية بيع التزكيات للأعيان وذوي النفوذ المالي، لأنه بتأطير المواطنين وانتسابهم للحزب، سيكون لزاما على الحزب الاقتصار على تقديم المرشحين من المنتسبين اليه وليس من خارجه، وهنا لا بد أن نتساءل لماذا الدولة تقدم الدعم لهذه الأحزاب وهي لا تقوم بدورها التأطيري؟! والجواب على هذا السؤال هو أيضا أكثر بساطة من سابقه،يحدث ذلك لأن الدولة بدورها ليس من مصلحتها وجود أحزاب قوية ومستقلة! فهي تقدم ذلك الدعم لها، دون مراقبتها ولا محاسبتها ولا تتبعها لتظل ضعيفة. هذا بالنسبة للذين يسعون للحصول على مقاعد في المجالس المحلية أو البرلمان ولم يسبق لهم أن كانوا فيها، بينما المتواجدون فيها يعتمدون طرقا وأساليب أخرى، تختلف عن المشار اليها أعلاه في الشكل، ولكنها تتساوى معها في الجوهر، وهو توهيم الناخبين، وذلك في استغلالهم العديد من التجمعات البشرية، التي تتم هنا وهناك بهدف تكريم المتقاعدين من الموظفين بقطاعات مختلفة، وعلى رأسها رجال ونساء التعليم، كما يقودون التتويجات المتعلقة بفرق الأحياء أو البطولات الرياضية المحلية. والسؤال المفترض طرحه، هو أين كانت هذه الكائنات طيلة مدة انتدابها؟! ولماذا لم تف بوعودها حتى تكون مرتاحة البال وتحظى بطاقة الناخبين مرة أخرى؟ الظرف التاريخي لم يعد يقبل بمثل هؤلاء، وليس أمامنا سوى الجد والوفاء إن كنا فعلا نضع مصلحة الوطن والبلاد قبل كل المصالح.