نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي يدعو إلى قتل الفلسطينيين البالغين بغزة    شرطي يطلق النار في بن سليمان    اتحاد طنجة يسقط أمام نهضة الزمامرة بثنائية نظيفة ويواصل تراجعه في الترتيب    انتخاب محمد انهناه كاتبا لحزب التقدم والاشتراكية بالحسيمة    المؤتمر الاستثنائي "للهيئة المغربية للمقاولات الصغرى" يجدد الثقة في رشيد الورديغي    صدمة كبرى.. زيدان يعود إلى التدريب ولكن بعيدًا عن ريال مدريد … !    بدء أشغال المؤتمر السابع للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية بالقاهرة بمشاركة المغرب    اختيار المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس يعكس جودة التعاون الثنائي (وزيرة الفلاحة الفرنسية)    حديقة المغرب الملكية في اليابان: رمز للثقافة والروابط العميقة بين البلدين    ألمانيا.. فوز المحافظين بالانتخابات التشريعية واليمين المتطرف يحقق اختراقا "تاريخيا"    تجار سوق بني مكادة يحتجون بعد حصر خسائرهم إثر الحريق الذي أتى على عشرات المحلات    الملك محمد السادس يهنئ سلطان بروناي دار السلام بمناسبة العيد الوطني لبلاده    نجوم الفن والإعلام يحتفون بالفيلم المغربي 'البطل' في دبي    المغربي أحمد زينون.. "صانع الأمل العربي" في نسختها الخامسة بفضل رسالته الإنسانية المُلهمة    الإمارات تكرم العمل الجمعوي بالمغرب .. وحاكم دبي يشجع "صناعة الأمل"    مصرع فتاتين وإصابة آخرين أحدهما من الحسيمة في حادثة سير بطنجة    إسرائيل تنشر فيديو اغتيال نصر الله    الكاتب بوعلام صنصال يبدأ إضرابًا مفتوحا عن الطعام احتجاجًا على سجنه في الجزائر.. ودعوات للإفراج الفوري عنه    انتخاب خالد الأجباري ضمن المكتب الوطني لنقابة الاتحاد المغربي للشغل    مودريتش وفينيسيوس يقودان ريال مدريد لإسقاط جيرونا    هذه هي تشكيلة الجيش الملكي لمواجهة الرجاء في "الكلاسيكو"    لقاء تواصلي بمدينة تاونات يناقش إكراهات قانون المالية 2025    أمن تمارة يوقف 3 أشخاص متورطين في نشر محتويات عنيفة على الإنترنت    تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس : الجمعية المغربية للصحافة الرياضية تنظم المؤتمر 87 للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية    المغرب في الصدارة مغاربيا و ضمن 50 دولة الأكثر تأثيرا في العالم    الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُهدد القدرات المعرفية للمستخدمين    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    المغرب ضمن الدول الأكثر تصديرا إلى أوكرانيا عبر "جمارك أوديسا"    نقابة تدعو للتحقيق في اختلالات معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة    رسالة مفتوحة إلى عبد السلام أحيزون    تقرير.. أزيد من ثلث المغاربة لايستطيعون تناول السمك بشكل يومي    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    عودة السمك المغربي تُنهي أزمة سبتة وتُنعش الأسواق    حماس تتهم إسرائيل بالتذرع بمراسم تسليم الأسرى "المهينة" لتعطيل الاتفاق    هل الحداثة ملك لأحد؟    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومتميزة في مكافحة الإرهاب    لقاء تواصلي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية ووفد صحفي مصري    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    متهم بالتهريب وغسيل الأموال.. توقيف فرنسي من أصول جزائرية بالدار البيضاء    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    رضا بلحيان يظهر لأول مرة مع لاتسيو في الدوري الإيطالي    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الوطنية والتنظير لمصطلح الإسلام الأمازيغي.. أية مقاربة فكرية وسياسية (3)
نشر في العمق المغربي يوم 06 - 05 - 2021

الفنون الامازيغية و دورها في احياء الاسلام الامازيغي بشكل عام
لقد كانت الفنون الامازيغية الاصيلة واحة لابراز قيم الامازيغيين الاسلامية من خلال المعمار الامازيغي الاسلامي و المنتشر في ارجاء شمال افريقيا و جنوب الصحراء الافريقية و اسبانيا الحالية حيث يسمى هذا التراث المعماري الضخم رسميا حتى اليوم بالتراث العربي الاسلامي او التراث الاندلسي الاسلامي ك ان اجدادنا الامازيغيين لم يفعلوا أي شيء طيلة 14 قرن الماضية سوى اشعال الفتن و المشاكل الخ.
ان الفنون الامازيغية الاصيلة هي تعبير سامي على عقلانية المجتمع الامازيغي بين التدين و ممارسة احدى هذه الفنون في القرى الامازيغية في اعيادنا الدينية او عند رجوع احدهم من الديار المقدسة او بمناسبة زفاف احدهم الخ بمعنى ان هذه الفنون تدخل في عاداتنا الاحتفالية بعد الحفل الديني الذي هو عبارة عن قراءة القران الكريم كما وجدناه لدى عائلاتنا منذ طفولتنا .
فن الروايس و دوره احياء الاسلام الامازيغي باختصار شديد
يشرفني ان اتحدث عن هذا المحور باختصار شديد باعتباري باحثا متواضعا في فن الروايس منذ سنة 2006 من خلال مقالات كتبتها و نشرتها في الانترنت داخل المغرب و خارجه و نشرتها في احدى الجرائد المحلية بمدينة اكادير حيث بدات الاستماع الي هذا الفن منذ طفولتي عبر اذاعة اكادير الجهوية سنة 1993 و عبر الاذاعة الامازيغية المركزية ابتداء من صيف 1996 .
و كما وجدت في بيتنا العديد من الاشرطة السمعية و البصرية للكثير من الروايس و الرايسات خصوصا الرايسة المناضلة فاطمة تاباعمرانت و الرايس الكبير احمد اوطالب المزوضي .
وعندما بلغت مرحلة الشباب الواعي بدات اكتشف مدى خدمة فن الروايس للدين الاسلامي، و اكتشفت مدى تهميش السلطة للفنون الامازيغية و اسهاماتها الضخمة في ترسيخ قيمنا الاسلامية.
قبل كل شيء لا بد من تحديث اصل هذا الفن لان فن الروايس ليس اقل شانا من الطرب الاندلسي الذي دخل الينا منذ سقوط اخر معاقل المسلمين بالاندلس عام 1492، بينما فن الروايس فن عريق في بلادنا لقرون غابرة حسب ما قاله الاستاذ الصافي علي مومن في احدى محاضراته سنة 1991 اثر تكريم الرايس المرحوم الحاج احمد امنتاك رحمه الله من طرف الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي. حيث قال الأستاذ ان الموسيقى الغنائية السوسية عريقة في التاريخ و لا يعرف بالضبط تاريخ بداية وجودها، و الارجح ان تكون من ابتداع اجداد سكان المنطقة الاصليين و هم حسب راي الاستاذ من الأمازيغ و من افارقة جنوب الصحراء.
أي ان فن الروايس هو الابن الشرعي لهذه الارض منذ قرون طويلة بينما الطرب الاندلسي التي تحتفي به الدولة و تعتني به ليس اصيلا على الاطلاق بل دخل الى المغرب اثر سقوط الاندلس و هجرة اهلها الى مدن فاس و سلا و الرباط حاملين معهم تراثهم المحترم هذا لان الفن بشكل عام هو وعاء نضع فيه قيمنا مهما كانت ابعادها الانسانية و الدينية و كذا الاجتماعية ….
و قد ساهمت ندرة المصادر و الابحاث في جهل الكثير من المغاربة بان فن الروايس له اسهامات قيمة و جوهرية في ترسيخ الدين الاسلامي و نشر ثقافة المقاومة ابان الفترة الاستعمارية ..
ان من الصعب ان اتحدث عن هذا الموضوع الطويل لكنني ساحاول الاختصار بقدر الامكان.
منذ عهد الشاعر و الفقيه سيدي حمو طالب مرورا بعهد الشاعر الكبير الحاج بلعيد و ربما قبلهما كان الدين الاسلامي حاضرا في قصائد الروايس بحكم عدة عوامل اولا ان المجتمع الامازيغي اغلبيته الساحقة تدين بالاسلام .
ثانيا ان اغلب الروايس تخرجوا او تعلموا في المدارس العتيقة كمؤسسات لنشر العلم الشرعي في منطقة سوس .
ثالثا ان المغرب في عهد الرايس الحاج بلعيد كان خاضعا للاحتلال الاجنبي فكان من الطبيعي ان يقاوم المسلمون هذا الوافد الجديد بالسلاح و الكلمة الهادفة و النابعة من شعور الناس الديني الخالص، بمعنى اننا لا نحتاج الى دروس تنطلق من السلفية الدينية لتشرح لنا كيفية الدفاع عن الدين وعن العرض و عن الوطن…
و هناك جانب عظيم في قصائد الروايس الدينية ألا و هو الارشاد و التعريف باركان الاسلام خصوصا ركن الحج، حيث ان هناك عدة قصائد تحمل اسم القصائد الحجازية التي تستحق البحث العميق من طرف باحثينا الشباب كما تستحق العناية من طرف الاعلام بمختلف وسائله السمعية البصرية باعتبارها تراثا مغربيا خالصا يعبر عن هويتنا الاسلامية.
و هذه القصائد تستحق ان تدمج ضمن المقررات الدراسية خصوصا في مادة التربية الاسلامية لاننا ظلنا نتعلم اشعار الاخرين و نجهل أو نتجاهل وجود هذا التراث الديني الامازيغي تحت ذريعة اكاذيب اعداء الامازيغية التاريخيين ..
و اضيف ان القصائد الحجازية تعد كنزا ثمينا و وثائق تاريخية و لها وظائف تستهدف شرح مناسك الحج بشكل تدقيق مثل قصيدة الحاج بلعيد و الحاج المهدي بن امبارك و الحاج عمر واهروش و الحاج محمد البنسير و الحاج الحسين امنتاك و الحاج احمد امنتاك و القائمة مازالت طويلة للغاية.
ان الحديث عن مدرسة الحاج بلعيد الاصيلة هو حديث طويل باعتبار ان هذا الرايس صادف ظروفا سياسية صعبة للغاية مثل وقوع المغرب في ايادي الاستعمارالاجنبي و انطلاق المقاومة المغربية من الجبال و من السهول منذ ما قبل التوقيع على عقد الحماية عام 1912 ، و ما أعقبه من ظهور بوادر ما يسمى بالحركة الوطنية سنة 1930 بعد قمع الاستعمار للمقاومة المسلحة للقبائل.
و هذه الظروف التاريخية هي ما جعلت مدرسة الرايس الحاج بلعيد تنفرد بخصوصيات يمكننا ان نسميها بمدرسة الأصالة المتشبتة بتقاليدنا الامازيغية الاسلامية، حيث انه حاول هذا الشاعرعبر قصائده ايصال و نشر رموز و معاني سامية من وحي مجتمعه المتشبث بالاسلام كدين و كاخلاق و كمبادئ . فكما هو معلوم، فالأمازيغ كيفوا نظامهم المجتمعي بما يراعي مقاصد الدين الاسلامي العليا و يراعي في نفس الوقت ضرورات العصر و أنظمة الأمازيغ الديمقراطية .
فالحاج بلعيد اسس مدرسته الفنية مما راكمه اجدادنا طيلة قرون من تشبثهم بالاسلام و اجتهادهم في جعله يتناسب مع سياقهم الاجتماعي و الثقافي.
و من هذا المنطلق اهتمت مدرسة الحاج بلعيد بالدين الاسلامي باعتباره انسانا متدينا و صوفيا كما أكده جل الباحثين، فقد كان يجالس علماء عهده كما قال الاستاذ محمد مستاوي في كتابه القيم..
كما انتقد احوال المجتمع الفرنسي الاخلاقية من خلال رحلته الشهيرة الى باريس كامازيغي مسلم، و له قصيدة في ذم للخمر و له قصيدة يصف فيها رحلته الحجازية و هي من قصائده الدينية الحاملة لارشاداته الهادفة الى الاسهام في زرع قيمنا الاسلامية المغربية في نفوس مجتمعه المتدين اصلا و في نفوس الاجيال القادمة، بمعنى ان الحاج بلعيد يمثل بالنسبة لي هرم الاغنية الدينية الامازيغية في ذلك الجيل الى جانب اسماء اخرى في فن الروايس، لأن "أمارك ن لدين" أي الاغنية الدينية لدى الروايس هي تعبير سامي لمدى اهتمام امازيغي الجنوب المغربي بالاسلام كمنظومة اخلاقية تم تاسيسها انطلاقا من الذات الهوياتية و ليس انطلاقا من المشرق العربي .
اذن اهتمام مدرسة الحاج بلعيد بالدين و بالوطنية ليس غريبا او مستغربا بل هو شيء طبيعي للغاية بحكم طبيعة هذا المجتمع المتدين و المعادي للاستعمار و قيمه التغريبية، مما سيجعل العاقل و المؤرخ يكذبان افكار اصحاب اكذوبة الظهيرالبربري في الصميم.
فالفنون الامازيغية عموما و فن الروايس خصوصا ساهمت في مقاومة الاستعمار من خلال الاستغلال الايجابي للشعور الديني لدى الناس ليعرفوا ان الاستعمار هو شيء غير مرغوب به في ارضنا الحرة، باعتبارهم مغاربة مسلمين عليهم الدفاع عن شرفهم و عن عرضهم دون انتظار اية نصائح او اية مشاريع ايديولوجية من قبل التيار السلفي المعادي اصلا لقيم الأمازيغ الحقيقية ..
و هناك نموذج آخر هو المرحوم الرايس عمر واهروش كفنان عاصر
عهد الحماية حيث دخل السجن بسبب وطنيته الصادقة من خلال قصيدته "الضابط " الشهيرة في اوائل الخمسينات التي دافع فيها عن استقلال البلاد مثل جل الروايس في تلك المرحلة.
ان الحاج عمر واهروش كان وفيا للشعر الاجتماعي خصوصا الدفاع عن اصالة المجتمع و اصالة المراة الامازيغية المتميزة بوقارها و جهادها من اجل بيتها و اولادها .. و هذه الاصالة لا تعني الجهل او الامية او الخضوع لسلطة دينية تمنعها من ممارسة حقوقها الاجتماعية و السياسية و الفنية..
و من بين ملامح شعر المرحوم الشاعر عمر واهروش، تركيزه على احياء الحكايات الامازيغية او الشعبية كما يحلو للبعض تسميتها بحسن النية او خدمة للايديولوجيات الدخيلة، لان الامازيغية اختزلت لفترة طويلة في اطار شعبي ضيق بينما الحقيقة انها ثقافة عريقة و أصيلة و في تفس الوقت تتبنى قيم الحداثة و المدنية.
و الرايس عمر واهروش استطاع ادراك اهمية الحفاظ على الحكايات الامازيغية باعتبارها تحكي تجارب الاوائل و لو بنوع من الخيال او استعمال بعض الحيوانات كرموز، و لعل حكاية حمو اونامير الشهيرة التي غناها هذا الشاعرتسير في اتجاه الخيال بما تحمله من الدروس و العبرالكثيرة..
يتميز شعر هذا الرايس الديني كونه غزيرا، يهتم بالارشاد و ترسيخ الانتماء الى الاسلام . و من بين قصائده الرائعة، قصيدته حول قصة وفاة رسولنا الاكرم عليه الصلاة و السلام و هذه الاخيرة تعبر عن اهتمام الروايس عامة و واهروش خاصة بتاريخنا الاسلامي، فهذه القصيدة تحكي عما جرى اثناء مرض النبي الاكرم و بعد انتقاله الى رب العالمين من حزن عم المدينة بفقدان صاحب الرسالة الخاتمة لكافة البشرية جمعاء على اختلاف هوياتهم الثقافية و الحضارية.
و اما بالنسبة للمرحوم الشاعر الحاج البنسير فان الحديث عن هذا الهرم من اهرام فن الروايس هو حديث طويل لان الحاج البنسير ترك تراثا غنيا بالدروس و المعاني يجعلنا نشعر بالفخر و الاعتزاز تجاه كل ما هو مغربي اصيل، استطاع ان يتعايش مع الثقافات الوافدة لمئات القرون دون ان يفقد هويته الثقافية ..
فالحاج البنسير اهتم كثيرا بالدين الاسلامي شأنه في ذلك شأن جل الروايس باعتبارهم يحملون ثقافة دينية اصيلة تعلموها في المدارس العتيقة و تعلموها من واقعهم الاجتماعي..
ان هذه الثقافة الدينية الاصيلة جعلت جل الروايس يجتهدون في ايصال رسالة الاسلام عبر قصائدهم الجميلة الى هذا الجمهور العريض و اغلبيته الساحقة لا تعرف اللغة العربية و الدارجة حتى خصوصا في البوادي..
ساعطيكم بعضا من الملامح عن قصائد الحاج البنسير الدينية، ففي موضوع حب الوطن كان يحرص على توعية الجالية المغربية المقيمة بالديار الاوربية بضرورة التمسك بهويتهم الاسلامية و الاستثمار في بلدهم الاصلي و اما بلد الغربة فله اصحابه …
اما موقف الشاعر "الحاج البنسير" من مظاهر الانحلال الاخلاقي فهو موقف صريح حيث نجده في قصيدته الشهيرة "اكرن" أي الدقيق التي أصدرها في اوائل الثمانينات و كان موضوعها الرئيسي هو انتقاد احوال المجتمع الاقتصادية و الاجتماعية و حتى الثقافية في وقت ضرب الجفاف البلد و عم الغلاء بالنسبة للفقراء و الهوامش.
و انتقد كذلك ظهور بعض المظاهرالمزيفة التي يراها في المدن، و التي لا تتناسب مع مفهوم الشرف او مع الاداب العامة، مما دفع المرحوم الى اسداء النصائح للشباب من اجل الزواج من بنات البادية حسب وجهة نظره الخاصة انطلاقا من سياقه الاجتماعي .
يتميز شعر الرايس الحاج لحسن اخطاب بعدة خصوصيات مثل النقد الاجتماعي تجاه المرأة بوجه خاص باعتبارها عنصرا هاما في مجتمعنا المغربي حيث انها تحتل مقام الشرف و العفاف كالام و كالاخت و كالزوجة..
و شعر هذا الرايس تجاه المراة هو محاولة لابراز نظرة المجتمع التقليدية اليها و المختزلة في الاهتمام بشؤون بيتها و طاعة الزوج خصوصا …
و مارس هو الرايس " لحسن اخطاب" شعر "تنضامت" اي الحوار الشعري مع عدد من الرايسات كان موضوعه الرئيسي هو الحياة الزوجية و مشاكلها العديدة كالزواج الفاشل ..
و كما يتطرق الى عدة محاور مرتبطة بالواقع الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع المغربي، بمعنى ان الروايس يحاولون ان يكونوا منابر لنشر التوعية و المعرفة حسب فهم فئات عريضة من هذا المجتمع التي لا تعرف قراءة الجرائد و لا تعرف اللغة العربية و اللغة الفرنسية باعتبارهما لغتي المدرسة و الاعلام في وقت من الاوقات..
و من الملاحظ ان معظم الروايس لهم قصائد التعريف بمناطق الجنوب المغربي من حيث الطبيعة و كرم السكان و الجمال ..
و من الملاحظ حرصهم على ابراز خصوصيات مناطقهم الثقافية و الدينية كالتبرك باولياء الله الصالحين و الشرفاء كما يقولون، و هذا يعكس ان الروايس مارسوا بقصد او بدونه وظيفة تقديس هؤلاء الاشخاص.
ان الرايس لحسن اخطاب له قصيدة جميلة رحل فيها الى ربوع الجنوب المغربي او "تميزار ن امازيغن" و قد استحضر فيها كل ما تتميز هذه الربوع من الطبيعة و كرم السكان و التبرك باولياء الله الصالحين و الشرفاء كما يقال ..
ان القصيدة الدينية لدى الروايس استطاعت التطرق الى الكثير من المحاور كمحور المراة في نطاق الدين حيث وجدنا نماذج كثيرة من الروايس و الرايسات حاولوا الاشتغال على هذا النطاق، منطلقين من ضرورة حفاظ المراة على اصالتها بمعنى الحجاب كرمز العفاف و الشرف في فترة تاريخية معينة من تاريخنا المعاصر..
لعل دور الرايسة الكبيرة فاطمة تاباعمرانت هو دور جوهري في الفن الامازيغي بشكل عام حيث انها تعاملت مع الغناء كرسالة نبيلة تستهدف نشر الوعي الاسلامي ببعده الواقعي و الرافض لاية وصاية من طرف حراس التقليد السلفي ببلادنا ببعده الوطني كالحركة الوطنية و ببعده الدخيل كالوهابية و الاخوانية
إن الوعي الاسلامي لدى تاباعمرانت ينطلق من هموم المجتمع الاخلاقية و الاجتماعية حيث يحاول تصحيح المسار و تعزيز مكانة المراة الامازيغية و جعلها تقوم بوظائفها الكاملة دون التخلي عن قيم المجتمع المحافظ بمعناها الايجابي بالنسبة لي .
و هذا لن يتحقق الا بمحاربة الجهل و الامية من خلال تشجيع تعليم الفتاة و المراة خصوصا في الوسط القروي ففي إحدى قصائدها الصادرة سنة 1999 شرحت لنا الواقع القائم في جل البوادي الأمازيغية وقتها حيث يترك اغلبية الرجال زوجاتهم في هذه البوادي و يذهبون الى عملهم داخل الوطن او خارجه، و قد يستغرق غيابهم عن زوجاتهم سنة او اقل من ذلك.
في الماضي كانت وسيلة التواصل بين هؤلاء هي الرسائل عن طريق البريد غير ان هناك مشكلة تتمثل في الزوجة التي لا تعرف القراءة و بالتالي فانها مجبرة للذهاب الى فقيه المسجد لمعرفة مضمون رسالة زوجها حيث ان هذه الرسالة قد تتضمن اسرار حياتهم الزوجية و اسرار البيت ..
و لهذا السبب دعت تاباعمرانت النساء الى تعلم القراءة انذاك من اجل الخروج من الجهل الى النور ثم انتقلت الى طرح الحل النهائي لأمية المرأة و هو أن يتم تعليمها بلغتها الأمازيغية كتابة و قراءة.
ان القيم الاسلامية في شعر تاباعمرانت الديني هي كثيرة مثل ذكر اسماء الله الحسنى و مدح خاتم الانبياء و المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ثم ترسيخ الانتماء الى الاسلام كدين اغلبية المغاربة منذ 14 قرنا و تشجيع الاجتهاد المساير لروح العصر و مع خصوصياتنا الهوياتية .
و من هذا المنطلق شنت فاطمة تاباعمرانت هجوما في قصيدتها الرائعة " بابا يوبا سنة 2006 على ما اتذكره حيال دعاة الفكر السلفي الدخيل علينا حيث وصفتهم دعاة التكفير و التحريم تجاه خصوصيات الثقافة الامازيغية الاسلامية كما اسميها من خلال محاربتهم لتقاليدنا و لمواسمنا الدينية او"انموكارن" ..
ان أي شعب في عالم اليوم لا يمكنه العيش بدون تراثه الثقافي و اللغوي امام العولمة الآتية من الغرب او من الشرق على حد السواء.
و تريد الشاعرة تاباعمرانت من خلال هذه القصيدة اخبارنا انذاك بان هناك خطرا حقيقيا مازال يهدد ثقافتنا الام تحت غطاء الدين الاسلامي الذي ظل وسيلة لقمع السؤال الامازيغي و تعريب المحيط بشكل قسري حيث وقتها لم تظهر ظاهرة فقهاء الاسلام السياسي بشكل قوي و فاحش في منطقة سوس الكبير كما هو الحال اليوم .
من خلال استجواباتها العديدة مع الاذاعات الوطنية او القنوات التلفزيونية عبرت فاطمة تاباعمرانت عن ارائها باسلوب راقي يظهر مدى وعيها الحضاري و الثقافي بمقارنة مع بعض الروايس الذين لا يحسنون الكلام خصوصا امام الكاميرا حيث ربما بسبب عامل السن او عامل امية بعضهم او عامل تهميش الروايس تلفزيونيا لعقود طويلة من الزمان.
و من بين اراء تاباعمرانت الشخصية رأيها حول ضرورة حفاظ الفنانات الامازيغيات على ملابسهن التقليدية لان مجتمعنا يتميز بنوع من الوقار و الاحترام و هذا الراي حسب نظري المتواضع ينطلق من قيمنا الاسلامية الداعية الى الستر و احترام الجمهور العريض الخ من هذه الضوابط الاخلاقية في مجتمعنا المحافظ اصلا .
و نستطيع القول ان مدرسة فاطمة تاباعمرانت الاصيلة لا تريد للفن الامازيغي ان يسلك طريق التمييع و غياب المضمون الشعري و الحامل لهموم المجتمع الحقيقية..
و هذا لا يعني ان تاباعمرانت ترفض فن المجموعات العصرية الامازيغية لكنها ترفض ان يتحول الفن الامازيغي الى فن تجاري و الى اشياء اخرى ستساهم دون شك في تشويه هذا الفن و نفي صفة الاصالة عنه ...
ان هذا المقال المتواضع هو على سبيل الاختصار بقدر الامكان لان الفنون الامازيغية الاصيلة من قبيل فن احواش و فن الروايس الخ من هذه الفنون هي واحة كبيرة للتدين و الارشاد الى قيم الخير و الجمال و ليس واحة للفساد و الفجور كما يحاول فقهاء الاسلام السياسي ترسيخه في عقول عامة الناس الان عبر مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تكوين وعي جمعي مناهض لهذه الفنون خصوصا و لهويتنا الام عموما .
للحديث بقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.