وأخيرا اتضحت النوايا الحقيقية لحكومة بنكيران من تنزيل المرسومين المشؤومين المتعلقين بملف الأساتذة المتدربين من خلال اعتراف محمد الوفا ، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة، المكلف بالشؤون العامة والحكامة، بأن الحكومة لم يعد بمقدورها توفير حاجيات قطاعي التعليم والصحة ، وتحمل نفقاتهما معللا ذلك بتهديدات "داعش" حيث كشف في سياق اعترافه أنه منذ تنامي تهديدات "داعش" قبل ثلاث سنوات أصبح من اللازم توقيف الأقسام التعليمية والصحة من أجل توفير الاعتمادات للأمن، ناسيا أو متناسيا أن الامن الحقيقي الذي يحرس البلاد هو التعليم الجيد والقضاء على الأمية والجهل. وفي سياق متصل كشف الوفا بحسب يومية "الأخبار" في عددها المزدوج السبت/الأحد خلال افتتاح فعاليات الدورة الثانية للمعرض الدولي لصيادلة الجنوب، أن وزير الصحة الحسين الوردي دخل زوبعة كبيرة عندما أراد تحريك المياه الراكدة بقطاع الصحة، فبدأت تشن ضده الحروب من كل حدب وصوب، إلى درجة أن حياته وحياة أبنائه أصبحت مهددة؛ الشيء الذي دفع الحكومة إلى سحب ملف تصنيع الأدوية وترويجها من الوردي ووضعه بيد الوزيرين الوفا ومولاي حفيظ العلمي. تصريح الوفا ينطوي على حقائق خطيرة ويكشف زيف شعارات الاصلاح الرامية إلى تطوير جودة التعليم التي ظل بنكيران يرددها في دفاعه عن مرسوميه اللادستوريين..ويعكس قمة الوقاحة والحقارة التي تعامل بها بنكيران مع الشعب المغربي في شأن تمريرهما، ويثبت تورطه في التآمر على تخريب قطاع التعليم لأجل حرمان المغاربة من حقهم الكوني والدستوري في التعليم والحيلولة دون ولوجهم إلى المدرسة العمومية. حقيقة لأول مرة نسمع فيها أن إزالة تهديدات "داعش" يتم عبر توقيف التعليم العمومي وإقصاء أولاد الشعب من حقهم في التطبيب، ولا ندري هل تصريحات الوفا تندرج ضمن أراجيف بنكيران وديماغوجيته أم يحاول تبرير الجريمة التي تقوم بها حكومة بنكيران ضد قطاعي التعليم والصحة وتغليفها ببعد أمني، أم أنها تصريحات عفوية تنقل نوايا حكومة بنكيران في نسختها الأصلية. السيد الوفا إنسان مثقف ولا يمكن أن تنطلي عليه مثل هذه الاراجيف حتى ولو كانت صادرة على لسانه، ولا ندري كيف رضي لنفسه أن يتفوه بها، خاصة وأن الوفا يعي جيدا ويدرك أكثر من غيره بأن الكلام الذي تفوه به مردود عليه، ببساطة لأنه زج بنفسه بطريقة أو أخرى في استحمار واستغباء الشعب المغربي. ولا أعتقد أنه يخفى على السيد الوفا أن البيئة الخصبة الوحيدة التي تنتج الدواعش والجحوش والخنازير والمجرمين والظلاميين والعدميين هي الجهل والأمية والتخلف والفقر والحرمان ، وهو ما يعني أن عملية القضاء على التعليم العمومي وتوقيف الاقسام الدراسية والصحة تؤسس لوجود هذه البيئة الخصبة، وهذا الأمر له تفسير واحد ووحيد هو أن حكومة بنكيران مصرة على المضي في دفع ببلادنا ومستقبل أبنائها نحو المجهول، وهذا الاصرار لا يمكن أن تبريره إلا بواحدة من إثنين إما أن قوى خفية تمارس ضغطا دون لين أو هوادة على بنكيران للمضي في هذا الاتجاه أو أنه متخلف فكريا ولا يفقه شيئا في تدبير أمور البلاد، وفي كلتا الحالتين ينبغي أن يتحلى بالشجاعة السياسية لتقديم استقالته للحفاظ على سمعة حزبه.. أما إذا كان لا هذا ولا ذلك، فإن إصرار بنكيران على تخريب التعليم له تفسير ثالث ألا وهو تآمره على البلاد...ومن حقنا أن نخشى على بلادنا. الأمم التي تسعى إلى الرقي بمجتمعاتها والارتقاء بحياة شعوبها إلى نهضة مجتمعية حقيقية وإلى حياة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والسلم الاجتماعي والأمن الغذائي تركز كل جهودها وطاقاتها على تطوير منظومتيها التربوية والتعليمية والصحية وترصد لهما أعلى ميزانية وتشجع البحوث العلمية وتقدم كل أشكال الدعم المادي والمعنوي واللوجيستيكي والتقني للراغبين في إنشاء مراكز للبحث العلمي وتلزم مواطنيها بالتعليم الاجباري ... إلا أن حكومة بنكيران تعاكس هذا التوجه وتجعل من "العلم عار والجهل نور" شعارا لإصلاح المنظومة التعليمية والقضاء على تهديدات "داعش"، وهذا الأمر يطرح أكثر من علامة استفهام ؟؟؟؟ إذا كان الأديب الفرنسي "فيكتور هيغو" قال في كتاب البؤساء " من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن"، فإن حكومة بنكيران رفعت شعار " من يغلق باب مدرسة يقضي على تهديد داعش". وإذا كان الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا وصف التعليم بالسلاح الذي يمكننا استخدامه لتغيير العالم، فإن حكومة بنكيران تصفه بالبعبع الذي يهدد السلم. وإذا كان "إدوارد إفريت" قال مقولته الشهيرة في حق التعليم وأقر أن "التعليم يحرس البلاد أفضل من جيش منظم" فإن هذا التعليم في نظر حكومة بنكيران يزيد من تهديدات داعش. نقول لحكومة بنكيران إذا أردت تغيير المجتمع والارتقاء به إلى مصاف الدول المتقدمة ينبغي أولا أن تغيروا عقلياتكم لكي تغيروا العقليات السائدة فيه عن طريق التعليم والتثقيف والتهذيب وليس عن طريق صناعة التخلف والجهل والأمية، وعلى هذه الحكومة أن تعلم جيدا بأن التعليم هو بمثابة جواز سفرنا للمستقبل، لأن الغد هو ملك للذين يعدّون له اليوم ... فهل تعدون لأبناء الغد الجهل والتخلف والظلام؟ هل انطفأت مصابيح حزبكم وتحولت إلى ظلام دامس؟ إن استئصال تهديدات داعش وغيرها من "البعبعات" يمر عبر التفاعل مع انتظارات وتطلعات المواطنين والمواطنات ومصارحتهم من خلال تمكين المواطنين والمواطنات من حقوقهم الاساسية في الصحة الجيدة والتعليم الجيد والشغل والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروات. إن القضاء على أي تهديد مهما كان أصله ومنبعه يمر بالضرورة عبر انتشال أولاد الشعب من مخالب الجهل والتخلف والأمية والفقر والحرمان وليس بإدخالهم إلى دوامة الجهل والتخلف والبؤس والحرمان والضغط عليهم، ولا يخفى على أحد أن الضغط يولد الانفجار. إن تحرر الدولة من أعباء التعليم والصحة يعني أنها رضيت لنفسها الدخول في دوامة مجهولة بارتدادات قوية غير محسوبة النتائج ، مما سيسهّل على القوى الامبريالية ومؤسساتها المالية المفترسة التي تزين لها اليوم أعمالها ومشاريعها "الاصلاحية" في قطاعي التعليم والصحة، الانقضاض عليها بكل سهولة وتخريب ما تبقى بيدها من قطاعات سيادية وحساسة... وعلى حكومة بنكيران أن تدرك جيدا أنه بفضل العلم يمكن خلق الثروة ، وبفضل العلم والمعرفة يمكن التخلص من المديونية، وبفضل العلم يمكن خلق ثروات قادرة على تمويل ليس فقط حاجيات الأمن والمؤسسات الامنية بل يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الثروات والقضاء على البطالة وانتعاش الحركة الاقتصادية والعلمية والثقافية، وبفضل العلم والمعرفة يمكن تحصين مناعة المجتمع من الاختراق من طرف الدواعش وجحوشها، وبفضل العلم يمكن إبراز مكانة الدولة المغربية واستتباب أمنها القومي وتحصينه وتقوية مناعته.... وبفضل العلم يمكن أن نرتقي بمجتمعنا نحو اللحاق بركب الدول المتقدمة، وبفضل العلم لا يمكن لأي عدو مفترض أن يتجرأ على المس بثوابتنا الوطنية.. وبفضل العلم والمعرفة يمكن الاطمئنان على سلامة أمن واستقرار بلادنا والاطمئنان على مستقبلها.. وبفضل العلم يمكن القضاء على الأمراض الاجتماعية وتخليق الحياة العامة ودمقرطة المؤسسات وبث الوعي السياسي لدى عموم الناس. رئيس الفرع الاقليمي للمركز المغربي لحقوق الانسان بفاس