هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية، هكذا صدح بأعلى صوته في تونس الخضراء، ذلك الرجل الذي شاخ من أجل قدر استجاب، وانجلى معه الظلم والاستبداد الذي عمر لردح من الزمن. وبسواعد الشباب استطاعت تونس الانعتاق من أغلال نظام مستبد ديكتاتوري، كتم أنفاس شعبه لما يقارب ربع قرن. فر الظالم، وصدح شعب بأعلى صوته، إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، وردد معه شعب أخر بملئ فمه، أعطيني حريتي أطلق يدي... فنال ما أراد. لقد ثار بركان الشباب، وأحرق كل مستبد ومتلذذ بالسلطة، ولم يكن شباب المغرب في حالة شرود وفي خانة الاستثناء، بل اختاروا 20 فبراير تاريخا للاحتجاج ورفع يافطة ضد الفساد وأذنابه، والملكية البرلمانية والعدالة الاجتماعية. بعدها بأسبوعين تقريبا، سيلعن الملك وبالتحديد في التاسع من مارس، عن مراجعة دستورية شاملة، والبقية يعرفها القراء طبعا. في الذكرى الخامسة لحركة عشرين فبراير، لن أقول أنهم ظفروا بما خرجوا من أجله، فليس بالدستور يحيا الإنسان والمواطن، ويحقق ما يصبوا إليه. ومن السذاجة القول أن دستورا بمواصفات عالمية وبهندسة جيدة، ستصل أي دولة إلى مستوى الرفاه والعدالة الاجتماعية. ففي دولة تعاني من الفقر وانعدام أدنى ظروف العيش الكريم، واستشراء الفساد، وغياب الحرية... اختر لها ما شئت من الدساتير فلن تصل إلى دولة الرفاه، زد على أن الحكام يمكنهم أن يتحللوا منه في أي وقت. لا تعطيني دستورا، بل امنحني حرية وعدالة اجتماعية، وفصلا لسلط، ولقمة عيش. أعطيني حكومة صندوق، لا حكومة مخزن وتكنوقراط... هذا هو الشعار الذي ينقصنا اليوم. تونس دبجت لنفسها دستورا، لكنها ما زالت نسب الفقر والتهميش عالية. وكذلك في مصر أفرزت صناديق الاقتراع رئيسا منتخبا، فتم الانقلاب عليه وتم الرجوع إلى العهد القديم. بالمغرب أضحى رئيس الحكومة، رئيسا للمخزن، ومطبقا بالحرف دستور 1996، إن شئنا استعارة الأستاذ محمد الساسي. وتراجعت مؤشرات التنمية، وظلت أرقام البطالة تراوح مكانها، وامتلئ الفضاء العمومي احتجاجا على السياسات العمومية، وتقوى الفساد بعد قرار العفو عما سلف، وتم التطبيع مع القصر والمخزن، بدل التطبيع مع الشعب، لقد شهدنا في المغرب ردة دستوريا بكل المعاني. لذا لا تعطيني دستورا وأعطيني حرية...